المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

البق المطرز Stephanitis pyri
24-1-2016
ايض حوامض الصفراء Bile Acid Metabolism
12-7-2017
الامام مع عالم شامي
18-8-2016
الالكانات الحلقية وتسميتها
2023-08-12
شرائط الوضوء
6-12-2016
أسماء النفر الذين قدموا في الأسرى
9-7-2019


أزواج النبي "ص" يشاركن في الصراع على الخلافة  
  
27   04:30 مساءً   التاريخ: 2024-11-06
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص478-493
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-6-2017 2655
التاريخ: 17-12-2017 3614
التاريخ: 28-5-2017 3073
التاريخ: 1-11-2017 3344

1 - نشاط زعماء قريش بعد هزيمتهم

كانت أكبر ضربة تلقاها زعماء قريش في كل حياتهم ، يوم فاجأهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بجنود الإسلام مكة وأجبرهم على خلع سلاحهم وإعلان الاستسلام !

في تلك الأيام عاشوا أشد أيام حياتهم ذهولاً وحيرة ! فقد أسقط في أيديهم تماماً بعد معركة امتدت عشرين سنة مع محمد وبنى هاشم ، وكانوا فيها قبل فتح مكة منتصرين أحياناً ، أو سجالاً متعادلين أحياناً !

ولما دعاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسجد حضروا مجبرين خائفين ، وأعلنوا إسلامهم تحت سيف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخطب فيهم ووبخهم ! ثم أعلنهم « طلقاء » ! فلا هم عبيد ولا عتقاء ، ثم أطمعهم في الدنيا ، ودعاهم إلى حرب هوازن معه في حنين ! إنها سياسة الحزم والتطميع ، وهى لا ترفع حيرتهم بل تزيدها !

فهل يستسلمون لدولة محمد وبنى هاشم ، أم يوجد طريقٌ للخروج من هذه الأزمة ؟ ! وهل تدور الأيام فيستطيعون جمع العرب من جديد لقتال محمد ؟

هكذا كان يفكر أبو سفيان وهو يطوف ، فالتفت اليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضرب بيده في صدره وقال : إذن يخزيك الله يا أبا سفيان ! الصحيح : 22 / 321 .

أم هل يرون هوازن وقد انتصرت عليه فينتهى دينه : « وترجع العرب إلى دين آبائها ، وقد قتل محمد وتفرق أصحابه » ! كما قالوا عندما وقعت على المسلمين الهزيمة في أول جولة من معركة حنين ؟ ! سبل الهدي : 5 / 230 .

أم هل يستطيعون تدبير قتله فيحلون مشكلتهم معه ، وقد حاولوا ذلك قبل فتح مكة ، فلم ينجحوا ! أم هل ينتظرون ، كما ينصحهم صحابته القرشيون ، حتى يموت فيرثوا دولته ؟ !

وكيف يمكن لهم ذلك وهو يرتب الأمر من بعده لابن عمه وصهره على الذي هو في الثلاثينات من عمره ، ثم من بعده لأولاد ابنته فاطمة ، الحسن والحسين ، ومعهم لا يبقى لقبائل قريش شئ !

واتخذ زعماء قريش قرارهم الذي كانوا اتخذوه سابقاً ، وهو العمل على هذه الجبهات جميعاً ! وظهرت نواياهم عند هزيمة المسلمين في الجولة الأولى في حنين ، واعترف اثنان من شخصياتهم بأنهما حاولا قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يستطيعا !

وكانت الخطوة التالية أن عزلوا أبا سفيان عن قيادتهم ، ولم يشفع له أنه ما زال يشاركهم في عداوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد اعتبروه ضَعُفَ أو داهن في فتح مكة ، فلم يأخذ لهم شروطاً تحفظ وجودهم ، كالتي أخذها سهيل بن عمرو في الحديبية !

واختاروا سهيلاً قائداً بدل أبي سفيان ، وضيقوا دائرة مشورتهم في العمل ضد محمد ، وأبعدوا منها أبا سفيان وبنى أمية لأنهم من بنى عبد مناف ، فاضطر أبو سفيان للذهاب إلى المدينة ، لعله يجد مجالاً للعمل في دولة محمد !

وقد عمل سهيل بن عمرو لإعادة كيان قريش الذي انهار بفتح مكة ، وأخذ يتصرف في مكة متجاهلاً عتَّاب بن أسيد الذي عينه النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاكماً ، وأخذ يراسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطلبات قريش منه ، باعتبارهم ما زالوا كياناً مقابله كما كانوا !

ووجد سهيل عضدين قويين يساعدانه من الصحابة القرشيين هما أبو بكر وعمر فكان ينزل عندهما في المدينة ، ويذهبان معه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويؤيدان طلباته ! وكان من أهم الأعمال التي قاموا بها في السنة الثامنة ، أنهم شجعوا هجرة القرشيين المبغضين لبنى هاشم إلى المدينة . وقاموا في المدينة بحملات دعاية ضد بني هاشم ، حتى أنهم كانوا يقولون إن « محمداً » نشاز في هؤلاء السيئين !

فضجَّ منهم الأنصار واشتكوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : « إنا نسمع من قومك ، حتى يقول القائل : إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كبا « مزبلة » ! فخطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أيها الناس من أنا ؟ فقالوا : أنت رسول الله ، فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . قال فما سمعناه انتمى قبلها قط ، ثم قال : إن الله تعالى خلق خلقه فجعلني في خير خلقه ، ففرقهم فريقين فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ، ثم فرقهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً » .

مسند أحمد : 1 / 210 .

وتواصلت دعاية قريش ضد بني هاشم ، حتى كانوا يعبسون في وجوههم ! فشكى بنو هاشم ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووصف هو ذلك بأن أحدهم إذا رأى هاشمياً فكأنما يفقأ في عينيه حب الرمان الحامض !

وجاء العباس يوماً مغضباً وقال : « يا رسول الله ما لنا ولقريش ! إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ! قال فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى احمر وجهه ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله » . الترمذي : 5 / 317 .

وقد جمعناها أحاديثهم وكفرياتهم من مصادرهم في كتاب : ألف سؤال وإشكال : 1 / 179 . وركزت قريش دعايتها ضد على ( عليه السلام ) خاصة لإسقاط شخصيته ، والانتقام منه لقتله زعماءها وأبطالها ، وتهيئة الجو لعزله بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وعملت لذلك أعمالاً عديدة في حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلمه وسفره وحضره ( صلى الله عليه وآله ) !

وقد غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك مراراً وشدد دفاعه عن علي ( عليه السلام ) ، وخطب أكثر من مرة مبيناً مكانته وفضله ، ونفاق من يؤذيه ويبغضه ، أو كفره ! ولو لم يكن منها إلا قصة بريدة الأسلمي ، التي روتها مصادر السنيين بطرق عديدة وأسانيد صحيحة لكفي ، فقد كشفت عن وجود شبكة عمل منظم ترسل الرسائل من اليمن إلى المدينة ، وتضع الخطط ضد على ( عليه السلام ) !

وروت إدانة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغضبه عليهم وتصريحه بأن علياً « وليكم من بعدي » كما رواه أحمد والنسائي ، وأن كل من ينتقد علياً ( عليه السلام ) ولا يحبه ولا يطيعه ، فهو منافق خارج عن الإسلام ! لكن القرشيين لم يسمعوا أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق على ( عليه السلام ) في حياته فكيف بهم بعد وفاته ؟ !

ثم تزايدت فعالية القرشيين حتى وصلت في السنة التاسعة إلى وضع خطة قوية لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق رجوعه من تبوك ، ويأتي ذلك في مؤامرة ليلة العقبة .

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ! حتى قذفت زوجته ! ونَفَّرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! شرح النهج : 20 / 298 .

ثم صارت عدواتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في أهل بيته « عليهم السلام » ميثاقاً سرياً مع اليهود ، قال الله عنها في سورة محمد ( صلى الله عليه وآله ) التي نزلت تلك السنة : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر وَاللهُ يعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . محمّد : 25 - 26 .

2 - كانت ولادة إبراهيم بن النبي « صلى الله عليه وآله » كارثة على قريش !

في السنة الثامنة للهجرة حدث أمرٌ أربك القرشيين وزاد من صعوبة عملهم في تسقيط سمعة على ( عليه السلام ) وبنى هاشم ، فقد رزق النبي ( صلى الله عليه وآله ) بولد ، وصار برأي قريش وريثه حسب العرف القبلي ، وفى الإسلام بقانون الأسرة الربانية المختارة : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . لذا نشطت عناصر قريش من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العمل لإبطال وراثة إبراهيم بن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبيه باتهام والدته مارية القبطية لنفيه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

فاضطر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسكنها بعيداً عند بيت أبى رافع ، وأنزل الله براءتها قرآناً فجعلتها عائشة براءة لها ، فأنزل الله سورة التحريم وفيها كشف انحراف اثنتين من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتهديد لهما ! لكنهما واصلتا العمل فتفاقم الأمر حتى غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) واعتزل نساءه شهراً في أوائل السنة التاسعة ، وشاع خبر أنه طلقهن !

قال ابن كثير : 3 / 710 : « رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة لليال بقين من ذي الحجة في سفرته هذه « فتح مكة » . « وفى ذي الحجة منها ولد إبراهيم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مارية القبطية ، فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً » .

وقال ابن سعد في الطبقات : 1 / 135 : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حجب مارية ، وكانت قد ثقلت على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغرن عليها ، ولا مثل عائشة » .

3 - سورة التحريم كشفت الحزب القرشي في بيت النبي « صلى الله عليه وآله »

عاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من فتح مكة وحرب حنين في ذي القعدة من السنة الثامنة ، وحدثت أحداثٌ تتعلق ببيته وأزواجه ، استوجبت أن يهجر عائشة ثلاثة أشهر ! « ذا الحجة والمحرم وبعض صفر » . طبقات الشافعية : 6 / 319 والصحيح : 26 / 68 .

وقالوا إن ذلك بسبب حديث الإفك واتهام بعضهم لعائشة ، لكن تهمة عائشة كانت في غزوة المريسيع في شعبان من السنة الخامسة ، « إعلام الوري : 1 / 196 » . وهجره لها كان في آخر السنة الثامنة وأول التاسعة ، وقد رووا أنه ( صلى الله عليه وآله ) هجرها شهراً وليس ثلاثة أشهر ! « فتح الباري : 8 / 363 » . وقالوا إنه هجرها بسبب أنها لم تعط بعيرها إلى صفية ! وهذه عادتهم في تبسيط أسباب غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على زوجاته وجعلها أموراً عادية ، لإبعادها عن عملهن ضده لمصلحة قريش ! لكن سورة التحريم ، كشفت أن حفصة وعائشة أفشتا سره ( صلى الله عليه وآله ) وتآمرتا عليه ! وهددهن الله بجيش جرار لايستنفر إلا في حالات الخطر على الرسالة والرسول !

وهذا واضح من نص السورة قال تعالى :

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِى إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِى الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ 3 إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ 4 عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيبَاتٍ وَأَبْكَارًا 5 .

ثم قال تعالى لهما : ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يغْنِيا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ 10 .

فقد نصت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسرَّ لهما بحديث وأكد عليهما أن لا تقولاه ، ولا بد أن الله أمره بذلك لحكمة يعلمها . لكنهما خانتا وأفشتا سر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأطلعه الله ، فهددهما وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط ، اللتين خانتا زوجيهما النبيين وكفرتا فدخلتا النار !

قال العلامة في نهج الحق / 370 : « وأفشت سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن عمر خليفة أبيها شهد عليها بذلك . ونقل الغزالي سوء صحبتها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أباها أبا بكر دخل يوماً على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد وقع منها في حق النبي أمر مكروه ، فكلفه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسمع ما جرى ويدخل بينهما فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تتكلمين أو أتكلم ؟ فقالت : بل تكلم ولا تقل إلا حقاً ! فلينظر العاقل إلى هذا الجواب وهل كان عنده إلا الحق ؟ وينظر في الفرق بين خديجة وعائشة . وقد أنكر الجاحظ من أهل السنة في كتاب الإنصاف غاية الإنكار على من يساوى عائشة بخديجة ، أو يفضلها عليها » .

وفى تأويل الآيات : 2 / 697 : « سبب نزول هذه الآيات أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسرَّ إلى عائشة وحفصة حديثاً وهو أن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده بالقهر والغلبة ، فلما أسر إليهما ذلك عرفت كل واحدة أباها ، وأفشت سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره بما فعلتا . . وَصَالِحُ المؤمنين : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على ما رواه محمد بن العباس « رحمه الله » من طريق العام والخاص ، أورد في تفسيره هذا المنقول اثنين وخمسين حديثاً ، اخترنا منها بعضها ، فقد قال لغلامه ابن أبي رافع لما بكى وقال : من لي ولولدي بعدك يا رسول الله ؟ قال : لك الله بعدي ، ووصيي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب . لكن رواة الخلافة القرشية أغمضوا عن الخطر على الإسلام ، الذي تحدثت عنه السورة واستنفر له الله تعالى جيشاً لحالة الخطر القصوي ؟ !

يبقى السؤال : لماذا أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عائشة بأن أبوها سيتسلط على الأمة بعده ؟ ! وجوابه : أن قريشاً كانت تخطط لإعلان الردة بحجة أن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) يريد أن يؤسس ملكاً لبنى هاشم ، فهو ليس بنبي ! فأخبر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بذلك وأمره أن يطمئنهم ليحفظوا نبوته ، وإن أخذوا الحكم بعده ، وأبعدوا عترته « عليهم السلام » !

4 - اتهامهم مارية وتبرئة الله لها

قال ابن سعد : 8 / 212 : « بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين ، وألف مثقال ذهباً ، وعشرين ثوباً ليناً ، وبغلته الدلدل وحماره عفير ويقال يعفور ، ومعهم خِصْى يقال له مابور شيخ كبير ، كان أخا مارية . . . فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله بإبراهيم فوهب له عبداً ، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان » .

وقالت عائشة كما في الطبقات : 8 / 212 : « ما غرتُ على امرأة إلا دون ما غرتُ على مارية ! وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة ، وأعجب بها رسول الله ، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا ، فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها ، حتى فرغنا لها فجزعت ! فحولها إلى العالية ، فكان يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشد علينا ، ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه » .

وعبَّرت عائشة بقولها : فرغنا لها فجزعت ! عن سنتين من صراعها مع مارية ، وتفرغها هي وحفصة لأذية مارية المؤمنة الغافلة الغريبة ! وروى من أذيتهن الكلام والأفعال والضرب والشد بالشعر ! فخشى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليها وعلى حملها ! وكان له بستان في العوالي يسكن فيه غلامه أبو رافع « رحمه الله » وزوجته سلمى وكانت مؤمنة عاقلة ، فبنى لأم إبراهيم غرفة وأسكنها هناك وكان يذهب إليها . فزاد عداء عائشة وحزبها لمارية ، وتضاعف حسدهن عندما رزقت بإبراهيم ( عليه السلام ) !

بل دخل العنصر القرشي بوقاحة لأنه صار للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وارث من صلبه ! وقد بلغت جلافتهم أن قالوا : إن إبراهيم لا يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! واتهموا مارية فغضب على نسائه واعتزلهن وسكن في بيت مارية « عليها السلام » ، فنزلت آيات الإفك وبراءة مارية وآيات تخيير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأزواجه بين الزوجية والطلاق .

وتدل أحاديث إبراهيم ( عليه السلام ) على خوف قريش أن يجعله النبي ( صلى الله عليه وآله ) خليفته بدل على والحسنين « عليهم السلام » ! فأشاعوا أن إبراهيم ( عليه السلام ) لا يشبهه !

قال على ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونَفَّرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! شرح النهج : 20 / 298 .

وروى في المنتظم : 3 / 346 ، عن عائشة : « لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله إلى فقال : أنظرى إلى شبهه بي ، فقلت : ما أرى شبهاً » !

وأكدت عائشة أن الذي اتهم مارية غيرها فقالت ، « الحاكم : 4 / 39 » : « أهديت مارية إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعها ابن عم لها ، قالت : فوقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليها وقعة فاستمرت حاملاً ، قالت فعزلها عند ابن عمها ، قالت فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره ! وكانت أمةً قليلة اللبن ، فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها فحسن عليه لحمه .

قالت عائشة : فدُخل به على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم فقال : كيف ترين ؟ فقلت : من غُذِّى بلحم الضأن يحسن لحمه . قال : ولا الشبه ؟ قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت ما أرى شبهاً ! قالت : وبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما يقول الناس ! فقال لعلي : خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته ! قالت : فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطباً ، قال فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة ، قال فسقطت الخرقة فإذا هو لم يخلق الله له ما للرجال ، شئ ممسوح » .

وقال في شرح النهج : 9 / 190 ، عن عائشة : « وكانت لها عليه جرأة وإدلال لم يزل ينمى ويستشري ، حتى كان منها في أمره في قصة مارية ما كان » .

وصرحت مصادرنا بأن عائشة هي التي اتهمت مارية فقالت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد موت إبراهيم : « ما الذي يحزنك عليه إنه ابن جريح القبطي ! فبعث النبي علياً ليقتله فخاف منه جريح فتسلق نخلة في بستان فانكشف ثوبه فإذا ليس له ما للرجال ، فرجع على ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره بما رأى فقال ( صلى الله عليه وآله ) : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت ، ثم نزلت هذه الآية : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاتَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيرٌ لَكُمْ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الأِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ » . « تفسير القمي : 2 / 318 » .

قال في الصحيح من السيرة : 26 / 23 : « إن أقوالها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حول ولده إبراهيم بعيدة كل البعد عن أبسط قواعد الأدب والالتزام والاحترام . . فلماذا هذا الطعن المتوالى الممعن في القسوة لقلب الإنسانية الطافح بالرحمة والمودة والحنان والغيرة ، والشعور بالكرامة والعزة ؟ ! وهل يجرؤ إنسان يدَّعى أنه قريب وحبيب على التصريح لمن يحبه ويتقرب منه بأن ولده الذي يبكى عليه ، وقد مات قبل ساعة أو ساعات : ليس ولده الشرعي » ؟ !

بل افتروا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه هو اتهم مارية ، وأنه شكاها إلى عمر بن الخطاب ! فقد روى في مجمع الزوائد : 9 / 161 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذهب إلى مارية : « فوجد قريبها عندها فوقع في نفسه من ذلك شئ ، كما يقع في أنفس الناس ، فرجع متغير اللون فلقى عمر فأخبره بما وقع في نفسه من قريب أم إبراهيم ، فأخذ السيف فوجده ممسوحاً . فرجع إلى النبي وطمأنه !

وقال أنس : « لما ولد إبراهيم من مارية جاريته كان يقع في نفس النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتاه جبريل ( عليه السلام ) فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم » . الإصابة : 1 / 218 .

إن مجرد وجود روايات من هذا النوع يدلك على أن عرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكرامته كانت تلوكها ألسنتهم ، وأن الغرض منها الطعن بعرضه لترثه قريش دون عترته !

ويسهل عليك أن تجد أصابع قريش في قول عائشة : « فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره » !

ومعناها أنهم كانوا يرون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحاجة إلى ابن ليرثه ويرأس دولته ، فيجعله في وصاية أحد حتى يكبر ! والحل أن ينفوه عنه ، ويرثوا ملكه !

وعندما لم ينفع ذلك وأنزل الله براءة مارية ، فالحل قتل هذا الطفل المرشح لخلافة أبيه ، ومن يدرى فقد يكون إبراهيم ( عليه السلام ) قتل بالسم !

هذا ، وقد بحث صاحب الصحيح قصة الإفك في مجلد كامل ، وخلاصة ما قاله في ختامه : 13 / 386 : « إن الافتراء على مارية واتهامها بمابور مما أجمعت الأمة على حصوله . ذكر ذلك كل من ترجم لمارية وإبراهيم بن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقصة الإفك عليها أمر لا ريب فيه ، وفيها نزلت آيات سورة النور ولا يصح ذلك في عائشة ! ومن الأدلة والشواهد عليها أن مارية لم يكن لها أحد يدافع عنها فحرفت عائشة اتهامها وبراءتها لتنطبق عليها » !

راجع : رسالة حول خبر مارية للمفيد ، وأمالي المرتض : 1 / 54 ، وسيرة ابن إسحاق : 5 / 252 ، أنساب الأشراف / 362 ، الطبقات : 1 / 137 ، اليعقوبي : 2 / 87 ، حلية الأولياء : 3 / 177 ، صفة الصفوة : 2 / 78 ، الأحاديث المختارة : 2 / 353 ، مسند البزار : 2 / 237 ، غوامض الأسماء : 1 / 498 ، مجمع الزوائد : 4 / 329 ، الآحاد والمثاني : 5 / 450 ، الفائق : 1 / 287 ، تاريخ دمشق : 3 / 236 ، النهاية : 5 / 325 ، سيرة ابن كثير : 4 / 600 ، سبل الهدي : 11 / 219 وكنز العمال : 5 / 454 .

وأخيراً ، في منهج الرشاد : 3 / 265 : « سأل جميل بن دراج الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أطفال الأنبياء « عليهم السلام » فقال : ليسوا كأطفال الناس . وسأله عن إبراهيم بن رسول الله فقال : لو بقي كان صديقاً نبياً ؟ لو بقي كان على منهاج أبيه ( صلى الله عليه وآله ) » .

وسأل رجلٌ علياً ( عليه السلام ) : « أرأيت لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟ قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلَّماً إلى العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً . ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ! ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء » . شرح النهج : 20 / 298 .

5 - إبراهيم بن رسول الله « صلى الله عليه وآله »

1 . كان إبراهيم ( عليه السلام ) أبيض حنطياً مشرباً بحمرة ، شبيهاً بأبيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعاش سنة ونصفاً ، وروي : سنة وعشرة أشهر . وفى الإستيعاب ملخصا : ً 1 / 54 : « ولدته أمه مارية في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، بالعالية في مشربة أم إبراهيم وكانت قابلتها سلمى امرأة أبى رافع ، فبشر أبو رافع به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فوهب له عبداً ، فلما كان يوم سابعه عقَّ عنه بكبش وحلق رأسه ، وسماه يومئذ ، وتصدق بوزن شعره ورقاً على المساكين ، ودفن شعره في الأرض . ودفعه إلى أم بردة ، بنت المنذر من بنى النجار لترضعه ، وكانت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قطعة من الضأن ، فكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقى ابنها » .

وقد توفيت مارية سنة 16 هجرية ، ودفنت قرب ابنها « عليهما السلام » بالبقيع . الطبقات : 8 / 216 .

2 . في الكافي : 3 / 463 والمحاسن : 2 / 313 عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « لما قبض إبراهيم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جرت فيه ثلاث سُنن . أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله ، فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تجريان بأمره مطيعان له ، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ، ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف . فلما سلم قال : يا علي قم فجهز ابني قال : فقام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فغسل إبراهيم وكفنه وحنطه ومضي ، فمضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس : إن رسول الله نسي أن يصلى على ابنه لما دخله من الجزع عليه ، فانتصب قائماً ثم قال : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتاني فأخبرني بما قلتم ، زعمتم أنى نسيت أن أصلى على ابني لما دخلني من الجزع ، ألا وإنه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلى إلا على من صلي .

ثم قال : يا علي إنزل والحد ابني ، فنزل على فألحد إبراهيم في لحده ، فقال الناس إنه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده ، إذ لم يفعل رسول الله بابنه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أيها الناس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ، ولكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان ، فيدخله عن ذلك من الجزع ما يحبط أجره » .

أقول : ورد عندنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) صلى على ابنه إبراهيم ( عليه السلام ) وكبر عليه خمساً . « المعتبر : 2 / 348 » ومشهور فقه مذهبنا أنه لا تجب صلاة الميت على الأطفال حتى يبلغوا ست سنين ، وقيل تستحب الصلاة على من هم أصغر سناً .

3 . في كشف اليقين / 321 ، عن ابن عباس : « كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى فخذه الأيسرابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي « عليهما السلام » ، وهو يقبل هذا تارة وذلك أخري ، إذ هبط جبريل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك : لست أجمعهما لك فافد أحدهما بصاحبه ! فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى إبراهيم وبكي ، ونظر إلى الحسين وبكي ، وقال : إن إبراهيم متى مات لم يحزن عليه غيري ، وأما الحسين متى مات حزنت عليه ابنتي وحزن ابن عمى وحزنت أنا ، وأنا أؤثر حزنى على حزنهما . يا جبرئيل يقبض إبراهيم فقد فديت الحسين به . قال : فقبض بعد ثلاثة ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا رأى الحسين مقبلاً ، قبَّله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديتُ من فديته بابنى إبراهيم « عليهم السلام » » . وتاريخ بغداد : 2 / 200 ، تاريخ دمشق : 52 / 324 والطرائف / 202 .

4 . لما مات إبراهيم ( عليه السلام ) قال ( صلى الله عليه وآله ) : أدفنوه في البقيع فإن له مرضعاً في الجنة . . بعث علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى أمه مارية القبطية وهى في مشربة ، فحمله على في سفط وجعله بين يديه على الفرس ثم جاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه ، وقال لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه ، فأتاه فانكب عليه وبكي ، وقال : تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا مايرضى الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .

ودفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد ، فدخل على ( عليه السلام ) في قبره وسواه عليه ودفنه ، ثم خرج ورش على قبره الماء ، وأدخل رسول الله يده في قبره وبكى وبكى المسلمون حتى ارتفع الصوت . ثم رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قبره خللاً فسواه بيده ، ثم قال : إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن ، ثم قال : إلحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون . وقال الواقدي : مات إبراهيم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر ، وهو ابن ثمانية عشر شهراً » . الكافي : 3 / 262 ، الصحيح : 26 / 28 وحياة النبي لقوام : 3 / 243 .

أقول : يتعجب الإنسان من تعبير النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن عثمان بن مظعون الجمحي بأنه سلفه ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أن سلفه آباؤه الطاهرون « عليهم السلام » . لكنه يدل على أن ابن مظعون له مكانة خاصة ، وانه جزء من سلفه الصالح العظماء سلام الله عليهم ، وهو أخو النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة ، وكان مستقيماً في الجاهلية .

5 . في مسكن الفؤاد للشهيد الثاني / 93 : « عن أسماء ابنة زيد قالت : لما توفى ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إبراهيم ( عليه السلام ) بكى رسول الله فقال له المعزي : أنت أحق من عظم الله عز وجل حقه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد حق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدناه ، وإنا بك لمحزونون .

فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله تبكي ، أوَلم تُنه عن البكاء ؟ فقال : إنما نهيت عن النوح ، عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان .

إنما هذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه وأن آخرنا سيلحق أولنا ، لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل . وعن أبي أمامة قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين توفى ابنه وعيناه تدمعان فقال : يا نبي الله تبكى على هذا السخل ؟ والذي بعثك بالحق لقد دفنت اثنى عشر ولداً في الجاهلية كلهم أشب منه أدسه في التراب ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فماذا ، إن كانت الرحمة ذهبت منك ، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنا على إبراهيم لمحزونون . قال : ريحانة وهبها الله لي وكنت أشمها » .

6 - ساءت علاقة النبي « صلى الله عليه وآله » بزوجاته فهجرهن !

تضمنت سورة التحريم تهديداً لزوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالطلاق ! ثم ازداد سوءاً في أوائل السنة التاسعة فهجرهن واعتزل منزله ، وسكن على بعد كيلو مترات عنهن وعن المسجد ، في بيت مارية القبطية في ضاحية المدينة ، وبقى هناك شهراً ، وشاع خبر غضبه وطلاقه لهن ! مغنى المحتاج : 3 / 343 .

وزعم شخصيات قريش أنها حادثة شخصية سببها طلبات نساء النبي المعيشية ! ولا ربط لها بالقضية التي كانت تشغل الساحة بعد حجة الوداع وهى خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! لكن أي حادثة شخصية هذه التي نزلت فيها سورة التحريم والتهديد ؟ ولماذا أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يهجر نساءه وبيته ومسجده ، ويعلن غضبه عليهن حتى شاع أنه طلقهن !

7 - ملاحظات حول سورة التحريم وهجر النبي « صلى الله عليه وآله » لأزواجه

1 - تعمد القرشيون أن يخلطوا خَمْس مسائل لتضييع الحقيقة ! مع أنها مختلفة موضوعاً وزماناً ! فآيات الإيلاء نزلت في سورة البقرة ، في أول الهجرة .

وتهمة عائشة كانت في السنة الخامسة ، في غزوة المريسيع أو بنى المصطلق !

وتهمة مارية كانت في أوائل السنة الثامنة ، بعد حملها بإبراهيم ( عليه السلام ) !

ونزول سورة التحريم كان بعد فتح مكة ، واتجاه قريش لإعلان الردة !

وهجْر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لزوجاته كان في السنة التاسعة ، قبيل غزوة تبوك .

قال الصدوق « رحمه الله » في الفقيه : 3 / 517 : « قال أبى رضي الله عنه في رسالته إلي : إعلم يا بنى أن أصل التخيير « تخيير أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين الطلاق والبقاء » هو أن الله تبارك وتعالى أنفَ لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) من مقالة قالتها بعض نسائه : أيرى محمد أنه لو طلقنا لا نجد أكفاءنا من قريش يتزوجونا ؟ ! فأمر الله نبيه أن يعتزل نساءه تسعاً وعشرين ليلة ، فاعتزلهن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مشربة أم إبراهيم ، ثم نزلت هذه الآية : يا أَيهَا النَّبِى قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ، فاخترن الله ورسوله فلم يقع الطلاق ، ولو اخترن أنفسهن لَبِنَّ » .

لكن رواة قريش قالوا إنه ( صلى الله عليه وآله ) آلاهن ، أي حلف أن يهجرهن في المضجع شهراً فعاتبه ربه وأمره بالرجوع ! قال الترمذي : 5 / 95 : « وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهراً ، فعاتبه الله في ذلك ، فجعل له كفارة اليمين » !

وقال بخاري : 1 / 100 : « وآلى من نسائه شهراً فجلس في مشربة له درجتها من جذوع . . . ونزل لتسع وعشرين فقالوا : يا رسول الله إنك آليت شهراً ، فقال : إن الشهر تسع وعشرون » . انتهي .

فزعموا أن سبب إيلائه وأن غضبه كثرة طلباتهن ! وليس اتهامهن لمارية ، ولا خيانتهن المنصوص عليها في سورة التحريم ! « قال المفسرون : حين غار بعض نساء النبي وآذينه بالغيرة وطلبن زيادة النفقة ، فهجرهن رسول الله شهراً حتى نزلت آية التخيير » . أسباب النزول / 240 .

لكن هجرهن ونزول آية التخيير كان في التاسعة ، ونزول آيات الإيلاء كان قبل سنوات في سورة البقرة . البقرة : 225 - 227 !

2 - نصت سورة التحريم على معصية حفصة وعائشة وهددتهما بالنار ، فهي تدل على أنهما ليستا من أهل البيت المطهرين من الرجس ، ولذا لم تدع أي منهما أن آية التطهير تشملها ، وإنما ادعيت لهما بعد وفاتهما !

قال في بشارة المصطفى / 390 : « ليس يجوز لمن له أدنى علم أن يخلط ذكر فاطمة « عليها السلام » بذكر غيرها ! وكيف يجوز أن يقاس من شهد الله بطهارتها بقوله تعالي : إنما يرِيدُ اللهُ لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . على من قال الله في حقها : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ! لكن العمى في القلب والعصبية وبغض أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحمل بعض الناس على ما لا يليق بالعقل » .

3 - كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلق حفصة فوضع عمر التراب على رأسه وقال : « ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها » فأرجعها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقالوا أمره جبرئيل بإرجاعها من أجل عمر ! وقال لها عمر مرة : « طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ، والله إن كان طلقك مرة أخرى لا كلمتك أبداً » ! مجمع الزوائد : 4 / 333 .

ويحتمل أن يكون ذلك عند إفشائها لسره ، أو عند تفاقم الأمر بعد ذلك .

4 - استدل أتباع الخلافة على أن عائشة وحفصة مبرأتان من كل عيب ، لقوله تعالي : الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيبَاتُ لِلطَّيبِينَ وَالطَّيبُونَ لِلطَّيبَاتِ . وأفتوا بقتل من اتهم عائشة لأن الله تعالى برأها فيكون اتهامه تكذيباً للقرآن .

أما فقهاؤنا فحرموا تهمة نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخلاقياً ، لكنهم جوزوا عليهن خيانة رسالته والعمل مع أعدائه ضده ، واستحقاق النار ، بدليل سورة التحريم .

أما آية الطيبين للطيبات فهي في الآخرة ، أما في الدنيا فامرأة نوح ولوط خبيثتان كافرتان بنص القرآن ، وقد ضربهما الله مثلاً لعائشة وحفصة .

على أنه قد يكون المقصود به حكم شرعي ، وأنه يحرم أن يتزوج الطيبون من خبيثات . كما استدل به بعض فقهائنا .

5 - لا صحة لقولهم إن سبب هجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهن النفقة ، فقد كان الوضع المالى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) جيداً في السنة التاسعة ، بعد فتح خيبر وحنين وكثرة الغنائم التي أحلها الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) . بل السبب أن الله أنفَ لنبيه قول بعضهن أنه لو طلقنا سنجدن خيراً منه ، وقد نص الرواة على أن حفصة قالت ذلك !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.