أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2023
1989
التاريخ: 12-4-2017
21114
التاريخ: 15-6-2016
4765
التاريخ: 14-10-2017
4128
|
ان تقرير قواعد الشكل والاجراءات انما هو لمصلحة الادارة والافراد على حد سواء. كما ان المنطق القانوني يقضي ان يكون البطلان هو جزاء كل مخالفة في الشكل او الاجراء في القرار الاداري ولكن هل يلغي القاضي الاداري القرار لمجرد مخالفة الادارة اي شكلية او اجراء مهما كانت اهميتها وتأثيرها في القرار الاداري؟ في الواقع ان الاجابة عن هذا التساؤل بالايجاب المطلق قد يدفع بالصدارة الى الاعتداد بالشكل والاجراءات الى درجة كبيرة كي تتفادى الغاء قراراتها الادارية، وهو ما يؤدي الى عرقلة العمل الاداري وتعقيده وبالتالي يقلل من كفاءتها ويعطل مصالح الافراد بشكل كبير (1). لذلك فقد اختط القضاء الاداري لنفسه طريقاً وسطاً فهو لم يتشدد في التمسك بقواعد الشكل الى الحد الذي يعوق من نشاط الادارة، كما انه من جهة اخرى لم يسمح بعدم الاعتداد بهذه القواعد الى الحد الذي يصل الى اهدار المصلحة العامة ومصالح الافراد (2). وتأكيداً لهذين الاعتبارين فقد قدر القضاء الاداري في فرنسا ومصر ان القرار الاداري المعيب بالشكل والاجراء لايكون باطلاً الا في حالتين:
اولهما: اذا نص القانون على شكل او اجراء معين ورتب البطلان على مخالفة ذلك الشكل او الاجراء، فان الادارة في هذه الحالة تكون ملزمة بان تصدر قراراتها بالشكل والاجراء المطلوب والا كانت هذه القرارات معرضة للبطلان (3)، حيث لايملك القاضي الاداري اية سلطة تقديرية حيال هذا الموضوع.
اما الحالة الثانية: فهي اذا كان العيب في الشكل والاجراء جوهرياً، اما اذا كان الشكل والاجراء ثانوياً او بسيطاً فلا يحكم القاضي الاداري بأبطاله (4). وهذا ما اكدته المحكمة الادارية العليا في مصر بقولها (ان القرار الاداري لا يبطل لعيب شكلي الا اذا نص القانون على البطلان عند اغفال هذا الاجراء او كان هذا الاجراء جوهرياً في ذاته بحيث يترتب على اغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع) (5). وللقاضي الاداري سلطة واسعة في البحث والاستقصاء للتأكد من ان الادارة قد راعت الشكل والاجراءات عند اصدارها القرار وله في ذلك ان يطلب اوراقاً جديدة او القيام بتحقيق تكميلي الى جانب التحقيق الذي قام به المفوض في المجلس كما يمكن له ان ينقب عن الظروف الواقعية التي احاطت بالقرار ليحيط علماً بالأساليب والدوافع التي تسببت في عدم القيام بما يتطلبه القانون (6). ويلاحظ ان بحث القاضي الاداري يكون في جوهرية عيب الشكل والاجراءات التي تؤثر في ذات القرار لا في الخطوات اللاحقة لا صداره، فاذا ما اصدرت الادارة قراراً صحيحاً مستكملاً لشرائطه القانونية، ولكن حدث خطأ عند نشره فان ذلك ليس من شأنه ان يؤثر في مشروعية القرار الا اذا نص القانون على ذلك لان النشر في هذه الحالة يعد ركناً من اركان القرار الاداري وان اغفاله او حدوث خطا فيه ينعكس على القرار فيجعله مشوباً بالبطلان (7). واذا كان القاضي الاداري يملك ان لياحكم بالالغاء بالرغم من مخالفة الادارة لا شكال واجراءات نص عليها القانون كونها غير جوهرية، فان للقاضي الاداري ان يحكم بالغاء قرارات ادارية لمخالفتها اجراءات لم ينص عليها القانون، فقد لا ينص القانون على اجراءات شكلية معينة يتعين اتيانها ومع ذلك يفرض القضاء على الادارة ضرورة اتيانها ويرتب على مخالفتها بطلان القرار، برغم سكوت النصوص التشريعية المدونة عن ابراز هذه القواعد، فقد عمل مجلس الدولة الفرنسي على الغاء قرارات ادارية لمخالفتها اجراءات شكلية لم ينص عليها القانون (8). وقد ساير مجلس الدولة المصري زميله الفرنسي في هذا الاتجاه، فقد قضت محكمة القضاء الاداري بانه (وان كانت نصوص القوانين الخاصة بالتأديب لا تشتمل على احكام تفصيلية لسير الدعاوي التأديبية ونظام المحاكمات والشرائط التي تتوفر في الهيئات التي تتولى الفصل، الا انه ليس معنى ذلك ان الامر يجري فيها بغير اصول وضوابط، بل يجب استلهام هذه الضوابط وتقريرها في كشف قاعدة اساسية كلية تصدر عنها(9). يتضح مما تقدم ان السلطة التقديرية التي يملكها القاضي الاداري في تحديد عيب الشكل والاجراءات تكون في مجالين الاول يتعلق في التحقق ما اذا كانت الادارة قد راعت الشكل والاجراءات ام لا اما المجال الثاني فهو لا يقل سعة عنه وهو تقدير اهمية تلك الاشكال ومدى تأثيرها في مشروعية القرار الاداري. ولكن ثمة تساؤلاً يطرح نفسه وهو اذا كان القاضي الاداري وحده الذي يقرر ما اذا كانت الشكليات والاجراءات جوهرية ام لا فما هو معيار ذلك؟ في الواقع ان مجلس الدولة الفرنسي لم يضع تعريفاً محدداً للشكل الجوهري وذلك سيراً على منهجه القضائي السليم الذي يقتصر على تقديم الحلول القضائية العامة دون الخوض في تفصيلات وتحليلات معينة (10)، وكذلك فعل القضاء الاداري المصري. الا ان الفقه قد حاول ايجاد معيار يميز الاشكال الجوهرية عن غيرها مهتدياً باتجاهات احكام القضاء الاداري المتباينة والمختلفة في هذا الشأن. معيار التمييز بين الاشكال والاجراءات الجوهرية والاشكال والاجراءات الثانوية :
بينا ان القضاء الاداري يفرق في الشكليات بين ما هو جوهري ويرتب على اغفالها وعدم احترامها البطلان. وماهو ثانوي او غير جوهري فلم يجعل من اسقاطه تجاهله جزاء. بيد ان القضاء الاداري بعد ان وضع هذه القاعدة المستقرة لم يضع معياراً للتمييز بين الشكليات الجوهرية وغيرها من الشكليات غير الجوهرية. وقد حاول بعض الفقه البحث عن معيار جامع مانع يمكن من خلاله التمييز بين نوعي هذه الشكليات. وقد اختلف الفقه الاداري في تحديد هذا المعيار الى اتجاهات مختلفة نذكر منها.
اولاً: معيار الشكليات المقررة لمصلحة الادارة
تذهب هذه النظرية الى ان الشكليات المقرره لصالح الافراد هي شكليات جوهرية ويترتب على مخالفتها بطلان القرار الاداري، بينما نرى ان الشكليات المقررة لصالح الادارة هي شكليات ثانوية او غير جوهرية ولا تؤدي مخالفتها الى بطلان القرار الاداري ومن انصار هذه النظرية العميد بونار والعميد ريفيرو (11). وقد تبنت بعض احكام مجلس الدولة الفرنسي والمصري هذا الاتجاه فقد رفض مجلس الدولة الفرنسي ان يرتب البطلان كجزاء على اغفال احد الشكليات التي راى انها مقررة لمصلحة الادارة وليس للافراد التمسك بها لطلب البطلان (12). كما ان محكمة القضاء الاداري المصرية قد اكدت في احد احكامها بان (يوخذ من النص ان القانون خول العميد اتخاذ هذه الاجراءات الاحتياطية ضد الطالب الذي يضبط في حالة تلبس بجريمة الغش في الامتحان، فاذا اغفلت وترك الطالب يؤدي الامتحان فلا يترتب على بطلان في الاجراء لانها لم تشرع كضمانة له من ضمانات التحقيق بل كاجراء تحفضي ضد الطالب (13). بيد ان هذا المعيار قد واجه انتقاداً من جانب اخر من الفقه على اساس ان الشكليات والاجراءات وان كانت مقررة لمصلحة الافراد الا انها في جميع الاحوال تهدف الى الصالح العام بجانب الصالح الخاص. ففي معرض انتقاده لهذا المعيار ذهب الاستاذ Berlia الى انه ومن المتعين ان لاينظر فقط الى صالح الافراد وحدة لتقرير البطلان اذ يجب ان لا يغيب عن الاذهان اننا في ميدان القانون العام لا القانون الخاص حيث تتباين قواعد القانون الاول عن قواعد القانون الثاني، كما ان النظر لحماية صالح الافراد دون اي اعتبار اخر وتقدير الالغاء لهم دائماً انما يعمل على ترتيب حقوق ثابتة لهم في هذا الخصوص الذي يتنافى مع طبيعة دعوى الالغاء (14).
ثانياً: معيار اغفال الاجراءات الشكلية
رأي بعض الفقه ان اسقاط الاجراءات الشكلية بشكل كلي يعتبر مخالفة جوهرية تستوجب الغاء القرار الاداري، سواء كانت هذه الاجراءات مقرر لمصلحة الادارة ام لمصلحة الافراد. اما في حالة اداء هذه الاجراءات بشكل مخالف لما هو مقرر فانه يتعين البحث عن ما اذا كانت المخالفة قد غيرت من طبيعة الاجراءات الشكلية. فاذا كانت هذه الاجراءات رغم ما شابها من مخالفة قد حققت الهدف الذي قصدته فانها تعتبر مخالفة ثانوية والا اعتبرت مخالفة جوهرية يتعين معها الغاء القرار الاداري. ومن ابرز الذين تبنوا هذا المعيار الفقيه Luferrer والاستاذ Alibert (15). غير ان هذا المعيار قد انتقد من جانب اخر من الفقه على اساس ان اسقاط الشكليات والاجراءات أياً كانت درجة اهميتها ليس دليلاً قاطعاً على وجود عيب جوهري في الشكل او الاجراءات فقد يتعلق الامر باجراءات قانونية لاتؤثر في جوهر القرار المتخذ رغم سقوطها (16).
ثالثاً: معيار ارادة المشرع المفترضة
ذهب رأي الى ان الهدف من الاعتبارات التي يسترشد بها القضاء الاداري في تحديد جوهرية الاجراء هو التعرف على ارادة المشرع المفترضة ازاء عدم النص صراحة على البطلان، فمعيار جوهرية الاجراء هو في حقيقته معيار تفسيري لارادة المشرع وانفاذ هذه الارادة تبعاً لظروف الحالة المعروضة، مستنداً في ذلك الى ان القضاء الاداري قد رتب البطلان ليس على مخالفة الاجراءات التي نص عليها القانون فحسب وانما رتبه على مخالفة المبادئ القانونية التي استقر عليها القضاء استلهاماً لارادة المشرع المفترضة (17). ونرى ان المعيار المتقدم محل نظر لانه كيفي وتحكمي حيث لم يبين كيفية معرفة الارادة المفترضة للمشرع، كما يمكن للقاضي الاداري الغاء القرارات الادارية لأية مخالفة بسيطة للسلطة لقواعد الشكل والاجراءات بحجة تطبيق ارادة المشرع المفترضة.
رابعاً: معيار جسامة عيب الشكل والاجراءات
ازاء الانتقادات التي وجهت الى المعايير السابقة انبرى الفقه المعاصر لوضع معيار عام يحدد بمقتضاه فكرة الشكل الجوهري وعلى وجه واضح لا لبس فيه فقد عمد الفقيه Berlia على وضع معيار جسامة عيب الشكل والاجراءات وذلك بغض النظر عن المصالح التي تقرر له الشكل. ويكون عيب الشكل جسيماً اذا كان يعمل على التأثير في جوهر القرار، بحيث يصبح القرار مغايراً لما كان يجب ان يكون عليه اذا ما استوفي الشكل القانوني الصحيح (18). وعلى هذا الاساس يكون النظر الى عيب الشكل اي النظر الى جسامة هذا العيب، فان الشكل يعتبر جوهرياً وحرياً بالالغاء اذا كان العيب قد اثر في جوهر القرار بحيث يعمل على تغيير ما كان مفروضاً ان يكون عليه هذا الجوهر في حالة اتباع الاجراءات الشكلية الصحيحة. ويكون الاجراء ثانوياً اذا ضلت المخالفة الشكلية دون اثر في مشروعية ذلك القرار. وقد تبنى هذا المعيار الفقيه فالين (19) ومجمل الفقه العربي (20). والواقع انه بالرغم من منطقية معيار جسامة عيب الشكل وبساطته يمكن القول انه لايمكن اعتماد معيار جامع مانع للأشكال والاجراءات الجوهرية الذي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الاداري، فقد وجدنا ان القاضي الاداري في كل من فرنسا ومصر وبما يملكه من سلطة تقديرية واسعة في هذا الشأن ينظر كل حالة على حدة ليحدد قيمة الشكل والاجراء الذي خالفته الادارة وينظر في تأثير هذا الشكل والاجراء على القرار الاداري الذي اتخذته. فقد يكون نفس الشكل والاجراء جوهرياً في حالة ولا يكون كذلك في حالة اخرى. فعلى سبيل المثال قد يعد القضاء الاداري اشتراك اجنبي في مداولات اللجان التاديبية عيباً جوهرياً ولكن حضور رجل اجنبي في لجان اخرى لا يعد كذلك (21).
_______________________
- ينظر د. محمد شافعي ابو راس، المصدر السابق ص274.
2- ينظر د. محسن خليل، المصدر السابق ص371.
3- لابد من الاشارة هنا الى ان مخالفة الادارة لقواعد الشكل والاجراءات في القرار الاداري قد يكون مصدراً لبطلان القرار لا انعدامه في اغلب الاحيان بالرغم ان المحاكم القضائية في فرنسا ومصر قد خرجت عن هذه القاعدة، فقد ذهبت محكمة القاهرة الابتدائية في قراراها الصادر في 30 اكتوبر سنة 1958 الى ان (ان الامر الاداري لايكون منعدماً مكوناً للغصب، الا اذا كانت مخالفة الامر الاداري لقواعد الاختصاص او الشكل مخالفة ظاهرة صارخة، كما اذا كانت مخالفة قواعد الاختصاص تمس مبدأ الفصل بين السلطات، او كانت قواعد الشكل قد اغفلت جميعاً.. )، ينظر د. سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، المصدر السابق ص376.
4- د. سليمان الطماوي، القضاء الاداري، قضاء الغاء، مصدر سابق ص774.
5- حكم المحكمة في 23/2/1957 مشار اليه في المصدر السابق ص476.
6- ينظر مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص418.
7- المصدر السابق.
8- C. E Norember 1928 foucher D. 1929 3.33 not waline.
9- ينظر القضية رقم 202 و 203 و 278 لسنة 3 قضائية، مجموعة مجلس الدولة لاحكام القضاء الاداري – السنة الخامسة ص852.
10- ينظر د. محسن خليل، المصدر السابق ص376.
11-ينظر د. محمد شافعي ابو راس، المصدر السابق ص274-275. و د. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق ص334.
12- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 24 اكتوبر 1916، المصدر السابق ص332.
13- حكم المحكمة الصادر في 3 ديسمبر 1952، مشار اليه في مؤلف د. سليمان الطماوي – الوجيز في القضاء الاداري، ط 1970 ص478.
14- ينظر د. محسن خليل، المصدر السابق ص407.
15- د. شافعي ابو راس، المصدر السابق ص279. و د. محسن خليل، المصدر السابق ص379.
16- د. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق ص344.
17- ينظر د. محسن خليل و د. سعد العصفور، المصدر السابق ص468-469.
-18 Berlia: vice de forme et controe des actes administratife. R. D. P 1941 p 385.
-19 Waline opcit p 139.
20- ينظر د. محسن خليل، المصدر السابق ص282. د. محمد شافعي ابو راس، المصدر السابق ص257. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق ص336.
21- ينظر د. مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص454.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|