أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-5-2017
11646
التاريخ: 12-2-2017
5501
التاريخ: 9-12-2016
3647
التاريخ: 20-2-2017
9950
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]
{إن الذين آمنوا} اختلف في هؤلاء المؤمنين من هم فقال قوم هم الذين آمنوا بعيسى ثم لم يتهودوا و لم يتنصروا و لم يصبأوا و انتظروا خروج محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل هم طلاب الدين منهم حبيب النجار و قس بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل و البراء الشني و أبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي و بحير الراهب و وفد النجاشي آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه فمنهم من أدركه و تابعه و منهم من لم يدركه و قيل هم مؤمنو الأمم الماضية و قيل هم المؤمنون من هذه الأمة و قال السدي هو سلمان الفارسي و أصحابه النصارى الذين كان قد تنصر على أيديهم قبل مبعث رسول الله و كانوا قد أخبروه بأنه سيبعث و أنهم يؤمنون به أن أدركوه و اختلفوا في قوله {من آمن بالله و اليوم الآخر} فقال قوم هو خبر عن الذين هادوا و النصارى و الصابئين و الضمير يرجع إليهم لأن الذين آمنوا قد كانوا مؤمنين فلا معنى أن يشرط فيهم استئناف الإيمان فكأنه قال أن الذين آمنوا و من آمن من اليهود و النصارى و الصابئين بالله و اليوم الآخر فلهم أجرهم و قال آخرون من آمن منهم الضمير راجع إلى الكل و يكون رجوعه إلى الذين آمنوا بمعنى الثبات منهم إيمانهم و الاستقامة و ترك التبديل و إلى الذين هادوا و النصارى و الصابئين بمعنى استئناف الإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما جاء به و قال بعضهم أراد من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد الإيمان بالله و بالكتب المتقدمة لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر و نظيره قوله {والذين آمنوا و عملوا الصالحات و آمنوا بما نزل على محمد} و روي عن ابن عباس أنه قال أنها منسوخة بقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} و هذا بعيد لأن النسخ لا يجوز أن يدخل الخبر الذي هو متضمن للوعد و إنما يجوز دخوله في الأحكام الشرعية التي يجوز تغيرها و تبدلها بتغير المصلحة فالأولى أن يحمل على أنه لم يصح هذا القول عن ابن عباس و قال قوم أن حكمها ثابت و المراد بها أن الذين آمنوا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم من المنافقين واليهود و النصارى و الصابئين إذا آمنوا بعد النفاق و أسلموا بعد العناد كان لهم أجرهم عند ربهم كمن آمن في أول استدعائه إلى الإيمان من غير نفاق و لا عناد لأن قوما من المسلمين قالوا أن من أسلم بعد نفاقه و عناده كان ثوابه أنقص و أجره أقل فأخبر الله بهذه الآية أنهم سواء في الأجر و الثواب و قوله {بالله} أي بتوحيد الله و صفاته و عدله {واليوم الآخر} يعني يوم القيامة و البعث و النشور و الجنة و النار {وعمل صالحا} أي عمل ما أمره الله به من الطاعات و إنما لم يذكر ترك المعاصي لأن تركها من الأعمال الصالحة {فلهم أجرهم} أي جزاؤهم و ثوابهم {عند ربهم } أي معد لهم عنده و قوله { ولا خوف عليهم و لا هم يحزنون} مضى تفسيره قبل و قيل معناه لا خوف عليهم فيما قدموا و لا هم يحزنون على ما خلفوا و قيل لا خوف عليهم في العقبي و لا يحزنون على الدنيا و في هذه الآية دلالة على أن الإيمان هو التصديق و الاعتقاد بالقلب لأنه تعالى قال : {من آمن بالله} ثم عطف عليه بقوله {وعمل صالحا} و من حمل ذلك على التأكيد أو الفضل فقد ترك الظاهر و كل شيء يذكرونه مما عطف على الأول بعد دخوله فيه مثل قوله {فيهما فاكهة و نخل و رمان} و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح فإن جميع ذلك على سبيل المجاز و الاتساع و لو خلينا و الظاهر لقلنا أنه ليس بداخل في الأول .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص243-244.
في معنى هذه الآية أقوال أنهاها بعض المفسرين إلى ثمانية ، وأصحها قولان :
الأول : ان الغرض من الآية أن يبين سبحانه انه لا يهتم بالأسماء إطلاقا ، سواء أكانت من نوع مسلم ، أو مؤمن ، أو يهودي ، أو صابئي ، أو نصراني ، لأن الألفاظ بما هي لا تضر ولا تنفع ، ولا تضع ولا ترفع ، وانما المهم عند اللَّه العقيدة الصحيحة ، والعمل الصالح ، فمفاد الآية ما جاء في الأخبار من ان اللَّه لا ينظر إلى الصور ، وانما ينظر إلى الأعمال .
وليس من شك ان هذا المعنى صحيح في نفسه ، ولكن اللفظ لا يعطيه صراحة . . وقد دأب البعض أن يتملق إلى أهل الأديان الأخرى مستدلا بهذه الآية على انه لا فرق بين المسلمين وغيرهم عند اللَّه ، وهو يعلم علم اليقين بأنهم ينكرون نبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) . بل ويفترون عليه الأكاذيب ، وينسبون إليه ما يهتز منه العرش .
المعنى الثاني : ان أفرادا لم يدركوا محمدا ( صلى الله عليه واله ) ، ومع ذلك قد اهتدوا بصفاء فطرتهم إلى الايمان باللَّه ، وتركوا المحرمات ، كالكذب وشرب الخمر والزنا ، ومن هؤلاء قس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو ، وورقة بن نوفل ، وغيرهم ، ويسمون الحنيفيين ، وكأنّ سائلا يسأل عن حكم هؤلاء عند اللَّه .
فأجابت الآية بأن هؤلاء لا بأس عليهم ، وكذلك اليهود والصابئة والنصارى الذين لم يدركوا محمدا (صلى الله عليه واله) ، كي يأخذوا عنه التفاصيل ، انهم جميعا لا خوف عليهم ، ما داموا على الإيمان باللَّه واليوم الآخر ، والعمل الصالح . . ونحن نميل إلى هذا المعنى .
وتسأل : ان المعنى الظاهر من هذه الآية أشبه بتحصيل الحاصل ، لأن قوله تعالى : {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ} بعد قوله : ان الذين آمنوا ، يجعل الكلام هكذا :
ان الذين آمنوا من آمن منهم ، وهذا تماما كقول القائل : ان المسلمين من أسلم منهم ، والقائمين من قام منهم . . فما هو الجواب ؟
وجوابه : ان هذا التساؤل انما يتجه إذا أعربنا من من قوله تعالى : {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ }. . إذا أعربناها مبتدأ . أما إذا جعلناها بدلا من الأصناف الثلاثة فقط ، أعني اليهود والصابئة والنصارى فيسقط التساؤل من أساسه ، حيث يكون المعنى على هذا : ان الذين آمنوا باللَّه من غير اليهود والصابئة والنصارى لا خوف عليهم ، وكذلك من آمن من هذه الأصناف الثلاثة لا خوف عليهم ، فحكم الجميع واحد.
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص117-118.
تكرار الإيمان ثانيا و هو الاتصاف بحقيقته كما يعطيه السياق يفيد أن المراد بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالإيمان ظاهرا المتسمون بهذا الاسم فيكون محصل المعنى أن الأسماء و التسمي بها مثل المؤمنين و اليهود و النصارى و الصابئين لا يوجب عند الله تعالى أجرا و لا أمنا من العذاب كقولهم: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، و إنما ملاك الأمر وسبب الكرامة و السعادة حقيقة الإيمان بالله و اليوم الآخر و العمل الصالح، و لذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة لئلا يكون تقريرا للفائدة في التسمي على ما يعطيه النظم كما لا يخفى و هذا مما تكررت فيه آيات القرآن أن السعادة و الكرامة تدور مدار العبودية، فلا اسم من هذه الأسماء ينفع لمتسميه شيئا، و لا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه و ينجيه إلا مع لزوم العبودية، الأنبياء و من دونهم فيه سواء، فقد قال تعالى في أنبيائه بعد ما وصفهم بكل وصف جميل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]، و قال تعالى في أصحاب نبيه و من آمن معه مع ما ذكر من عظم شأنهم و علو قدرهم: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 29] ، فأتى بكلمة منهم و قال في غيرهم ممن أوتي آيات الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } [الأعراف: 176] ، إلى غير ذلك من الآيات الناصة على أن الكرامة بالحقيقة دون الظاهر.
___________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص164.
القانون العام للنّجاة
بعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاماً في التقييم وفق المعايير الإلهية. وهذا المبدأ ينص على أن الإِيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، وليس للتظاهر والتصنّع قيمة في ميزان الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
هذه الآية تكررت مع اختلاف يسير في سورة المائدة، الآية 72 وفي سورة الحج الآية 17.
سياق الآية في سورة المائدة يشير إلى أن اليهود والنصارى فخِروا بدنيهم، واعتبروا أنفسهم أفضل من الآخرين، وادّعوا بأن الجنّة خاصة بهم دون غيرهم.
ولعل مثل هذا التفاخر صدر عن بعض المسلمين أيضاً، ولذلك نزلت هذه الآية الكريمة لتؤكد أن الإِيمان الظاهري لا قيمة له في الميزان الإلهي، سواء في ذلك المسلمون واليهود والنصارى وأتباع الأديان الاُخرى. ولتقول الآية أيضاً: إن الأجر عند الله يقوم على أساس الإِيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر إضافة إلى العمل الصالح. وهذا الأساس هو الباعث الوحيد للسعادة الحقيقة والإِبتعاد عن كل خوف وحزن.
تساؤل هام!
بعض المضللين اتخذوا من الآية الكريمة التي نحن بصددها وسيلة لبثّ شبهة مفادها أن العمل بأي دين من الأديان الإِلهية له أجر عند الله، وليس من اللازم أن يعتنق اليهودي أو النصراني الإِسلام، بل يكفي أن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً.
الجواب: نعلم أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً، والكتاب العزيز يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85].
كما أن القرآن مليء بالآيات التي تدعو أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الجديد، وتلك الشبهة تتعارض مع هذه الآيات. من هنا يلزمنا أن نفهم المعنى الحقيقي للآية الكريمة.
ونذكر تفسيرين لها من أوضح وأنسب ما ذكره المفسرون:
1 ـ لو عمل اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم، لآمنوا حتماً بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن بشارات الظهور وعلائم النّبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية، وسيأتي شرح ذلك في تفسير الآية 146 من سورة البقرة.
2 ـ هذه الآية تجيب على سؤال عَرَضَ لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإِسلام، يدور حول مصير آبائهم وأجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإِسلام، تُرى، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم وإيمانهم؟!
الآية المذكورة نزلت لتقول إن كل أُمّة عملت في عصرها بما جاء به نبيّها من تعاليم السماء وعملت صالحاً; فإنها ناجية، ولا خوف على أفراد تلك الاُمّة ولا هم يحزنون.
فاليهود المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور المسيح، والمسيحيون المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور نبي الإِسلام.
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص207-208.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|