أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-9-2016
4503
التاريخ: 2024-09-12
329
التاريخ: 2024-04-08
724
التاريخ: 2024-06-08
718
|
إن موضوع تاريخ «لوبيا» له أهمية خاصة في تاريخ مصر القديم وسنتناول بالبحث تاريخ «لوبيا» — لا بوصفها بلادًا أجنبية كانت علاقتها بمصر علاقته خارجية محضة، كما كانت علاقة آسيا وأقوام البحر الأبيض المتوسط بمصر بل للعلاقات الخاصة التي كانت تربطها بها، والواقع أن العلاقات التي كانت بين «لوبيا» ومصر كانت في ظاهرها مثل العلاقات التي كانت بينها وبين جيرانها من الأمم الأخرى وبخاصة في المنازعات الحربية أو في استخدام الجنود اللوبيين في الجيش المصري جنودًا مرتزقة، ولا نزاع في أن المصري منذ فجر التاريخ لم ينظر للقبائل اللوبية إلا بهذه النظرة، فكانت هذه البلاد في نظره كأي بلاد أجنبية أخرى يعلن عليها الحرب عندما كانت تريد توسيع رقعتها على حساب مصر، أو عند إغارة أهلها على الحدود المجاورة، ولكن العلاقات الداخلية الأصلية التي كانت تربط أحد البلدين بالآخر منذ عهد ما قبل التاريخ كانت تتعدى تلك العلاقات السياسية الظاهرة التي نراها في العهد التاريخي بكثير، وذلك أن المصري نفسه لم يكن يميز ذلك الشريط الضيق من الأرض الزراعية الذي كان يربط بلاده بجارتها «لوبيا» قط، وكذلك كانت الحال في أعين اللوبيين، فلم يكن في استطاعة لوبي أن يميز الحد الفاصل بين بلاده وبين مصر.
شكل 1: لوبي.
ومن جهة أخرى نجد أن البحوث العلمية الحديثة قد بدأت تفحص تلك العلاقات الوثيقة التي كانت بين البلدين بعد أن كانت كلها موجهة إلى علاقات مصر بآسيا، ومن ثم أصبح من المهم أن نعرف كيف أن الثقافة المصرية كانت تضرب بأعراقها في ثقافة «أفريقيا» وتقاليدها، وكيف أن العلاقات الظاهرة ترجع في أصلها إلى «أفريقيا»، وذلك يُعزى بطبيعة الحال أوًّلًا على الظواهر التي كان لها ارتباط وثيق بحياة القوم الروحية منذ أقدم العهود من حيث الدين واللغة والجنس، وهي عوامل لها تأثيرها الفعال في تقدم القوم ونموهم، وسيتضح لنا مقدار أهمية ذلك عندما نعلم أن كلًّا من هذه العناصر الأصلية كان أفريقي النبعة في الأعم، وأن مصر بذلك قد لعبت — بجوارها المباشر لبلاد السودان جنوبًا وبلاد «لوبيا» غربًا — دورًا هامًّا في تاريخ البلدين.
على أننا — مع ذلك — لا زلنا بعيدين عن الإحاطة التامة بهذا الموضوع، فلا نستطيع إعطاء فكرة واضحة جلية عن العلاقة بين البلدين، وسنحاول مؤقتًا أن نضع هنا بعض الأحجار التي كان الغرض منها إقامة هذا البناء الذي سيقدم لنا عند إتمامه صورة كاملة عن أصل الحضارة المصرية وكيانها.
والواقع أننا — حتى الآن — نجد الاشتغال بالثقافة الأفريقية وعلم الإنسان الأفريقي من الأمور الضرورية في علم الآثار المصرية التي تجب العناية بها.
وفي الحق أنه من الوجهة الأثرية المصرية لم يجمع إلا النزر اليسير من المواد التي تمكننا من الكلام عن العلاقات بين «مصر» و«لوبيا»، فكل ما كتب في هذا الموضوع ينحصر في المصادر التالية:
(1)Maciver and Wilken, Libyan notes.
(2) Oric. Bates. The Eastern Libyans.
(3) MÔller, Die Agypter and ihre Libyschen Nachbarn.
(4) Scharff: Vorgeschitliches zur Libyerfrage (A. Z. 61, 16 ff).
(5) Wilhelm HÔlscher: Libyer und Ägypter.
وهذه المصادر تحوي كل ما كُتب عن هذا الموضوع بالإضافة إلى ما كُتب عن الجبانات النوبية التي كشف عنها كل من الأثري «فرث»، والأستاذ «ريزنر»، وهو خاص بعصر ما قبل التاريخ، وكذلك نجد بعض المادة فيما كتبه الأستاذ «يونكر» والأستاذ «استايندورف» في هذا الصدد (راجع The Archeological Survey of Nubia, Report for 1907-8, 1908-9, 1909-1910, 1910-1911 and also by C. M. Firth).
ولا شك في أن الإنسان إذا أراد بحث العلاقات الثقافية والجنسية بين مصر و«لوبيا» وتصوير الروابط التي تربط بعضهما بالبعض الآخر، استدعى ذلك بحث ثلاث مسائل كبيرة تختلف كل منهما عن الأخرى اختلافًا بينًا في المصدر، كما أن الوصول إلى صورة كاملة من مجموعها لا يزال من الأمور الصعبة المنال، يُضاف إلى ذلك أن كل مسألة من هذه المسائل في الوقت نفسه تبعد عن الأخرى بمدة طويلة، ومن يطلع على كتاب «أورك بيتس» يفهم بسهولة هذه الصعوبات.
وأول الموضوعات في بحث العلاقات بين البلدين مصدره الوحيد هو المواد الأثرية وحدها؛ لأنه من عالم ما قبل التاريخ وخاص بأقدم العهود المصرية التي يمكن الباحث أن يطلق عليها اسم «العصر الأفريقي» ونقصد بذلك الوقت الذي كانت فيه مصر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالثقافة الأفريقية المبكرة، أي عندما كانت مولية وجهتها غربًا وجنوبًا، ولم يكن ذلك من الوجهة الجغرافية وحسب، بل من الوجهة الثقافية أيضًا التي كانت تتألف منها ثقافة شرق أفريقيا.
والواقع أن مصر في هذا العهد لم تكن قط حدًّا فاصلًا بين ثقافتين، بل كانت ثقافتها مختلطة، وتعد بمثابة حصن لأفريقيا تحميها من الشرق الذي لم يتسرب منه تأثير ثقافي ما. أما من جهة الغرب فالأمر كان مختلفًا؛ إذ تدل الأبحاث الأثرية التي في متناولنا حتى الآن على أنه في هذا الوقت، أي حوالي منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، لم يكن بين مصر وغربيها أية حدود، بل كانت ضمن دائرة ثقافية تشمل جزءًا من شمال الصحراء وشرقيها.
ومنذ منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد تطوَّر موقف مصر هذا بالنسبة لجيرانها من أساسه؛ إذ اختفت الحدود بينها وبين الشرق (آسيا). وقد أغلقت الحدود التي كانت مفتحة بينها وبين البلاد الغربية منها، ومن ثم ابتدأ عصر انفصال مصر عن الأمم الغربية المجاورة لها، وكذلك ابتدأ عصر ثقافة مصرية قائمة بذاتها خلافًا للعصر السابق لهذا التاريخ الذي كانت تُعد فيه الثقافة المصرية جزءًا من الثقافة الأفريقية أو نوعًا منها، ومن ثم أخذت العلاقات بينها وبين الغرب تتغير من أساسها، فأصبح منذ ذلك العهد أقوام غرب النيل يُعدُّون أعداء مصر المتوحشين؛ لأنهم كانوا يهدِّدون أرض الكنانة، ومن أجل ذلك اضطرَّت حكومة البلاد المصرية — محافظة على بقائها — أن تعمل على الفتك بكل من يهدِّد كيانها أو يمس سلطانها.
والواقع أن علاقات مصر بالبلاد الغربية منها وقتئذ كانت علاقات عداء تتمثل إما في السعي لتوسيع رقعة بلادها، وإما في الدفاع عن كيانها من هجمات أقوام هذه البلاد.
أما الروابط الثقافية مع أقوام الغرب فقد أخذ نفوذها يقل منذ تلك الفترة، ومن ثم أصبح نمو مصر وتقدمها يأخذ مجرًى مختلفًا تمام الاختلاف عن الثقافة اللوبية، فأصبح من الصعب معرفة ثقافة تلك البلاد أو جنسيتها؛ ففي الوقت الذي كانت مصر تسير فيه بخطًى واسعة في تقدمها ونموها كانت ثقافة البلاد الغربية منها راكدةً ركودًا تامًّا، فإذا شاهدنا في العصر التاريخي المصري بعض أشياء جديدة قد يعزوها الإنسان إلى أصل لوبي فلا يمكن أن يُعد ذلك علامة على فوق الثقافة اللوبية على الثقافة المصرية، بل يرجع السبب الظاهري إلى العلاقات السياسية الخاصة بذلك العهد، والواقع أن هذا النمو الثقافي المتعدد النواحي ليس إلا نتيجة لحكومة مصرية منظمة مقابل نظام بدوي ساذج.
وتتمثل لنا العلاقة الجديدة بين البلدين جليًّا عندما نجد في المتون المصرية أن مصر تتحدث عن «لوبيا» بوصفها بلادًا أجنبية معادية كغيرها من البلاد الأخرى، ولا شك في أن اللوبيين كانوا قد أصبحوا بالنسبة لمصر قومًا أجانب وقتئذ، وتُمدُّنا المصادر التاريخية الأثرية بمعلومات عن هذا العهد، غير أن ما تحدثنا به وما يهم المؤلف يختلف عما تُحدثنا به الآثار التي من عصر ما قبل التاريخ؛ إذ تقص علينا — بالكلام والصور — ما جرى من حوادث تاريخية كالحروب التي شنها الفرعون على بلاد «تحنو» (لوبيا) الثائرة وهزمهم، كما تقدم لنا صور المعارك الحربية أو سوق الأسرى المختلفين في صفوف مكبلين بالأغلال. ومن هذه المصادر نعرف حقائق عن تاريخ مصر من جهة، ومن جهة أخرى نعلم أشياء عن القبائل اللوبية المختلفة التي ربطتها بمصر علاقة ما فنعرف أسماءها ومظاهرها. ومن المهم أن نرى سكان غربي مصر الذين كانوا يقطنون على حدوها ليسوا من سلالة واحدة، بل إن أجناسهم وقبائلهم كانت تؤلف سلالات مختلفة، ومن ثم يظهر لنا السبب في صعوبة البحث في تاريخ هؤلاء القوم في عصر ما قبل التاريخ بل في عصر التاريخ أيضًا.
وفي البحث الذي سنتناوله هنا عن هذه البلاد، لا يمكننا حتى الآن أن نعرف إلا من باب التخمين من أي القبائل اللوبية يرجع أصل القبائل التي من عصر ما قبل التاريخ؛ وعلى المرء هنا أن يكتفي حتى الآن — بوجه عام — بالتعبير عن هؤلاء القوم بأنهم من اللوبيين إلى أن تنكشف الأحوال أمامنا، ويمكننا أن نتحدث على ضوء معلومات محدودة عن كنههم، بيد أن الموضوع يختلف عندما نقرأ أن «بيتس» قد عثر في «مرسى مطروح» على مقابر لوبية، أو أنه قد وجد في الحفائر التي عملت في جبانات بلاد النوبة آثارًا تثبت وجود علاقة بين «لوبية» والنوبة، ولهذا لا يمكن الأخذ بذلك تمامًا عندما يتحدث الإنسان عن علاقات وثيقة بين أقدم التاريخ المصري وبين اللوبيين في ذلك العصر؛ وذلك لأن القبائل اللوبية تختلف في فروعها الأصلية، وأنها ليست متساوية الجنسية؛ لأننا لا نعرف إلى أي قبيلة منها يُنسب هذا الشيء أو من أين أتى.
ومن المهم لموضوعنا تحقيق الجنسية الحديثة لسكان شمال أفريقية — وإن كان من الصعب جدًّا ذلك — لأن العلاقات في خلال ألف السنة الأخيرة قد تغيرت تغيرًا كبيرًا جدًّا حتى أصبح من الحزم ألا نقرن بين هذه السلالة الحديثة والسلالة القديمة، أو نستخلص من ذلك أية نتيجة، وعلى هذا سيكون بحثنا هنا بوجه عام قاصرًا على تاريخ هذه البلاد وبخاصة في عهد الدولة الحديثة وهو ما حدا بنا إلى بحث موضوع «لوبيا». وقبل أن نتناول بحث هذا الموضوع يجب أن نقول كلمة عن استعمال كلمة «لوبيا»؛ إذ الواقع أن الكلمة التي نستعملها اليوم وهي بالمصرية — ريبو أو ليبو — ليست صحيحة؛ لأنها لا تعني إلا قبيلة خاصة من سكان شمال أفريقيا، وهم الذين يقطنون الإقليم المسمى الآن «سرنيكا» في البقعة المرتفعة من برقة، وهي أقرب جزء من أفريقيا لبلاد اليونان، وكان قد نزل فيها الإغريق وأطلقوا عليها اسم «ليبون»، وقد أطلق هذا الاسم كُتَّاب اليونان القدامى على سكان شمال أفريقيا وشرقيها غربي وادي النيل. وينبغي أن نحافظ هنا على هذه التسمية وإن كان معناها الإغريقي في الواقع لا يُطلق إلا على الأقوام القاطنين غربي مصر، وهذه التسمية ليست لها معنًى من حيث الجنس (1)، بل الواقع أنها تُطلق على القبائل الحامية التي تفرَّع منها عشائر بيض البشرة ومن بينها قبيلة لوبيا. على أن الخلط في استعمال هذا الاسم على هذا النحو في الكتابات الحديثة لم يكن فيه للمصريين القدامى أية جريرة؛ إذ إن المصري في عهد الدولة الوسطى كان يستعمل كلمة «تحنو» للدلالة على هؤلاء القوم، كما أن أهل الدولة الحديثة كانوا يعبرون عنهم باسم «التمحو» بالمعنى الذي يُعبَّر به الآن عن اللوبيين، وعلى ذلك فإننا سنستعمل كلمة «لوبيا» ولوبيين في معناها الجغرافي العام، أو في الحالات التي لا يمكن فيها التحقق من قبيلة من قبائل هؤلاء القوم، ولكن عندما نكون على ثقة من أصل كل قبيلة فإننا سنذكرها بالاسم الدال عليها مثل «اللوبيين» و«التحنو» و«التمحو» و«المشوش«.
..............................................
1- راجع: Le page Renouf, (P. S. B. 13 p. 599).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|