أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2017
2895
التاريخ: 23-5-2017
3011
التاريخ: 21-6-2017
2668
التاريخ: 11-12-2014
4499
|
1 - أسباب غزوة فتح مكة وغزوة حنين والطائف
قد يصنع أحداث التاريخ أشخاص بدون أن يقصدوا ، ولله في خلقه شؤون ! ومن أولئك « بنو نفاثة » وهم عائلة صغيرة شريرة من كنانة ، عُرفت بأنها تسرق أمتعة الحجاج في حرم الله تعالى ، وكان لها ثأر عند خزاعة ، فأرادت الهجوم عليهم وأقنعت بذلك رؤساء كنانة ، فطلبوا من قريش أن تمدهم بالسلاح وبمقاتلين ليباغتوا خزاعة ، ويقتلوا منهم أكبر عدد ممكن ! ففعلت قريش ذلك وهى تعلم أن ذلك نقض لعهدها مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحديبية ! فقدمت بذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) مبرراً لفتح مكة ، فأخضعها وأجبرها على خلع سلاحها !
وشبيهاً بذلك فعلت هوازن في غزوة حنين ، وثقيف في الطائف !
فقد فكر رئيس هوازن مالك بن عوف أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد سيطرته على قبائل الجزيرة وانتصاره على اليهود وإجلائهم ، سيهاجم قبائل نجد لإخضاعها ، فبادر إلى تحشيد القبائل لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يحاربه ! وقبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريقه إلى فتح مكة على عين لهوازن أقر بأنهم يجمعون لحربه ، فأمر بحبسه حتى لايخبروهم بحركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! » الصحيح من السيرة : 21 / 215 .
وبعث إليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) « عبد الله بن أبي حدرد عيناً ، فسمع ابن عوف يقول : يا معشر هوازن إنكم أحدُّ العرب وأعدُّها ، وإن هذا الرجل لم يلق قوماً يصدقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم « أغلفتها » واحملوا عليه حملة رجل واحد . فأتى ابن أبي حدرد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره » . إعلام الوري : 1 / 228 .
وأكملت هوازن تحشيد قواتها واتخذت مركز معسكرها وادى أوطاس ، وهو شمال شرق مكة ، على بعد بضعة وعشرين كيلومتراً من حنين ، قرب الضربية « ذات عرق » ميقات أهل العراق . ثم اتفقوا مع ثقيف على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقدموا مركز معسكرهم إلى وادى حنين بين الطائف ومكة ، ويعرف اليوم بالشرائع .
تقدمت نخبة قوات هوازن وثقيف وعسكرت في حنين ، وهددت المسلمين وأهل مكة ، فعطلت الحج في تلك السنة ، فقصدهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكانت المعركة فانهزم الثقفيون إلى الطائف ، وهى تبعد نحو تسعين كيلومتراً عن مكة ، وترتفع عن سطح البحر نحو 1300 متراً . ثم انهزمت قبائل هوازن إلى أوطاس القريبة .
2 - أخذ النبي « صلى الله عليه وآله » قريشاً معه إلى حرب هوازن
في مناقب آل أبي طالب : 1 / 180 : « فات الحج من فساد هوازن في وادى حنين ! فخرج ( صلى الله عليه وآله ) في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه » .
ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعلن موعد تجمع جيشه في مني ، في مكان مؤتمر قريش وكنانة لمقاطعة بني هاشم ! قال ( صلى الله عليه وآله ) : « منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بنى كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر » ! « صحيح بخاري : 5 / 92 » . وفى ذلك تخليدٌ للمكان ، وتذكير لقريش بجرائمها بحق الإسلام وبنى هاشم ! وقد بقي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة أسبوعين ، وكان خروجه إلى حنين يوم السبت السادس من شوال ، ووصلها يوم الثلاثاء التاسع من شوال . الصحيح من السيرة : 24 / 53 .
وفى إعلام الوري : 1 / 228 : « فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فقال أحد أصحابه « هو أبو بكر » الصحيح / 24 / 106 : لن نغلب اليوم من قلة ! فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل الله سبحانه : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . . .
3 - دريد بن الصمة ينصح هوازن فلا يقبلون !
في إعلام الوري : 1 / 229 : « قال الصادق ( عليه السلام ) : وكان مع هوازن دُرَيد بن الصُّمَّة خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمنون برأيه ، فلما نزلوا بأوطاس قال : نِعْمَ مجالُ الخيل لاحَزَنٌ ضِرْسٌ ولاسهلٌ دَهْس ، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم . قال : فأين مالك ؟ فدعى مالك له فأتاه فقال : يا مالك أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . قال : ويحك لم تصنع شيئاً ، قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل ، وهل يرد وجه المنهزم شئ ؟ ! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ! قال : إنك قد كبرت وكبر عقلك ! فقال دريد : إن كنت قد كبرت فتورث غداً قومك ذلاً بتقصير رأيك وعقلك ، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ! ثم قال : حربٌ عَوَان ! يا ليتني فيها جذع أخبُّ فيها وأضع » !
وفى سيرة ابن هشام : 4 / 290 ، أن ابن عوف قال لقبائل نجد : « والله لتطيعننى يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ! وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكرٌ أو رأي ، فقالوا : أطعناك » !
وقد روى أن دُريد بن الصُّمَّة كان عمره مئتى سنة ، وكان أعمى يحملونه في محفة ، وكان أسطورة في حروب العرب ، وقد تركوا رأيه لأنه خالف مالك بن عوف ! وعندما انهزمت هوازن ورجعت فلولهم إلى أوطاس كان دريد هناك ، فلحقهم المسلمون وقتلوه فيمن قتلوا من هوازن ، بينما سلم مالك بن عوف وعفا عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعطاه أهله وماله ومئة بعير .
4 - أدلة تآمر طلقاء قريش مع هوازن على النبي « صلى الله عليه وآله »
1 . ورد في وصف الهزيمة : « تفسير القمي : 2 / 286 » : « فلما صلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الغداة انحدر في وادى حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم ! وبقى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقاتلهم في نفر قليل ، ومر المنهزمون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لايلوون على شئ ، وكان العباس آخذٌ بلجام بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينادى يا معشر الأنصار إلى أين المفر ؟ ألا أنا رسول الله ، فلم يلو أحد عليه ! وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول : أين تفرون عن الله وعن رسوله ؟ ومر بها عمر فقالت له : ويلك ما هذا الذي صنعت ؟ فقال لها : هذا أمر الله ! فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه ، فقال يا عباس إصعد هذا الظرب وناد يا أصحاب البقرة ! ويا أصحاب الشجرة ! إلى أين تفرون هذا رسول الله ! ثم رفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده فقال : اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) عليه فقال له : يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون » !
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبى سفيان بن الحارث : ناولني كفاً من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ، ثم قال : شاهت الوجوه ! ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد !
وفى إعلام الوري : 1 / 229 : « قال جابر بن عبد الله : فسرنا حتى إذا استقبلنا وادى حنين كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلا كتائب الرجال بأيديها السيوف والعمد والقنا ، فشدوا علينا شدة رجل واحد ، فانهزم الناس راجعين لايلوى أحد على أحد ! وأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بنى عبد المطلب .
وأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمداً ، فأروه ، فحمل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان رجلاً أهوج ، فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا فقتله مالك ، وقيل إنه أيمن بن أم أيمن ، ثم أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
وصاح كلدة بن حنبل وهو أخو صفوان بن أمية لأمه وصفوان يومئذ مشرك : ألا بطل السحر اليوم ! فقال صفوان : أسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يرُبَّنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن » !
2 . وقد ذكر القرآن أن سبب هزيمة المسلمين في حنين : إعجابهم بكثرة عددهم فقد كانوا في بدر ثلاث مئة ونيفاً ، وفى خيبر ألفاً وخمس مئة ، فانتصروا ، لكنهم رأوا أنفسهم في حنين عشرة آلاف أو نحوها فأعجبتهم كثرتهم ! فنبههم الله تعالى إلى خطأ تفكيرهم وأن النصر لم يكن يوماً بالكثرة ، قال تعالي : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . « 25 - 27 » والخطاب في الآية للمسلمين الذين نصرهم الله من قبل ، وليس منهم الطلقاء .
3 . لكن ذلك لا ينفى تواطؤ الطلقاء مع النجديين مقابل عدم هجوم هوازن على مكة ، وبذلك يثأر الطلقاء من النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه غلبهم وأخضعهم .
وقد يقال هنا إن صفوان بن أمية كان يفضل أن ينتصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) على هوازن فقد « صاح كلدة بن حنبل وهو أخو صفوان لأمه وصفوان يومئذ مشرك : ألا بطل السحر اليوم ! فقال صفوان : أسكت فضَّ الله فاك فوالله لأن يرُبَّنِي « يحكمني » رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن » . إعلام الوري : 1 / 229 .
لكن تفضيل صفوان حكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لاينفى عمل قريش ورئيسها سهيل لقتله ( صلى الله عليه وآله ) ! لأن صفوان فهو كناني حليف لقريش وليس من صلبهم فلا يجب أن يعرف اتفاقهم .
4 - كشف النضير خطة الطلقاء بصراحة ، فقال كما رواه الواقدي : « خرجت مع قوم من قريش هم على دينهم بعدُ : أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير . فلما تراءت الفِئَتَان ونحن في حيز المشركين حملت هوازن حملة واحدة ظننا أن المسلمين لا يجبرونها أبداً ، ونحن معهم وأنا أريد بمحمد ما أريد ، وعمدت له فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه ، فأقبلت عامداً إليه فصاحوا بي : إليك ! فأرعب فؤادي وأرعدت جوارحي ! قلت : هذا مثل يوم بدر ، إن الرجل لعلى حق وإنه لمعصوم ! وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام ، وغيره عما كنت أهم به » . سبل الهدي : 5 / 321 .
4 - قال الطلقاء بعضهم لبعض عند الهزيمة : « أخذلوه فهذا وقته ، فانهزموا أول من انهزم وتبعهم الناس » . الصحيح : 24 / 120 .
5 - أرسل الطلقاء بخبر الهزيمة إلى مكة وبشروا أهل مكة بهزيمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاغتم عتاب بن أسيد حاكم مكة من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وسُرَّ بذلك الطلقاء في مكة وأظهروا الشماتة ، وقالوا ترجع العرب إلى دين آبائها وقد قتل محمد وتفرق أصحابه ! فما أمسوا ذلك اليوم حتى جاء الخبر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوقع بهوازن ، فسُرَّ عتَّاب وكبت الله تعالى أعداء رسوله ( صلى الله عليه وآله ) . سبل الهدي : 5 / 230 .
ومما يؤيد وجود المؤامرة قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ما مرَّ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم كان أشد عليه من يوم حنين ! وذلك أن العرب تباغت عليه » . علل الشرائع : 2 / 462 .
6 - استقسم أبو سفيان بالأزلام وهو نوع من التبصير بالمستقبل ! « أخرج أزلاماً من كنانته فضرب بها وقال : إني أرى أنها هزيمة لا يردها إلا البحر » .
7 - وقعت محاولتان على الأقل لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد قال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة : « اليوم أدرك ثأر أبي » ! وكان أبوه قتل ببدر ، وجاء ليقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره رسول الله بما نواه وأحبط الله سعيه ! ثم النضير بن كلدة العبدري وقد اعترف بأنه قصد قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأحبط الله تعالى سعيه ! آيات الغدير للمؤلف / 136 .
8 - تناقضت روايتهم عن سبب الهزيمة ، فقد قالوا إن هوازن كمنت في الشعاب في مدخل وادى حنين ، فتفاجأت المقدمة بقيادة خالد بن الوليد بسهامهم ووقع منهم قتلى فانهزم خالد وتبعه الطلقاء وتبعهم الباقون ، وتركوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبنى هاشم وحدهم مقابل هوازن !
وكذبوا بقولهم إن الوقت كان فجراً فلم يرَ خالد الكمائن ! فقد كان قريب الظهر ! وقد ناقش مقولاتهم ومبرراتهم للهزيمة صاحب الصحيح : 24 / 100 .
5 - فرَّ الجميع وثبت النبي « صلى الله عليه وآله » وبنو هاشم فقط !
1 - وصف القرآن فرار المسلمين في حنين فضلاً عن الطلقاء ، فقال تعالي : وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئاً وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ . فالفرار عام والسكينة بعده خاصة .
2 - اعترف الجميع بالفرار ، ففي صحيح بخاري : 4 / 57 ، قال أبو قتادة : « فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس ؟ قال : أمر الله » ! فقد نسب عمر الفرار إلى الله تعالى ! وفى صحيح بخاري : 5 / 98 : « يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ! فقال : أما أنا فأشهد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه لم يولِّ » .
وفى البخاري : 4 / 28 : « فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول : أنا النبي لاكذب . أنا ابن عبد المطلب . فما رؤى من الناس يومئذ أشد منه » !
وقال ابن هشام : 4 / 893 : « وانشمر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد ، وانحاز رسول الله ذات اليمين ثم قال : أين الناس هلموا إلى أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله ! قال : فلا شئ » .
وقال ابن خلدون : 2 ق 2 / 46 : « فولى المسلمون لا يلوى أحد على أحد وناداهم ( صلى الله عليه وآله )
فلم يرجعوا » .
وقال السرخسي في سيره : 1 / 117 : « فانكشفت أول الخيول خيل بنى سليم مولية ثم تبعهم أهل مكة ، وتبعهم الناس مدبرين لايلوى أحد على أحد » .
3 - في الصحيح من السيرة : 24 / 293 ، ملخصاً : « دلت النصوص على أن علياً ( عليه السلام ) وحده الذي ثبت ، وقد وردت نصوص كثيرة تضمنت نفى ثبات غيره ، واستثنى بعضها بضعة رجال من بني هاشم ، أحاطوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لحمايته .
أما قول بعضهم إنه ثبت ثمانون أو مائة رجل فلعلهم كانوا من أوائل العائدين .
4 - وفى الإرشاد : 1 / 141 : « لم يبق منهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلاعشرة أنفس : تسعة من بني هاشم خاصة ، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن « رحمه الله » وثبتت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كان انهزم ، فرجعوا أولاً فأولاً حتى تلاحقوا وكانت لهم الكرة على المشركين ، وفى ذلك أنزل الله تعالى وفى إعجاب أبى بكر بالكثرة : وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئاً وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ . ، يعنى أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) ومن ثبت معه من بني هاشم ، وهم يومئذ ثمانية . . العباس عن يمينه والفضل عن يساره وأبو سفيان ممسك بسرجه عند ثفر بغلته ، وسائرهم حوله ، وعلى ( عليه السلام ) يضرب بالسيف بين يديه » .
قال مالك بن عبادة الغافقي :
لم يواس النبي غير بنى ها * شم عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس : أين
ثم قاموا مع النبي على المو * ت فآبوا زيناً لنا غير شين
وسوى أيمن الأمين من القوم * شهيداً فاعتاض قرة عين
وقال العباس بن عبد المطلب :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع
5 - قال المأمون في مجلسه مع فقهاء عصره : « إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا سبعة من بني هاشم : على ( عليه السلام ) يضرب بسيفه ، والعباس آخذ بلجام بغلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والخمسة محدقون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) خوفاً من أن يناله سلاح الكفار ، حتى أعطى الله تبارك وتعالى رسوله ( عليه السلام ) الظفر . عنى في هذا الموضع علياً ومن حضر من بني هاشم . فمن كان أفضل أمَن كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونزلت السكينة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليه ؟ أم من كان في الغار مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يكن أهلاً لنزولها عليه ؟ ! » .
6 - كانت نسيبة تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول : أين تفرون عن الله وعن رسوله ؟ ومر بها عمر بن الخطاب فقالت له : ويلك ما هذا الذي تصنع ! فقال : هذا أمر الله !
6 - نزلت الملائكة والسكينة على الثابتين خاصة !
قال تعالي : وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
فالمخاطب بالآية المسلمون الذين نصرهم الله في مواطن كثيرة ، وقد وبخهم ، وأخبرهم أنه بعد فرارهم أنزل سكينته على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى المؤمنين الذين ثبتوا معه ، وهم بنو هاشم ومولاهم أيمن ، ومعهم نسيبة ، وقيل معهم ابن أم مسعود . وعذب الذين كفروا حتى انهزموا ، وكان عذابهم بيد الملائكة وعلى ( عليه السلام ) !
7 - قاتلَ علي « عليه السلام » وحده ونزلت الملائكة !
اطمأن على ( عليه السلام ) بأن بني هاشم يحيطون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فغاص في أوساط هوازن يقصد القائد حامل راية الكتيبة فيقتله ، ثم يقصد الآخر ! وبذلك أبعد المعركة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضعضع صفوف العدو . وكان يرجع بين فترة وأخرى ليطمئن على سلامة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد يأتي معه بأسير أو أكثر !
وقد ورد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أركض بغلته نحوه ، « الصحيح : 24 / 223 » فلعله ذهب ليخبره بنزول الملائكة وأن جبرئيل والملائكة يقاتلون معه ، أو يعطيه برنامج القتال !
وفى المناقب : 1 / 355 : « وقف ( عليه السلام ) يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء . وقتل أربعين رجلاً وفارسهم أبا جرول ، قدَّه بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس » .
ولا ننس أن اسم على ( عليه السلام ) طبق الجزيرة وهابته الفرسان ، بعد أن قتل عمرو بن ود في الخندق ومرحباً في خيبر ! فكانت حملاته في هوازن كافيةً للرعب فيهم !
ففي أمالي الطوسي / 575 : « قال نوفل بن الحارث بن عبد المطلب : فرَّ الناس جميعاً وأعْرَوْا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يبق معه إلا سبعة نفر من بنى عبد المطلب : العباس ، وابنه الفضل ، وعلي ، وأخوه عقيل ، وأبو سفيان ، وربيعة ، ونوفل بنو الحارث بن عبد المطلب ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصلت سيفه في المجتلد ، وهو على بغلته الدلدل ، وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
قال الحارث بن نوفل : فحدثني الفضل بن العباس قال : التفت العباس يومئذ
وقد أقشع الناس عن بكرة أبيهم ، فلم ير علياً ( عليه السلام ) في من ثبت ، فقال : شوهة بوهة ، أفي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو صاحب ما هو صاحبه ! يعنى المواطن المشهورة له فقلت : نقص قولك لابن أخيك يا أبه . قال : ما ذاك يا فضل ؟ قلت : أما تراه في الرعيل الأول ، أما تراه في
الرهج ! قال : أشعره لي يا بني . قلت : ذو كذا ذو كذا ذو البردة . قال : فما تلك البرقة ؟ قلت : سيفه يزيل به بين الأقران . فقال : بَرٌّ بن بَر ، فداه عم وخال .
قال : فضرب على ( عليه السلام ) يومئذ أربعين مبارزاً ، كلهم يقدُّه حتى أنفه ، قال : وكانت ضرباته مبتكرة » . أي واحدة لا تحتاج إلى ثانية !
وقد بخلت مصادر السلطة في ذكر بطولات على ( عليه السلام ) وكيف حقق النصر للمسلمين بعد فرارهم ! فذكروا أنه قتل قائد هوازن « ذا الخمار » وفارسهم أبا جرول ! وقتل ( عليه السلام ) أربعين من فرسانهم ، فوقع فيهم الرعب والهزيمة !
قال في الإرشاد : 1 / 142 : « وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك نفراً من المسلمين أكب عليهم وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه ، وهو يرتجز ويقول :
أنا أبو جرولٍ لا براح * حتى نبيحَ القومَ أو نباح
فصمد له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ، ثم قال : قد علم القوم لدى الصباح * أنى في الهيجاء ذو نصاح
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبى جرول لعنه الله » .
« وكان على راية الأحلاف من ثقيف يوم حنين قارب بن الأسود ، فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب » ! ابن حبان : 2 / 73 وابن خلدون : 2 ق 2 / 47 .
واعترف رواة السيرة من حيث لا يريدون بفرار الجمع وبطولات على ( عليه السلام ) !
ففي سيرة ابن هشام : 4 / 896 : « فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتَّفين عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » ! والدرر لابن عبد البر / 227 .
فمن أسرهم وكتَّفهم قبل رجوع الفارِّين والكل فارُّون ما عدا بني هاشم الذين يحرسون النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ( عليه السلام ) وحده في المعركة ؟ !
وقد ادعوا أن ثمانين من الفارين أو مئة رجعوا قبل غيرهم ، ونسبوا بطولات على ( عليه السلام ) أو قسماً منها إليهم ! لكنهم لم يسموا منهم أحداً إلا عبد الله بن مسعود ، وهو ضعيف البنية صغير الجثة غير مقاتل ! ثم نسبوا النصر إلى دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإلقائه حفنة الحصى والتراب على جيش هوازن وهو صحيح ، لكنه لا يلغى دور على ( عليه السلام ) ! وقد نسب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) النصر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال فيه :
ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيزاً ذا اقتدار وذا فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هواناً من إسار ومن قتل
مناقب آل أبي طالب : 2 / 331 .
ومما يدلك على أنه لم يقاتل أحدٌ في حنين إلا على ( عليه السلام ) عدم وجود شهداء للمسلمين ! وعدم وجود قتلى من المشركين ، إلا من قتلهم على ( عليه السلام ) !
فلا شهداء إلا أيمن بن أم أيمن « رحمه الله » الذي استشهد دفاعاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما قصده مالك بن عوف ! وقالوا استشهد غيره ثلاثة أو أربعة ، لكن ذكروا أن أحدهم أبا عامر الأشعري « جد الأشعريين القميين » لكنه قتل بعد المعركة في أوطاس في تعقب الفارين ، ويزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرسه فمات » ! الصحيح من السيرة : 24 / 338 ولعل البقية مثله !
ولا شك أن الملائكة كان لهم دورٌ مع علي ( عليه السلام ) ، فقد روى القمي في تفسيره : 2 / 288 : « قال رجل من بنى نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق والرجال عليهم الثياب البيض ؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ! قالوا : تلك الملائكة » . وروت شبيهاً به بقية المصادر ، ومشاهدة جنود هوازن لكتائب على خيل بلق ، وسماعهم قعقعة سلاح في الجو !
وفى مجمع البيان : 5 / 32 : « قال سعيد بن المسيب : حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقفوا لنا حلب شاة ، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم ، حتى إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء ، يعنى رسول الله ، فتلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا لنا : شاهت الوجوه إرجعوا ! فرجعنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانوا إياها يعنى الملائكة » !
وإنما نزلت الملائكة بعد نزول السكينة على المؤمنين الثابتين ، وقتال على ( عليه السلام ) .
رجع المنهزمون فرأوا الأسرى حول النبي « صلى الله عليه وآله »
وجعل ابن عبد البر في الدرر / 226 ، النصر ببطولة مئة صحابي بلا أسماء ! قال : « حتى إذا اجتمع حواليه ( صلى الله عليه وآله ) مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب واشتدت الحرب وكثر الطعن والجلاد ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال : الآن حمى الوطيس . وضرب علي بن أبي طالب عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه ، ولحق به رجل من الأنصار فاشتركا في قتله ، وأخذ على الراية وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب ، حين وصلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك أن رسول الله إذا واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة ، ورمى في وجوههم بالحصا فلم يملكوا أنفسهم ! وفى ذلك يقول الله عز وجل : وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَي .
وروينا من وجوه عن بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنيناً ، قال وقد سئل عن يوم حنين : لقينا المسلمين فما لبثنا أن هزمناهم ، وأتبعناهم حتى وصلنا إلى رجل راكب على بغلة بيضاء ، فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهرنا ، وأخذ بكفه حصاً أو تراباً فرمانا به ، وقال : شاهت الوجوه ، شاهت الوجوه ! فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك ، فما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا ! وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا وأسرى هوازن بين يديه » .
أقول : لم يسموا حتى شخصاً واحداً من الأبطال الذين رجعوا ، وجعل ابن عبد البر لعلى ( عليه السلام ) شريكاً مجهولاً في قتل أبى جرول حامل رايتهم فقال : « فاشتركا في قتله وأخذ على الراية » !
8 - هزيمة هوازن وغنائم المسلمين منها
كانت هزيمة المسلمين سريعة ، وكان بعدها مباشرة محاولات القرشيين لاغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعهم حملات هوازن وفرسانها ، فكانت حماية بني هاشم ، وحملات على ( عليه السلام ) المضادة ! ولعل حملاته استمرت أربع ساعات أو نحوها ، ومعناه أنه لم يحن الظهر حتى تم النصر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وانهزم أعداؤه شذر مذر !
أما قائدهم مالك بن عوف الذي كان يهدر ويصيح : أروني محمداً حتى أقتله ! وجاء بالفعل إلى قرب مكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتصدى له أيمن « رحمه الله » فقتله مالك ، ولعل علياً ( عليه السلام ) قصده فهرب ، أو أحس بالملائكة فارتعب ، ثم سمع مالك دوى تكبيرات على ( عليه السلام ) وهويجندل حملة راياتهم ذا الخمار بن عبد الله ، وأخاه عثمان ، وأبا جرول ، فهرب مالك إلى الطائف !
في إعلام الوري : 1 / 232 : « فر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف في ناس من أشراف قومهم ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله وإعزاز دينه » . والإرشاد : 1 / 151 والدرر / 227 .
غنائم هوازن الوافرة
في سيرة ابن هشام : 4 / 902 : « وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من منهزمة الناس » !
« وتركوا أموالهم وأولادهم غنيمة هنيئة للمسلمين كما وعد الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت أكبر غنيمة ، فقد بلغت ستة آلاف سبى بين امرأة وغلام ، وأربعةً وعشرين ألف بعير ، وأكثر من أربعين ألف شاة من الغنم ، وأربعة آلاف أوقية فضة » . الصحيح من السيرة : 25 / 173 وأقل منه في مناقب آل أبي طالب : 1 / 181 .
وأصدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره إلى الراجعين من فرارهم أن يجمعوا الغنائم ويرسلوها إلى « الجعرانة » وجعل بديل بن ورقاء رئيس خزاعة ، مسؤولاً عليها . وأصدر أمره أن يتهيؤوا للسير إلى الطائف لمحاصرة ثقيف ، التي تحالفت مع هوازن ، وخرجت معها لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ويفهم من رواية الإمام الصادق ( عليه السلام ) « مكارم الأخلاق / 119 » أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذهب بنفسه لتعقب الفارين في أوطاس قبل الطائف ، قال : « دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح ، ثم خرج إلى حنين ، فلما فرغ منهم انتهى إلى أوطاس ، بقيت منهم بقية ففرغ منهم » .
وكان له فيها عين هو أنيس بن مرثد الغنوي ، وكان أبو مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب . مذيل الطبري / 51 .
9 - النبي « صلى الله عليه وآله » يحاصر قبيلة ثقيف في الطائف
كانت قبيلة ثقيف في الطائف حلفاء قريش وكان أثرياء قريش يملكون كثيراً من بساتين الطائف وأرضها . وقد جاءها النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل هجرته يدعوها إلى الإسلام وحمايته من قريش ، فرفضت دعوته وآذته ! وشاركت مع هوازن في حرب حنين ، وسرعان ما انهزمت ! فقد رأى قائدهم قارب بن الأسود علياً ( عليه السلام ) يحصد فرسان هوازن ، فخاف وأسند رايته إلى شجرة ، وهرب راجعاً إلى الطائف ! ثم انهزمت هوازن ، فذهب بعضم إلى أوطاس وبعضهم إلى الطائف مع رئيسهم مالك بن عوف ، وأكثرهم رجعوا إلى بواديهم .
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري ، وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف . فأما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل فقال المسلمون لأبى موسي : أنت ابن عم الأمير وقد قتل ، فخذ الراية حتى نقاتل دونها ، فأخذها أبو موسى فقاتل المسلمون حتى فتح الله عليهم . وأما أبو سفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه ، فانهزم ورجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عنى شيئاً ، فسكت النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه » !
قال الطبري : 2 / 352 : « لما قدم فلُّ ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها وصنعوا الصنائع للقتال . ولم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والضبور والمجانيق » .
وجرش قرية باليمن تصنع فيها المجانيق ، والضبور صندوق مدرع للمقاتلين لينقبوا سور الحصن أو ليردوا المتسلقين ، وتسمى الدباب أيضاً ، كما تطلق الدباب على الأحجار التي تلقى من المنجنيق ، أو تُدحرج من الجبل .
وفى إعلام الوري : 1 / 233 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف في شوال سنة ثمان فحاصرهم بضعة عشر يوماً ، وخرج نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف فلقيه على ( عليه السلام ) في خيله فالتقوا ببطن وَجّ فقتله على ( عليه السلام ) وانهزم المشركون .
ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جماعة من أرقائهم ، منهم أبو بكرة وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث وكان اسمه المضطجع ، فسماه رسول الله المنبعث . ووردان ، وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ، فأسلموا .
فلما قدم وفد الطائف على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا قالوا : يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال : لا ، أولئك عتقاء الله » .
وفى فتوح البلدان للبلاذري : 1 / 65 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمسلمين حتى نزل الطائف فرمتهم ثقيف بالحجارة والنبل ، ونصب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منجنيقاً على حصنهم ، وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر ، فألقت عليها ثقيف سكك الحديد المحماة فأحرقتها ، فأصيب من تحتها من المسلمين . وكان حصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الطائف خمس عشرة ليلة » .
وفى الخرائج : 1 / 118 : « لما حاصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهل الطائف قال عيينة بن حصن : إئذن لي حتى آتى حصن الطائف فأكلمهم ، فأذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجاءهم فقال : أدنو منكم وأنا آمن ؟ قالوا : نعم . وعرفه أبو محجن فقال : أدنُ فدخل عليهم ، فقال : فداكم أبى وأمي والله لقد سرني ما رأيت منكم ، وما في العرب أحد غيركم ووالله ما في محمد مثلكم ، ولقد قل المقام وطعامكم كثير ، وماؤكم وافر لا تخافون قطعه ! فلما خرج قالت ثقيف لأبى محجن : فإنا قد كرهنا دخوله وخشينا أن يخبر محمداً بخلل إن رآه فينا أو في حصننا ! فقال أبو محجن : أنا كنت أعرف به ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه ! فلما رجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : قلت لهم أدخلوا في الإسلام ، فوالله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أماناً ، فخذلتهم ما استطعت ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كذبت لقد قلت لهم كذا وكذا ! وعاتبه جماعة من الصحابة قال : أستغفر الله وأتوب إليه ، ولا أعود أبداً » .
وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبيد أهل الطائف أن من يخرج اليه منهم ويسلم يعتقه ، فخرج اليه بعضهم ومنهم أبو بكَرَة بن سمية وأبى عبيد ، وهو أخ زياد بن أبي عبيد الذي ادعاه أبو سفيان وألحقه معاوية به ، وسمى أبابكرة لأنه استعمل حبلاً وبكرة ونزل من حصن الطائف ، فقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إسلامه وأعتقه .
10 - النبي « صلى الله عليه وآله » يفك الحصار عن الطائف
يلفتنا في عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حصار الطائف أمران :
الأول : أنه لم يأخذ معه علياً ( عليه السلام ) بل بعثه لإخضاع ضواحيها خاصة قبيلة خثعم ، وتحطيم الأصنام الكثيرة التي كانت لأهل الطائف وقريش !
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « وأنفذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خيل وأمره أن يطأ ما وجد ويكسر كل صنم وجده . فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير ، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش الصبح فقال : هل من مبارز ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : من له ؟ فلم يقم أحد فقام إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : تكفاه أيها الأمير . فقال : لا ، ولكن إن قتلت فأنت على الناس . فبرز إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يقول :
إن على كل رئيس حقا
أن يروى الصعدة أو تُدَقا
ثم ضربه فقتله ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام ، وعاد إلى رسول الله وهو محاصر لأهل الطائف » . ومعنى يروى الصعدة : يروى الرمح المستقيم من دم العدو .
وقد استغرقت مهمة على ( عليه السلام ) بضع عشرة يوماً .
ففي أمالي الطوسي / 579 و 504 ، عن أبي ذر : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما أوقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هوازن سار حتى نزل بالطائف ، فحصر أهل وجّ أياماً فسأله القوم أن ينتزح عنهم ليقدم عليه وفدهم ، فيشترط له ويشترطون لأنفسهم . فسار ( صلى الله عليه وآله ) حتى نزل مكة ، فقدم عليه نفر منهم بإسلام قومهم ، ولم يبخع « يخضع » القوم له بالصلاة ولا الزكاة ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، أما والذي نفسي بيده ليقيمن الصلاة وليؤتن الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلاً هو منى كنفسي ، فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم هو هذا ، وأخذ بيد على ( عليه السلام ) فأشالها ! فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقروا له بالصلاة وأقروا له بما شرط عليهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما استعصى على أهل مملكة ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله عز وجل ! قالوا : يا رسول الله وما سهم الله ؟ قال : علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، وملكاً أمامه وسحابة تظله ، حتى يعطى الله حبيبي النصر والظفر » .
وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « وعاد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو محاصر لأهل الطائف ، فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) كبر للفتح وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً . فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح جميعاً ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما خلا بعلى بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا ؟ فقال : يا عمر ، ما أنا انتجيته بل الله انتجاه ! قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ ، فلم ندخله وصددنا عنه ! فناداه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لم أقل إنكم تدخلونه في ذلك العام » !
والأمر الثاني الملفت في حصار الطائف : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فك الحصار عنها ولم يصرّ على فتحها ، وروى أنه لم يؤذن له في فتحها .
وفى إعلام الوري : 1 / 234 : « ذكر الواقدي عن شيوخه قال : شاور رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه في حصن الطائف ، فقال له سلمان الفارسي : يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فعمل منجنيق ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودبابتين . ويقال خالد بن سعيد ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبابة .
وأنفذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) في خيل عند محاصرته أهل الطائف ، وأمره أن يكسر كل صنم وجده ، فخرج فلقيه جمع كثير من خثعم . . . إلى آخر ما تقدم .
فلما قدم على ( عليه السلام ) فكأنما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على وجل فارتحل ، فنادى سعيد بن عبيدة : ألا إن الحي مقيم فقال ( عليه السلام ) : لا أقمت ولاظعنت ! فسقط فانكسر فخذه » !
أي لما جاء على ( عليه السلام ) فك النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحصار بدون تأخير ، فقال الراوي كأنما كان على وجل . ومعنى كلام سعيد أن الذي يظعن هو الغريب الضعيف ، وقصده الطعن بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) بفك الحصار وأنه عن عجز ، فدعا عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقتله الله ! والظاهر أن سبب فك الحصار عن الطائف ليس عجز الصحابة عن اقتحامه ، فقد جاء على ( عليه السلام ) ! بل سببه طلب قسم من ثقيف « أهل وجّ » أن يفكه عنهم ليأتيه وفدهم ويتفاوضوا معه ؟ وقد يكون السبب قرب دخول شهر ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال . تفسير الثعلبي : 5 / 22 .
والأمر المؤكد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسدد بوحي ربه عز وجل في قوله وفعله . فقد قبل وعد أهل الطائف بأنهم يأتون إلى المدينة لمفاوضته ، وفك حصارهم مع عدم ثقته بهم ، وذهب إلى مكة معتمراً ، ثم عاد المدينة .
وذكرت رواية للواقدي أنه ( صلى الله عليه وآله ) أمر بقطع شجر كرومهم ، وهذا لا يصح عندنا .
11 - سياسة الإسلام العجيبة مع قريش وثقيف
لم يعرف التاريخ قبائل أفرطت في عدائها كبطون قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعشيرته بني هاشم ! وقد وثقنا ذلك بسلسة مواقفهم وأعمالهم الكيدية ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بحث : « صراع قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) » . لكن العجيب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاوم قريشاً حتى فتح مكة ، فأخضعهم وعفا عنهم وقبل إسلامهم وسماهم « الطلقاء » .
ثم فتح لهم أبواب دولته ! وفى نفس الوقت أعلن أنهم وأولادهم طلقاء وأخرجهم من أمته إلى يوم الدين ! ثم حكم ( صلى الله عليه وآله ) على ثقيف شبيهاً بحكمه على قريش ، وثقيف من قبائل هوازن النجدية ، سكنت الطائف فصارت حضرية ، وكانت حليفة لقريش وشريكتها في عدائها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وقد تحالفت مع هوازن في حربها للنبي وانهزمت معها في حنين ، ثم انهزمت بيد على ( عليه السلام ) في وجّ ، وبعد هزيمتهم طلبوا أن يعفيهم من الصلاة لأنها « دناءة » معيبة ! فلم يقبل منهم وهددهم بعلى ( عليه السلام ) ! وقد تأخر وفد ثقيف وظلوا على شركهم « ابن هشام : 4 / 936 » فحرك عليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) القبائل المحيطة بهم التي أسلمت ، ومنها بعض قبائل هوازن ليضغطوا عليهم ! وأخيراً جاءه وفد ثقيف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد رجوعه من غزوة تبوك ، فقبل إسلامهم وسماهم « العتقاء » في مقابل تسمية قريش « الطلقاء » .
وأصدر حكمه عليهم وعلى من ولد منهم إلى يوم الدين ، بأنهم كالطلقاء ليسوا من أمته الإسلامية ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « المهاجرون والأنصار أولياءٌ بعضهم لبعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة » . وروته مصادر السنيين بأسانيد عديدة فيها الصحيح على شرط الشيخين كمسند أحمد : 4 / 363 بروايتين ، مجمع الزوائد : 10 / 15 ، بروايات وقال في بعضها : رواه أحمد والطبراني بأسانيد وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح ، وقد جوده فإنه رواه عن الأعمش . وأبو يعلي / 446 ، ابن حبان : 16 / 250 ،
الطبراني الكبير : 2 / 309 ، 313 ، 214 ، 316 ، 343 ، 347 و 10 / 187 ، موارد الظمآن : 7 / 271 ، الدر المنثور : 3 / 206 ، فتح القدير : 2 / 330 ، علل الدارقطني 5 / 102 ، السمعاني : 4 / 152 ، تاريخ بغداد : 13 / 46 ، تعجيل المنفعة / 414 ومن مصادرنا أمالي الطوسي / 268 .
وهو حكمٌ شديد وضربة قاصمة لطلقاء قريش وعتقاء ثقيف ! حيث أخرجهم من أمته وألحقهم بها إلحاقاً ، والعجيب أنه شامل لمن وجد منهم في ذلك العصر ، ومن يولد من ذرياتهم إلى يوم القيامة !
فكيف يدعى لهم محبوهم الصحبة والفضائل والخلافة ، وهم لا يستطيعون إدخالهم في متن أمة الإسلام !
وقد كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى معاوية : « وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله ، وإن نقص لم تلحقك ثلمته ! وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس ؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم . هيهات لقد حن قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ! ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك ؟ وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب ولا لك ظفر الظافر ! وإنك لذهَّاب في التيه روَّاغ عن القصد » .
نهج البلاغة : 3 / 30 ، الإحتجاج : 1 / 259 وابن الأعثم : 2 / 560 .
وقال صعصعة لمعاوية : « أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً ، ودانهم كبراً ، واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً ؟ ! وإنما أنت طليق ابن طليق ، أطلقكما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فأنى تصلح الخلافة لطليق » ! مروج الذهب / 694 .
وقال ابن عباس لأبى موسى الأشعري : « ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة ! واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام ، وأن أباه رأس الأحزاب ، وأنه يدعى الخلافة من غير مشورة ولا بيعة » . شرح النهج : 2 / 246 .
وكتب ابن عباس إلى معاوية : « وإن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشوري ، فما أنت والخلافة ؟ وأنت طليق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر » . الإمامة والسياسة : 1 / 100 وراجع جواهر التاريخ : 2 / 94 .
وقد اتفق المسلون على هذا الحكم ، فقد أفتى عمر بأن حكم الأمة محرم على الطلقاء ! وقال كما في الطبقات : 3 / 342 : « هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفى كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ » . ورواه في تاريخ دمشق : 59 / 145 ، أسد الغابة : 4 / 387 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي / 113 ، الغدير : 7 / 144 و 10 / 30 ونفحات الأزهار : 5 / 350 .
فاعجب لهذا الأمر ! واعجب من أن أكثر حكام أمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليسوا من أمته !
12 - النبي « صلى الله عليه وآله » في الجعرانة يقسم الغنائم ويحرم للعمرة
الجعرانة : « ماء بين الطائف ومكة وهى إلى مكة أقرب ، نزلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما قسم غنائم هوازن ، مرجعه من غزاة حنين ، وأحرم منها ، وله فيها مسجد ، وبها بِئَار متقاربة » . « معجم البلدان : 2 / 142 » . وهى من مواقيت الحج ، فعن عبد الرحمن بن الحجاج ، أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال له : « إن سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها ؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : وأي وقت من مواقيت رسول الله هو ؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف » . الكافي : 4 / 300 .
وفى مجمع البيان : 5 / 32 ، « فحاصر أهل الطائف بقية الشهر ، فلما دخل ذو القعدة انصرف أتى الجعرانة ، وقسم بها غنائم حنين وأوطاس » .
وفى إعلام الوري : 1 / 236 : « قال محمد بن إسحاق : فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، ومعاوية ابنه مائة بعير ، وحكيم بن حزام من بنى أسد بن عبد العزى بنى قصى مائة بعير ، وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة مائة بعير ، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بنى زهرة مائة بعير ، وأعطى الحارث بن هشام من بنى مخزوم مائة ، وجبير بن مطعم من بنى نوفل بن عبد مناف مائة ، ومالك بن عوف النصرى مائة ، فهؤلاء أصحاب المائة . وقيل : إنه أعطى علقمة بن علاثة مائة ، والأقرع بن حابس مائة ، وعيينة بن حصن مائة ، وأعطى العباس بن مرداس أربعاً فتسخطها وأنشأ يقول :
أتجعل نهبى ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرء منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ * فلم أعط شيئا ولم أمنع
فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت القائل : أتجعل نهبى ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة ؟ فقال أبو بكر : بأبى أنت وأمي لست بشاعر ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : كيف قال ؟ فأنشده أبو بكر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي قم فاقطع لسانه ! قال عباس : فوالله لهذه الكلمة كانت أشد على من يوم خثعم ، فأخذ على ( عليه السلام ) بيدي فانطلق بي فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني ؟ قال : إني ممض فيك ما أمرت ، حتى أدخلني الحظائر فقال : أعقل ما بين أربعة إلى مائة . قال : قلت بأبى أنتم وأمي ، ما أكرمكم وأحلمكم وأجملكم وأعلمكم . فقال لي : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين ، فإن شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة . قال : فقلت لم لعلى ( عليه السلام ) : أشر أنت علي . قال : فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضي . قال : فإني أفعل » .
وفى سيرة ابن هشام : 4 / 906 : « ثم جُمعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا حنين وأموالها وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها » .
قال في الصحيح من السيرة : 25 / 178 : « تقدم أن المسلمين انهزموا جميعاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن راجِعَتَهم حين رجعت وجدت الأسارى مكتفين عند رسول الله ، وأن المسلمين المهزومين لم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح . . . والمهاجم الوحيد لجيوش المشركين كان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فهزم الله المشركين على يديه شر هزيمة . فالنصر إنما تحقق بجهاد على ( عليه السلام ) وبالتأييد الإلهى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بإنزال الملائكة . وهذا يبين السبب في أن الله سبحانه رد أمر الغنائم والسبي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليعطيها لمن يشاء ، فأعطاها لمن أراد أن يتألفهم ، ولم يعط منها حتى أقرب الناس إليه وهم الأنصار . . لأنهم لم يكن لهم ولا للمهاجرين ولا لغيرهم حق فيها ولكنه ( صلى الله عليه وآله ) قد طيب نفوس الأنصار ، بعدما نفَّذ ما أمره الله تعالى » .
13 - وفد هوازن والشيماء حاضنة النبي « صلى الله عليه وآله »
في إعلام الوري : 1 / 239 : « كان فيما سبى أخته بنت حليمة فلما قامت على رأسه قالت : يا محمد أختك شيماء بنت حليمة ! قال فنزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) برده فبسطه لها فأجلسها عليه ثم أكب عليها يسائلها وهى التي كانت تحضنه إذ كانت أمها ترضعه . . . أدرك وفد هوازن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا : يا رسول الله لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا من الله عليك . وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال : يا رسول الله ، إنا لو ملَّحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ، ثم ولى منا مثل الذي وليت ، لعاد علينا بفضله وعطفه وأنت خير المكفولين ، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك وحواضنك وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالاً ، إنما نسألكهن . أي الحارث ملك غسان والنعمان ملك المناذرة . وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قسم منهن ما شاء الله ، فلما كلمته أخته قال : أما نصيبي ونصيب بنى عبد المطلب فهو لك ، وأما ما كان للمسلمين فاستشفعى بي عليهم » .
فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت وتكلموا ، فوهب لها الناس أجمعون إلا الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، فإنهما أبيا أن يهبا وقالوا : يا رسول الله إن هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا ، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا .
فأقرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بينهم ثم قال : اللهم أتْوِهْ سهميهما ، فأصاب أحدهما خادماً لبنى عقل ، وأصاب الآخر خادماً لبنى نمير ، فلما رأيا ذلك وهبا ما منعا .
قال : ولولا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهن لها كما وهب ما لم يقع في القسمة ولكنهن وقعن في أنصباء الناس ، فلم يأخذ منهم إلا بطيبة النفس .
وروى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فئ نصيبه ، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم .
وفى الطبقات : 2 / 153 : « وقدم وفد هوازن على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد ، وفيهم أبو برقان عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة ، فسألوه أن يمن عليهم بالسبى فقال : أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً . فقال : أما ما لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم ، وسأسأل لكم الناس ، فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله . . الخ . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد كسا السبي قبطيةً قبطية » .
قال : وكلمته أخته « الشيماء » في مالك بن عوف فقال : « إن جاءني فهو آمن ، فأتاه فرد عليه ماله ، وأعطاه مائة من الإبل » .
14 - مالك بن عوف مسلماً !
في شرح الأخبار : 1 / 317 : « وسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن مالك بن عوف سيد هوازن يومئذ ما فعل ؟ فقالوا : لحق بالطائف وتحصن بها مع ثقيف يا رسول الله . قال : فأخبروه أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل . فأخبر بذلك فخرج من الطائف متسللاً عن ثقيف لئلا يعلموا به فيحبسوه . وأتى رسول الله فرد عليه أهله وماله وزاده مائة من الإبل ، وأسلم وحسن إسلامه » .
وفى تفسير القمي : 1 / 299 : « وفى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : المؤلفة قلوبهم : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وسهيل بن عمرو وهو من بنى عامر بن لوى وهمام بن عمرو وأخوه ، وصفوان بن أمية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي ، والأقرع بن حابس التميمي ، ثم عمر أحد بنى حازم ، وعيينة بن حصين الفزاري ، ومالك بن عوف ، وعلقمة بن علاقة . بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعطى الرجل منهم مائة من الإبل ورعاتها ، وأكثر من ذلك وأقل » .
وفى سيرة ابن هشام : 4 / 927 ، أن مالك بن عوف قال بعد مجيئه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
« ما إن رأيت ولا سمعتُ بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهرى وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
« فاستعمله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على من أسلم من قومه وتلك القبائل : ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفاً لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم » .
15 - الأنصار يسقطون في امتحان المال
في مجمع البيان : 5 / 32 : « قال أبو سعيد الخدري : قسم رسول الله للمتألفين من قريش من سائر العرب ما قسم ، ولم يكن في الأنصار منها شئ قليل ولا كثير ، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في قسمك هذه الغنائم في قومك وفى سائر العرب ، ولم يكن فيهم من ذلك شئ ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ فقال : ما أنا إلا امرؤ من قومي ! فقال رسول الله : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ، فجمعهم فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر الأنصار ، أو لم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . ثم قال : ألا تجيبونى يا معشر الأنصار ؟ فقالوا : وما نقول ؟ وبماذا نجيبك ؟ المنُّ لله ولرسوله .
فقال رسول الله : أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم : جئتنا طريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك ، وخائفاً فآمناك ، ومخذولاً فنصرناك . فقالوا : المنُّ لله ولرسوله .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير ، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار . ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار . اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم ، وقالوا : رضينا بالله ورسوله قسماً . ثم تفرقوا » !
وفى إعلام الوري : 1 / 238 : « وغضب قوم من الأنصار لذلك وظهر منهم كلام قبيح حتى قال قائلهم : لقى الرجل أهله وبنى عمه ونحن أصحاب كل كريهة ! فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دخل على الأنصار من ذلك ، أمرهم أن يقعدوا ولا يقعد معهم غيرهم ، ثم أتاهم شبه المغضب يتبعه على ( عليه السلام ) حتى جلس وسطهم ، فقال : ألم آتكم وأنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله منها بي ؟ قالوا : بلي ، ولله ولرسوله المن والطول والفضل علينا . قال : ألم آتكم وأنتم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ قالوا : أجل . . . إلى آخر ما تقدم » .
وفى الكافي : 2 / 411 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال زرارة : « سألته عن قول الله عز وجل : والمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُم . . . فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجعرانة فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : نعم ، فقال : إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئاً أنزله الله رضينا ، وإن كان غير ذلك لم نرض ! قال زرارة : وسمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر الأنصار أكُلُّكُمْ على قول سيدكم سعد ؟ فقالوا : سيدنا الله ورسوله ، ثم قالوا في الثالثة : نحن على مثل قوله ورأيه ! قال : زرارة فسمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : فحط الله نورهم » .
أقول : من عجائب التاريخ موقف الأنصار عند غنائم حنين ، ورئيسهم سعد بن عبادة ! فقد آمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ورأوا معجزاته ، وبذلوا في سبيله أموالهم وأرواحهم ، ولما أعطى غيرهم ولم يعطهم اتهموه بأنه يميل مع هواه إلى قومه ! وتفسير ذلك أنهم عند الامتحان غلبهم هواهم وفقدوا عقولهم ، فانخفض مستوى إيمانهم ، فحط الله نورهم !
وقد سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) سعداً عن موقفه في اتهامهم لنبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بأنه مال لقومه في تقسيم الغنائم ، فأجابه بأنه واحد من قومه رأيه رأيهم ! لذلك ينبغي أن يقسم تاريخ الأنصار إلى مرحلة ما قبل غنائم حنين وبعدها !
وهذا يفسر سوء توفيق سعد ونقضه بيعته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن يحموه ويحموا أهل بيته بعده مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم ، فعندما رأى قريشاً مجمعة على إبعاد عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن خلافته ، اتجه إلى ذاته وأخذ يعمل لأن تكون الخلافة له ، لأنه أحق بالإسلام وخلافته ، من بطون قريش !
وقد عالج النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا الهبوط الذي حدث في حنين ، بتطييب خواطرهم والدعاء لهم ، وهى معالجة لتهدئتهم ، لكن مستواهم انخفض كثيراً .
16 - ولادة الخوارج في الجعرانة
في إعلام الوري : 1 / 241 : « عن أبي سعيد الخدري قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقسم إذ أتاه ذو الخويصرة ، رجل من بنى تميم ، فقال : يا رسول الله إعدل ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويلك من يعدل إن أنا لم أعدل وقد خبت وخسرت إن أنا لم أعدل ! فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر إلى رصافه « شد السهم » فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر في قذذه « ريش السهم » فلا يوجد فيه شئ ، قد سبق الفرث والدم ! آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تَدَرْدَر « تترجرج » يخرجون على خير فرقة من الناس .
قال أبو سعيد : فأشهد أنى سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، وأمر بذلك الرجل فالتُمس فوُجد فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي نعت » . ومناقب الخوارزمي / 259 ، بخاري : 4 / 179 وغيره بتفاصيل أكثر ، ومديح عظيم لمن يقتلهم .
وقال الشريف الرضى في المجازات النبوية / 33 : « ومن ذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) في ذكر الخوارج : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . . الحديث . . إلى قوله : قد سبق الفرث والدم . وفى هذا القول مجاز ، لأنه ( صلى الله عليه وآله ) شبه دخولهم في الدين وخروجهم منه بسرعة من غير أن يتعلقوا بعقدته أو يعيقوا بطينته ، بالسهم الذي أصاب الرمية ، وهى الطريدة ثم خرج مسرعاً من جسمها ولم يعلق بشئ من فرثها ودمها ، وذلك من صفات السهم الصائب ، لأنه لا يكون شديد السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة » . والمعنى أنهم منافقون يدخلون في الدين ويخرجون منه بسرعة ، كالسهم السريع الذي ينفذ في الصيد ويخرج منه ، وليس فيه أثر منه !
17 - اعتمر النبي « صلى الله عليه وآله » من الجعرانة ، ثم رجع إلى المدينة
في الخصال / 200 : « عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من جعرانة ، والرابعة التي مع حجته » .
وفى سيرة ابن هشام : 4 / 936 : « ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة . وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد وهى سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى شهر رمضان من سنة تسع » .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|