أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-12-2018
1430
التاريخ: 19-11-2016
369
التاريخ: 14-12-2018
638
التاريخ: 18-11-2016
296
|
كان عمر يميل إلى الخير والدين مع أنه ولي الإمارة، وكانوا يفزعون إليه في أحوالهم. ولما مرض سليمان كتب العهد لأبنه أيوب، ولم يكن بالغاً، فرده عن ذلك رجاء بن حيوة فقال له: فما ترى في ابني داود، فقال له: هو بقسطنطينية، وأنت لا تدري أحي هو أم ميت، قال: فمن؟ فقال: رأيك يا أمير المؤمنين، قال: كيف ترى في عمر؟ فقال: أعلمه والله فاضلاً خيراً مسلماً، فقال: لئن وليته ولم أول أحداً من ولد عبد الملك لتكونن فتنة، ولا يتركونه، فكتب له، وجعل من بعده يزيد، وختم الكتاب، وأمر أن يجمع أهل بيته، وأمر رجاء بن حيوة أن يذهب بكتابه إليهم، وأمرهم أن يبايعوا من فيه، ففعلوا، ثم دخلوا على سليمان الكتاب بيده، فقال: هذا عهدي فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا.
قال رجاء: فجائني عمر بن عبد العزيز، فقال: يا رجاء قد كنت لي بسليمان حرمة وأنا أخشى أن يكون قد أسند إلي من هذا الأمر شيئاً، فإن كان فأعلمني استعفيه، فقال رجاء: والله لا أخبرك بحرف، فمضى قال: وجاءني هشام فقال: لي حرمة وعندي شكر فأعلمني، فقلت: لا والله لا أخبرك بحرف، فانصرف هشام وهو يضرب بيد على يد ويقول: فإلى من؟ فلما مات سليمان جددت البيعة قبل أن يخبر بموته، فبايعوا، ثم قرأ الكتاب، فلما ذكر عمر بن عبد العزيز نادى هشام: والله لا نبايعه، فقال له رجاء: إذن والله اضرب عنقك، قم فبايع، فقام يجر رجليه ويسترجع إذ خرج عنه الأمر، وعمر يسترجع إذ وقع فيه.
ثم جيء بمراكب الخلافة، فقال عمر: قربوا لي بغلتي، ثم أنشد يقول:
ولولا التقي ثم النهى خشية الردى... لعاصيت في حب الهوى كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى... له صبوة أخرى الليالي الغوابر
ثم قال: إن شاء الله، ثم خطب فقال: يا أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه، ولا مشورة. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فلي أمرنا باليمن والبركة. فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف، فاعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد له قبل أن ينزل بكم، وإن امرأً لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حياً لمعرق له في الموت.
ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال ثمنها في بيت المال ورد المظالم.
أخبرنا علي بن أبي عمر، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الباقلاوي، قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران قال: أخبرنا أبو بكر الآجري، قال: حدَّثنا أبو عبد الله بن مخلد، قال: حدَّثني سهل بن عيسى المروزي، قال: حدَّثني القاسم بن محمد بن الحارث المرزوي، قال: حدَّثني سهل بن يحيى بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: لما بلغ الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم قالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل.
وبلغ ذلك عمرو بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه: إنك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء، وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضاً لهم وسباً لمن بعدهم من أولا دهم، قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم، فأدخلتها في بيت المال جوراً وعدواناً، ولن تترك على هذا، فلما قرأ كتابه كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد، السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، أما بعد، فإنني بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه: أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانه أمة السكون، كانت تطوف في سوق حمص وتدخل حوانيتها، ثم الله أعلم بما اشتراها ذبيان من فيء المسلمين، فأهداها لأبيك فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود. ثم نشأت فكنت جباراً عنيداً، أتزعم أني من الظالمين لما حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز وجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبياً سفيهاً على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك، ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده، فويل لك وويل لأبيك، ما أكثر خصماءكما يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه.
وإن أظلم مني أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام، ويأخذ المال الحرام، وإن اظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابياً جافياً على مصر أذن له في المعازف اللهو والشرب. وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهماً في خمس فيء العرب فرويداً يا ابن بنانة، فلو التقى خلقاً البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء، فلطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق، ومن وراء هذا أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقاً، والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين.
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري بإسناده عن عمرو بن مهاجر قهرمان عمر بن عبد العزيز، قال: كان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز الوفاء عزيز.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري، قال: أخبرنا المعافى بن زكريا، قال: حدَّثنا عبد الله بن الضحاك، قال: حدَّثنا الهيثم ين عدي، عن عوانة بن الحكم، قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء إليه، فأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم. فبينما هم كذلك وقد أزمعوا على الرحيل إذ مر بهم رجاء بن حيوة - وكان من خطباء أهل الشام - فلما رآه جرير داخلاً على عمر أنشأ يقول:
يا أيها الرجل المرخي عمامته... هذا زمانك فاستأذن لنا عمر
قال: فدخل ولم يذكر من أمرهم شيئاً، ثم مر بهم عدي بن أرطأة فقال جرير:
يا أيها الرجل المرخي مطيته... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لا قيه... أني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
قال: دخل عدي على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي، مالي وللشعراء، قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح وأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، قال: كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع به لسانه، قال: أو تروي من قوله شيئاً؟ قال: نعم، فانشده يقول:
رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتاباً جاء بالحق معلما
شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا... عن الحق لما أصبح الحق مظلما
ونورت بالتبيان امرأ مدلسا ... وأطفأت بالقرآن ناراً تضرما
فمن مبلغ عني النبي محمدا ... وكل امرئ يجزي بما كان قدما
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه... وكان قديماً ركنه قد تهدما
تعالى علواً فوق عرش إلهنا... وكان مكان الله أعلا وأعظما
قال: ويحك يا عدي، من بالباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال: أو ليس هو الذي يقول:
ثم نبهنها فهبت كعاباً... طفلة ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت... ويلتا قد عجلت يا ابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسري... تتخطى إلى رؤوس النيام
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه، لا يدخل علي والله أبداً، من بالباب سواه؟ قال: همام بن غالب يعني الفرزدق - قال: أليس هو الذي يقول:
هما دلياني من ثمانين قامة... كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوى رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجى أم مثيل نحاذره
لا يطأ والله بساطي، فمن سواه بالباب منهم؟ قال: الأخطل، قال: يا عدي، هو الذي يقول:
ولست بصائم رمضان طوعاً ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيساً بكور... إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بزائر بيتاً بعيداً ... بمكة ابتغي فيه صلاحي
ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حيّ على الفلاح
ولكني سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح
والله لا يدخل علي وهو كافر أبداً، فهل بالباب سوى من ذكرت؟ قال: نعم، الأحوص، قال أليس هو الذي يقول:
الله بيني وبين سيدها... يفر مني بها واتبعه
فمن ها هنا أيضاً؟ قال: جميل بن معمر، قال يا عدي، هو الذي يقول:
ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن أمت... يوافق في الموتى ضريحها ضريحي
فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوي عليها صفيحا
فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحاً، والله لا يدخل عليّ أبداً، فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال نعم جرير بن عطية، قال: أما أنه الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب فليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
فإن كان لا بد فهو، فأذن لجرير، فدخل وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمداً... جعل الخلاقة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى ارعوى فأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس مولعة بحب العاجل
فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقل إلا حقاً، فأنشأ جرير يقول:
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت... أم قد كفاني بما بلغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدك تكفي فقد والده... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأن به... خبلاً من الجن أو مساً من البشر
خليفة الله ماذا تأمرون بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في هم يؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا... من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها... فمن لحاجة هذا الأرامل الذكر
الخير ما دمت حياً لا يفارقنا... بوركت يا عمر الخيران من عمر
فقال: يا جرير، ما أرى لك فيما ها هنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين أنا ابن سبيل ومنقطع، فأعطاه من صلب ماله مائة درهم.
قال: وقد ذكر أنه قال له: ويحك يا جرير لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاثمائة درهم، فمائة أخذها عبد الله، ومائة أخذتها أم عبيد الله، يا غلام أعطه المائة الباقية قال: فأخذها وقال: والله لهي أحب من كل ما اكتسبته.
قال: ثم خرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسركم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويعطي الشعراء، وإني عنه لراض، وأنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا يستفزه... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وحكى ابن قتيبة عن حماد الرواية، قال: لي كثير: ألا أخبرك بما دعاني إلى ترك الشعر؟ قلت: خبرني، قال: شخصت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز، وكل واحد منا يدل عليه بسابقة له أو خلة ونحن لا نشك في أنه سيشركنا في خلافته، فلما رفعت لنا أعلام خناصره لقينا مسلمة بن عبد الملك جائياً من عنده وهو يومئذ فتى العرب، فسلمنا عليه، فرد السلام، ثم قال: أما بلغكم أن أمامكم لا يقبل الشعر، قلت: ما وضح لنا حتى لقيناك. ووجمنا وجمة عرف ذلك فينا، قال: إن يكن ما تحبون وإلا فما ألبث حتى أرجع إليكم فأمنحكم ما أنتم أهله، فلما قدم كانت رحالنا هذه بأكرم منزل وأفضل منزول عليه، وأقمنا أربعة أشهر يطلب لنا الأذن هو وغيره، فلم يأذن لنا إلى أن قلت في جمعة من تلك الجمع: لو أني دنوت من عمر فسمعت كلامه فتحفظته كان ذلك رأياً، فكان مما تحفظته من كلامه يومئذ: لكل سفر لا محالة زاد، فتزودوا من الدنيا إلى الآخرة التقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولن عليكم الأمر فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم، في كلام كثير.
ثم قال: أعوذ بالله، أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيبتي، وتبدو مسكنتي في يوم لا نفع فيه إلا الحق والصدق. ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه، وارتج المسجد بالبكاء والعويل، فرجعت إلى أصحابي فقلت خذوا في شرح من الشعر غير ما كنا نقول لعمه وأبائه، فإن الرجل أخروي وليس بدنيوي إلى أن استأذن لنا مسلمة يوم جمعة، فأذن لنا بعدما أذن للعامة، فلما دخلت سلمت، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، طال الثواء وقلت الفائدة، وتحدثت بجفائك إيانا وفود العرب، فقال: يا كثير " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل " فقلت ابن السبيل منقطع به. وأنا صاحبك، قال: أولست ضيف أبي سعيد؟ قلت بلى، قال: ما أرى من كان ضيفه منقطعاً به، قلت: أفتأذن لي بالإنشاد يا أمير المؤمنين؟ قال: قل ولا تقل إلا حقاً، فقلت:
وليت فلم تشتم علياً ولم تخف... برياً ولم تقبل إشارة مجرم
وصدقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضياً كل مسلم
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بوجه ومعصم
وتومض أحياناً بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فأعرضت عنها مشمئزاً كأنما... سقتك مذوقاً من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ... ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تكلم
تركت الذي يفنى وإن كان مؤنقا... وآثرت ما يبقى برأي مصمم
سما لك هم في الفؤاد مؤرق... بلغت به أعلى البناء المقدم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني... بأخذ لدينار ولا أخذ درهم
ولا بسط كف بامرئ غير مجرم ... ولا السفك منه ظالماً ملء محجم
فاربح بها من صفقة لمتابع ... وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
فقال لي: يا كثير، إنك تسأل عما قلت. ثم تقدم الأحوص فاستأذنه في الإنشاد، فقال: قل ولا تقل إلا حقاً، فقال:
وما الشعر إلا خطبة من مؤلف ... بمنطق حق أو بمنطق باطل
فلا تقبلن إلا الذي وافق الرضا... ولا ترجعنا كالنساء الأرامل
رأيناك لم تعدل عن الحق يمنة ... ولا شامة فعل الظلوم المجادل
ولكن أخذت القصد جهدك كله ... تقفو مثال الصالحين الأوائل
فقلنا ولم نكذب بما قد بدا لنا ... ومن ذا يرد الحق من قول قائل
ومن ذا يرد السهم بعد مضائه ... على فوقة إن عار من نزع نابل
ولو لا الذي عودتنا خلائف ... غطاريف كانت كالليوث البواسل
لما وخدت شهراً برجلي رسله ... تغل متون البيد بين الرواحل
فإن لم يكن للشعر عندك موضع... وإن كان مثل الدر من قول قائل
فإن لنا قربى ومحض مودة... وميراث آباء مشوا بالمناصل
فذادوا عمود الشرك عن عقر دارهم ... وأرسوا عمود الدين بعد التمائل
وقبلك ما أعطى هنيدة جلة ... على الشعر كعباً من سديس وبازل
رسول الإله المستضاء بنوره ... عليه سلام بالضحى والأصائل
فكل الذي عددت يكفيك بعضه ... ونيلك خير من بحور سوائل
فقال: يا أحوص، إنك تسأل عما قلت. وتقدم نصيب فاستأذنه في الإنشاد فلم يأذن له وأمره بالغزو إلى دابق، فخرج وهو محموم، وأمر لي بثلاثمائة درهم، وللأحوص بمثلها، ولنصيب بخمسين درهماً.
قال المصنف: وما زال عمر بن عبد العزيز منذ ولي يجتهد في العدل ومحو الظلم وترك الهوى، وكان يقول للناس: ارحلوا إلى بلادكم فإني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم. ومن ظلمه عامله فلا إذن له علي.
وخير جواريه لما ولي، فقال: قد جاء أمر شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء، قالت زوجته فاطمة ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ ولي إلى أن مات.
وقيل لها اغسلي قميصه فقالت: والله لا يملك غيره.
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف، قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو الفضل الربعي، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، عن الهيثم بن عدي، قال: كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان - زوجة عمر - جارية ذات جمال فائق، وكان عمر معجباً بها قبل أن تفضي إليه الخلافة، فطلبها منها وحرص، فغارت من ذلك، فلم تزل في نفس عمر، فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت ثم حليت، فكانت حديثاً في سنها وجمالها، ثم دخلت فاطمة بالجارية على عمر، فقالت يا أمير المؤمنين، إنك كنت بفلانة معجباً، وسألتنيها فأبيت ذلك عليك، وإن نفسي قد طابت لك بها اليوم، فدونكها، فلما قالت ذلك استبانت الفرح في وجهه، ثم قال: ابعثي بها إلي، فلما دخلت عليه نظر في شيء أعجبه فازداد بها عجباً، فقال لها: ألقي ثوبك، فلما همت أن تفعل قال: على رسلك، اقعدي، اخبرني لمن كنت؟ ومن أين أنت لفاطمة؟ قالت: كان الحجاج بن يوسف أغرم عاملاً كان له من أهل الكوفة مالاً وكنت في رقيق ذلك العامل فاستصفاني عنه مع رقيق له وأموال، فبعث بي إلى عبد الملك بن مروان وأنا يومئذ صبية، فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة. قال وما فعل ذلك العامل، قالت: هلك، وما ترك ولداً؟ قالت: بلى، قال: وما حالهم؟ قالت: بشرّ، قال: شدي عليك ثوبك.
ثم كتب إلى عبد الحميد عامله على بلدهم: أن سرح لي فلان بن فلان على البريد، لما قدم قال: ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك فلم يرفع إليه شيئاً إلا دفعه إليه، ثم أمر بالجارية فدفعت إليه، فلما أخذها بيدها قال: إياك وإياها فإنك حديث السن ولعل أباك أن يكون قد وطئها، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين هي لك، قال لا حاجة لي فيها، قال: فابتعها مني، قال لست إذا ممن ينهى النفس عن الهوى. فمضى بها الفتى فقالت له الجارية: فأين موجدتك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها لعلى حالها ولقد ازدادت، فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات.
أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن خلف، قال: حدَّثنا أحمد بن مطرف، قال: حدَّثنا أحمد بن المغلس الجماني، قال: حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدَّثنا ابن المبارك، عن سفيان عن أبي الزناد، عن أبي حازم، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز وقد ولي الخلافة، فلما نظر إلي عرفني ولم أعرفه، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فقلت أنت أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فقلت: ألم تكن عندنا بالمدينة أميراً، فكان مركبك وطياً، وثوبك نقياً ووجهك بهياً، وطعامك شهياً، وخدمك كثير، فما الذي غيرك وأنت أمير المؤمنين؟ فبكى وقال: يا أبا حازم، فكيف لو رأيتني بعد ثلاث في قبري وقد سالت حدقتاي على وجنتي، ثم جف لساني، وانشقت بطني وجرت الديدان في بدني لكنت لي أشد إنكاراً، أعد عليّ الحديث الذي حدثتني بالمدينة، قلت: يا أمير المؤمنين، سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين أيديكم عقبة كؤوداً مضرسة لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول " قال: فبكى بكاء طويلاً ثم قال لي: يا أبا حازم، أما ينبغي لي أن أضمر نفسي لتلك العقبة فعسى أن أنجو منها يومئذ، وما أظن أني مع هذا البلاء الذي ابتليت به من أمور الناس بناج. ثم رقد ثم تكلم الناس، فقلت أقلوا الكلام فما فعل به ما ترون إلا سهر الليل، ثم تصبب عرقاً في يوم الله أعلم كيف كان، ثم بكى حتى علا نحيبه، ثم تبسم، فسبقت الناس إلى كلامه، فقلت: يا أمير المؤمنين، رأيت منك عجباً، إنك لما رقدت تصببت عرقاً حتى ابتل ما حولك، ثم بكيت حتى علا نحيبك ثم تبسمت، فقال لي: وقد رأيت ذلك ؟ قلت: نعم ومن كان حولك من الناس رآه، فقال لي: يا أبا حازم، أني لما وضعت رأسي فرقدت، رأيت كأن القيامة قد قامت واجتمع الناس، فقيل: انهم عشرون ومائة صف فملأوا الأفق، أمة محمد من ذلك ثمانون صفاً مهطعين إلى الداعي ينتظرون متى يدعون إلى الحساب، إذ نودي أين عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق؟ فأجاب فأخذته الملائكة فأوقفوه أمام ربه عز وجل، فحوسب ثم نجا وأخذ به ذات اليمين، ثم نودي بعمر فقربته الملائكة، فوقفوه أمام ربه، فحوسب ثم نجا، وأمر به وبصاحبه إلى الجنة. ثم نودي بعثمان، فأجاب، فحوسب يسيراً، ثم أمر به إلى الجنة، ثم نودي بعلي بن أبي طالب، فحوسب ثم أمر به إلى الجنة. فلما قرب الأمر مني أسقط في يدي، ثم جعل يؤتى بقوم لا أدري ما حالهم، ثم نودي أين عمر بن عبد العزيز؟ فتصببت عرقاً، ثم سئلت عن الفتيل والنقير والقطمير وعن كل قضية قضيت بها، ثم غفر لي، فمررت بجيفة، ملقاة، فقلت للملائكة: من هذا؟ فقالوا إنك لو كلمته كلمك، فوكزته في رجلي فرفع رأسه إلي وفتح عينيه، فقلت له: من أنت؟ فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا عمر بن عبد العزيز، قال: ما فعل الله بك؟ قلت: تفضل علي وفعل بي ما فعل بالخلفاء الأربعة الذين غفر لهم، وأما الباقون فما أدري ما فعل بهم، فقال لي: هنيئاً لك ما صرت إليه. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا الحجاج، قدمت على الله عز وجل فوجدته شديد العقاب فقتلني بكل قتله قتلة، وها أنا موقوف بين يدي الله عز وجل أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم، إما إلى الجنة أو إلى النار.
قال أبو حازم: فعاهدت الله عز وجل بعد رؤيا عمر بن عبد العزيز ألا اقطع على أحد بالنار ممن يموت وهو يقول لا إله إلا الله.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|