المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

المدارات الجزيئية ومبدأ Aufbau
14-10-2020
اعمال الهندسة الصحية والميكانيكية
2023-03-22
الشكل الخارجي لسطح الأرض - المحيطات
24/11/2022
مفهوم جغرافية الزراعة
13-7-2022
تطور السياحة والرحلة في العصور الوسطى
9-1-2018
وصف أبي ذر (رض) لآخر الزمان.
2023-09-23


غزوة حنين والطائف  
  
24   04:29 مساءً   التاريخ: 2024-11-06
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص436-463
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2017 2895
التاريخ: 23-5-2017 3011
التاريخ: 21-6-2017 2668
التاريخ: 11-12-2014 4499

1 - أسباب غزوة فتح مكة وغزوة حنين والطائف

قد يصنع أحداث التاريخ أشخاص بدون أن يقصدوا ، ولله في خلقه شؤون ! ومن أولئك « بنو نفاثة » وهم عائلة صغيرة شريرة من كنانة ، عُرفت بأنها تسرق أمتعة الحجاج في حرم الله تعالى ، وكان لها ثأر عند خزاعة ، فأرادت الهجوم عليهم وأقنعت بذلك رؤساء كنانة ، فطلبوا من قريش أن تمدهم بالسلاح وبمقاتلين ليباغتوا خزاعة ، ويقتلوا منهم أكبر عدد ممكن ! ففعلت قريش ذلك وهى تعلم أن ذلك نقض لعهدها مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحديبية ! فقدمت بذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) مبرراً لفتح مكة ، فأخضعها وأجبرها على خلع سلاحها !

وشبيهاً بذلك فعلت هوازن في غزوة حنين ، وثقيف في الطائف !

فقد فكر رئيس هوازن مالك بن عوف أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد سيطرته على قبائل الجزيرة وانتصاره على اليهود وإجلائهم ، سيهاجم قبائل نجد لإخضاعها ، فبادر إلى تحشيد القبائل لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يحاربه ! وقبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريقه إلى فتح مكة على عين لهوازن أقر بأنهم يجمعون لحربه ، فأمر بحبسه حتى لايخبروهم بحركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! » الصحيح من السيرة : 21 / 215 .

وبعث إليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) « عبد الله بن أبي حدرد عيناً ، فسمع ابن عوف يقول : يا معشر هوازن إنكم أحدُّ العرب وأعدُّها ، وإن هذا الرجل لم يلق قوماً يصدقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم « أغلفتها » واحملوا عليه حملة رجل واحد . فأتى ابن أبي حدرد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره » . إعلام الوري : 1 / 228 .

وأكملت هوازن تحشيد قواتها واتخذت مركز معسكرها وادى أوطاس ، وهو شمال شرق مكة ، على بعد بضعة وعشرين كيلومتراً من حنين ، قرب الضربية « ذات عرق » ميقات أهل العراق . ثم اتفقوا مع ثقيف على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقدموا مركز معسكرهم إلى وادى حنين بين الطائف ومكة ، ويعرف اليوم بالشرائع .

تقدمت نخبة قوات هوازن وثقيف وعسكرت في حنين ، وهددت المسلمين وأهل مكة ، فعطلت الحج في تلك السنة ، فقصدهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكانت المعركة فانهزم الثقفيون إلى الطائف ، وهى تبعد نحو تسعين كيلومتراً عن مكة ، وترتفع عن سطح البحر نحو 1300 متراً . ثم انهزمت قبائل هوازن إلى أوطاس القريبة .

2 - أخذ النبي « صلى الله عليه وآله » قريشاً معه إلى حرب هوازن

في مناقب آل أبي طالب : 1 / 180 : « فات الحج من فساد هوازن في وادى حنين ! فخرج ( صلى الله عليه وآله ) في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه » .

ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعلن موعد تجمع جيشه في مني ، في مكان مؤتمر قريش وكنانة لمقاطعة بني هاشم ! قال ( صلى الله عليه وآله ) : « منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بنى كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر » ! « صحيح بخاري : 5 / 92 » . وفى ذلك تخليدٌ للمكان ، وتذكير لقريش بجرائمها بحق الإسلام وبنى هاشم ! وقد بقي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة أسبوعين ، وكان خروجه إلى حنين يوم السبت السادس من شوال ، ووصلها يوم الثلاثاء التاسع من شوال . الصحيح من السيرة : 24 / 53 .

وفى إعلام الوري : 1 / 228 : « فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فقال أحد أصحابه « هو أبو بكر » الصحيح / 24 / 106 : لن نغلب اليوم من قلة ! فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل الله سبحانه : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . . .

3 - دريد بن الصمة ينصح هوازن فلا يقبلون !

في إعلام الوري : 1 / 229 : « قال الصادق ( عليه السلام ) : وكان مع هوازن دُرَيد بن الصُّمَّة خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمنون برأيه ، فلما نزلوا بأوطاس قال : نِعْمَ مجالُ الخيل لاحَزَنٌ ضِرْسٌ ولاسهلٌ دَهْس ، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم . قال : فأين مالك ؟ فدعى مالك له فأتاه فقال : يا مالك أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . قال : ويحك لم تصنع شيئاً ، قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل ، وهل يرد وجه المنهزم شئ ؟ ! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ! قال : إنك قد كبرت وكبر عقلك ! فقال دريد : إن كنت قد كبرت فتورث غداً قومك ذلاً بتقصير رأيك وعقلك ، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ! ثم قال : حربٌ عَوَان ! يا ليتني فيها جذع أخبُّ فيها وأضع » !

وفى سيرة ابن هشام : 4 / 290 ، أن ابن عوف قال لقبائل نجد : « والله لتطيعننى يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ! وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكرٌ أو رأي ، فقالوا : أطعناك » !

وقد روى أن دُريد بن الصُّمَّة كان عمره مئتى سنة ، وكان أعمى يحملونه في محفة ، وكان أسطورة في حروب العرب ، وقد تركوا رأيه لأنه خالف مالك بن عوف ! وعندما انهزمت هوازن ورجعت فلولهم إلى أوطاس كان دريد هناك ، فلحقهم المسلمون وقتلوه فيمن قتلوا من هوازن ، بينما سلم مالك بن عوف وعفا عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعطاه أهله وماله ومئة بعير .

4 - أدلة تآمر طلقاء قريش مع هوازن على النبي « صلى الله عليه وآله »

1 . ورد في وصف الهزيمة : « تفسير القمي : 2 / 286 » : « فلما صلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الغداة انحدر في وادى حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم ! وبقى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقاتلهم في نفر قليل ، ومر المنهزمون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لايلوون على شئ ، وكان العباس آخذٌ بلجام بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينادى يا معشر الأنصار إلى أين المفر ؟ ألا أنا رسول الله ، فلم يلو أحد عليه ! وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول : أين تفرون عن الله وعن رسوله ؟ ومر بها عمر فقالت له : ويلك ما هذا الذي صنعت ؟ فقال لها : هذا أمر الله ! فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه ، فقال يا عباس إصعد هذا الظرب وناد يا أصحاب البقرة ! ويا أصحاب الشجرة ! إلى أين تفرون هذا رسول الله ! ثم رفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده فقال : اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) عليه فقال له : يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون » !

ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبى سفيان بن الحارث : ناولني كفاً من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ، ثم قال : شاهت الوجوه ! ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد !

وفى إعلام الوري : 1 / 229 : « قال جابر بن عبد الله : فسرنا حتى إذا استقبلنا وادى حنين كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلا كتائب الرجال بأيديها السيوف والعمد والقنا ، فشدوا علينا شدة رجل واحد ، فانهزم الناس راجعين لايلوى أحد على أحد ! وأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بنى عبد المطلب .

وأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمداً ، فأروه ، فحمل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان رجلاً أهوج ، فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا فقتله مالك ، وقيل إنه أيمن بن أم أيمن ، ثم أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !

وصاح كلدة بن حنبل وهو أخو صفوان بن أمية لأمه وصفوان يومئذ مشرك : ألا بطل السحر اليوم ! فقال صفوان : أسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يرُبَّنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن » !

2 . وقد ذكر القرآن أن سبب هزيمة المسلمين في حنين : إعجابهم بكثرة عددهم فقد كانوا في بدر ثلاث مئة ونيفاً ، وفى خيبر ألفاً وخمس مئة ، فانتصروا ، لكنهم رأوا أنفسهم في حنين عشرة آلاف أو نحوها فأعجبتهم كثرتهم ! فنبههم الله تعالى إلى خطأ تفكيرهم وأن النصر لم يكن يوماً بالكثرة ، قال تعالي : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . « 25 - 27 » والخطاب في الآية للمسلمين الذين نصرهم الله من قبل ، وليس منهم الطلقاء .

3 . لكن ذلك لا ينفى تواطؤ الطلقاء مع النجديين مقابل عدم هجوم هوازن على مكة ، وبذلك يثأر الطلقاء من النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه غلبهم وأخضعهم .

وقد يقال هنا إن صفوان بن أمية كان يفضل أن ينتصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) على هوازن فقد « صاح كلدة بن حنبل وهو أخو صفوان لأمه وصفوان يومئذ مشرك : ألا بطل السحر اليوم ! فقال صفوان : أسكت فضَّ الله فاك فوالله لأن يرُبَّنِي « يحكمني » رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن » . إعلام الوري : 1 / 229 .

لكن تفضيل صفوان حكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لاينفى عمل قريش ورئيسها سهيل لقتله ( صلى الله عليه وآله ) ! لأن صفوان فهو كناني حليف لقريش وليس من صلبهم فلا يجب أن يعرف اتفاقهم .

4 - كشف النضير خطة الطلقاء بصراحة ، فقال كما رواه الواقدي : « خرجت مع قوم من قريش هم على دينهم بعدُ : أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير . فلما تراءت الفِئَتَان ونحن في حيز المشركين حملت هوازن حملة واحدة ظننا أن المسلمين لا يجبرونها أبداً ، ونحن معهم وأنا أريد بمحمد ما أريد ، وعمدت له فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه ، فأقبلت عامداً إليه فصاحوا بي : إليك ! فأرعب فؤادي وأرعدت جوارحي ! قلت : هذا مثل يوم بدر ، إن الرجل لعلى حق وإنه لمعصوم ! وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام ، وغيره عما كنت أهم به » . سبل الهدي : 5 / 321 .

4 - قال الطلقاء بعضهم لبعض عند الهزيمة : « أخذلوه فهذا وقته ، فانهزموا أول من انهزم وتبعهم الناس » . الصحيح : 24 / 120 .

5 - أرسل الطلقاء بخبر الهزيمة إلى مكة وبشروا أهل مكة بهزيمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاغتم عتاب بن أسيد حاكم مكة من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وسُرَّ بذلك الطلقاء في مكة وأظهروا الشماتة ، وقالوا ترجع العرب إلى دين آبائها وقد قتل محمد وتفرق أصحابه ! فما أمسوا ذلك اليوم حتى جاء الخبر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوقع بهوازن ، فسُرَّ عتَّاب وكبت الله تعالى أعداء رسوله ( صلى الله عليه وآله ) . سبل الهدي : 5 / 230 .

ومما يؤيد وجود المؤامرة قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ما مرَّ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم كان أشد عليه من يوم حنين ! وذلك أن العرب تباغت عليه » . علل الشرائع : 2 / 462 .

6 - استقسم أبو سفيان بالأزلام وهو نوع من التبصير بالمستقبل ! « أخرج أزلاماً من كنانته فضرب بها وقال : إني أرى أنها هزيمة لا يردها إلا البحر » .

7 - وقعت محاولتان على الأقل لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد قال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة : « اليوم أدرك ثأر أبي » ! وكان أبوه قتل ببدر ، وجاء ليقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره رسول الله بما نواه وأحبط الله سعيه ! ثم النضير بن كلدة العبدري وقد اعترف بأنه قصد قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأحبط الله تعالى سعيه ! آيات الغدير للمؤلف / 136 .

8 - تناقضت روايتهم عن سبب الهزيمة ، فقد قالوا إن هوازن كمنت في الشعاب في مدخل وادى حنين ، فتفاجأت المقدمة بقيادة خالد بن الوليد بسهامهم ووقع منهم قتلى فانهزم خالد وتبعه الطلقاء وتبعهم الباقون ، وتركوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبنى هاشم وحدهم مقابل هوازن !

وكذبوا بقولهم إن الوقت كان فجراً فلم يرَ خالد الكمائن ! فقد كان قريب الظهر ! وقد ناقش مقولاتهم ومبرراتهم للهزيمة صاحب الصحيح : 24 / 100 .

5 - فرَّ الجميع وثبت النبي « صلى الله عليه وآله » وبنو هاشم فقط !

1 - وصف القرآن فرار المسلمين في حنين فضلاً عن الطلقاء ، فقال تعالي : وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئاً وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ . فالفرار عام والسكينة بعده خاصة .

2 - اعترف الجميع بالفرار ، ففي صحيح بخاري : 4 / 57 ، قال أبو قتادة : « فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس ؟ قال : أمر الله » ! فقد نسب عمر الفرار إلى الله تعالى ! وفى صحيح بخاري : 5 / 98 : « يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ! فقال : أما أنا فأشهد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه لم يولِّ » .

وفى البخاري : 4 / 28 : « فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول : أنا النبي لاكذب . أنا ابن عبد المطلب . فما رؤى من الناس يومئذ أشد منه » !

وقال ابن هشام : 4 / 893 : « وانشمر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد ، وانحاز رسول الله ذات اليمين ثم قال : أين الناس هلموا إلى أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله ! قال : فلا شئ » .

وقال ابن خلدون : 2 ق 2 / 46 : « فولى المسلمون لا يلوى أحد على أحد وناداهم ( صلى الله عليه وآله )

فلم يرجعوا » .

وقال السرخسي في سيره : 1 / 117 : « فانكشفت أول الخيول خيل بنى سليم مولية ثم تبعهم أهل مكة ، وتبعهم الناس مدبرين لايلوى أحد على أحد » .

3 - في الصحيح من السيرة : 24 / 293 ، ملخصاً : « دلت النصوص على أن علياً ( عليه السلام ) وحده الذي ثبت ، وقد وردت نصوص كثيرة تضمنت نفى ثبات غيره ، واستثنى بعضها بضعة رجال من بني هاشم ، أحاطوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لحمايته .

أما قول بعضهم إنه ثبت ثمانون أو مائة رجل فلعلهم كانوا من أوائل العائدين .

4 - وفى الإرشاد : 1 / 141 : « لم يبق منهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلاعشرة أنفس : تسعة من بني هاشم خاصة ، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن « رحمه الله » وثبتت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كان انهزم ، فرجعوا أولاً فأولاً حتى تلاحقوا وكانت لهم الكرة على المشركين ، وفى ذلك أنزل الله تعالى وفى إعجاب أبى بكر بالكثرة : وَيوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئاً وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ . ، يعنى أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) ومن ثبت معه من بني هاشم ، وهم يومئذ ثمانية . . العباس عن يمينه والفضل عن يساره وأبو سفيان ممسك بسرجه عند ثفر بغلته ، وسائرهم حوله ، وعلى ( عليه السلام ) يضرب بالسيف بين يديه » .

قال مالك بن عبادة الغافقي :

لم يواس النبي غير بنى ها * شم عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس : أين

ثم قاموا مع النبي على المو * ت فآبوا زيناً لنا غير شين

وسوى أيمن الأمين من القوم * شهيداً فاعتاض قرة عين

وقال العباس بن عبد المطلب :

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع

5 - قال المأمون في مجلسه مع فقهاء عصره : « إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا سبعة من بني هاشم : على ( عليه السلام ) يضرب بسيفه ، والعباس آخذ بلجام بغلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والخمسة محدقون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) خوفاً من أن يناله سلاح الكفار ، حتى أعطى الله تبارك وتعالى رسوله ( عليه السلام ) الظفر . عنى في هذا الموضع علياً ومن حضر من بني هاشم . فمن كان أفضل أمَن كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونزلت السكينة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليه ؟ أم من كان في الغار مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يكن أهلاً لنزولها عليه ؟ ! » .

6 - كانت نسيبة تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول : أين تفرون عن الله وعن رسوله ؟ ومر بها عمر بن الخطاب فقالت له : ويلك ما هذا الذي تصنع ! فقال : هذا أمر الله !

6 - نزلت الملائكة والسكينة على الثابتين خاصة !

قال تعالي : وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

فالمخاطب بالآية المسلمون الذين نصرهم الله في مواطن كثيرة ، وقد وبخهم ، وأخبرهم أنه بعد فرارهم أنزل سكينته على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى المؤمنين الذين ثبتوا معه ، وهم بنو هاشم ومولاهم أيمن ، ومعهم نسيبة ، وقيل معهم ابن أم مسعود . وعذب الذين كفروا حتى انهزموا ، وكان عذابهم بيد الملائكة وعلى ( عليه السلام ) !

7 - قاتلَ علي « عليه السلام » وحده ونزلت الملائكة !

اطمأن على ( عليه السلام ) بأن بني هاشم يحيطون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فغاص في أوساط هوازن يقصد القائد حامل راية الكتيبة فيقتله ، ثم يقصد الآخر ! وبذلك أبعد المعركة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضعضع صفوف العدو . وكان يرجع بين فترة وأخرى ليطمئن على سلامة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد يأتي معه بأسير أو أكثر !

وقد ورد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أركض بغلته نحوه ، « الصحيح : 24 / 223 » فلعله ذهب ليخبره بنزول الملائكة وأن جبرئيل والملائكة يقاتلون معه ، أو يعطيه برنامج القتال !

وفى المناقب : 1 / 355 : « وقف ( عليه السلام ) يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء . وقتل أربعين رجلاً وفارسهم أبا جرول ، قدَّه بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس » .

ولا ننس أن اسم على ( عليه السلام ) طبق الجزيرة وهابته الفرسان ، بعد أن قتل عمرو بن ود في الخندق ومرحباً في خيبر ! فكانت حملاته في هوازن كافيةً للرعب فيهم !

ففي أمالي الطوسي / 575 : « قال نوفل بن الحارث بن عبد المطلب : فرَّ الناس جميعاً وأعْرَوْا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يبق معه إلا سبعة نفر من بنى عبد المطلب : العباس ، وابنه الفضل ، وعلي ، وأخوه عقيل ، وأبو سفيان ، وربيعة ، ونوفل بنو الحارث بن عبد المطلب ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصلت سيفه في المجتلد ، وهو على بغلته الدلدل ، وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

قال الحارث بن نوفل : فحدثني الفضل بن العباس قال : التفت العباس يومئذ

وقد أقشع الناس عن بكرة أبيهم ، فلم ير علياً ( عليه السلام ) في من ثبت ، فقال : شوهة بوهة ، أفي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو صاحب ما هو صاحبه ! يعنى المواطن المشهورة له فقلت : نقص قولك لابن أخيك يا أبه . قال : ما ذاك يا فضل ؟ قلت : أما تراه في الرعيل الأول ، أما تراه في

الرهج ! قال : أشعره لي يا بني . قلت : ذو كذا ذو كذا ذو البردة . قال : فما تلك البرقة ؟ قلت : سيفه يزيل به بين الأقران . فقال : بَرٌّ بن بَر ، فداه عم وخال .

قال : فضرب على ( عليه السلام ) يومئذ أربعين مبارزاً ، كلهم يقدُّه حتى أنفه ، قال : وكانت ضرباته مبتكرة » . أي واحدة لا تحتاج إلى ثانية !

وقد بخلت مصادر السلطة في ذكر بطولات على ( عليه السلام ) وكيف حقق النصر للمسلمين بعد فرارهم ! فذكروا أنه قتل قائد هوازن « ذا الخمار » وفارسهم أبا جرول ! وقتل ( عليه السلام ) أربعين من فرسانهم ، فوقع فيهم الرعب والهزيمة !

قال في الإرشاد : 1 / 142 : « وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك نفراً من المسلمين أكب عليهم وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه ، وهو يرتجز ويقول :

أنا أبو جرولٍ لا براح * حتى نبيحَ القومَ أو نباح

فصمد له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ، ثم قال : قد علم القوم لدى الصباح * أنى في الهيجاء ذو نصاح

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبى جرول لعنه الله » .

« وكان على راية الأحلاف من ثقيف يوم حنين قارب بن الأسود ، فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب » ! ابن حبان : 2 / 73 وابن خلدون : 2 ق 2 / 47 .

واعترف رواة السيرة من حيث لا يريدون بفرار الجمع وبطولات على ( عليه السلام ) !

ففي سيرة ابن هشام : 4 / 896 : « فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتَّفين عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » ! والدرر لابن عبد البر / 227 .

فمن أسرهم وكتَّفهم قبل رجوع الفارِّين والكل فارُّون ما عدا بني هاشم الذين يحرسون النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ( عليه السلام ) وحده في المعركة ؟ !

وقد ادعوا أن ثمانين من الفارين أو مئة رجعوا قبل غيرهم ، ونسبوا بطولات على ( عليه السلام ) أو قسماً منها إليهم ! لكنهم لم يسموا منهم أحداً إلا عبد الله بن مسعود ، وهو ضعيف البنية صغير الجثة غير مقاتل ! ثم نسبوا النصر إلى دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإلقائه حفنة الحصى والتراب على جيش هوازن وهو صحيح ، لكنه لا يلغى دور على ( عليه السلام ) ! وقد نسب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) النصر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال فيه :

ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيزاً ذا اقتدار وذا فضل

بما أنزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هواناً من إسار ومن قتل

مناقب آل أبي طالب : 2 / 331 .

ومما يدلك على أنه لم يقاتل أحدٌ في حنين إلا على ( عليه السلام ) عدم وجود شهداء للمسلمين ! وعدم وجود قتلى من المشركين ، إلا من قتلهم على ( عليه السلام ) !

فلا شهداء إلا أيمن بن أم أيمن « رحمه الله » الذي استشهد دفاعاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما قصده مالك بن عوف ! وقالوا استشهد غيره ثلاثة أو أربعة ، لكن ذكروا أن أحدهم أبا عامر الأشعري « جد الأشعريين القميين » لكنه قتل بعد المعركة في أوطاس في تعقب الفارين ، ويزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرسه فمات » ! الصحيح من السيرة : 24 / 338 ولعل البقية مثله !

ولا شك أن الملائكة كان لهم دورٌ مع علي ( عليه السلام ) ، فقد روى القمي في تفسيره : 2 / 288 : « قال رجل من بنى نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق والرجال عليهم الثياب البيض ؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ! قالوا : تلك الملائكة » . وروت شبيهاً به بقية المصادر ، ومشاهدة جنود هوازن لكتائب على خيل بلق ، وسماعهم قعقعة سلاح في الجو !

وفى مجمع البيان : 5 / 32 : « قال سعيد بن المسيب : حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقفوا لنا حلب شاة ، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم ، حتى إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء ، يعنى رسول الله ، فتلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا لنا : شاهت الوجوه إرجعوا ! فرجعنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانوا إياها يعنى الملائكة » !

وإنما نزلت الملائكة بعد نزول السكينة على المؤمنين الثابتين ، وقتال على ( عليه السلام ) .

رجع المنهزمون فرأوا الأسرى حول النبي « صلى الله عليه وآله »

وجعل ابن عبد البر في الدرر / 226 ، النصر ببطولة مئة صحابي بلا أسماء ! قال : « حتى إذا اجتمع حواليه ( صلى الله عليه وآله ) مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب واشتدت الحرب وكثر الطعن والجلاد ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال : الآن حمى الوطيس . وضرب علي بن أبي طالب عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه ، ولحق به رجل من الأنصار فاشتركا في قتله ، وأخذ على الراية وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب ، حين وصلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك أن رسول الله إذا واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة ، ورمى في وجوههم بالحصا فلم يملكوا أنفسهم ! وفى ذلك يقول الله عز وجل : وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَي .

وروينا من وجوه عن بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنيناً ، قال وقد سئل عن يوم حنين : لقينا المسلمين فما لبثنا أن هزمناهم ، وأتبعناهم حتى وصلنا إلى رجل راكب على بغلة بيضاء ، فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهرنا ، وأخذ بكفه حصاً أو تراباً فرمانا به ، وقال : شاهت الوجوه ، شاهت الوجوه ! فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك ، فما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا ! وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا وأسرى هوازن بين يديه » .

أقول : لم يسموا حتى شخصاً واحداً من الأبطال الذين رجعوا ، وجعل ابن عبد البر لعلى ( عليه السلام ) شريكاً مجهولاً في قتل أبى جرول حامل رايتهم فقال : « فاشتركا في قتله وأخذ على الراية » !

8 - هزيمة هوازن وغنائم المسلمين منها

كانت هزيمة المسلمين سريعة ، وكان بعدها مباشرة محاولات القرشيين لاغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعهم حملات هوازن وفرسانها ، فكانت حماية بني هاشم ، وحملات على ( عليه السلام ) المضادة ! ولعل حملاته استمرت أربع ساعات أو نحوها ، ومعناه أنه لم يحن الظهر حتى تم النصر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وانهزم أعداؤه شذر مذر !

أما قائدهم مالك بن عوف الذي كان يهدر ويصيح : أروني محمداً حتى أقتله ! وجاء بالفعل إلى قرب مكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتصدى له أيمن « رحمه الله » فقتله مالك ، ولعل علياً ( عليه السلام ) قصده فهرب ، أو أحس بالملائكة فارتعب ، ثم سمع مالك دوى تكبيرات على ( عليه السلام ) وهويجندل حملة راياتهم ذا الخمار بن عبد الله ، وأخاه عثمان ، وأبا جرول ، فهرب مالك إلى الطائف !

في إعلام الوري : 1 / 232 : « فر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف في ناس من أشراف قومهم ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله وإعزاز دينه » . والإرشاد : 1 / 151 والدرر / 227 .

غنائم هوازن الوافرة

في سيرة ابن هشام : 4 / 902 : « وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من منهزمة الناس » !

« وتركوا أموالهم وأولادهم غنيمة هنيئة للمسلمين كما وعد الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت أكبر غنيمة ، فقد بلغت ستة آلاف سبى بين امرأة وغلام ، وأربعةً وعشرين ألف بعير ، وأكثر من أربعين ألف شاة من الغنم ، وأربعة آلاف أوقية فضة » . الصحيح من السيرة : 25 / 173 وأقل منه في مناقب آل أبي طالب : 1 / 181 .

وأصدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره إلى الراجعين من فرارهم أن يجمعوا الغنائم ويرسلوها إلى « الجعرانة » وجعل بديل بن ورقاء رئيس خزاعة ، مسؤولاً عليها . وأصدر أمره أن يتهيؤوا للسير إلى الطائف لمحاصرة ثقيف ، التي تحالفت مع هوازن ، وخرجت معها لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

ويفهم من رواية الإمام الصادق ( عليه السلام ) « مكارم الأخلاق / 119 » أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذهب بنفسه لتعقب الفارين في أوطاس قبل الطائف ، قال : « دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح ، ثم خرج إلى حنين ، فلما فرغ منهم انتهى إلى أوطاس ، بقيت منهم بقية ففرغ منهم » .

وكان له فيها عين هو أنيس بن مرثد الغنوي ، وكان أبو مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب . مذيل الطبري / 51 .

9 - النبي « صلى الله عليه وآله » يحاصر قبيلة ثقيف في الطائف

كانت قبيلة ثقيف في الطائف حلفاء قريش وكان أثرياء قريش يملكون كثيراً من بساتين الطائف وأرضها . وقد جاءها النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل هجرته يدعوها إلى الإسلام وحمايته من قريش ، فرفضت دعوته وآذته ! وشاركت مع هوازن في حرب حنين ، وسرعان ما انهزمت ! فقد رأى قائدهم قارب بن الأسود علياً ( عليه السلام ) يحصد فرسان هوازن ، فخاف وأسند رايته إلى شجرة ، وهرب راجعاً إلى الطائف ! ثم انهزمت هوازن ، فذهب بعضم إلى أوطاس وبعضهم إلى الطائف مع رئيسهم مالك بن عوف ، وأكثرهم رجعوا إلى بواديهم .

قال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري ، وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف . فأما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل فقال المسلمون لأبى موسي : أنت ابن عم الأمير وقد قتل ، فخذ الراية حتى نقاتل دونها ، فأخذها أبو موسى فقاتل المسلمون حتى فتح الله عليهم . وأما أبو سفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه ، فانهزم ورجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عنى شيئاً ، فسكت النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه » !

قال الطبري : 2 / 352 : « لما قدم فلُّ ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها وصنعوا الصنائع للقتال . ولم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والضبور والمجانيق » .

وجرش قرية باليمن تصنع فيها المجانيق ، والضبور صندوق مدرع للمقاتلين لينقبوا سور الحصن أو ليردوا المتسلقين ، وتسمى الدباب أيضاً ، كما تطلق الدباب على الأحجار التي تلقى من المنجنيق ، أو تُدحرج من الجبل .

وفى إعلام الوري : 1 / 233 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف في شوال سنة ثمان فحاصرهم بضعة عشر يوماً ، وخرج نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف فلقيه على ( عليه السلام ) في خيله فالتقوا ببطن وَجّ فقتله على ( عليه السلام ) وانهزم المشركون .

ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جماعة من أرقائهم ، منهم أبو بكرة وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث وكان اسمه المضطجع ، فسماه رسول الله المنبعث . ووردان ، وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ، فأسلموا .

فلما قدم وفد الطائف على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا قالوا : يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال : لا ، أولئك عتقاء الله » .

وفى فتوح البلدان للبلاذري : 1 / 65 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمسلمين حتى نزل الطائف فرمتهم ثقيف بالحجارة والنبل ، ونصب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منجنيقاً على حصنهم ، وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر ، فألقت عليها ثقيف سكك الحديد المحماة فأحرقتها ، فأصيب من تحتها من المسلمين . وكان حصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الطائف خمس عشرة ليلة » .

وفى الخرائج : 1 / 118 : « لما حاصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهل الطائف قال عيينة بن حصن : إئذن لي حتى آتى حصن الطائف فأكلمهم ، فأذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجاءهم فقال : أدنو منكم وأنا آمن ؟ قالوا : نعم . وعرفه أبو محجن فقال : أدنُ فدخل عليهم ، فقال : فداكم أبى وأمي والله لقد سرني ما رأيت منكم ، وما في العرب أحد غيركم ووالله ما في محمد مثلكم ، ولقد قل المقام وطعامكم كثير ، وماؤكم وافر لا تخافون قطعه ! فلما خرج قالت ثقيف لأبى محجن : فإنا قد كرهنا دخوله وخشينا أن يخبر محمداً بخلل إن رآه فينا أو في حصننا ! فقال أبو محجن : أنا كنت أعرف به ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه ! فلما رجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : قلت لهم أدخلوا في الإسلام ، فوالله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أماناً ، فخذلتهم ما استطعت ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كذبت لقد قلت لهم كذا وكذا ! وعاتبه جماعة من الصحابة قال : أستغفر الله وأتوب إليه ، ولا أعود أبداً » .

وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبيد أهل الطائف أن من يخرج اليه منهم ويسلم يعتقه ، فخرج اليه بعضهم ومنهم أبو بكَرَة بن سمية وأبى عبيد ، وهو أخ زياد بن أبي عبيد الذي ادعاه أبو سفيان وألحقه معاوية به ، وسمى أبابكرة لأنه استعمل حبلاً وبكرة ونزل من حصن الطائف ، فقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إسلامه وأعتقه .

10 - النبي « صلى الله عليه وآله » يفك الحصار عن الطائف

يلفتنا في عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حصار الطائف أمران :

الأول : أنه لم يأخذ معه علياً ( عليه السلام ) بل بعثه لإخضاع ضواحيها خاصة قبيلة خثعم ، وتحطيم الأصنام الكثيرة التي كانت لأهل الطائف وقريش !

قال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « وأنفذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خيل وأمره أن يطأ ما وجد ويكسر كل صنم وجده . فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير ، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش الصبح فقال : هل من مبارز ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : من له ؟ فلم يقم أحد فقام إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : تكفاه أيها الأمير . فقال : لا ، ولكن إن قتلت فأنت على الناس . فبرز إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يقول :

إن على كل رئيس حقا

أن يروى الصعدة أو تُدَقا

ثم ضربه فقتله ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام ، وعاد إلى رسول الله وهو محاصر لأهل الطائف » . ومعنى يروى الصعدة : يروى الرمح المستقيم من دم العدو .

وقد استغرقت مهمة على ( عليه السلام ) بضع عشرة يوماً .

ففي أمالي الطوسي / 579 و 504 ، عن أبي ذر : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما أوقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هوازن سار حتى نزل بالطائف ، فحصر أهل وجّ أياماً فسأله القوم أن ينتزح عنهم ليقدم عليه وفدهم ، فيشترط له ويشترطون لأنفسهم . فسار ( صلى الله عليه وآله ) حتى نزل مكة ، فقدم عليه نفر منهم بإسلام قومهم ، ولم يبخع « يخضع » القوم له بالصلاة ولا الزكاة ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، أما والذي نفسي بيده ليقيمن الصلاة وليؤتن الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلاً هو منى كنفسي ، فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم هو هذا ، وأخذ بيد على ( عليه السلام ) فأشالها ! فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقروا له بالصلاة وأقروا له بما شرط عليهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما استعصى على أهل مملكة ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله عز وجل ! قالوا : يا رسول الله وما سهم الله ؟ قال : علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، وملكاً أمامه وسحابة تظله ، حتى يعطى الله حبيبي النصر والظفر » .

وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 148 : « وعاد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو محاصر لأهل الطائف ، فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) كبر للفتح وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً . فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح جميعاً ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما خلا بعلى بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا ؟ فقال : يا عمر ، ما أنا انتجيته بل الله انتجاه ! قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ ، فلم ندخله وصددنا عنه ! فناداه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لم أقل إنكم تدخلونه في ذلك العام » !

والأمر الثاني الملفت في حصار الطائف : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فك الحصار عنها ولم يصرّ على فتحها ، وروى أنه لم يؤذن له في فتحها .

وفى إعلام الوري : 1 / 234 : « ذكر الواقدي عن شيوخه قال : شاور رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه في حصن الطائف ، فقال له سلمان الفارسي : يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فعمل منجنيق ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودبابتين . ويقال خالد بن سعيد ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبابة .

وأنفذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) في خيل عند محاصرته أهل الطائف ، وأمره أن يكسر كل صنم وجده ، فخرج فلقيه جمع كثير من خثعم . . . إلى آخر ما تقدم .

فلما قدم على ( عليه السلام ) فكأنما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على وجل فارتحل ، فنادى سعيد بن عبيدة : ألا إن الحي مقيم فقال ( عليه السلام ) : لا أقمت ولاظعنت ! فسقط فانكسر فخذه » !

أي لما جاء على ( عليه السلام ) فك النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحصار بدون تأخير ، فقال الراوي كأنما كان على وجل . ومعنى كلام سعيد أن الذي يظعن هو الغريب الضعيف ، وقصده الطعن بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) بفك الحصار وأنه عن عجز ، فدعا عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقتله الله ! والظاهر أن سبب فك الحصار عن الطائف ليس عجز الصحابة عن اقتحامه ، فقد جاء على ( عليه السلام ) ! بل سببه طلب قسم من ثقيف « أهل وجّ » أن يفكه عنهم ليأتيه وفدهم ويتفاوضوا معه ؟ وقد يكون السبب قرب دخول شهر ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال . تفسير الثعلبي : 5 / 22 .

والأمر المؤكد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسدد بوحي ربه عز وجل في قوله وفعله . فقد قبل وعد أهل الطائف بأنهم يأتون إلى المدينة لمفاوضته ، وفك حصارهم مع عدم ثقته بهم ، وذهب إلى مكة معتمراً ، ثم عاد المدينة .

وذكرت رواية للواقدي أنه ( صلى الله عليه وآله ) أمر بقطع شجر كرومهم ، وهذا لا يصح عندنا .

11 - سياسة الإسلام العجيبة مع قريش وثقيف

لم يعرف التاريخ قبائل أفرطت في عدائها كبطون قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعشيرته بني هاشم ! وقد وثقنا ذلك بسلسة مواقفهم وأعمالهم الكيدية ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بحث : « صراع قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) » . لكن العجيب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاوم قريشاً حتى فتح مكة ، فأخضعهم وعفا عنهم وقبل إسلامهم وسماهم « الطلقاء » .

ثم فتح لهم أبواب دولته ! وفى نفس الوقت أعلن أنهم وأولادهم طلقاء وأخرجهم من أمته إلى يوم الدين ! ثم حكم ( صلى الله عليه وآله ) على ثقيف شبيهاً بحكمه على قريش ، وثقيف من قبائل هوازن النجدية ، سكنت الطائف فصارت حضرية ، وكانت حليفة لقريش وشريكتها في عدائها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وقد تحالفت مع هوازن في حربها للنبي وانهزمت معها في حنين ، ثم انهزمت بيد على ( عليه السلام ) في وجّ ، وبعد هزيمتهم طلبوا أن يعفيهم من الصلاة لأنها « دناءة » معيبة ! فلم يقبل منهم وهددهم بعلى ( عليه السلام ) ! وقد تأخر وفد ثقيف وظلوا على شركهم « ابن هشام : 4 / 936 » فحرك عليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) القبائل المحيطة بهم التي أسلمت ، ومنها بعض قبائل هوازن ليضغطوا عليهم ! وأخيراً جاءه وفد ثقيف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد رجوعه من غزوة تبوك ، فقبل إسلامهم وسماهم « العتقاء » في مقابل تسمية قريش « الطلقاء » .

وأصدر حكمه عليهم وعلى من ولد منهم إلى يوم الدين ، بأنهم كالطلقاء ليسوا من أمته الإسلامية ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « المهاجرون والأنصار أولياءٌ بعضهم لبعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة » . وروته مصادر السنيين بأسانيد عديدة فيها الصحيح على شرط الشيخين كمسند أحمد : 4 / 363 بروايتين ، مجمع الزوائد : 10 / 15 ، بروايات وقال في بعضها : رواه أحمد والطبراني بأسانيد وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح ، وقد جوده فإنه رواه عن الأعمش . وأبو يعلي / 446 ، ابن حبان : 16 / 250 ،

الطبراني الكبير : 2 / 309 ، 313 ، 214 ، 316 ، 343 ، 347 و 10 / 187 ، موارد الظمآن : 7 / 271 ، الدر المنثور : 3 / 206 ، فتح القدير : 2 / 330 ، علل الدارقطني 5 / 102 ، السمعاني : 4 / 152 ، تاريخ بغداد : 13 / 46 ، تعجيل المنفعة / 414 ومن مصادرنا أمالي الطوسي / 268 .

وهو حكمٌ شديد وضربة قاصمة لطلقاء قريش وعتقاء ثقيف ! حيث أخرجهم من أمته وألحقهم بها إلحاقاً ، والعجيب أنه شامل لمن وجد منهم في ذلك العصر ، ومن يولد من ذرياتهم إلى يوم القيامة !

فكيف يدعى لهم محبوهم الصحبة والفضائل والخلافة ، وهم لا يستطيعون إدخالهم في متن أمة الإسلام !

وقد كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى معاوية : « وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله ، وإن نقص لم تلحقك ثلمته ! وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس ؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم . هيهات لقد حن قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ! ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك ؟ وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب ولا لك ظفر الظافر ! وإنك لذهَّاب في التيه روَّاغ عن القصد » .

نهج البلاغة : 3 / 30 ، الإحتجاج : 1 / 259 وابن الأعثم : 2 / 560 .

وقال صعصعة لمعاوية : « أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً ، ودانهم كبراً ، واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً ؟ ! وإنما أنت طليق ابن طليق ، أطلقكما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فأنى تصلح الخلافة لطليق » ! مروج الذهب / 694 .

وقال ابن عباس لأبى موسى الأشعري : « ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة ! واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام ، وأن أباه رأس الأحزاب ، وأنه يدعى الخلافة من غير مشورة ولا بيعة » . شرح النهج : 2 / 246 .

وكتب ابن عباس إلى معاوية : « وإن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشوري ، فما أنت والخلافة ؟ وأنت طليق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر » . الإمامة والسياسة : 1 / 100 وراجع جواهر التاريخ : 2 / 94 .

وقد اتفق المسلون على هذا الحكم ، فقد أفتى عمر بأن حكم الأمة محرم على الطلقاء ! وقال كما في الطبقات : 3 / 342 : « هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفى كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ » . ورواه في تاريخ دمشق : 59 / 145 ، أسد الغابة : 4 / 387 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي / 113 ، الغدير : 7 / 144 و 10 / 30 ونفحات الأزهار : 5 / 350 .

فاعجب لهذا الأمر ! واعجب من أن أكثر حكام أمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليسوا من أمته !

12 - النبي « صلى الله عليه وآله » في الجعرانة يقسم الغنائم ويحرم للعمرة

الجعرانة : « ماء بين الطائف ومكة وهى إلى مكة أقرب ، نزلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما قسم غنائم هوازن ، مرجعه من غزاة حنين ، وأحرم منها ، وله فيها مسجد ، وبها بِئَار متقاربة » . « معجم البلدان : 2 / 142 » . وهى من مواقيت الحج ، فعن عبد الرحمن بن الحجاج ، أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال له : « إن سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها ؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : وأي وقت من مواقيت رسول الله هو ؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف » . الكافي : 4 / 300 .

وفى مجمع البيان : 5 / 32 ، « فحاصر أهل الطائف بقية الشهر ، فلما دخل ذو القعدة انصرف أتى الجعرانة ، وقسم بها غنائم حنين وأوطاس » .

وفى إعلام الوري : 1 / 236 : « قال محمد بن إسحاق : فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، ومعاوية ابنه مائة بعير ، وحكيم بن حزام من بنى أسد بن عبد العزى بنى قصى مائة بعير ، وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة مائة بعير ، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بنى زهرة مائة بعير ، وأعطى الحارث بن هشام من بنى مخزوم مائة ، وجبير بن مطعم من بنى نوفل بن عبد مناف مائة ، ومالك بن عوف النصرى مائة ، فهؤلاء أصحاب المائة . وقيل : إنه أعطى علقمة بن علاثة مائة ، والأقرع بن حابس مائة ، وعيينة بن حصن مائة ، وأعطى العباس بن مرداس أربعاً فتسخطها وأنشأ يقول :

أتجعل نهبى ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرء منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع

وقد كنت في الحرب ذا تدرأ * فلم أعط شيئا ولم أمنع

فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت القائل : أتجعل نهبى ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة ؟ فقال أبو بكر : بأبى أنت وأمي لست بشاعر ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : كيف قال ؟ فأنشده أبو بكر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي قم فاقطع لسانه ! قال عباس : فوالله لهذه الكلمة كانت أشد على من يوم خثعم ، فأخذ على ( عليه السلام ) بيدي فانطلق بي فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني ؟ قال : إني ممض فيك ما أمرت ، حتى أدخلني الحظائر فقال : أعقل ما بين أربعة إلى مائة . قال : قلت بأبى أنتم وأمي ، ما أكرمكم وأحلمكم وأجملكم وأعلمكم . فقال لي : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين ، فإن شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة . قال : فقلت لم لعلى ( عليه السلام ) : أشر أنت علي . قال : فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضي . قال : فإني أفعل » .

وفى سيرة ابن هشام : 4 / 906 : « ثم جُمعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا حنين وأموالها وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها » .

قال في الصحيح من السيرة : 25 / 178 : « تقدم أن المسلمين انهزموا جميعاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن راجِعَتَهم حين رجعت وجدت الأسارى مكتفين عند رسول الله ، وأن المسلمين المهزومين لم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح . . . والمهاجم الوحيد لجيوش المشركين كان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فهزم الله المشركين على يديه شر هزيمة . فالنصر إنما تحقق بجهاد على ( عليه السلام ) وبالتأييد الإلهى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بإنزال الملائكة . وهذا يبين السبب في أن الله سبحانه رد أمر الغنائم والسبي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليعطيها لمن يشاء ، فأعطاها لمن أراد أن يتألفهم ، ولم يعط منها حتى أقرب الناس إليه وهم الأنصار . . لأنهم لم يكن لهم ولا للمهاجرين ولا لغيرهم حق فيها ولكنه ( صلى الله عليه وآله ) قد طيب نفوس الأنصار ، بعدما نفَّذ ما أمره الله تعالى » .

13 - وفد هوازن والشيماء حاضنة النبي « صلى الله عليه وآله »

في إعلام الوري : 1 / 239 : « كان فيما سبى أخته بنت حليمة فلما قامت على رأسه قالت : يا محمد أختك شيماء بنت حليمة ! قال فنزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) برده فبسطه لها فأجلسها عليه ثم أكب عليها يسائلها وهى التي كانت تحضنه إذ كانت أمها ترضعه . . . أدرك وفد هوازن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا : يا رسول الله لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا من الله عليك . وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال : يا رسول الله ، إنا لو ملَّحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ، ثم ولى منا مثل الذي وليت ، لعاد علينا بفضله وعطفه وأنت خير المكفولين ، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك وحواضنك وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالاً ، إنما نسألكهن . أي الحارث ملك غسان والنعمان ملك المناذرة . وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قسم منهن ما شاء الله ، فلما كلمته أخته قال : أما نصيبي ونصيب بنى عبد المطلب فهو لك ، وأما ما كان للمسلمين فاستشفعى بي عليهم » .

فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت وتكلموا ، فوهب لها الناس أجمعون إلا الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، فإنهما أبيا أن يهبا وقالوا : يا رسول الله إن هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا ، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا .

فأقرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بينهم ثم قال : اللهم أتْوِهْ سهميهما ، فأصاب أحدهما خادماً لبنى عقل ، وأصاب الآخر خادماً لبنى نمير ، فلما رأيا ذلك وهبا ما منعا .

قال : ولولا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهن لها كما وهب ما لم يقع في القسمة ولكنهن وقعن في أنصباء الناس ، فلم يأخذ منهم إلا بطيبة النفس .

وروى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فئ نصيبه ، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم .

وفى الطبقات : 2 / 153 : « وقدم وفد هوازن على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد ، وفيهم أبو برقان عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة ، فسألوه أن يمن عليهم بالسبى فقال : أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً . فقال : أما ما لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم ، وسأسأل لكم الناس ، فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله . . الخ . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد كسا السبي قبطيةً قبطية » .

قال : وكلمته أخته « الشيماء » في مالك بن عوف فقال : « إن جاءني فهو آمن ، فأتاه فرد عليه ماله ، وأعطاه مائة من الإبل » .

14 - مالك بن عوف مسلماً !

في شرح الأخبار : 1 / 317 : « وسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن مالك بن عوف سيد هوازن يومئذ ما فعل ؟ فقالوا : لحق بالطائف وتحصن بها مع ثقيف يا رسول الله . قال : فأخبروه أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل . فأخبر بذلك فخرج من الطائف متسللاً عن ثقيف لئلا يعلموا به فيحبسوه . وأتى رسول الله فرد عليه أهله وماله وزاده مائة من الإبل ، وأسلم وحسن إسلامه » .

وفى تفسير القمي : 1 / 299 : « وفى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : المؤلفة قلوبهم : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وسهيل بن عمرو وهو من بنى عامر بن لوى وهمام بن عمرو وأخوه ، وصفوان بن أمية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي ، والأقرع بن حابس التميمي ، ثم عمر أحد بنى حازم ، وعيينة بن حصين الفزاري ، ومالك بن عوف ، وعلقمة بن علاقة . بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعطى الرجل منهم مائة من الإبل ورعاتها ، وأكثر من ذلك وأقل » .

وفى سيرة ابن هشام : 4 / 927 ، أن مالك بن عوف قال بعد مجيئه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

« ما إن رأيت ولا سمعتُ بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد

وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهرى وضرب كل مهند

فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد

« فاستعمله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على من أسلم من قومه وتلك القبائل : ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفاً لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم » .

15 - الأنصار يسقطون في امتحان المال

في مجمع البيان : 5 / 32 : « قال أبو سعيد الخدري : قسم رسول الله للمتألفين من قريش من سائر العرب ما قسم ، ولم يكن في الأنصار منها شئ قليل ولا كثير ، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في قسمك هذه الغنائم في قومك وفى سائر العرب ، ولم يكن فيهم من ذلك شئ ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ فقال : ما أنا إلا امرؤ من قومي ! فقال رسول الله : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ، فجمعهم فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر الأنصار ، أو لم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . ثم قال : ألا تجيبونى يا معشر الأنصار ؟ فقالوا : وما نقول ؟ وبماذا نجيبك ؟ المنُّ لله ولرسوله .

فقال رسول الله : أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم : جئتنا طريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك ، وخائفاً فآمناك ، ومخذولاً فنصرناك . فقالوا : المنُّ لله ولرسوله .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير ، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار . ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار . اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم ، وقالوا : رضينا بالله ورسوله قسماً . ثم تفرقوا » !

وفى إعلام الوري : 1 / 238 : « وغضب قوم من الأنصار لذلك وظهر منهم كلام قبيح حتى قال قائلهم : لقى الرجل أهله وبنى عمه ونحن أصحاب كل كريهة ! فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دخل على الأنصار من ذلك ، أمرهم أن يقعدوا ولا يقعد معهم غيرهم ، ثم أتاهم شبه المغضب يتبعه على ( عليه السلام ) حتى جلس وسطهم ، فقال : ألم آتكم وأنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله منها بي ؟ قالوا : بلي ، ولله ولرسوله المن والطول والفضل علينا . قال : ألم آتكم وأنتم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ قالوا : أجل . . . إلى آخر ما تقدم » .

وفى الكافي : 2 / 411 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال زرارة : « سألته عن قول الله عز وجل : والمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُم . . . فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجعرانة فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : نعم ، فقال : إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئاً أنزله الله رضينا ، وإن كان غير ذلك لم نرض ! قال زرارة : وسمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر الأنصار أكُلُّكُمْ على قول سيدكم سعد ؟ فقالوا : سيدنا الله ورسوله ، ثم قالوا في الثالثة : نحن على مثل قوله ورأيه ! قال : زرارة فسمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : فحط الله نورهم » .

أقول : من عجائب التاريخ موقف الأنصار عند غنائم حنين ، ورئيسهم سعد بن عبادة ! فقد آمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ورأوا معجزاته ، وبذلوا في سبيله أموالهم وأرواحهم ، ولما أعطى غيرهم ولم يعطهم اتهموه بأنه يميل مع هواه إلى قومه ! وتفسير ذلك أنهم عند الامتحان غلبهم هواهم وفقدوا عقولهم ، فانخفض مستوى إيمانهم ، فحط الله نورهم !

وقد سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) سعداً عن موقفه في اتهامهم لنبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بأنه مال لقومه في تقسيم الغنائم ، فأجابه بأنه واحد من قومه رأيه رأيهم ! لذلك ينبغي أن يقسم تاريخ الأنصار إلى مرحلة ما قبل غنائم حنين وبعدها !

وهذا يفسر سوء توفيق سعد ونقضه بيعته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن يحموه ويحموا أهل بيته بعده مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم ، فعندما رأى قريشاً مجمعة على إبعاد عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن خلافته ، اتجه إلى ذاته وأخذ يعمل لأن تكون الخلافة له ، لأنه أحق بالإسلام وخلافته ، من بطون قريش !

وقد عالج النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا الهبوط الذي حدث في حنين ، بتطييب خواطرهم والدعاء لهم ، وهى معالجة لتهدئتهم ، لكن مستواهم انخفض كثيراً .

16 - ولادة الخوارج في الجعرانة

في إعلام الوري : 1 / 241 : « عن أبي سعيد الخدري قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقسم إذ أتاه ذو الخويصرة ، رجل من بنى تميم ، فقال : يا رسول الله إعدل ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويلك من يعدل إن أنا لم أعدل وقد خبت وخسرت إن أنا لم أعدل ! فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر إلى رصافه « شد السهم » فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر في قذذه « ريش السهم » فلا يوجد فيه شئ ، قد سبق الفرث والدم ! آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تَدَرْدَر « تترجرج » يخرجون على خير فرقة من الناس .

قال أبو سعيد : فأشهد أنى سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، وأمر بذلك الرجل فالتُمس فوُجد فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي نعت » . ومناقب الخوارزمي / 259 ، بخاري : 4 / 179 وغيره بتفاصيل أكثر ، ومديح عظيم لمن يقتلهم .

وقال الشريف الرضى في المجازات النبوية / 33 : « ومن ذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) في ذكر الخوارج : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . . الحديث . . إلى قوله : قد سبق الفرث والدم . وفى هذا القول مجاز ، لأنه ( صلى الله عليه وآله ) شبه دخولهم في الدين وخروجهم منه بسرعة من غير أن يتعلقوا بعقدته أو يعيقوا بطينته ، بالسهم الذي أصاب الرمية ، وهى الطريدة ثم خرج مسرعاً من جسمها ولم يعلق بشئ من فرثها ودمها ، وذلك من صفات السهم الصائب ، لأنه لا يكون شديد السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة » . والمعنى أنهم منافقون يدخلون في الدين ويخرجون منه بسرعة ، كالسهم السريع الذي ينفذ في الصيد ويخرج منه ، وليس فيه أثر منه !

17 - اعتمر النبي « صلى الله عليه وآله » من الجعرانة ، ثم رجع إلى المدينة

في الخصال / 200 : « عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من جعرانة ، والرابعة التي مع حجته » .

وفى سيرة ابن هشام : 4 / 936 : « ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة . وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد وهى سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى شهر رمضان من سنة تسع » .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.