المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير آية (36) من سورة النساء  
  
10717   04:48 مساءً   التاريخ: 10-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017 10226
التاريخ: 5-2-2017 7251
التاريخ: 10-2-2017 3227
التاريخ: 10-2-2017 9570


قال تعالى : {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً} [النساء : 36] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

 

لما أمر سبحانه بمكارم الأخلاق في أمر اليتامى ، والأزواج ، والعيال ، عطف على ذلك بهذه الخلال المشتملة على معاني الأمور ، ومحاسن الأفعال ، فبدأ بالأمر بعبادته فقال : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} : أي وحدوه وعظموه ، ولا تشركوا في عبادته غيره ، فإن العبادة لا تجوز لغيره ، لأنها لا تستحق إلا بفعل أصول النعم ، ولا يقدر عليها سواه تعالى . {وبالوالدين إحسانا} : أي فاستوصوا بهما برا ، وإنعاما ، وإحسانا ، وإكراما ، وقيل : إن فيه إضمار فعل : أي وأوصاكم الله بالوالدين إحسانا {وبذي القربى واليتامى والمسكين} معناه : أحسنوا بالوالدين خاصة ، وبالقرابات عامة ، يقال : أحسنت إليه ، وأحسنت به ، وأحسنوا إلى اليتامى بحفظ أموالهم ، والقيام عليها ، وغيرها من وجوه الإحسان ، وأحسنوا إلى المساكين ، فلا تضيعوهم ، وأعطوهم ما يحتاجون إليه من الطعام ، والكسوة ، وسائر ما لا بد منه لهم . {والجار ذي القربى والجار الجنب} قيل : معناه الجار القريب في النسب ، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . وقيل : المراد به الجار ذي القربى منك بالإسلام ، والجار الجنب : المشرك البعيد في الدين . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

" الجيران ثلاثة : جار له ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق القرابة ، وحق الإسلام .

وجار له حقان : حق الجوار وحق الإسلام . وجار له حق الجوار : المشرك من أهل الكتاب " .

وقال الزجاج : والجار ذي القربى : الذي يقاربك وتقاربه ، ويعرفك وتعرفه ، والجار الجنب : البعيد . وروي أن حد الجوار إلى أربعين دارا ، ويروى إلى أربعين ذراعا . قال : ولا يجوز أن يكون المراد بذي القربى من القرابة ، لأنه قد سبق ذكر القرابة . والأمر بالإحسان إليهم ، بقوله : {وبذي القربى} ، ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال : هذا جائز ، وإن كان قد سبق ذكر القرابة ، لان الجار إذا كان قريبا فله حق القرابة والجوار ، والقريب الذي ليس بجار : له حق القرابة فحسب ، فحسن إفراد الجار القريب بالذكر . {والصاحب بالجنب} في معناه أربعة أقوال أحدها : إنه الرفيق في السفر ، عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وجماعة ، والإحسان إليه بالمواساة وحسن العشرة . وثانيها : أنه الزوجة ، عن عبد الله بن مسعود ، وابن أبي ليلى ، والنخعي . وثالثها : إنه المنقطع إليك يرجو نفعك (2) ، عن ابن عباس في إحدى الروايتين ، وابن زيد . ورابعها : إنه الخادم الذي يخدمك . والأولى حمله على الجميع .

{وابن السبيل} معناه : صاحب الطريق ، وفيه قولان أحدهما : إنه المسافر ، عن مجاهد ، والربيع . وقيل : هو الضيف ، عن ابن عباس قال : والضيافة ثلاثة أيام ، وما فوقها فهو معروف ، وكل معروف صدقة . وروى جابر عن النبي : " كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك " .

{وما ملكت أيمانكم} : يعني به المماليك من العبيد ، والإماء . وذكر اليمين تأكيدا كما يقال مشت رجلك ، وبطشت يدك . فموضع (ما) من قوله {وما ملكت أيمانكم} جر بالعطف على ما تقدم : أي . وأحسنوا إلى عبيدكم وإمائكم بالنفقة ، والسكنى ، ولا تحملوهم من الأعمال ما لا يطيقونه ، أمر الله عباده بالإحسان إلى هؤلاء أجمع {إن الله لا يحب} : أي لا يرتضي {من كان مختالا} في مشيته {فخورا} على الناس بكثرة المال ، تكبرا ، عن ابن عباس ، وإنما ذكرهما لأنهما يأنفان من أقاربهم وجيرانهم إذا كانوا فقراء ، لا يحسنان عشرتهم ، وهذه آية جامعة تضمنت بيان أركان الإسلام ، والتنبيه على مكارم الأخلاق ، ومن تدبرها حق التدبر ، وتذكرها حق التذكر ، أغنته عن كثير من مواعظ البلغاء ، وهدته إلى جم غفير من علوم العلماء .

___________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص82-84 .

2 . ورفدك .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآية (1) :

 

{واعْبُدُوا اللَّهً} . وما عبد اللَّه بشيء أفضل من الجهاد والاستشهاد من أجل الحق والحرية والإنسانية ، أما طلب العلم والعمل من أجل الحياة ، والتعاون

على ما فيه الخير ، وإصلاح ذات البين فأفضل من عامة الصلاة والصيام ، كما جاء في الحديث .

{وتشركوا به شيئا} . إنكار الألوهية من الأساس كفر وجحود . أما الشرك فهو على نوعين : شرك في الألوهية ، كمن يؤمن بأن الخالق والرازق أكثر من واحد . ومن هذا الشرك الاعتقاد بأن للَّه وزراء وأعوانا ومستشارين . وشرك في الطاعة ، كمن يؤمن بأن الخالق والرازق واحد لا شريك له ولا أعوان له ولا وزراء ولا مستشارين ، ولكنه يعصي الخالق في طاعة المخلوق ، ويؤثر مرضاته على مرضاة اللَّه ، ومن هذا الشرك الرضا عن الحاكم الجائر ، وعن الوزير أو النائب الخائن ، والقاضي الجاهل الفاسق ، وعن كل من تولى شأنا من الشؤون العامة ، وما هو له بكفؤ . وفي الحديث من رضي بفعل قوم فهو شريك لهم .

{وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} . قرن اللَّه سبحانه وجوب التعبد له بوجوب البرّ بالوالدين في العديد من الآيات ، منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : { وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً - 24 الإسراء } .

ومنها : {أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ - 14 لقمان} .

ومن دعاء الإمام زين العابدين لوالديه : « يا إلهي أين طول شغلهما بتربيتي ؟

وأين شدة تعبهما في حراستي ؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ ؟ هيهات ما يستوفيان مني حقهما ، ولا أدرك ما يجب عليّ لهما ، ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما » .

{وبِذِي الْقُرْبى} . بعد الأمر بالإحسان للوالدين أمر بالإحسان للأقارب والأرحام ، ثم {الْيَتامى والْمَساكِينِ} ولو انهم أبعد مكانا من الجار ، لأن اليتيم فقد الناصر والمعين ، أعني الأب ، ولأن المسكين لا ينتظم حال المجتمع إلا بالعناية به ، والمسكين الذي ينبغي العناية به هو الضعيف العاجز عن الكسب ، أما إعانة القادر على العمل ، ومع ذلك آثر البطالة والكسل ، فتشجيع على الرذيلة ، وفي الحديث : ان اللَّه يحب العبد المحترف . . ويكره العبد البطال . وقال الحواريون لعيسى : من أفضل منا ؟ قال : أفضل منكم من يعمل بيده ، ويأكل من كسبه .

وذكرنا في فقرة « اللغة » معنى {الْجارِ ذِي الْقُرْبى والْجارِ الْجُنُبِ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ وما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} . ولا ينحصر الإحسان بإعطاء المال ، بل يشمل الرفق والتواضع والسعي في قضاء الحوائج ، والنصح في المشورة ، وكتمان السر ، وغض الطرف عن العورات ، وعدم إشاعة السيئات ، وإعارة الأدوات ، وما إلى هذه . . وعلى أية حال ، فان الأمر بالإحسان إلى هؤلاء ندب لا فرض .

{إِنَّ اللَّهً لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً} . هذا تهديد ووعيد لمن يأنف من أقاربه الفقراء ، وجيرانه الضعفاء .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 320 – 322 .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

 

قوله تعالى : { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } هذا هو التوحيد غير أن المراد به التوحيد العملي ، وهو إتيان الأعمال الحسنة ـ ومنها الإحسان الذي هو مورد الكلام ـ طلبا لمرضاة الله وابتغاء لثواب الآخرة دون اتباع الهوى والشرك به .

والدليل على ذلك أنه تعالى عقب هذا الكلام أعني قوله : { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } ، وعلله بقوله : { إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً } ، وذكر أنه البخيل بماله والمنفق لرئاء الناس ، فهم الذين يشركون بالله ولا يعبدونه وحده ، ثم قال : { وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا } ، وظهر بذلك أن شركهم عدم إيمانهم باليوم الآخر ، وقال تعالى : { وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ } : [ ص : 26] فبين أن الضلال باتباع الهوى ـ وكل شرك ضلال ـ إنما هو بنسيان يوم الحساب ، ثم قال : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ } : [ الجاثية : 23 ] فبين أن اتباع الهوى عبادة له وشرك به.

فتبين بذلك كله أن التوحيد العملي أن يعمل الإنسان ابتغاء مثوبة الله وهو على ذكر من يوم الحساب الذي فيه ظهور المثوبات والعقوبات ، وأن الشرك في العمل أن ينسى اليوم الآخر ـ ولو آمن به لم ينسه ـ وأن يعمل عمله لا لطلب مثوبة بل لما يزينه له هواه من التعلق بالمال أو حمد الناس ونحو ذلك ، فقد أشخص هذا الإنسان هواه تجاه ربه ، وأشرك به.

فالمراد بعبادة الله والإخلاص له فيها أن يكون طلبا لمرضاته ، وابتغاء لمثوبته لا لاتباع الهوى.

قوله تعالى : { وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً } إلى قوله : { أَيْمانُكُمْ } الظاهر أن قوله : { إِحْساناً } مفعول مطلق لفعل مقدر ، تقديره : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، والإحسان يتعدى بالباء وإلى معا يقال : أحسنت به وأحسنت إليه ، وقوله : { وَبِذِي الْقُرْبى } ، هو وما بعده معطوف على الوالدين ، وذو القربى القرابة ، وقوله : { وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ } قرينة المقابلة في الوصف تعطي أن يكون المراد بالجار ذي القربى الجار القريب دارا ، وبالجار الجنب ـ وهو الأجنبي ـ الجار البعيد دارا ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله : تحديد الجوار بأربعين ذراعا ، : وفي رواية : أربعون دارا ، ولعل الروايتين ناظرتان إلى الجار ذي القربى والجار الجنب .

وقوله : والصاحب بالجنب هو الذي يصاحبك ملازما لجنبك ، وهو بمفهومه يعم مصاحب السفر من رفقة الطريق ومصاحب الحضر والمنزل وغيرهم ، وقوله : وابن السبيل هو الذي لا يعرف من حاله إلا أنه سألك سبيل كأنه ليس له من ينتسب إليه إلا السبيل فهو ابنه ، وأما كونه فقيرا ذا مسكنة عادما لزاد أو راحلة فكأنه خارج من مفهوم اللفظ ، وقوله : وما ملكت أيمانكم المراد به العبيد والإماء بقرينة عده في عداد من يحسن إليهم ، وقد كثر التعبير عنهم بما ملكته الأيمان دون من ملكته .

قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً } المختال التائه المتبختر المسخر لخياله ، ومنه الخيل للفرس لأنه يتبختر في مشيته ، والفخور كثير الفخر ، والوصفان أعني الاختيال وكثرة الفخر من لوازم التعلق بالمال والجاه ، والإفراط في حبهما ، ولذلك لم يكن الله ليحب المختال الفخور لتعلق قلبه بغيره تعالى ، وما ذكره تعالى في تفسيره بقوله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } إلخ وقوله : { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ } إلخ يبين كون الطائفتين معروضتين للخيلاء والفخر : فالطائفة الأولى متعلقة القلب بالمال ، والثانية بالجاه وإن كان بين الجاه والمال تلازم في الجملة .

وكان من طبع الكلام أن يشتغل بذكر أعمالهما من البخل والكتمان وغيرهما لكن بدأ بالوصفين ليدل على السبب في عدم الحب كما لا يخفى.

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 299-301 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

 

الآية الحاضرة تبيّن سلسلة من الحقوق الإسلامية بما فيها الحقوق الإلهية ، وحقوق العباد ، وآداب العشرة مع الناس ، ويستفاد منها عشرة تعاليم :

١ـ {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}

إنّ الآية تدعو الناس قبل أي شيء إلى عبادة الله والخضوع له وحده ، وترك الشرك والوثنية التي هي أساس كل البرامج والمناهج الإسلامية.

إنّ الدّعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده تطهر الروح ، وتخلص النية ، وتقوي الإرادة ، وتشدد من عزيمة الإنسان على الإتيان بأي برنامج مفيد.

وحيث أنّ الآية الحاضرة تبيّن سلسلة من الحقوق الإسلامية لذلك فقد أشارت إلى حقّ الله على الناس قبل أي شيء وقبل أي حقّ وقالت : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).

٢ـ {وبالوالدين إحسانا}

ثمّ إنّها تشير إلى حقّ الوالدين وتوصي بالإحسان إليهما ولا شك أنّ حقّ الوالدين من القضايا التي يهتمّ بها القرآن الكريم كثيرا ، وقلّما حظى موضوع بمثل هذا الاهتمام والعناية ، فقد جاءت التوصية بالوالدين بعد الدعوة إلى التوحيد في العبادة في أربعة مواضع في القرآن الكريم (2) .

من هذه التعابير المتكررة يستفاد أن ثمّة ارتباطا بين هاتين المسألتين ، والقضية في الحقيقة كالتالي : حيث إن أكبر نعمة هي نعمة الوجود والحياة وهي مأخوذة من جانب الله سبحانه في الدرجة الأولى ، فيما ترتبط بالوالدين في الدرجة الثانية ، لأنّ الولد جزء من وجود الوالدين ، لذلك كان ترك حقوق الوالدين وتجاهلها ، في مصاف الشرك بالله سبحانه .

هذا ولنا أبحاث مفصلة حول حقوق الوالدين في ذيل الآيات المناسبة في سورة الإسراء ولقمان بإذن الله تعالى .

٣ـ {وبذي القربى}

ثمّ أنّها توصي بالإحسان إلى كلّ الأقرباء ، وهذا الموضوع من المسائل التي يهتم بها القرآن الكريم اهتماما بالغا تارة تحت عنوان «صلة الرحم» وأخرى بعنوان «الإحسان إلى القربى» وقد أراد الإسلام بهذا ـ في الحقيقة ـ أن يقوي من أواصر العلاقة الواسعة بين جميع أفراد البشر مضافا إلى إيجاد أواصر وعلاقات أقوى وأمتن منها في الوحدات الاجتماعية التي هي أكثر انسجاما مثل «العشيرة» و«العائلة» ليستطيعوا التعاون في ما بينهم عند ظهور المشاكل والحوادث ، والتعاون على الدفاع عن حقوقهم.

٤ـ {واليتامى}

ثمّ أشارت إلى حقوق «اليتامى» وأوصت المؤمنين ببرهم والإحسان إليهم ، لأنّه يوجد في كل مجتمع أطفال أيتام على أثر الحوادث المختلفة ، لا يهدد تناسيهم وإهمالهم وضعهم الخاص فقط ، بل الوضع الاجتماعي بصورة عامّة ، لأنّ الأطفال اليتامى لو تركوا دون ولاية أو حماية ولم ينالوا حاجتهم من المحبّة واللطف يتحولون إلى أفراد منفلتين فاسدين ، بل أشخاص خطرين جناة .

وعلى هذا يكون الإحسان إلى اليتامى إحسانا إلى الفرد وإلى المجتمع معا .

٥ـ {والمساكين}

ثمّ يذكّر سبحانه ـ في هذه الآية ـ بحقوق الفقراء والمساكين ، لأنّه قد يوجد حتى في المجتمع السليم الذي يسوده العدل من يعاني من نواقص وعاهات تعوقه عن الحركة والنشاط والفعالية ، ولا شك أنّ تناسي هؤلاء أمر يخالف كل الأسس والقيم الإنسانية ، فلا بدّ من تقديم العون إليهم ، ومعالجة حرمانهم.

وأمّا إذا كان الفقر والحرمان الذي يعاني منه الأفراد الأصحاء ناشئين عن الانحراف عن مبادئ وأسس العدالة الاجتماعية فإنّه لا بدّ من مكافحتهما أيضا.

٦ـ {والجار ذي القربى}

ثمّ يوصي بالجيران من ذوي القربى ، وهناك احتمالات متعددة حول المراد من «الجار ذي القربى» أبداها المفسرون ، فبعضهم قال : معناه الجار القريب في النسب ، غير أن هذا التّفسير يبدو بعيدا بملاحظة العبارات السابقة التي أشارت إلى حقوق الأقرباء في هذه الآية ، فلا بدّ أن يكون المراد هو القرب المكاني لا القرب النسبي ، لأن الجيران الأقربين مكانا يستحقون احتراما وحقوقا أكثر من غيرهم ، أو أن يكون المراد الجيران الأقربين إلى الإنسان من الناحية الدينية والاعتقادية .

٧ـ {والجار الجنب}

ثمّ إنها توصي بالجيران البعيدين ، والمراد ـ كما أسلفنا ـ هو البعد المكاني ، لأنّ كل أربعين دارا من بين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله تعتبر من الجيران ، كما تصرح بعض الروايات (3) ، وهذا يستوعب في المدن الصغيرة كل المدينة تقريبا (لأنّنا لو فرضنا دار كل شخص مركز دائرة يقع في امتداد شعاعها من كل صوب أربعون بيتا لاتّضحت من خلال محاسبة بسيطة مساحة هذه الدائرة التي يكون مجموع البيوت الواقعة فيها ما يقرب من خمسة آلاف بيت ، ومن المسلم أن المدن الصغيرة قلّما تتشكل من أكثر من هذا العدد من المنازل والبيوت .

والجدير بالتأمل أنّ القرآن يصرّح ـ في هذه الآية ـ مضافا إلى ذكر الجيران القربين ـ بحقّ الجيران البعيدين ، لأنّ لفظة الجار لها في العادة مفهوم محدود وضيق وتشمل الجيران القريبين فقط ، ولهذا لم يكن بدّا في نظر الإسلام أن يذكر بالجيران البعيدين أيضا.

كما يمكن أن يكون المراد من الجيران البعيدين الجيران غير المسلمين ، لأنّ حقّ الجوار غير منحصر في نظر الإسلام بالجيران المسلمين ، فهو يعمّ المسلمين وغير المسلمين (اللهم إلّا الذين يحاربون المسلمين ويعادونهم).

إنّ لحقّ الجوار في الإسلام أهميّة بالغة إلى درجة أنّنا نقرأ في وصايا الإمام أمير المؤمنين عليه ‌السلام المعروفة : «ما زال (رسول الله) يوصي بهم حتى ظننا أنّه سيورثهم» (4) (وقد ورد هذا الحديث في مصادر أهل السنة أيضا فقد روي في تفسير المنار وتفسير القرطبي من البخاري مثل هذا المضمون عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم أيضاً) (5) .

وروي في حديث آخر عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم أنّه قال ذات يوم «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ، فقيل : يا رسول الله ومن ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه» (6) .

كما نقرأ في حديث آخر أيضا أنّ النّبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» (7).

وروي عن الإمام الصّادق جعفر بن محمّد عليهما‌ السلام أنّه قال : «حسن الجوار يعمر الدّيار ويزيد في الأعمار» (8).

في عالمنا المادي حيث لا يعرف الجار عن جاره شيئا ، بل وربّما لا يتعرف على اسم صاحبه بعد عشرين سنة من الجيرة والجوار يتألّق هذا التعليم الإسلامي في حق الجار بشكل خاص ، فإنّ الإسلام يقيم للعلاقات العاطفية والتعاون الإنساني وزنا خاصّا ، ويوليها اهتماما كبيرا ، في حين تؤول هذه العلاقات والعواطف في الحياة الصناعية المادية إلى الزوال يوما بعد يوم ، وتعطي مكانها إلى القسوة والجفاء والخشونة.

٨ـ والصّاحب بالجنب

ثمّ أوصت بالرّفيق والصّاحب ، غير أنّه لا بدّ من الانتباه إلى أنّ لـ «الصاحب بالجنب» معنى أوسع من الرفيق والصديق المتعارف ، وفي الحقيقة تشمل كل من رافق أو صاحب الإنسان مرافقة ما سواء كان صديقا دائميا أو صديقا مؤقتا (كالذي يرافق الإنسان في السفر بعض الوقت) وتفسير لفظة «لصاحب بالجنب» في بعض الروايات بالرفيق مثل «رفيقك في السفر» (9) أو الذي يقصد الإنسان رجاء نفعه مثل : (المنقطع إليك يرجو نفعك» (10) ليس المراد هو اختصاص هذا العنوان بهم ، بل هو نوع من التوسعة في مفهوم هذه اللفظة بحيث تشمل هذه الموارد أيضا ، وبهذا الطريق تكون هذه الآية أمرا كليا وجامعا بحسن معاشرة كل من يرتبط بالمرء ، سواء كان صديقا واقعيا ، أو زميلا ، أو رفيق سفر ، أو مراجعا ، أو تلميذا ، أو مشاورا ، أو خادما.

وقد فسرت لفظة الصاحب بالجنب في بعض الروايات بالزّوجة ، وقد روى صاحب تفسير المنار ، وتفسير روح المعاني والقرطبي في ذيل هذه الآية هذا المعنى عن علي عليه‌ السلام ، ولكن لا يبعد أن يكون هذا من باب بيان أحد المصاديق أيضا.

٩ـ وابن السبيل

وأمّا الصنف الآخر الذي أوصت بهم الآية هنا فهم الذين تحدث لهم حاجة السفر وبلاد الغربة ، فابن السبيل هو الذي ينقطع في السفر وإن كان يمكن أن يكون متمكّنا ذا مال في بلده ، والتعبير عن هذا الشخص بابن السبيل (أي ابن الطريق) إنّما هو لأجل أنّنا لا نعرفهم أصلا حتى ننسبهم إلى عائلة أو قبيلة أو شخص ، بل لا بدّ أن نحميهم بمجرّد أنّهم مسافرون انقطعوا في السفر ، وبرزت لديهم حاجة إلى المساعدة والعون.

١٠ـ وما ملكت أيمانكم

وفي نهاية المطاف توصي هذه الآية بالإحسان إلى العبيد والأرقاء ، وبهذا تكون الآية ـ في الحقيقة ـ قد بدأت بحق الله ، وختمت بحقوق العبيد ، لعدم انفصال هذه الحقوق بعضها عن بعض .

على أنّ هذه الآية ليست هي الآية الوحيدة التي توصي بالعبيد ، بل لقد بحثت هذه المسألة في آيات مختلفة أخرى أيضا.

هذا مضافا إلى أنّ الإسلام قد نظم برنامجا دقيقا لتحرير العبيد تدريجا ، والذي يؤول في النتيجة إلى تحريرهم المطلق ، وسوف نتحدّث حول هذه المسألة في ذيل الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول في ختام هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) وهو بذلك يحذر كل من يتمرّد ويعصي أوامر الله ، ويتقاعس عن القيام بحقوق أقربائه ووالديه واليتامى والمساكين وابن السبيل والأصدقاء والأصحاب بدافع التكبر بأنّه سيكون معرضا لسخط الله ، وسيحرم من عنايته سبحانه ، ولا ريب أنّ من حرم من اللطف الإلهي والعناية الرّبانية حرم من كل خير وسعادة.

وتؤيد هذا المعنى روايات وأخبار قد رويت في ذيل هذه الآية منها ما عن أصحاب النّبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم حيث قال : كنت عند رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم فقرأ هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) فذكر الكبر فعظمه ، فبكى ذلك الصحابي فقال له رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم : ما يبكيك ؟ فقال يا رسول الله : إنّي لأحب الجمال حتى أنّه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي قال : «فأنت من أهل الجنّة ، أنّه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك ورحلك ، ولكن الكبر من سفه الحقّ وغمص الناس» (11) .

والخلاصة أنّ ما يستفاد من العبارة الأخيرة أنّ مصدر الشرك وهضم حقوق الآخرين هو الأنانية والتكبر غالبا ، ولا يتسنى للشخص أداء تلك الحقوق ، وخاصّة حقوق الأيتام والمساكين والأرقاء إلّا من تحلّى بروح التواضع ونكران الذات (12) .

__________________

(1) تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 126-131 .

(2) سورة البقرة ، الآية ٨٣ ، سورة الأنعام ، الآية ١٥١ ، سورة الإسراء ، الآية ٢٣ مضافا إلى الآية الحاضرة .

(3) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٠ ؛ أصول الكافي ، ج2 ، ص 669 .

(4) نهج البلاغة ، الرسالة 47 .

(5) تفسير الكامل لابن أثير ، ج2 ، ص 260 .

(6) تفسير القرطبي ، ج3 ، ص 1754 ، ذيل الآية مورد البحث .

(7) تفسير المنار ، ج5 ، ص 92 .

(8) تفسير الصافي ، ج1 ، ص 449 .

(9) بحار الأنوار ، ج4 ، ص9 ؛ تفسير العياشي ، ج1 ، ص 241 .

(10) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث .

(11) غمص الناس : احتقرهم واستصغرهم ولم يرهم شيئا. انظر لسان العرب (غمص).

(12) «مختال» من مادة «خيال» حيث يرى الشخص نفسه بسبب بعض المتخيلات عظيما وكبيرا ، وسمي الخيل خيلا لأن مشيته تشبه مشية المتكبر ، «فخور» من مادة «فخر» والفرق بينها وبين الأولى ان المختال إشارة إلى تخيلات الكبر في مجالها الذهني والأخرى يراد بها الأعمال الصادرة عن كبر في المجال الخارجي .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .