المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16652 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (171-173) من سورة النساء  
  
7980   04:15 مساءً   التاريخ: 27-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


قال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء : 171-173] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

عاد سبحانه إلى حجاج أهل الكتاب فقال {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} قيل : إنه خطاب لليهود والنصارى ، عن الحسن ، قال : لأن النصارى غلت في المسيح ، فقالت : هو ابن الله ، وبعضهم قال : هو الله ، وبعضهم قال : هو ثالث ثلاثة : الأب ، والابن ، وروح القدس ، واليهود غلت فيه حتى قالوا ولد لغير رشدة (2) ، فالغلو لازم للفريقين . وقيل : للنصارى خاصة ، عن أبي علي ، وأبي مسلم ، وجماعة من المفسرين {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} أي : لا تفرطوا في دينكم ولا تجاوزوا الحق فيه {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} أي : قولوا إنه ، جل جلاله ، واحد لا شريك له ، ولا صاحبة ، ولا ولد ، ولا تقولوا في عيسى إنه ابن الله ، أو شبهه ، فإنه قول بغير الحق .

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ} وقد ذكرنا معناه . وقيل : سمي بذلك لأنه كان يمسح الأرض مشيا {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} : هذا بيان لقوله المسيح يعني : إنه ابن مريم ، لا ابن الله ، كما يزعمه النصارى ، ولا ابن أب ، كما تزعمه اليهود . {رَسُولُ اللَّهِ} أرسله الله إلى الخلق ، لا كما زعم الفرقتان المبطلتان {وَكَلِمَتُهُ} يعني أنه حصل بكلمته التي هي قوله كن ، عن الحسن ، وقتادة . وقيل : معناه أنه يهتدي به الخلق ، كما اهتدوا بكلام الله ووحيه ، عن أبي علي الجبائي . وقيل : معناه بشارة الله التي بشر بها مريم على لسان الملائكة ، كما قال : {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} وهو المراد بقوله {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} كما يقال ألقيت إليك كلمة حسنة أي : قلت .

وقيل : معنى {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} : خلقها في رحمها ، عن الجبائي {وَرُوحٌ مِنْهُ} فيه أقوال أحدها : إنه إنما سماه روحا ، لأنه حدث عن نفخة جبرائيل في درع مريم ، بأمر الله تعالى ، وإنما نسبه إليه ، لأنه كان بأمره . وقيل : إنما أضافه إلى نفسه تفخيما لشأنه ، كما قال : الصوم لي وأنا أجزي به . وقد يسمى النفخ روحا ، واستشهد على ذلك ببيت ذي الرمة ، يصف نارا :

فقلت له ارفعها إليك وأحيها                           بروحك ، واقتته لها قيتة قدرا

وظاهر لها من يابس الشخت ، واستعن (3)       عليه الصبا ، واجعل يديك لها سترا ومعنى أحيها بروحك أي : بنفخك . ويقال أقتت النار : إذا أطعمتها حطبا .

والثاني : إن المراد به : يحيي به الناس في دينهم ، كما يحيون بالأرواح ، عن الجبائي ، فيكون المعنى أنه جعله نبيا يقتدى به ، ويستن بسنته ، ويهتدى بهداه والثالث : إن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع ، أو نطفة كما جرت العادة بذلك ، عن أبي عبيدة والرابع : إن معناه ورحمة منه ، كما قال في موضع آخر {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أي : برحمة منه ، فجعل الله عيسى رحمة على من آمن به واتبعه ، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد والخامس : إن معناه روح من الله خلقها فصورها ، ثم أرسلها إلى مريم ، فدخلت في فيها ، فصيرها الله تعالى عيسى ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب . السادس : إن معنى الروح ها هنا جبرائيل عليه السلام ، فيكون عطفا على ما في ألقاها من ضمير ذكر الله ، وتقديره : ألقاها الله إلى مريم وروح منه أي : من الله أي جبرائيل ألقاها أيضا إليها .

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أمرهم الله بتصديقه ، والإقرار بوحدانيته ، وتصديق رسله ، فيما جاؤوا به من عنده ، وفيما أخبروهم به من أن الله سبحانه ، لا شريك له ، ولا صاحبة ، ولا ولد {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} هذا خطاب للنصارى أي : لا تقولوا إلهنا ثلاثة ، عن الزجاج . وقيل : هذا لا يصح لان النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة ، ولكنهم يقولون إله واحد ، ثلاثة أقانيم : أب ، وابن ، وروح القدس ، ومعناه : لا تقولوا الله ثلاثة : أب ، وابن ، وروح القدس . وقد شبهوا قولهم : جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، بقولنا : سراج واحد . ثم تقول ثلاثة أشياء : دهن ، وقطن ، ونار . وشمس واحدة : وإنما هي جسم ، وضوء ، وشعاع . وهذا غلط بعيد ، لأنا لا نعني بقولنا سراج واحد : إنه شيء واحد ، بل هو أشياء على الحقيقة ، وكذلك الشمس كما تقول عشرة واحدة ، وإنسان واحد ، ودار واحدة ، وإنما هي أشياء متغايرة ، فإن قالوا : إن الله شيء واحد ، وإله واحد حقيقة ، فقولهم ثلاثة متناقضة . وإن قالوا : إنه في الحقيقة أشياء مثل ما ذكرناه في الإنسان ، والسراج ، وغيرهما ، فقد تركوا القول بالتوحيد ، والتحقوا بالمشبهة ، وإلا فلا واسطة بين الأمرين {انْتَهَوْا} عن هذه المقالة الشنيعة أي : امتنعوا عنها {خَيْرًا لَكُمْ} أي : ائتوا بالانتهاء عن قولكم ، خيرا لكم مما تقولون {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي : ليس كما تقولون إنه ثالث ثلاثة ، لان من كان له ولد ، أو صاحبة ، لا يجوز أن يكون إلها معبودا ، ولكن الله الذي له الإلهية ، وتحق له العبادة ، إله واحد ، لا ولد له ، ولا شبه له ، ولا صاحبة له ، ولا شريك له .

ثم نزه سبحانه نفسه عما يقوله المبطلون فقال : {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ولفظة {سُبْحَانَهُ} تفيد التنزيه عما لا يليق به ، أي : هو منزه عن أن يكون له ولد {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ملكا ، وملكا ، وخلقا ، وهو يملكها ، وله التصرف فيها ، وفيما بينهما ، ومن جملة ذلك عيسى وأمه ، فكيف يكون المملوك والمخلوق ابنا للمالك ، والخالق؟ {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} أي : حسب ما في السماوات ، وما في الأرض ، بالله قيما ، ومدبرا ، ورازقا . وقيل : معناه وكفى بالله حافظا لأعمال العباد ، حتى يجازيهم عليها ، فهو تسلية للرسول ، ووعيد للقائلين فيه سبحانه ، بما لا يليق به .

{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء : 172-173] .

لما تقدم ذكر النصارى ، والحكاية عنهم في أمر المسيح ، عقبه سبحانه بالرد عليهم ، فقال : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ} أي : لن يأنف ، ولم يمتنع {الْمَسِيحُ} يعني عيسى عليه السلام من {أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} أي : ولا الملائكة المقربون يأنفون ، ويستكبرون عن الإقرار بعبوديته ، والإذعان له بذلك ، والمقربون الذين قربهم تعالى ، ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ} أي : من يأنف عن عبادته {وَيَسْتَكْبِرْ} أي : يتعظم بترك الإذعان لطاعته {فَسَيَحْشُرُهُمْ} أي : فسيبعثهم {إِلَيْهِ} يوم القيامة {جَمِيعًا} يجمعهم لموعدهم عنده . ومعنى قوله {إِلَيْهِ} : أي : إلى الموضع الذي لا يملك التصرف فيه سواه ، كما يقال صار أمر فلان إلى الأمير أي : لا يملكه غير الأمير ، ولا يراد بذلك المكان الذي فيه الأمير .

واستدل بهذه الآية من قال بأن الملائكة أفضل من الأنبياء ، قالوا : إن تأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب ، يقتضي تفضيلهم ، لان العادة لم تجر بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا ، ولا الحارس ، بل يقدم الأدون ، ويؤخر الأعظم ، فيقال : لن يستنكف الوزيران بفعل كذا ، ولا السلطان . وهذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء . وأجاب أصحابنا عن ذلك بأن قالوا : إنما أخر ذكر الملائكة ، عن ذكر المسيح ، لان جميع الملائكة أفضل ، وأكثر ثوابا من المسيح ، وهذا لا يقتضي أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح ، وإنما الخلاف في ذلك ، وأيضا فإنا وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، فإنا نقول ، مع قولنا بالتفاوت ، إنه لا تفاوت في الفضل بين الأنبياء والملائكة ، ومع التقارب والتداني ، يحسن أن يقدم ذكر الأفضل ، ألا ترى أنه يحسن أن يقال ما يستنكف الأمير فلان من كذا ، ولا الأمير فلان ، إذا كانا متساويين في المنزلة ، أو متقاربين ، وإنما لا يحسن أن يقال ما يستنكف الأمير فلان من كذا ، ولا الحارس ، لأجل التفاوت . {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} ويؤتيهم جزاء أعمالهم ، وعد الله الذين يقرون بوحدانيته ، ويعملون بطاعته ، أنه يوفيهم أجورهم ، ويؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة ، وافيا تاما {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي : يزيدهم على ما كان وعدهم به من الجزاء على أعمالهم الحسنة ، والثواب عليها ، من الفضل والزيادة ، ما لم يعرفهم مبلغه ، لأنه وعد على الحسنة عشر أمثالها من الثواب ، إلى سبعين ضعفا ، وإلى سبعمائة ، وإلى الأضعاف الكثيرة ، والزيادة على المثل ، تفضل من الله تعالى عليهم {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا} أي : أنفوا عن الإقرار بوحدانيته {وَاسْتَكْبَرُوا} أي : تعظموا عن الإذعان له بالطاعة والعبودية {فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أي : مؤلما موجعا {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} أي : ولا يجد المستنكفون المستكبرون لأنفسهم ، وليا ينجيهم من عذابه ، وناصرا ينقذهم من عقابه .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص247-251 .

2. الرشدة ضد الزنية .

3. الشخت : الحطب الدقيق .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :  

لا نعرف دينا أكّد وتشدد في عقيدة التوحيد كالإسلام ، فلا شبيه ولا ند للَّه ، ولا حلول ولا اتحاد { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } هذا هو الأساس الذي ترتكز عليه عقيدة الإسلام ، ومن الطريف قول من قال : « إذا كان اللَّه قادرا على كل شيء فينبغي أن يكون قادرا على أن يخلق إلها مثله ؟ . . ووجه الطرافة أو الغرابة في هذا القول انه يجمع بين صفة الخالق والمخلوق ، والعابد والمعبود في ذات واحدة ، وبديهة ان المخلوق لا يكون إلها خالقا . . اللهم إلا عند من قال :

ان في المسيح طبيعتين : لاهوتية وناسوتية . وتكلمنا عما قيل في السيد المسيح عند تفسير الآية 58 من سورة آل عمران ، وعن التوحيد ونفي الشريك والأقانيم الثلاثة عند تفسير الآية 50 من سورة النساء التي ما زلنا معها في التفسير ، وتكلمنا عن الغلو عند تفسير الآية 128 من سورة آل عمران ، ونعود ثانية إلى هذا الموضوع لقوله تعالى :

{ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } . قال كل من اليهود والنصارى قولا تجاوزوا فيه الحق . . فاليهود أنزلوه إلى الحضيض ، والنصارى رفعوه إلى الألوهية ، وقال المسلمون فيه ما قاله القرآن ، وهو قول وسط بين القولين ، وكان الخطاب في الآيات السابقة موجها إلى اليهود ، وهو في هذه الآيات موجه إلى النصارى بدليل قوله تعالى : { ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ } وهذا هو الغلو في الدين ، والقول على اللَّه بالباطل ، لأنه تعالى منزه عن الشريك والشبيه ، والحلول والاتحاد ، والولد والصاحبة .

 

القرآن والمبشرون بالتثليث :

{ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ } .

هذه هي حقيقة عيسى ، وبها قال المسلمون . . رسول اللَّه ، وكفى تماما كإبراهيم وموسى ومحمد وسائر الأنبياء . . ووقفنا مع المبشرين بالمسيحية في مكان سابق من هذا التفسير ، ونقف معهم الآن عند تفسير هذه الآية ، لأن لهم قصة معها ، ستعرفها مما يلي ، ونبدأ الحديث بالسؤال ، كعادتنا في إرادة الإيضاح ، ليمضي القارئ معنا إلى النهاية من غير سأم أو ملل .

سؤال : كيف يكون عيسى كغيره من الأنبياء ، وقد ولدوا جميعا من آبائهم ، وولد هو من غير أب خارقا لما هو مألوف ومعروف ؟ .

وتولى سبحانه بنفسه الإجابة عن هذا السؤال ، وأوجزه بهذا الإيجاز الرائع :

{ وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ } . ومعناه بضرب من الشرح والتفصيل ان قول النصارى : ولد عيسى من غير أب قول صحيح ، وصحيح أيضا قولهم : ان هذا يخالف المألوف . . ولكن الخطأ الجسيم في قولهم : ان هذه المخالفة دليل على ربوبية عيسى . . ووجه الخطأ انه لا ملازمة بين عدم الأبوة ، وبين وجود الربوبية ، وإلا فإنه يلزم ان يكون آدم ربا ، بل هو أولى بالربوبية من عيسى - على منطقهم - لأنه خلق من غير أب وأم ، وعيسى تولد من أمه مريم . . هذا ، إلى ان خرق العادات ليس بعزيز ، فقد كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم ، فينبغي أن يكون ربا ، لأن ما حصل مخالف للمألوف .

ثم هل يكثر على من خلق الكون العجيب من لا شيء ، خلقه بكلمة واحدة ، وهي ( كن فيكون ) ، هل يكثر عليه أن يخلق بهذه الكلمة رجلا من غير أب ؟ هل خلق عيسى ( عليه السلام ) أعظم من خلق السماوات والأرض ؟ : « لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ - 57 غافر » . . فكلمة ( كن فيكون ) هي نفس الكلمة التي أطلقها اللَّه على عبده عيسى في قوله : { وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ } ومعنى إلقائها إلى مريم ان اللَّه أعلمها على لسان ملائكته بهذا المولود : { إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهً يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة - 45 ] . فالكلمة هنا هي الكلمة هناك .

أما الروح التي نعت بها سبحانه عيسى في هذه الآية وغيرها فالمراد بها الحياة التي لا مصدر لها إلا هو جل ثناؤه ، وان اللَّه سبحانه قد وهبها لعيسى ، كما وهبها لطينة آدم : { إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [ص - 71 ] . فالروح في طينة آدم هي الروح في رحم مريم . فما يقال في تلك يقال في هذه ، والفرق تحكّم .

وحاول المبشرون من رجال الكنيسة أن يوهموا من لا علم له بالكتاب وأسرار اللغة ان قوله تعالى : { وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ } هو حجة لهم لا ردّ عليهم بعد أن فسروا كلمة اللَّه وروح اللَّه بالمعنى المساوي للَّه وصفاته ، لا بأثر من آثار قدرته وعظمته ، كما هو الحق . . ولو جاءت ( كلمة اللَّه وروح اللَّه ) في سياق آخر لحملنا المبشرين في تفسيرهم الخاطئ على غير المكر والخداع . . ولكن المبشرين قد انتزعوا الكلمتين - بسوء نية - من بين نهيين : أحدهما نهي عن الغلو في السيد المسيح ( عليه السلام ) ، وثانيهما نهي عن القول بالتثليث ، ونسبة الولد إليه تعالى ، ثم فسروا الكلمتين بما يتفق مع أغراضهم ومقاصدهم ، كما لو جاءتا في قاموس من قواميس اللغة . . ولا معنى لهذا إلا التدليس والتلبيس .

ونعيد الآية بمجموعها احترازا من غفلة القارئ عنها : { يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ وكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا } .

فهل بعد هذا النص مبرر لتفسير كلمة اللَّه وروح اللَّه بذاته وصفاته ؟ بل لا مبرر لهذا التفسير ، حتى ولو جاءت الكلمتان في القرآن منفردتين مستقلتين ، لا يسوغ هذا التفسير بوجه من الوجوه ، مع نسبتهما إلى القرآن الذي قال بلسان مبين : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهً ثالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة - 73 ] . أبعد هذا التكفير الصريح يقال : ان القرآن يؤيد النصارى في قولهم : المسيح هو اللَّه ، أو ابن اللَّه ، أو فيه صفة من صفات اللَّه ؟ وإذا كان القرآن حجة في بعض آياته أو كلماته فيجب أن يكون حجة أيضا في قوله : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهً ثالِثُ ثَلاثَةٍ } . وفي قوله : { يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (2) وإذا لم يكن القرآن حجة في قوله هذا فيجب أن لا يكون حجة في غيره . . . أما الإيمان بالجميع ، وإما الكفر بالجميع ، والتفكيك خداع وتدليس .

لقد أساء المبشرون أو الكثير منهم إلى السيد المسيح ، والى أنفسهم ، أساؤا بالتحريف والتزييف الذي ذكرنا منه كلمتين على سبيل المثال ، دون الحصر . .

ولنفترض ان رجلا عاديا انخدع لهم ، فهل يكون هذا ربحا للمسيح والمسيحية ؟

وما ذا تكون النتيجة لو انكشف له الغطاء ، كما انكشف تطوعهم لصالح جهة معينة ، ولم يجدهم التستر باسم التبشير ، والدعوة إلى الصلاة والتكبير .

{لنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } . لأنه لا طريق لهم إلى ثواب اللَّه ، والنجاة من عذابه إلا الإخلاص في العبودية له وحده .

{مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ ويَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً } . وهناك ينتظرهم العذاب الأليم . ولا شيء عندنا لتفسير قوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } إلى آخر الآية ، لأنها أوضح من أن تفسر . . حتى قولي : وهناك ينتظرهم العذاب الأليم قلته لمجرد الاستهلاك وملء الفراغ ، كما لاحظ القارئ . .

وهكذا فعل غيري من أهل التفاسير ، قال شيخهم الطبري : « لن يستنكف يعني لن يأنف . . . ومن يستنكف يعني من يتعاظم » . وقال فيلسوفهم الرازي : « لن يستنكف قال الزجاج : أي لن يأنف . . . ومن يستنكف المعنى من استنكف » .

إلى آخر الآية 173 . . ومثله كثير ، وهو ما عناه الشاعر بقوله : ( وفسر الماء بعد الجهد بالماء ) .

وقد فعلوه عن علم وعمد ، لا لشيء إلا لأن مفسر القرآن الكريم يجب - بزعمهم - أن يفسر كل ما جاء فيه ، وان كان واضحا ذاهلين عما قالوه في تفسير قوله تعالى : {مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ، وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} وان المحكمات هي الواضحات ، وان توضيحها من أشكل المشكلات .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص499-503 .

2. وأغرب ما قرأت قول بعض المبشرين والمستشرقين : ان محمدا أخذ تعاليمه من الإنجيل والأحبار ، ونسأل هؤلاء : هل أخذ محمد هاتين الآيتين ، وما إليهما من الآيات والأحاديث التي كفرت النصارى ، ونعت عليهم ما اعتقدوا وما حرفوا من دين السيد المسيح ( عليه السلام ) ، هل أخذ محمد هذه التعاليم من الإنجيل ورجالات الكنيسة في عصره ؟ . . إذن ، يكون هذا اعترافا منهم بالكفر على أنفسهم . .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) ::

قوله تعالى : { يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ } ، ظاهر الخطاب بقرينة ما يذكر فيه من أمر المسيح عليه ‌السلام أنه خطاب للنصارى ، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب ـ وهو وصف مشترك ـ إشعارا بأن تسميهم بأهل الكتاب يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله الله وبينه في كتبه ، ومما بينه أن لا يقولوا عليه إلا الحق .

وربما أمكن أن يكون خطابا لليهود والنصارى جميعا ، فإن اليهود أيضا كالنصارى في غلوهم في الدين ، وقولهم على الله غير الحق ، كما قال تعالى : { وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ } : التوبة : 30 ) ، وقال تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ } : ( التوبة : 31 ) ، وقال تعالى : { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ـ إلى أن قال ـ وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ } : ( آل عمران : 64 ) .

وعلى هذا فقوله : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ } (إلخ) تخصيص في الخطاب بعد التعميم أخذا بتكليف طائفة من المخاطبين بما يخص بهم .

هذا ، لكن يبعده أن ظاهر السياق كون قوله : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ } ، تعليلا لقوله : { لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } ، ولازمه اختصاص الخطاب بالنصارى وقوله { إِنَّمَا الْمَسِيحُ } أي المبارك { عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } تصريح بالاسم واسم الأم ليكون أبعد من التفسير والتأويل بأي معنى مغاير ، وليكون دليلا على كونه إنسانا مخلوقا كأي إنسان ذي أم . { وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ } تفسير لمعنى الكلمة ، فإنه كلمة « كن » التي ألقيت إلى مريم البتول ، لم يعمل في تكونه الأسباب العادية كالنكاح والأب ، قال تعالى : { إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } : ( آل عمران : 47 ) فكل شيء كلمة له تعالى غير أن سائر الأشياء مختلطة بالأسباب العادية ، والذي اختص لأجله عيسى عليه ‌السلام بوقوع اسم الكلمة هو فقدانه بعض الأسباب العادية في تولده { وَرُوحٌ مِنْهُ } والروح من الأمر ، قال تعالى : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } : ( إسراء : 85 ) ولما كان عيسى عليه ‌السلام كلمة « كن » التكوينية وهي أمر فهو روح .

وقد تقدم البحث عن الآية في الكلام على خلقة المسيح في الجزء الثالث من هذا الكتاب .

قوله تعالى : { فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ } تفريع على صدر الكلام بما أنه معلل بقوله : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ } (إلخ) أي فإذا كان كذلك وجب عليكم الإيمان على هذا النحو ، وهو أن يكون إيمانا بالله بالربوبية ولرسله ـ ومنهم عيسى ـ بالرسالة ، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا حال كون الانتهاء أو حال كون الإيمان بالله ورسله ونفي الثلاثة خيرا لكم .

والثلاثة هم الأقانيم الثلاثة : الأب والابن وروح القدس ، وقد تقدم البحث عن ذلك في الآيات النازلة في أمر المسيح عليه ‌السلام من سورة آل عمران .

قوله تعالى : { سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ } ، السبحان مفعول مطلق مقدر الفعل ، يتعلق به قوله : { أَنْ يَكُونَ } ، وهو منصوب بنزع الخافض ، والتقدير : أسبحه تسبيحا وأنزهه تنزيها من أن يكون له ولد ، والجملة اعتراض مأتي به للتعظيم .

وقوله { لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ } حال أو جملة استيناف ، وهو على أي حال احتجاج على نفي الولد عنه سبحانه ، فإن الولد كيفما فرض هو الذي يماثل المولد في سنخ ذاته متكونا منه ، وإذا كان كل ما في السماوات والأرض مملوكا في أصل ذاته وآثاره لله تعالى وهو القيوم لكل شيء وحده فلا يماثله شيء من هذه الأشياء فلا ولد له .

والمقام مقام التعميم لكل ما في الوجود غير الله عز اسمه ولازم هذا أن يكون قوله { ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ } تعبيرا كنائيا عن جميع ما سوى الله سبحانه إذ نفس السماوات والأرض مشمولة لهذه الحجة ، وليست مما في السماوات والأرض بل هي نفسها .

ثم لما كان ما في الآية من أمر ونهي هداية عامة لهم إلى ما هو خير لهم في دنياهم وأخراهم ذيل الكلام بقوله { وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً } أي وليا لشئونكم ، مدبرا لأموركم ، يهديكم إلى ما هو خير لكم ويدعوكم إلى صراط مستقيم .

قوله تعالى : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } احتجاج آخر على نفي ألوهية المسيح عليه ‌السلام مطلقا سواء فرض كونه ولدا أو أنه ثالث ثلاثة ، فإن المسيح عبد لله لن يستنكف أبدا عن عبادته ، وهذا مما لا ينكره النصارى ، والأناجيل الدائرة عندهم صريحة في أنه كان يعبد الله تعالى ، ولا معنى لعبادة الولد الذي هو سنخ إله ولا لعبادة الشيء لنفسه ولا لعبادة أحد الثلاثة لثالثها الذي ينطبق وجوده على كل منها ، وقد تقدم الكلام على هذا البرهان في مباحث المسيح عليه ‌السلام .

وقوله { وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } تعميم للكلام على الملائكة لجريان الحجة بعينها فيهم وقد قال جماعة من المشركين ـ كمشركي العرب ـ : بكونهم بنات الله فالجملة استطرادية .

والتعبير في الآية أعني قوله { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } عن عيسى عليه ‌السلام بالمسيح ، وكذا توصيف الملائكة بالمقربين مشعر بالعلية لما فيهما من معنى الوصف ، أي إن عيسى لن يستنكف عن عبادته وكيف يستنكف وهو مسيح مبارك؟ ولا الملائكة وهم مقربون؟ ولو رجي فيهم أن يستنكفوا لم يبارك الله في هذا ولا قرب هؤلاء ، وقد وصف الله المسيح أيضا بأنه مقرب في قوله : { وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } : ( آل عمران : 45 ) .

قوله تعالى : { وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً } حال .

من المسيح والملائكة وهو في موضع التعليل أي وكيف يستنكف المسيح والملائكة المقربون عن عبادته والحال أن الذين يستنكفون عن عبادته ويستكبرون من عباده من الإنس والجن والملائكة يحشرون إليه جميعا ، فيجزون حسب أعمالهم ، والمسيح والملائكة يعلمون ذلك ويؤمنون به ويتقونه .

ومن الدليل على أن قوله : { وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } (إلخ) في معنى أن المسيح والملائكة المقربين عالمون بأن المستنكفين يحشرون إليه قوله { وَيَسْتَكْبِرْ } إنما قيد به قوله { وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ } لأن مجرد الاستنكاف لا يوجب السخط الإلهي إذا لم يكن عن استكبار كما في الجهلاء والمستضعفين ، وأما المسيح والملائكة فإن استنكافهم لا يكون إلا عن استكبار لكونهم عالمين بمقام ربهم ، ولذلك اكتفى بذكر الاستنكاف فحسب فيهم ، فيكون معنى تعليل هذا بقوله : { وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } ، أنهم عالمون بأن من يستنكف عن عبادته ( إلخ » .

وقوله { جَمِيعاً } أي صالحا وطالحا وهذا هو المصحح للتفضيل الذي يتلوه من قوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } (إلخ) .

قوله تعالى : { وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً } التعرض لنفي الولي والنصير مقابلة لما قيل به من ألوهية المسيح والملائكة .

____________________________

1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 127-130 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

{يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً } [النساء : 171] .

أسطورة التثليث الوهمية :

تتطرق هذه الآية والآية التي تليها إلى واحد من أهم انحرافات الطائفة المسيحية ، وهذا الانحراف هو اعتقاد المسيحيين بالتثليث ، أي وجود آلهة ثلاثة ويأتي التطرق إلى هذا البحث في سياق البحوث القرآنية التي وردت في الآيات السابقة عن أهل الكتاب والكفار.

فهذه الآية تحذر في البداية أهل الكتاب من المغالاة والتطرف في دينهم ، وتدعوهم أن لا يقولوا على الله غير الحق ، حيث تقول : {يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ...}.

لقد كانت قضية الغلو في حق القادة السابقين إحدى أخطر منابع الانحراف في الأديان السماوية ، فالإنسان بما أنّه يميل إلى ذاته يندفع بهذا الميل إلى إظهار زعمائه وقادته بصورة أكبر ممّا هم عليه ، لكي يضفي على نفسه الأهمية والعظمة من خلال هؤلاء القادة ، وقد يدفع الإنسان التصور الواهي بأن الإيمان هو المبالغة والغلو في احترام وتعظيم القادة ـ إلى الوقوع في متاهات هذا النوع من الانحراف الرهيب.

والغلو في أصله ينطوي على عيب كبير يفسد العنصر الأساسي للدين ـ الذي هو عبادة الله وتوحيده ـ ولهذا السبب فقد عامل الإسلام الغلاة أو المغالين بعنف وشدّة ، إذ عرفت كتب الفقه والعقائد هذه الفئة من الناس بأنّهم أشد كفرا من الآخرين.

بعد ذلك تشير الآية الكريمة إلى عدّة نقاط ، يعتبر كل واحد منها في حدّ ذاته دليلا على بطلان قضية التثليث ، وعدم صحة الوهية المسيح عليه ‌السلام ، وهذه النقاط هي :

١ ـ لقد حصرت الآية بنوة السيد المسيح عليه ‌السلام بمريم عليها‌ السلام {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} ، وإشارة البنوة ـ هذه الواردة في ستة عشر مكانا من القرآن الكريم ـ إنّما تؤكّد أنّ المسيح عليه ‌السلام هو إنسان كسائر الناس ، خلق في بطن امّه ، ومرّ بدور الجنين في ذلك الرحم ، وفتح عينيه على الدنيا حين ولد من بطن مريم عليها ‌السلام كما يولد أفراد البشر من بطون أمهاتهم ومرّ بفترة الرضاعة وتربى في حجر امّه ، ممّا يثبت بأنّه امتلك كل صفات البشر فكيف يمكن ـ وحالة المسيح عليه ‌السلام هذه ـ أن يكون إلها أزليا أبديا ، وهو في وجوده محكوم بالظواهر والقوانين المادية الطبيعية ويتأثر بالتحولات الجارية في عالم الوجود ؟!

وعبارة الحصر التي هي «إنّما» الواردة في الآية تحصر بنوة المسيح عليه ‌السلام بمريم عليها ‌السلام وتؤكّد على أنّه وإن لم يكن له والد ، فليس معنى ذلك أن أباه هو الله ، بل هو فقط ابن مريم عليها ‌السلام .

٢ ـ تؤكّد الآية الكريمة أنّ المسيح عليه ‌السلام هو رسول الله ومبعوث إلى البشر من قبله سبحانه وتعالى ، وإن هذه المنزلة ـ أي منزلة النّبوة ـ لا تتناسب ومقام الألوهية.

والجدير بالذكر هو أنّ معظم كلام المسيح عليه ‌السلام الوارد قسم منه في الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر ، إنّما يؤكّد نبوته وبعثته لهداية الناس ، وليس فيه دلالة على ادعائه الألوهية والربوبية.

٣ ـ تبيّن الآية أن عيسى المسيح عليه ‌السلام هو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم عليها‌ السلام حيث تقول : {وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ} .

وقد وردت عبارة : «كلمة» في وصف المسيح في عدد من الآيات القرآنية ، وهذه إشارة إلى كون المسيح مخلوقا بشريا ، إذ أن الكلمات مخلوقة من قبل الله ، كما أنّ الموجودات في الكون من مخلوقاته عزوجل ، فكما أن الكلمات تبيّن مكنونات أنفسنا ـ نحن البشر ـ وتدل على صفاتنا وأخلاقياتنا ، فإنّ مخلوقات الكون تحكي صفات خالقها وجماله وتدل على جلاله وعظمته.

وعلى هذا الأساس فقد وردت عبارة «كلمة» في عدد من العبارات القرآنية، لتشمل جميع مخلوقات الله ، كما في الآية (١٠٩) من سورة الكهف والآية (٢٩) من سورة لقمان ، وبديهي أنّ الكلمات الإلهية تتفاوت بعضها مع البعض في المنزلة والأهمية وعيسى عليه‌ السلام يعتبر إحدى كلمات الله البارزة الأهمية ، لكونه ولد من غير أب ، إضافة إلى كونه يتمتع بمقام الرسالة الإلهية.

٤ ـ تشير الآية إلى أنّ عيسى المسيح عليه‌ السلام هو روح مخلوقة من قبل الله ، حيث تقول {وَرُوحٌ مِنْهُ} وهذه العبارة التي وردت في شأن خلق آدم ـ أو بعبارة أخرى خلق البشر أجمعين ـ في القرآن الكريم ، إنما تدل على عظمة تلك الروح التي خلقها الله تعالى وأودعها في أفراد البشر بصورة عامّة ، وفي المسيح عليه ‌السلام وسائر الأنبياء بصورة خاصّة .

وعلى الرغم من أنّ البعض أساء الاستفادة من هذه العبارة وفسّرها بأنّ المسيح عليه ‌السلام هو جزء من الله سبحانه وتعالى ، مستندا إلى عبارة «منه» ولكن الواضح في مثل هذه الحالات أن كلمة «من» ليست للتبعيض ، بل تدل على مصدر ومنشأ وأصل وجود الشيء.

وهناك طرفة تاريخية تذكر أنّه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني ، دخل يوما في نقاش مع «علي بن الحسين الواقدي» وهو أحد المفكرين الإسلاميين في ذلك العصر ، فقال له هذا الطبيب : «توجد في كتابكم السماوي آية تبيّن أنّ المسيح عليه ‌السلام هو جزء من الله ...» وتلا هذا النصراني الآية موضوع البحث ، فرد عليه «الواقدي» مباشرة تاليا هذه الآية : {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ...} [الجاثية : 13] ، وأضاف مبيّنا أنّ كلمة «من» لو كانت تفيد التبعيض ، لاقتضى ذلك أن تكون جميع موجودات السماء والأرض ـ بناء على هذه الآية ـ جزءا من الله ، فلما سمع الطبيب النصراني كلام الواقدي أسلم في الحال ، وسر إسلامه هارون الرشيد فكافأ الواقدي بجائزة مناسبة (٢).

إنّ ما يثير العجب ـ إضافة إلى ما ذكر ـ هو أنّ المسيحيين يرون ولادة المسيح من أمّ دون أب دليلا على ألوهيته ، وهم ينسون في هذا المجال أن آدم عليه ‌السلام كان قد ولد من غير أب ، ولا أم ، ولم ير أحد هذه الخصيصة الموجودة في آدم دليلا على ربوبيته.

بعد ذلك تؤكّد الآية على ضرورة الإيمان بالله الواحد الأحد وبأنبيائه ، ونبذ عقيدة التثليث ، مبشرة المؤمنين بأنّهم إن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيرا لهم حيث قالت الآية : {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ...}.

وتعيد الآية التأكيد على وحدانية الله قائلة : {إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ ...} وهي تخاطب المسيحيين لأنّهم حين يدعون التثليث يقبلون ـ أيضا ـ بوحدانية الله ، فلو كان لله ولد لوجب أن يكون شبيهه ، وهذه حالة تناقض أساس الوحدانية.

فكيف ـ إذن ـ يمكن أن يكون لله ولد ، وهو منزّه من نقص الحاجة إلى زوجة أو ولد ، كما هو منزّه من نقائص التجسيم وأعراضه؟ تقول الآية : {سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ...} والله هو مالك كل ما في السموات وما في الأرض والموجودات كلها مخلوقاته وهو خالقها جميعا ، والمسيح عليه ‌السلام ـ أيضا ـ واحد من خلق الله ، فكيف يمكن الادعاء بهذا الاستثناء فيه؟ وهل يمكن المملوك والمخلوق أن يكون ابنا للمالك والخالق ؟! حيث تؤكد الآية: {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...} والله هو المدبر والحافظ والرازق والراعي لمخلوقاته ، تقول الآية : {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً}.

والحقيقة هي أنّ الله الأزلي الأبدي الذي يرعى جميع الموجودات منذ الأزل إلى الأبد لا يحتاج مطلقا إلى ولد ، فهل هو كسائر الناس لكي يحتاج إلى ولد يخلفه من بعد الموت ؟

{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً } [النساء : 172-173] .

المسيح هو عبد الله :

على الرغم من أنّ هاتين الآيتين لهما سبب نزول خاص بهما ، إلّا أنّهما جاءتا في سياق الآيات السابقة التي تحدثت في نفي الألوهية عن المسيح عليه السلام وعلاقتهما بالآيات السابقة في دحض قضية التثليث واضحة وجلية.

في البداية تشير الآية الأولى إلى دليل آخر لدحض دعوى ألوهية المسيح ، فتقول مخاطبة المسيحيين : كيف تعتقدون بألوهية عيسى عليه ‌السلام في حين أنّ المسيح لم يستنكف عن عبادة الله والخضوع بالعبودية له سبحانه ، كما لم يستنكف الملائكة المقرّبون من هذه العبادة ؟ حيث قالت الآية : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}.

وبديهي أنّ من يكون عبدا لا يمكن أن يصبح معبودا في آن واحد ، فهل يمكن أن يعبد فرد نفسه؟ أو هل يكون العابد والمعبود والرّب فردا واحدا ؟

وفي هذا المجال ينقل بعض المفسّرين حادثة طريفة تحكي أن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌ السلام لكي يدين ويفند عقيدة التثليث المنحرفة قال لكبير المسيحيين في ذلك الحين ـ وكان يلقب بـ «الجاثليق» ـ بأنّ المسيح عليه ‌السلام كان حسنا في كل شيء لو لا وجود عيب واحد فيه ، وهو قلة عبادته لله ، فغضب الجاثليق وقال للإمام الرضا عليه ‌السلام : ما أعظم هذا الخطأ الذي وقعت فيه ، إنّ عيسى المسيح كان من أكثر أهل زمانه عبادة ، فسأله الإمام عليه‌ السلام على الفور : ومن كان يعبده المسيح؟! فها أنت قد أقررت بنفسك أنّ المسيح كان عبدا ومخلوقا لله وأنّه كان يعبد الله ولم يكن معبودا ولا ربّا؟ فسكت الجاثليق ولم يحر جوابا. (3) بعد ذلك تشير الآية إلى أن الذين يمتنعون عن عبادة الله والخضوع له بالعبودية ، يكون امتناعهم هذا ناشئا عن التكبر والأنانية وإنّ الله سيحضر هؤلاء الناس في يوم القيامة ويجازي كل واحد منهم بالعقاب الذي يناسبه ، فتقول الآية : {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً}.

وإنّ الله العزيز القدير سيكافئ في يوم القيامة أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقاموا بالأعمال الخيرة ، ويعطيهم ثوابهم كاملا غير منقوص ويجزل لهم الثواب والنعم ، أمّا الذين تكبروا وامتنعوا عن عبادة الله ، فإنهم سينالون منه عذابا أليما شديدا ، ولن يجدوا في يوم القيامة لأنفسهم وليا أو حاميا من دون الله ، حيث تقول الآية : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً}.

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 382-392 .

2. تفسير المنار ، الجزء السادس ، ص ٨٤.

3. مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٤ ، ص ٣٥٢.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .