أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-2-2017
10179
التاريخ: 1-3-2017
4575
التاريخ: 13-2-2017
9777
التاريخ: 14-2-2017
3858
|
قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 63 - 66].
عاد خطاب الالهي إلى بني إسرائيل فقال {و} اذكروا {إذ أخذنا ميثاقكم} أي عهدكم والعهد هو الذي فطر الله الخلق عليه من التوحيد و العدل و نصب لهم من الحجج الواضحة والبراهين الساطعة الدالة على ذلك و على صدق الأنبياء و الرسل و قيل أنه أراد به الميثاق الذي أخذه الله على الرسل في قوله وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه الآية وقيل هو أخذ التوراة عن موسى {ورفعنا فوقكم الطور} قال أبو زيد هذا حين رجع موسى من الطور فأتى بالألواح فقال لقومه جئتكم بالألواح وفيها التوراة و الحلال والحرام فاعملوا بها قالوا و من يقبل قولك فأرسل الله عز وجل الملائكة حتى نتقوا الجبل فوق رءوسهم فقال موسى (عليه السلام) إن قبلتم ما آتيتكم به وإلا أرسلوا الجبل عليكم فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين إلى الجبل فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم قيل و هذا هو معنى أخذ الميثاق و كان في حال رفع الجبل فوقهم لأن في هذه الحال قيل لهم {خذوا ما آتيناكم} يعني التوراة {بقوة} أي بجد و يقين لا شك فيه و هو قول ابن عباس و قتادة و السدي و قريب منه ما روى العياشي أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل {خذوا ما آتيناكم بقوة} أ بقوة بالأبدان أم بقوة بالقلوب فقال بهما جميعا وقيل أخذه بقوة هو العمل بما فيه بعزيمة و جد و قيل بقدرة و أنتم قادرون على أخذه عن أبي علي و الأصم {واذكروا ما فيه } يعود الضمير من فيه إلى ما من قوله {ما آتيناكم} وهو التوراة يعني احفظوا ما في التوراة من الحلال و الحرام و لا تنسوه و قيل معناه اذكروا ما في تركه من العقوبة وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل معناه اعملوا بما فيه ولا تتركوه وقيل المعنى في ذلك أن ما آتيناكم فيه من وعد ووعيد و ترغيب و ترهيب تدبروه واعتبروا به و أقبلوه {لعلكم تتقون} أي كي تتقوني إذا فعلتم ذلك و تخافوا عقابي و تنتهوا إلى طاعتي وتنزعوا عما أنتم عليه من المعصية .
معنى الآية ثم نبذتم العهد الذي أخذناه عليكم بعد إعطائكم المواثيق وراء ظهوركم وأعرضتم عنه {فلو لا فضل الله عليكم}أي فلو لا أن الله تفضل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه إذ رفع فوقكم الطور و أنعم عليكم بالإسلام {ورحمته} التي رحمكم بها فتجاوز منكم خطيئتكم بمراجعتكم طاعة ربكم {لكنتم من الخاسرينْ} و قال أبو العالية فضل الله الإيمان و رحمته القرآن فيكون معناه لو لا إقداري لكم على الإيمان و إزاحة علتكم فيه حتى فعلتم الإيمان لكنتم من الخاسرين و إنما جعل الإيمان فضلا و توبته التي بها نجوا و لم يكونوا بها خاسرين فضلا منه من حيث كان هو الداعي إليه والمقدر عليه و المرغب فيه و يحتمل أن يكون المعنى فلو لا فضل الله عليكم بإمهاله إياكم بعد توليكم عن طاعته حتى تاب عليكم برجوع بعضكم عن ذلك و توبته لكنتم من الخاسرين ويحتمل أن يريد فلو لا فضلي عليكم في رفع الجبل فوقكم للتوفيق واللطف الذي تبتم عنده حتى زال العذاب عنكم وسقوط الجبل لكنتم من الخاسرين .
خاطب اليهود فقال {ولقد علمتم} أي عرفتم {الذين اعتدوا منكم في السبت} أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت وكان الحيتان تجتمع في يوم السبت لأمنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الأحد فاعتدوا في السبت أي ظلموا وتجاوزوا ما حد لهم لأن صيدها هو حبسها وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد ما نهوا عنه {فقلنا لهم كونوا قردة} وهذا إخبار عن سرعة فعله و مسخه إياهم لا أن هناك أمرا ومعناه و جعلناهم قردة كقوله تعالى : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] ولم يكن هناك قول و إنما أخبر عن تسهل الفعل عليه و تكوينه بلا مشقة .
قال ابن عباس : فمسخهم الله تعالى عقوبة لهم و كانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ثم أهلكهم الله تعالى و جاءت ريح فهبت بهم وألقتهم في الماء وما مسخ الله أمة إلا أهلكها وهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك و لكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة و الخنازير من هو من أولاد آدم و لو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم و قال مجاهد لم يمسخوا قردة و إنما هو مثل ضربه الله كما قال كمثل الحمار يحمل أسفارا وحكي عنه أيضا أنه مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتقي زجرا وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه و قوله {خاسئين} أي مبعدين عن الخير و قيل أذلاء صاغرين مطرودين عن مجاهد و في هذه الآيات احتجاجات من الله تعالى على اليهود بنعمه المترادفة على آبائهم و إخبار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن عناد أسلافهم مرة بعد أخرى وكفرانهم وعصيانهم ثانية بعد أولى مع ظهور الآيات اللائحة والمعجزات الواضحة تعزية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تثبيتا لفؤاده و تسليته إياه عما يقاسيه من مخالفة اليهود وكيدهم و براءة من جحودهم و كفرهم و عنادهم وليكون وقوفه على ما وقف عليه من أخبار سلفهم تنبيها لهم وحجة عليهم في إخلادهم إلى الهوى وإلحادهم وتحذيرا لهم من أن يحل بهم ما حل بآبائهم و أجدادهم .
{فجعلناها} الضمير يعود إلى الأمة التي مسخت و هم أهل إيلة قرية على شاطىء البحر وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أو إلى المسخة عن الزجاج أو إلى العقوبة أي جعلنا تلك العقوبة عن ابن عباس أو إلى القرية التي اعتدى أهلها فيها {نكالا} أي عقوبة و قيل اشتهار أو فضيحة و قيل تذكرة وعبرة و قوله {لما بين يديها وما خلفها} ذكر فيه وجوه ( أحدها ) ما روي عن ابن عباس رواه الضحاك عنه « لما بين يديها » للأمم التي تراها و {ما خلفها} ما يكون بعدها و هو يقارب المأثور المروي عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) أنهما قالا {لما بين يديها} أي لما معها ينظر إليها من القرى و{ ما خلفها} نحن ولنا فيها موعظة فعلى هذا يكون ما بمعنى من أي نكالا للخلق الذين كانوا معهم ولجميع من يأتي بعدهم إلى يوم القيامة لئلا يفعلوا مثل فعلهم (وثانيها) أن يكون معناه جعلناها عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد والذنوب التي تأخرت عنه وهذا يقتضي أن يكون الله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة عقيب الاصطياد عن ابن عباس أيضا فيكون اللام بمعنى السبب أي بسبب ذلك (وثالثها) أن يكون المراد لما بين يديها من القرى و ما خلفها من القرى عن عكرمة ] عن ابن عباس [ ( و رابعها ) أن يكون المراد { لما بين يديها } ما مضى من خطاياهم و ب {ما خلفها} خطاياهم التي أهلكوا بها {وموعظة للمتقين} معناه أنه إنما يتعظ بها المتقون فكأنها موعظة لهم دون غيرهم و هذا كقوله سبحانه {هدى للمتقين} و في هذه الآية دلالة على أن من فعل مثل أفعال هؤلاء ممن تقدمهم أو تأخر عنهم يستحق من العقاب مثل ما حل بهم من التشويه و تغيير الخلقة إذ كان نكالا لهم جميعا و تحذيرا و تنبيها للمتقين لكي لا يواقعوا من المعاصي ما واقع أولئك فيستحقوا ما استحقوه نعوذ بالله من سخطه .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص245-250.
{وإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} . أي أخذنا الميثاق من أسلافكم أن يعملوا بالتوراة ، ولما نقضوه رفع اللَّه الجبل فوقهم ، وقال : اعملوا بما فيها ، وإلا أسقطت هذ الجبل عليكم ، فأذعنوا وتابوا ، فاستقر الجبل في مكانه ، ولكنهم عادوا إلى التمرد والعصيان .
وإذا كان هذا شأن اليهود في عهد الكليم (عليه السلام) ، وقد شاهدوا عيانا ما شاهدوا من الخوارق ، ولا حجة أقوى وأبلغ من العيان ، فلا عجب - إذن - من يهود المدينة إذا أنكروا نبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) ، ونقضوا العهد والميثاق المبرم بينه وبينهم ، انظر فقرة « محمد ويهود المدينة » عند تفسير آية : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} [البقرة: 40].
{فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ } . أي لو لا لطف اللَّه وتفضله بإمهاله لكم لحل بكم العذاب في الدنيا قبل الآخرة ، قال الملا صدرا :
« ان هذه الآية من أرجا الآيات ، وأقواها دلالة على رحمته وتجاوزه عن سيئات عباده العاصين ، لأن قوله : فلو لا فضل اللَّه عليكم بعد ان عدد قبائحهم من عبادة العجل ، وكفران النعيم ، وجحود الأنبياء وقتلهم ، ونقض الميثاق المؤكد ، وغير ذلك يدل على كمال رأفته وعفوه » .
ثم نقل الملا صدرا عن القفال ما يتلخص بأن اللَّه سبحانه بعد أن رفع عنهم عذاب الجبل حرفوا التوراة ، وجاهروا بالمعاصي ، وخالفوا موسى ، ولقي منهم كل أذى ، وكان اللَّه سبحانه يجازيهم في الدنيا ، ليعتبروا ، حتى انه خسف الأرض ببعضهم ، وأحرق بالنار آخرين ، وعوقبوا بالطاعون . . كل هذا ، وغير هذا منصوص عليه في توراتهم التي يقرون بها ، والتي هي الآن في متناول كل طالب وراغب . . ثم فعل الخلف ما فعل السلف من الجرائم ، فكفروا السيد المسيح ( عليه السلام ) ، وصمموا على قتله . . فغير عجيب انكارهم ما جاء به محمد( صلى الله عليه واله ) ، وجحودهم لحقه .
{ولَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} . لقد أمرهم اللَّه سبحانه بترك العمل يوم السبت ، وحرم عليهم صيد الأسماك فيه ، فكانت الحيتان تتجمع في هذا اليوم آمنة مطمئنة ، ولكن ثلاثة من اليهود احتالوا وتأوّلوا . . حيث حبسوا الحيتان يوم السبت وحصروها في مكان لا تستطيع تجاوزه ، وأخذوها يوم الأحد ، وقالوا : ان اللَّه نهى عن صيد الحيتان في هذا اليوم ، ولم ينه عن حبسها ، وفرق بعيد بين الحبس وبين الصيد .
ويذكرني هذا الدجل والاحتيال بنفاق محترفي الدين والوطنية الذين يتلاعبون بالألفاظ ، ويشوهون الحقائق ، ليوقعوا بعض السذج في شباكهم . . ومن الطريف ان بعض الشيوخ ألَّف كتابا خاصا في الحيل الشرعية ، حتى كأنّ اللَّه طفل صغير تخفى عليه التمويهات ، ولا يعلم الصادقين من الكاذبين . . وإذا لم يمسخ اللَّه هؤلاء قردة خاسئين في هذه الحياة ، كما فعل باليهود من قبل فسيحشرهم غدا على هيئة الكلاب والقردة والخنازير . . وإذا لم يمسخ الكاذبون الآن في الظاهر فإنهم ممسوخون في الباطن . . ولا حجة أقوى من الأفعال التي تنبئ بمسخ نفوسهم .
{فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ}. اختلف المفسرون : هل كان المسخ لمن اعتدى في السبت من اليهود مسخا حقيقيا ، بحيث صارت أجسامهم وصورهم على هيئة القرود ، أو ان المسخ كان في الطبع ، لا في الجسم ، تماما مثل : ختم اللَّه على قلوبهم ، ونظير كمثل الحمار يحمل أسفارا ؟ .
ذهب أكثر المفسرين إلى الأول ، وان المسخ كان حقيقة ، عملا بالظاهر الذي لا داعي إلى تأويله ، وصرفه عن دلالته ، لأن تحول الصورة إلى صورة أخرى جائز عقلا ، فإذا جاءت آية أو رواية صحيحة على وقوعه أجريناها على ظاهرها ، حيث لا حاجة إلى التأويل .
وذهب قليل منهم مجاهد في القديم ، والشيخ محمد عبده في الحديث إلى الثاني ، وان المسخ كان في النفس ، لا في الجسم ، قال الشيخ عبده ، كما في تفسير المراغي : « ان اللَّه لا يمسخ كل عاص ، فيخرجه عن نوع الإنسان ، إذ ليس من سنته في خلقه . . وسنة اللَّه واحدة ، فهو يعامل القرون الحالية بمثل ما عامل به القرون الخالية » .
ونحن نميل إلى ما عليه جمهور العلماء والمفسرين ، وان المسخ كان حقيقة ، لا مجازا ، أما قول عبده فصحيح في نفسه ، كمبدأ عام ، وقاعدة كلية ، ولكن لهذه القاعدة مستثنيات ، تستدعيها الحكمة الإلهية ، كالمعجزات ، وما إليها من الكرامات . . ومعاملة اللَّه مع بني إسرائيل في ذاك العهد من هذه المستثنيات ، كما يتضح من الفقرة التالية :
لا قياس على اليهود :
من يدقق النظر في آي الذكر الحكيم التي نزلت في الإسرائيليين خاصة ، وفي الذين كانوا منهم على عهد موسى الكليم ( عليه السلام ) بوجه أخص ، ان من يستقرئ هذه الآيات يخرج بنتيجة واضحة كالشمس ، وهي انه سبحانه قد عاملهم معاملة لا تشبه شيئا ، ولا يشبهها شيء مما هو معروف ومألوف . . وغير بعيد أن يكون قوله تعالى : {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة: 47] إشارة إلى هذه المعاملة الخاصة .
فلقد حررهم اللَّه من نير فرعون وطغيانه بانفلاق البحر ، لا بالجهاد والتضحية ، وأطعمهم المنّ والسلوى ، وسقاهم الماء بمعجزة ، لا بالكد والعمل ، ورفع فوقهم الجبل ليطيعوا ، ويسمعوا ، وأحيا قتيلهم ، ليبين لهم ما خفي من أمر القاتل . . كل ذلك ، وما إليه يدل دلالة صريحة واضحة على ان مشاكل اليهود في ذلك العصر لم تحل بطريقة طبيعية مألوفة ، بل لم يفكروا هم أنفسهم في العمل من أجل حلها . . فكلما اصطدموا بمشكلة قالوا : يا موسى ادع لنا ربك يفعل ويترك . . وكان موسى يدعو ، واللَّه يستجيب .
وبهذا يتبين معنا ان قياس سائر الأجيال على الجيل الإسرائيلي آنذاك في غير محله ، وان قول الشيخ محمد عبده : « ان اللَّه يعامل القرون الحاضرة بمثل القرون الخالية » يصح في جميع الناس الا في أولئك الناس (2) .
وأيضا يتبين ان اللَّه قد أراد برفع الجبل أن يكرههم ويلجئهم إلى الأخذ بما في التوراة ، وان قول السيد الطباطبائي في كتاب الميزان : « ان رفع الجبل لا يدل على الإلجاء والإكراه ، لأنه لا إكراه في الدين » ان هذا القول بعيد عن الواقع بالنسبة إلى قوم موسى الذين عاملهم اللَّه معاملة أبعد ما تكون عن الضوابط والقواعد .
أما الحكمة الإلهية لذلك فلا مصدر لديّ أعتمده لمعرفتها . وقد يكمن السر في ان اللَّه جل وعلا أراد أن يضرب من أولئك اليهود مثلا على ان الحياة لا تطيب وتحلو الا بالكد والكفاح ضد الطبيعة ، وبه وحده تكتشف الحقائق ، وتعرف الأسرار ، وترتقي الانسانية في مدارج الرقي والحضارة ، ولو عاش الإنسان اتكاليا ، وعلى مائدة تنزل من السماء لما تميز في شيء عن الحيوان المربوط على المعلف ، ولم يكن بحاجة إلى العقل والإدراك . . ان الاتكالية جمود وموت ، والجهاد حيوية ونشاط ، ومهما يكن ، فان تاريخ اليهود بوجه العموم يتصل اتصالا وثيقا بتاريخ هؤلاء الإسرائيليين الذين كانوا على عهد موسى ، فهم أقدم العناصر ، والأصل المباشر لسلالة من وجد بعدهم من اليهود .
وبمناسبة الحديث عن اليهود نشير إلى جماعة من الصهاينة تقيم في أمريكا ، وبالتحديد في الحي المعروف ب ( بروكلين ) بنيويورك ، واسم هذه الجماعة :
« جماعة شهود يهوه » . . وهدفها الأول والأخير إشاعة الفوضى ، وإثارة الفتن الدينية في جميع أقطار العالم ، بخاصة العالم العربي ، والتنبؤ بفناء العالم . . وتصدر هذه الجماعة العديد من النشرات والكتب بجميع اللغات ، وبأغلفة ملونة ، تسرب الكثير منها إلى بلادنا ، كما تصدر مجلة باسم برج المراقبة ، ومن الكتب التي نشرتها كتاب في الطعن بمحمد (صلى الله عليه واله) والقرآن ، واسم هذا الكتاب « هل خدم الدين الانسانية » وكتاب ليكن اللَّه صادقا ، وكتاب نظام الدهور الإلهي ، والحق يحرركم ، والمصالحة ، وملايين من الذين هم أحياء لن يموتوا أبدا ، وقد طبع هذا الكتاب ببيروت .
واكتشفت حكومة القاهرة بعض أعضاء جماعة شهود يهوه ، وكانوا يعقدون اجتماعات سرية ، فقبضت عليهم وشرعت بمحاكمتهم في الشهر الرابع من سنة 1967 .
ومن تعاليم هذه الجماعة انه جرى صراع طويل ومرير بين اللَّه والشيطان دام ستين قرنا ، ثم اعتزل اللَّه ، وسلم دفة الحكم والإدارة للشيطان يتصرف كيف شاء ، لأن الشيطان أبقى اللَّه وحيدا فريدا لا أحد معه إلا أمة إسرائيل ، ومن أجل هذا قال اللَّه للشيطان : خذ الناس ، كل الناس ، واترك لي هذه الأمة . .
وهكذا تم الاتفاق بين اللَّه والشيطان . . ولكن الآية ستنعكس في النهاية ، لأن أمة إسرائيل ستملك من النيل إلى الفرات ، وسيخرج الأنبياء من قبورهم ،
ويتولون أعلى المناصب في دولة إسرائيل ، وبالتالي يخضع العالم كله لهذه الدولة ، ويخذل الشيطان ، وينتصر الرحمن . . ولهذه الجماعة أنصار وعملاء في بيروت وعمان وبغداد ودمشق والقاهرة والسعودية والمغرب (3) .
والغرض من هذه الإشارة التنبيه إلى رأس الحية ، وإلى الأصابع التي تحرك في الخفاء بعض المؤلفين ومحرري الصحف ، وتضع لهم الخطط لإشاعة للفوضى والفساد ، وإثارة النعرات الطائفية ، والفتن الدينية في بلادنا .
________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص119-124.
2- لقد وصم القرآن والإنجيل اليهود بأنهم أعداء الإنسانية ، وتاريخهم يشهد بهذه الحقيقة ، ومن أجل هذا يحرصون كل الحرص على التأكيد بأنه لا فرق بين القوميات ، ولا بين الأديان ، وألفوا لهذه الغاية الكتب ، وأسسوا المعاهد ، وبثوا الدعايات ، وأنشأوا الجمعيات ، ومنها الجمعية الماسونية العالمية التي أضفوا عليها ثوب الانسانية .
3- هذا بعض من كل ، وقد استقيت معلوماتي عن جماعة يهوه من صحف كثيرة ، آخرها « صباح الخير » المصرية ، تاريخ 13 - 4 - 1967 ، و « المصور » المصرية ، تاريخ 14 منه.
قوله تعالى: {ورفعنا فوقكم الطور} ، الطور هو الجبل كما بدله منه في قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171] ، و النتق هو الجذب و الاقتلاع، و سياق الآية حيث ذكر أخذ الميثاق أولا و الأمر بأخذ ما أوتوا و ذكر ما فيه أخيرا و وضع رفع الطور فوقهم بين الأمرين مع السكوت عن سبب الرفع و غايتها يدل على أنه كان لإرهابهم بعظمة القدرة من دون أن يكون لإجبارهم و إكراههم على العمل بما أوتوه و إلا لم يكن لأخذ الميثاق وجه، فما ربما يقال: إن رفع الجبل فوقهم لو كان على ظاهره كان آية معجزة و أوجب إجبارهم و إكراههم على العمل.
و قد قال سبحانه: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، و قال تعالى: { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [يونس: 99] ، غير وجيه فإن الآية كما مر لا تدل على أزيد من الإخافة و الإرهاب و لو كان مجرد رفع الجبل فوق بني إسرائيل إكراها لهم على الإيمان أو العمل، لكان أغلب معجزات موسى موجبة للإكراه، نعم هذا التأويل و صرف الآية عن ظاهرها، و القول بأن بني إسرائيل كانوا في أصل الجبل فزلزل و زعزع حتى أظل رأسه عليهم، فظنوا أنه واقع بهم فعبر عنها برفعه فوقهم أو نتقه فوقهم، مبني على أصل إنكار المعجزات و خوارق العادات، و قد مر الكلام فيها و لو جاز أمثال هذه التأويلات لم يبق للكلام ظهور، و لا لبلاغة الكلام و فصاحته أصل تتكي عليه و تقوم به.
قوله تعالى: {لعلكم تتقون}.
لعل كلمة ترج و اللازم في الترجي صحته في الكلام سواء كان قائما بنفس المتكلم أو المخاطب أو بالمقام، كأن يكون المقام مقام رجاء وإن لم يكن للمتكلم و المخاطب رجاء فيه وهو لا يخلو عن شوب جهل بعاقبة الأمر فالرجاء في كلامه تعالى إما بملاحظة المخاطب أو بملاحظة المقام.
وأما هو تعالى فيستحيل نسبة الرجاء إليه لعلمه بعواقب الأمور، كما نبه عليه الراغب في مفرداته(2).
قوله تعالى: {كونوا قردة خاسئين أي صاغرين}.
قوله تعالى: {فجعلناها نكالا} أي عبرة يعتبر بها، و النكال هو ما يفعل من الإذلال و الإهانة بواحد ليعتبر به آخرون.
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص168-169.
2- ما ذكره قدس سره هو مذهب سيبويه والمحققين قال الراغب ((لعل : طمع اشفاق وذكر بعض المفسرين ان لعل من الله واجب وفسر في كثير من المواضع ب ((كي)) وقالوا : ان الطمع والاشفاق لا تصح على الله و ((لعل)) وان كان طمعاً فان ذلك يقتضي من كلامهم تارة طمع المخاطب : وتارة طمع غيرهما .. )) المفردات ص741.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
الإِلتزام بالميثاق
الاية الاولى والثانية تطرح مسألة أخذ ميثاق بني إسرائيل بشأن العمل بالتوراة، ثمّ نقضهم للميثاق: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} والطور جبل وسيأتي ذكره. وقلنا لكم: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّة}، واجعلوا التوراة دوماً نصب أعينكم: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
لكنكم نقضتم الميثاق وجعلتموه وراء ظهوركم: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
عصاة يوم السبت
اما الاية الثالثة والرابعة تتحدث عن روح العصيان والتمرد المتغلغلة في اليهود، والتصاقهم الشديد بالمسائل المادية: {ولَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(2).
{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} أي جعلناها عبرة لتلك الاُمّة ولأمم تليها (وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
ملخص الحادثة التي تشير إليها الآية: «أن الله سبحانه أمر اليهود أن يسبتوا ـ أي أن يقطعوا أعمالهم ـ يوم السبت، وهذا الأمر شمل طبعاً أولئك القاطنين قرب البحر الذين يعيشون على صيد الأسماك، وشاء الله أن يختبر هؤلاء، فكثرت الأسماك يوم السبت قرب الساحل بينما ندرت في بقية الأيّام. طفق هؤلاء يتحايلون لصيد الأسماك يوم السبت. فعاقبهم الله على عصيانهم ومسخهم على هيئة حيوان».
وهل كان هذا المسخ جسمي أم نفسي وأخلاقي؟ وأين كان يسكن هؤلاء القوم؟ وبأية حيلة توسلوا للصيد؟ هذا ما سنجيب عليه وعلى غيره من المسائل المرتبطة بهذا الموضوع في المجلد الخامس من هذا التّفسير، لدى توضيح الآيات 163 ـ 166 من سورة الأعراف.
وقوله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} إشارة إلى فورية المسخ الذي تمّ بأمر إلهي واحد.
ومن المفيد أن ننقل في هذا المجال رواية عن الإِمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)في تفسير قوله تعالى {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا ...} قالا: (لما بين يديها) إِي لِمَا مَعَهَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا مِنَ الْقُرَى (في زمان تلك الاُمّة)، (وما خلفها) نحن (المسلمون) ولنا فيها موعظة(3).
____________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص214و217.
2 ـ خسأ: طرد وزجر، ويستعمل لطرد الكلب، وللطرد المقرون بالإِستهانة يقال: إخْسأه.
3 ـ مجموع البيان، في تفسير الآية المذكورة.
|
|
"علاج بالدماغ" قد يخلص مرضى الشلل من الكرسي المتحرك
|
|
|
|
|
تقنية يابانية مبتكرة لإنتاج الهيدروجين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يطلق مشروع (حفظة الذكر) في قضاء الهندية
|
|
|