أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
5470
التاريخ: 13-2-2017
3862
التاريخ: 10-2-2017
6807
التاريخ: 27-2-2017
3068
|
قال تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 115].
بين سبحانه التوبة عقبه بذكر حال الإصرار ، فقال : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} أي : من يخالف محمدا ويعاده {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} أي : ظهر له الحق والإسلام ، وقامت له الحجة ، وصحت الأدلة بثبوت نبوته ، ورسالته {وَيَتَّبِعْ} طريقا {غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} أي : غير طريقهم الذي هو دينهم {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} أي نكله إلى من انتصر به ، واتكل عليه من الأوثان ، وحقيقته : نجعله يلي ما اعتمده من دون الله أي : يقرب منه . وقيل : معناه نخلي بينه وبين ما اختاره لنفسه {وَنُصْلِهِ} أي : نلزمه دخول {جَهَنَّمَ} عقوبة له على ما اختاره من الضلالة بعد الهدى {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} قد مر معناه .
وقد استدل بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة لأنه توعد على مخالفة سبيل المؤمنين ، كما توعد على مشاقة الرسول . والصحيح أنه لا يدل على ذلك ، لان ظاهر الآية يقتضي إيجاب متابعة من هو مؤمن على الحقيقة ظاهرا وباطنا ، لان من أظهر الإيمان لا يوصف بأنه مؤمن إلا مجازا ، فكيف يحمل ذلك على إيجاب متابعة من أظهر الإيمان ، وليس كل من أظهر الإيمان مؤمنا ، ومتى حملوا الآية على بعض الأمة ، حملها غيرهم على من هو مقطوع على عصمته عنده من المؤمنين ، وهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . على أن ظاهر الآية يقتضي أن الوعيد إنما يتناول من جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين ، فمن أين لهم أن من فعل أحدهما يتناوله الوعيد ، ونحن إنما علمنا يقينا أن الوعيد إنما يتناول بمشاقة الرسول بانفرادها ، بدليل غير الآية ، فيجب أن يسندوا تناول الوعيد باتباع غير سبيل المؤمنين ، إلى دليل آخر .
_____________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 190-191 .
{ ومَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيراً } . الشقاق العداوة ، وكل من يعصي اللَّه فهو عدو لرسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) . قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ان ولي محمد من أطاع اللَّه ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى اللَّه ، وان قربت لحمته » . ولكن المراد بعدو الرسول هنا كل من ظهر له الحق ، واقتنع به بينه وبين نفسه ، وقامت عليه الحجة كافية وافية ، مع ذلك أنكره عنادا وتعصبا لهوى في نفسه ، كمن يعرف ان الإسلام حق ، أو انه أهدى من دين قومه ، ومع ذلك يتعصب لدين آبائه حرصا على مصالحه الشخصية من مال أو جاه .
وذكر المفسرون ان هذه الآية نزلت في بشير بن أبيرق الذي أسلم ، ثم ارتد ولحق بالمشركين ، والمعروف من عادة المفسرين انهم يتسامحون في أسباب النزول ، ويذكرون له أية حادثة تقترن بزمن نزول الآية إذا كانت تناسبها ، وهذه الآية تنطبق على ارتداد بشير ، وعلى كل من عاند الحق { مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى } .
ومعنى { نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى } ان اللَّه سبحانه يكل كل إنسان إلى ما انتصر به ، واعتمد عليه ، فمن اعتز بمال أو منصب أو صحة أو عشيرة تخلى اللَّه عنه ، وتركه إلى ما اعتز به .
وفي الحديث القدسي : « وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل مؤمل من الناس » .
وفي هذه الآية فوائد :
« منها » ان قوله تعالى : « نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى » صريح في ان الإنسان مخير لا مسير .
و « منها » ان قوله : « مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى » دليل على ان من بحث ودقق ، ولم يتبين له الهدى فهو معذور ، تماما كمن لم تبلغه الدعوة ، على شريطة ان يكون متوجها إلى طلب الحق ، والعمل به متى ظهر له .
و « منها » ان الإنسان مكلف بما يفهمه من الدليل ، وغير مسؤول عن الواقع كما هو عند اللَّه ، وان المطلوب منه مجرد البحث والتنقيب ، حتى يحصل له اليأس من وجود الدلائل والقرائن ، فإن أصاب الواقع بعد هذا البحث كان له أجران ، وان أخطأه فله أجر واحد ، كما جاء في الحديث .
و « منها » ما جاء في تفسير الرازي ان الشافعي سئل عن آية في القرآن تدل على ان الإجماع حجة ؟ فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة ، حتى وجد قوله تعالى :
{ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} حيث دل على ان اتباع غير سبيل المؤمنين حرام فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا . وسبيلهم هو إجماعهم على الشيء .
وان دل هذا على شيء فإنما يدل على انه لا مصدر للإجماع في كتاب اللَّه . .
ذلك ان المراد بغير سبيل المؤمنين سبيل المشركين والمنافقين الذين يعاندون اللَّه والرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ، وهذا أجنبي عن الإجماع وبعيد عنه كل البعد . . بالإضافة إلى ما قاله الشيخ محمد عبده : « ان الإجماع الذي يعنونه هو اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاة نبيها ، والآية نزلت في عصره ، لا بعد عصره » .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 436-437 .
قوله تعالى : { وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } ، المشاقة من الشق وهو القطعة المبانة من الشيء فالمشاقة والشقاق كونك في شق غير شق صاحبك ، وهو كناية عن المخالفة ، فالمراد بمشاقة الرسول بعد تبين الهدى مخالفته وعدم إطاعته ، وعلى هذا فقوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } بيان آخر لمشاقة الرسول ، والمراد بسبيل المؤمنين إطاعة الرسول فإن طاعته طاعة الله قال تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ } ( النساء : 80 ).
فسبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الإيمان هو الاجتماع على طاعة الله ورسوله ـ وإن شئت فقل على طاعة رسوله ـ فإن ذلك هو الحافظ لوحدة سبيلهم كما قال تعالى : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } : ( آل عمران : 103 ) وقد تقدم الكلام في الآية في الجزء الثالث من هذا الكتاب ، وقال تعالى : { وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام : 153 ) وإذا كان سبيله سبيل التقوى ، والمؤمنون هم المدعوون إليه فسبيلهم مجتمعين سبيل التعاون على التقوى كما قال تعالى : { وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ } : ( المائدة : 2 ) والآية ـ كما ترى ـ تنهى عن معصية الله وشق عصا الاجتماع الإسلامي ، وهو ما ذكرناه من معنى سبيل المؤمنين.
فمعنى الآية أعني قوله { وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } ، يعود إلى معنى قوله { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى } : (الآية) ( المجادلة : 9) .
وقوله { نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى } ، أي نجره على ما جرى عليه ، ونساعده على ما تلبس به من اتباع غير سبيل المؤمنين كما قال تعالى : { كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } : [ الإسراء : 20 ] .
وقوله { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً } عطفه بالواو يدل على أن الجميع أي توليته ما تولى وإصلاءه جهنم أمر واحد إلهي بعض أجزائه دنيوي وهو توليته ما تولى ، وبعضها أخروي وهو إصلاؤه جهنم وساءت مصيرا .
________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 72-73 .
حين يرتكب الإنسان خطأ ويدرك هذا الخطأ ، فليس أمامه سوى طريقين :
أحدهما : طريق العودة والتوبة التي أشارت الآيات السابقة إلى أثرها في غسل الذنوب عن الإنسان.
والطّريق الثّاني : هو أن يسلك الإنسان سبيل العناد ، وقد أشارت الآية الأخيرة إلى الآثار والعواقب السيئة لهذا الطريق ، حيث أعلنت أنّ من يواجه النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعناد والمخالفة بعد وضوح الحق له ، ويسير في طريق غير طريق المؤمنين فإنّ الله سوف لن يهديه إلى غير هذا الطريق ، وسيرسله الله في يوم القيامة إلى جهنم ، وما أسوأ هذا المكان الذي ينتظره! فتقول الآية : {وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً}.
ويجب الانتباه إلى أنّ عبارة {يُشاقِقِ} مأخوذة من مادة «شقاق» بمعنى المخالفة الصريحة المقرونة بالحقد والضغينة وتؤكّد جملة {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى} هذا المعنى أيضا، وفي الحقيقة فإنّ من يكون هذا شأنه فلن يلقى مصيرا خيرا ممّا ذكرته الآية له ، مصير ينطوي على نهاية مشؤومة له في هذه الدنيا وعاقبة سيئة أليمة في الدار الآخرة ، فهو في الدنيا ـ كما تقول الآية ـ يستمر منجرفا في الطريق الأعوج الذي اختاره ، فتتوسع بذلك زاوية انحرافه عن جادة الحق والصواب ، وهذا الطريق هو الذي اختاره لنفسه والبناء الذي وضع أساسه بيده ، ولهذا لم يكن قد وقع عليهم أي ظلم من الخارج.
وأمّا بالنسبة لقول الآية : {نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى} فهو إشارة إلى حرمان هؤلاء من التوفيق المعنوي ، لتمييز الحقّ ، ومواصلتهم السير في طريق الضلالة ، وقد بيّنا تفاصيل هذا الموضوع لدى الحديث عن تفسير الهداية والضلالة في الجزء الأوّل من تفسيرنا هذا.
وحين تقول الآية : {نُصْلِهِ جَهَنَّمَ} فهي تشير إلى مصير هؤلاء يوم القيامة.
وهناك تفسير آخر حول جملة {نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى} وهو أن هؤلاء وأمثالهم ، يوكل أمرهم إلى الآلهة المصطنعة التي انتخبوها لأنفسهم.
______________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 305-306 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|