المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

زراعة الينسون Pimpinella anisum L.
29-7-2022
القشطة قلب الثور Ammona reticulata
8-11-2017
‏الطوب العازل
25-8-2016
دوافــع إدارة الأربــاح
23/12/2022
بروتوكول طهران 1911.
2023-07-05
بحث أدبي في القصاص
7-5-2021


استكمال فتح اليمن بعد حنين  
  
26   04:29 مساءً   التاريخ: 2024-11-06
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص464-477
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /

1 - ضعف الحكام الفرس في اليمن

عندما بُعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت اليمن تُحكم من قبل كسري ، ولما كتب ( صلى الله عليه وآله ) إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام ، غضب ومزق الرسالة وأرسل إلى حاكم اليمن واسمه باذان أن يبعث له النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فأرسل باذان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبلغه رسالة كسري ، فأجابه في اليوم التالي إن الله قد أخبرني أنه قتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا ! فعاد الوفد مبهوتاً إلى باذان ، وجاءه الخبر بتصديق ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) حرفياً فأسلم باذان فقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إسلامه ، ونصبه حاكماً على اليمن .

قال الأحمدي في مكاتيب الرسول : 2 / 499 و 329 ، ملخصاً : « كانت اليمن كلها تحت حكم كسرى وكان عامله عليها وهرز « وهو الذي حرر اليمن من الحبشة مع سيف بن ذي يزن » ثم بعده المرزبان بن وهرز ، ثم بعده البينجان بن المرزبان بن وهرز ، ثم بعده خرخسرة بن البينجان ، ثم بعده باذان ، حتى هلك كسرى وأسلم باذان فنصبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على اليمن كلها . . فلم يعزله عنها حتى مات أو قتله الأسود العنسي ، واستصفى زوجته المرزبانة لنفسه ! ففرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمله ما بين شهر بن باذان ، وعامر بن شهر الهمداني ، وأبي موسى الأشعري ، وخالد بن سعيد ، ويعلى بن أمية ، وعمرو بن حزم ، وزياد بن لبيد ، والطاهر بن أبي هالة ، وعكاشة بن ثور المهاجر أو عبد الله . . .

والمراد بالأبناء أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن لما استنجد سيف بن ذي يزن ، فاسترجعوا ملك سيف ، واستقروا في اليمن وتزوجوا في العرب ، وسميت أبناؤهم بالأبناء ، وغلب عليهم هذا الاسم » . وابن هشام : 1 / 45 .

2 - ضعف سلطة باذان وتفكك اليمن

كانت قبائل اليمن تخضع للحاكم الفارسي وأسرته « الأبناء » لأن وراءهم أمبراطورية إذا طلبوا منها مدداً عسكرياً أرسلت لهم ، لكن عندما قتل كسرى وضعفت فارس ونقل حكام اليمن ولاءهم من كسرى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) طمع زعماء القبائل وأخذوا يستقلون بمناطقهم فاحتاج النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأن يرسل لكل منطقة حاكماً ، فتوزع حكم اليمن . والحكام الذين عينهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا مميزين عسكرياً لحاجة المنطقة إلى ذلك ، أو أصحاب قبول ونفوذ في المناطق التي عينهم فيها . ويظهر أن نفوذ باذان والأبناء ضعف كثيراً حتى احتاجوا إلى التحالف مع القبائل : « فقالت الرسل من الفرس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إلى من نحن يا رسول الله ؟ قال : أنتم منا وإلينا أهل البيت . قال ابن هشام : فبلغني عن الزهري أنه قال : فمن ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سلمان منا أهل البيت » . سيرة ابن هشام : 1 / 45 .

يقصد الراوي أن ولاء الفرس لبنى هاشم ، ولذا صار سلمان من أهل البيت ، وهذا التعليل لا يصح . ويظهر أن نفوذ باذان اقتصر على صنعاء وبعض مناطق اليمن فقط ! فقد اتفق المؤرخون على أن قبائل همدان أسلمت على يد على ( عليه السلام ) ، وسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) شكراً لله على إسلامها وقال : السلام على همدان ، وكان ذلك في السنة الثامنة بعد حنين ، وقيل في العاشرة ، كما أن قبائل مذحج أسلمت بعدها .

وهمدان ومذحج هما الشطر الأعظم من اليمن . ويؤيد ذلك أن الأسود العنسي ادعى النبوة وسيطر على صنعاء ، وقتل باذان أو قتل ابنه الذي حكم بعده .

وقد بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) إلى اليمن ثلاث مرات ، في السنة الثامنة إلى قبائل همدان ، وفى العاشرة إلى قبائل مذحج ، وأرسله بينهما قاضياً على اليمن .

قال في أعيان الشيعة : 1 / 410 : « قال دحلان في سيرته . . . بَعْثُ على إلى همدان لم يكن سنة عشر إنما كان سنة عشر بعثه إلى بنى مذحج ، وأما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة ، فيكون بعث على إلى اليمن حصل مرتين » .

وفى المستجاد من الإرشاد / 111 : « لما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تقليده قضاء اليمن وإنفاذه إليهم ليعلمهم الأحكام ، ويبين لهم الحلال من الحرام ، ويحكم فيهم بأحكام القرآن قال له : تندبني يا رسول الله للقضاء وأنا شاب ولا علم لي بكل القضاء . فقال له : أدنُ منى فدنا منه ، فضرب على صدره وقال : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه . قال أمير المؤمنين : فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك المقام » .

3 - فتح علي « عليه السلام » لليمن

صعدنا درج صنعاء ودخلنا سوقها ، فقالوا هذه الساحة « اسمها الحلقة » وسألنا عن معناها فقالوا : هنا وقف على ( عليه السلام ) وقرأ كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأهل اليمن فتحَلَّقُوا حوله ! وزرنا بعد الساحة مسجد على ( عليه السلام ) وهو البيت الذي كان لامرأة فاستأجره على ( عليه السلام ) وسكن فيه مدة عمله في اليمن ، فحولته صاحبته إلى مسجد .

في الكافي : 5 / 28 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن وقال لي : يا علي لاتقاتلن أحداً حتى تدعوه ، وأيم الله لأن يهدى الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه » .

وفى العدد القوية للحلي / 251 : « عن البراء بن عازب قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فكنت فيمن سار معه ، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه إلى شئ ! فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل « يرجع » خالداً ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي فيتركه ، فكنت ممن عقب مع علي ، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن وبلغ القوم الخبر فجمعوا له ، فصلى بنا على صلاة الفجر ، فلما فرغ صفنا صفاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلمت همدان كلها في يوم واحد ، وكتب بذلك على إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما قرأ كتابه خر ساجداً ثم جلس فقال : السلام على همدان ، وتتابع أهل اليمن الإسلام » .

وروته مصادر السلطة وسماها ابن هشام : 4 / 1028 و 1056 : غزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن ، غزاها مرتين ، وتوغل في مناطقها .

وقال الصالحي في سبل الهدي : 6 / 235 : « روى البيهقي في السنن والدلائل والمعرفة عن البراء بن عازب قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام . قال البراء : فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد ، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا . ثم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث علي بن أبي طالب مكان خالد وأمره أن يقفل خالداً ، وقال : مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل . . . إلى آخره ، وفيه : « وقال : إذا كان قتال فعلى الأمير ، قال : فافتتح على حصناً فغنمت أواقي ذوات عدد وأخذ على منه جارية ، قال : فكتب معي خالد إلى رسول الله يخبره ! قال الترمذي : يعنى النميمة ! قال : فلما قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقرأ الكتاب رأيته يتغير لونه فقال : ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله تعالى ورسوله ؟ فقلت : أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله ، إنما أنا رسول » . فسكت .

وفى رواية : فكتب خالد إلى رسول الله فقلت إبعثنى فبعثني ، فجعل يقرأ الكتاب وأقول صدق ، فإذا النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد احمر وجهه فقال : من كنت وليه فعلى وليه ! ثم قال : يا بريدة أتبغض علياً ؟ فقلت : نعم . قال : لاتبغضه فإن له الخمس أكثر من ذلك . وفى رواية : والذي نفسي بيده لنصيب على في الخمس أفضل من وصيفة ، وإن كنت تحبه فازدد له حباً . وفى رواية : لا تقع في علي فإنه منى وأنا منه وهو وليكم بعدي . قال بريدة : فما كان في الناس أحد أحب إلى من علي !

قال الحافظ : كان بعث على بعد رجوعهم من الطائف ، وقسمة الغنائم بالجعرانة . . وهو وليكم بعدي : أي يلي أمركم .

الباب الثاني والسبعون في سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن المرة الثانية : قال محمد بن عمر « الواقدي » وابن سعد واللفظ للأول : قالوا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً إلى اليمن في رمضان وأمره أن يعسكر بقناة ، فعسكر بها حتى تتامَّ أصحابه . فعقد له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة ، فجعلها في رأس الرمح ثم دفعها إليه ، وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار ، وجعل له ذراعاً بين يديه وشبراً من ورائه وقال له : إمض ولا تلتفت . فقال علي : يا رسول الله ما أصنع ؟ قال : إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك ، وادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإن قالوا نعم فمرهم بالصلاة ، فإن أجابوا فمرهم بالزكاة ، فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك . والله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت .

فخرج على في ثلاث مائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد . فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج ، فرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبايا نساء وأطفالاً ونعماً وشاءً وغير ذلك ، فجعل على على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعاً .

ثم لقى جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا أصحابه بالنبل والحجارة ، فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال ، صف أصحابه ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السلمى فتقدم به ، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز ، فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه . ثم حمل عليهم على وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً ، فتفرقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائماً ، وكف على عن طلبهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا ، وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام وقالوا : نحن على من وراءنا من قومنا ، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى . وجمع على ما أصاب من تلك الغنائم ، فجزأها خمسة أجزاء ، فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها ، فخرج أول السُّهمان سهم الخمس .

وقسم على على أصحابه بقية المغنم ، ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً ، وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس ، ثم يخبرون رسول الله بذلك فلا يرده عليهم ، فطلبوا ذلك من على فأبى وقال : الخمس أحمله إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرى فيه رأيه . وأقام فيهم يقرؤهم القرآن ويعلمهم الشرائع .

وكتب إلى رسول الله كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى يخبره الخبر ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يوافيه الموسم ، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي بذلك فانصرف على راجعاً ، فلما كان بالفتقن « مكان » تعجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره الخبر ، وخلف على أصحابه والخمس أبا رافع ، فوافى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة قد قدمها للحج ، وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة ونعم وشاء مما غنموا ، ونعم من صدقة أموالهم ، فسأل أصحاب على أبا رافع أن يكسوهم ثياباً يحرمون فيها ، فكساهم منها ثوبين ثوبين . فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج على ليتلقاهم ليقدم بهم ، فرأى على أصحابه الثياب فقال لأبى رافع : ما هذا ؟ فقال : كلمونى ففرقت من شكايتهم وظننت أن هذا ليسهل عليك ، وقد كان من قبلك يفعل هذا بهم . فقال : قد رأيت امتناعى من ذلك ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت فتعطيهم ! فنزع على الحلل منهم ! فلما قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شكوه ، فدعا علياً فقال : ما لأصحابك يشكونك ؟ قال : ما أشكيتهم ، قسمت عليهم ماغنموا وحبست الخمس حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك . فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . انتهي .

أقول : يظهر أن خالداً لم يطع أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد أمره أن يرجع ، وخير جنوده بين البقاء مع علي ( عليه السلام ) أو الرجوع ! لكنه بقي يتتبع عمل على ( عليه السلام ) ويرسل إلى النبي يشكوه ! كما يتضح من روايتهم أن علياً ( عليه السلام ) أعطى جنوده أربعة أخماس الغنيمة فطمعوا في خمس النبي ( صلى الله عليه وآله ) واستغلوا مسارعة على ( عليه السلام ) قبلهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأصروا على أبى رافع وأخذوا من الخمس الذي للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بغير حق ، فلما رجع على ( عليه السلام ) نزعه منهم ! وظلم رواة الحكومة علياً ( عليه السلام ) فصوروا أنه أخطأ مع جنوده !

ثم تابع الصالحي في سبل الهدي : « الباب الرابع والتسعون في وفود همدان إليه ( صلى الله عليه وآله ) : قالوا قدم وفد همدان على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليهم مقطعات الحبرات مكففة بالديباج ، وفيهم حمزة بن مالك من ذي مشعار ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

نِعْمَ الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد ، ومنهم أبدال وأوتاد الإسلام . فأسلموا وكتب لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً بمخلاف خارف ، ويام ، وشاكر ، وأهل الهضب ، وحقاف الرمل من همدان ، لمن أسلم منهم . . .

وقد روى البيهقي بإسناد صحيح من حديث ابن إسحاق عن البراء : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام . قال البراء : فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد ، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام ، فلم يجيبوه ، ثم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يعقب خالداً إلا رجلاً ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه . . إلى آخر ما تقدم » .

وقال ابن إسحاق : فقام مالك بن نمط بين يديه فقال : يا رسول الله نصيةٌ من همدان من كل حاضر وباد ، أتوك على قلص نواح ، متصلة بحبائل الإسلام ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، من مخلاف خارف ويام وشاكر ، أهل السواد والقود أجابوا دعوة الرسول وفارقوا الإلاهات والأنصاب ، عهدهم لا ينقض عن سِنَة ماحل ، ولا سوداء عنقفير ، ما أقام لعلع ، وما جرى اليعفور بصيلع .

فكتب لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد رسول الله لمخلاف خارف ، وأهل جناب الهضب ، وحقاف الرمل ، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ، ومن أسلم من قومه أن لهم فراعها ووهاطها وعزازها ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، يأكلون ظلافها ، ويرعون عفاءها ، ولنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة ، ولهم من الصدقة الثلب والتاب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحورى وعليهم فيها الصالغ والقارح . لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله ، وشاهدكم المهاجرون والأنصار .

فقال في ذلك مالك بن نمط :

ذكرت رسول الله في فحمة الدجي * ونحن بأعلى رحرحان وصلدد

وهن بنا خوص طلائح تغتلي * بركبانها في لأحب متمدد

على كل فتلاء الذراعين جسرة * تمر بنا مر الهجف الخفيدد

حلفت برب الراقصات إلى مني * صوادر بالركبان من هضب قردد

بأن رسول الله فينا مصدق * رسول أتى من عند ذي العرش مهتد

فما حملت من ناقة فوق رحلها * أشد على أعدائه من محمد

وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه * وأمضى بحد المشرفى المهند »

ومن رواياتها عن أبي رافع : « بعث رسول الله علياً أميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل فقال : إن اجتمعتما فعلى على الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله وأخذ على جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : إغتنمها فأخبر النبي ما صنع ! فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله في منزله وناس من أصحابه على بابه فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟ فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين ، فقالوا : ما أقدمك ؟ قلت : جارية أخذها على من الخمس فجئت لأخبر النبي ! فقالوا : فأخبر النبي فإنه يسقط من عين النبي ! ورسول الله يسمع الكلام فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون علياً ! من تَنَقَّصَ علياً فقد تنقصنى ومن فارق علياً فقد فارقني ! إن علياً منى وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . يا بريدة : أما علمت أن لعلى أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليكم بعدي ؟ فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتنى على الإسلام جديداً ! قال : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام » ! أوسط الطبراني : 6 / 163 .

أقول : بحثنا شكاية خالد وجواب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في كتاب العقائد الإسلامية : 4 / 91 ، وتحريف البخاري وغيره لها .

وأخيراً ، ادعى كعب الأحبار أنه لقى عليا ( عليه السلام ) باليمن وأسلم ! ففي مغازى الواقدي / 668 : « لما قدم علي بن أبي طالب اليمن خطب به ، وبلغ كعب الأحبار قيامه بخطبته ، فأقبل على راحلته في حلة ، معه حبر من أحبار اليهود حتى استمعا له . . . قال كعب الأحبار : لما قدم على اليمن لقيته فقلت : أخبرني عن صفة محمد ، فجعل يخبرني عنه وجعلت أتبسم ، فقال : مم تتبسم ؟ فقلت : مما يوافق ما عندنا من صفته . . . قال : فأقمت باليمن على إسلامي حتى توفى رسول الله وتوفى أبو بكر فقدمت في خلافه عمر ، ويا ليت أنى كنت تقدمت في الهجرة » !

وكذب كعب في ادعائه ، لأنه إنما أعلن أنه مسلم في أواسط خلافة عمر !

4 - أهدى علي « عليه السلام » إلى النبي « صلى الله عليه وآله » أفراساً من اليمن

في الكافي : 6 / 535 ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : « أهدى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أربعة أفراس من اليمن فقال : سمها لي ، فقال : هي ألوان مختلفة قال : ففيها وضح ؟ فقال : نعم فيها أشقر به وضح ، قال : فأمسكه علي ، قال : وفيها كميتان أوضحان ، فقال : أعطهما ابنيك ، قال : والرابع أدهم بهيم قال : بعه واستخلف به نفقة لعيالك ، إنما يمن الخيل في ذوات الأوضاح » .

5 - وأرسل النبي « صلى الله عليه وآله » علياً « عليه السلام » قاضياً إلى اليمن

في بصائر الدرجات / 472 ، عن عبد العزيز القراطيسي : « قلت لأبى عبد الله : جعلت فداك إن الناس يزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجه علياً ( عليه السلام ) إلى اليمن ليقضى بينهم فقال على ( عليه السلام ) : فما وردت على قضية إلا حكمت فيها بحكم الله وحكم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال صدقوا . قلت : وكيف ذاك ولم يكن أنزل القرآن كله ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غائباً عنه ؟ فقال : يتلقاه به روح القدس » .

وفى أمالي الصدوق / 428 : « عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً إلى اليمن فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلاً برجله فقتله ، وأخذه أولياء المقتول فرفعوه إلى علي ، فأقام صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله ، فأبطل على ( عليه السلام ) دم الرجل ، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يشكون علياً ( عليه السلام ) فيما حكم عليهم فقالوا : إن عليا ظلمنا وأبطل دم صاحبنا ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن علياً ليس بظلام ، ولم يخلق على للظلم ، وإن الولاية من بعدى لعلي ، والحكم حكمه ، والقول قوله ، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر ، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن . فلما سمع اليمانيون قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

في علي ( عليه السلام ) قالوا : يا رسول الله ، رضينا بقول على وحكمه . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو توبتكم مما قلتم » . والتهذيب : 10 / 228 .

أقول : من القواعد المتفق عليها أنه لا يبطل دم امرئ مسلم ، فلا بد أن يكون إبطال دم الذي نفحه الفرس ، بمعنى عدم ضمان صاحب الفرس لعدم تقصيره ، فتكون ديته على الوالي من بيت المال .

6 - ثم أرسله النبي « صلى الله عليه وآله » إلى اليمن ليصلح بينهم

في بصائر الدرجات / 521 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجهنى إلى اليمن لأصلح بينهم ، فقلت له يا رسول الله ( عليه السلام ) إنهم قوم كثير وأنا شاب حدث . فقال لي : يا علي ( عليه السلام ) إذا صرت بأعلى عقبة فيق فناد بأعلى صوتك : يا شجر يا مدر يا ثري ، محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرؤكم السلام ! قال : فذهبت فلما صرت بأعلى عقبة فيق أشرفت على اليمن ، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوى مشرعون أسنتهم ، متنكبون قسيهم شاهرون سلاحهم ، فناديت بأعلى صوتي : يا شجر يا مدر يا ثرى محمد ( صلى الله عليه وآله ) يقرؤكم السلام ، قال : فلم يبق شجرة ولا مدرة ولا ثرى الا ارتجت بصوت واحد : وعلى محمد رسول الله وعليك السلام ! فاضطربت قوايم القوم وارتعدت ركبهم ، ووقع السلاح من أيديهم ، وأقبلوا مسرعين فأصلحت بينهم وانصرفت » .

7 - ثم أرسله النبي « صلى الله عليه وآله » إلى اليمن عندما ارتد ابن معديكرب

في البحار : 21 / 356 والإرشاد : 1 / 145 : « لما عاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك إلى المدينة قدم إليه عمرو بن معدى كرب فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أسلم يا عمرو يؤمنك الله من الفزع الأكبر ، قال : يا محمد وما الفزع الأكبر فإني لا أفزع ، فقال يا عمرو : إنه ليس كما تظن وتحسب ! إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة ، فلا يبقى ميت إلا نشر ولا حي إلا مات ، إلا ما شاء الله ، ثم يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من مات ، ويصَفُّونَ جميعاً وتنشق السماء وتهد الأرض وتخر الجبال هداً ، وترمى النار بمثل الجبال شرراً ، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه وذكر ذنبه وشغل بنفسه إلا من شاء الله ! فأين أنت يا عمرو من هذا ؟ قال : ألا إني أسمع أمراً عظيماً ، فآمن بالله ورسوله وآمن معه من قومه ناس ورجعوا إلى قومهم .

ثم إن عمرو بن معدى كرب نظر إلى أبي بن عثعث الخثعمي ، فأخذ برقبته ثم جاء به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أُعْدُنى على هذا الفاجر الذي قتل والدي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أهدر الإسلام ما كان في الجاهلية ، فانصرف عمرو مرتداً ، فأغار على قوم من بنى الحارث بن كعب ، ومضى إلى قومه ! فاستدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب وأمره على المهاجرين وأنفذه إلى بنى زبيد ، وأرسل خالد بن الوليد في الأعراب وأمره أن يعمد لجعفي ، فإذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين . فسار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واستعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص واستعمل خالد على مقدمته أبا موسى الأشعري ، فأما جعفى فإنها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين : فذهبت فرقة إلى اليمن وانضمت الفرقة الأخرى إلى بنى زبيد ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكتب إلى خالد بن الوليد : أن قف حيث أدركك رسولي فلم يقف ! فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص : تعرض له حتى تحبسه ، فاعترض له خالد حتى حبسه ، وأدركه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فعنفه على خلافه ! ثم سار حتى لقى بنى زبيد بواد يقال له كثير ، فلما رآه بنو زبيد قالوا لعمرو : كيف أنت يا با ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فأخذ منك الإتاوة ؟ قال : سيعلم إن لقيني ! قال : وخرج عمرو فقال : من يبارز ؟ فنهض إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقام إليه خالد بن سعيد وقال له : دعني يا أبا الحسن بأبى أنت وأمي أبارزه ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف مكانك فوقف ، ثم برز إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فصاح به صيحة فانهزم عمرو ! وقتل أخاه وابن أخيه . وأُخِذَت امرأته ركانة بنت سلامة ، وسبى منهم نسوان ، وانصرف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وخلف على بنى زبيد خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم ، ويؤمِّن من عاد إليه من هرابهم مسلماً ، فرجع عمرو بن معدى كرب واستأذن على خالد بن سعيد فأذن له ، فعاد إلى الإسلام ، فكلمه في امرأته وولده فوهبهم له ! وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزوراً قد نحرت فجمع قوائمها ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً ، وكان يسمى سيفه الصمصامة ، فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو امرأته وولده ، وهب له عمرو الصمصامة .

وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد اصطفى من السبي جارية ، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : تقدم الجيش إليه فأعلمه بما فعل على من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه ، وقَعْ فيه ! فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه فقال له عمر : إمض لما جئت له فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي !

فدخل بريدة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة ، فجعل يقرأه ووجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتغير فقال بريدة : يا رسول الله إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيئهم ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويحك يا بريدة أحدثت نفاقاً ؟ إن علي بن أبي طالب يحل له من الفئ ما يحل لي ، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك ، وخير من أخلف بعدى لكافة أمتي ! يا بريدة إحذر أن تبغض علياً فيبغضك الله ! قال بريدة : فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها وقلت : أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسول الله . يا رسول الله استغفر لي ، فلن أبغضن علياً أبداً ولا أقول فيه إلا خيراً ، فاستغفر له النبي ( صلى الله عليه وآله ) » .

أقول : نلاحظ أن خالد بن الوليد كان مأموراً من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطاعة على ( عليه السلام ) ، ولكنه كان يتصرف كأنه مستقل ، وقد تركه على ( عليه السلام ) حتى إذا خشي الضرر من تصرفه أمر خالداً بن سعيد أن يمنعه بالقوة من مواصلة مسيره ، فمنعه !

وهذا يثبت شجاعة خالد بن سعيد وخوف خالد بن الوليد منه ومن على ( عليه السلام ) ، لأنهما أشجع منه ، ومكانته في قريش ومكة أعلى من مكانته !

وقد يكون على ( عليه السلام ) منعه من التقدم إلى زبيد لخوفه عليه من الهزيمة أمام ابن معديكرب وهو هزيمة للمسلمين ، ثم ظهر أن علياً ( عليه السلام ) كان أعد خطة لهزيمة ابن معديكرب بدون أن يقتله ! ولا بد أن ابن الوليد بهت لفزع عمرو من صرخة على ( عليه السلام ) ! ويبدو أن تلك الصرخة الحيدرية بأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفيها سرٌّ من أسراره ! لأنه ( صلى الله عليه وآله ) لما أنذر عمرواً من فزع الآخرة قال له عمرو : « يا محمد وما الفزع الأكبر فإني لا أفزع » ! وعندما ارتد عمرو أراه الله الفزع في الدنيا ، وأبقاه حياً .

8 - الأسود العنسي يدعى النبوة في اليمن

في البحار : 21 / 411 : « لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حجه طارت الأخبار بأنه قد اشتكى فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة ، فأما الأسود العنسي فاسمه عهيلة بن كعب ، وكان كاهنا يشعبذ ويريهم الأعاجيب ويصمى منطقه قلب من يسمعه .

وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسار إلى صنعاء فأخذها ، فكتب فروة بن مسيك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخبره وكان عامل رسول الله على مراد ، وخرج معاذ بن جبل هارباً حتى مر بأبى موسى الأشعري وهو بمارت فاقتحما حضر موت ، ورجع عمرو بن خالد إلى المدينة ، وقتل شهر بن باذام وتزوج امرأته ، وكانت ابنة عم فيروز ، فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى نفر من الأبناء رسولاً وكتب إليهم أن يحاولوا الأسود إما غيلة وإما مصادمة ، وأمرهم أن يستنجدوا رجالاً سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمدان ، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم ، فدخلوا على زوجته فقالوا : هذا قد قتل أباك وزوجك فما عندك ؟ قالت : هو أبغض خلق الله إلى وهو مجرد والحرس محيطون بقصره إلا هذه البيت فانقبوا عليه فنقبوا ، ودخل فيروز الديلمي فخالطه فأخذ برأسه فقتله ، فخار خوار ثور فابتدر الحرس الباب فقالوا : ما هذا ؟ فقالت : النبي يوحى إليه ثم خمد ! وقد كان يجئ إليه شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قاله ، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم ثم بالأذان وقالوا فيه : أشهد أن محمداً رسول الله ، وأن عهيلة كذاب ، وشنوها غارة وتراجع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

إلى أعمالهم ، وكتبوا إلى رسول الله بالخبر فسبق خبر السماء إليه ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل موته بيوم أو بليلة فأخبر الناس بذلك ، فقال : قتل الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين ، قيل : ومن هو ؟ قال : فيروز ، فاز فيروز ، ووصل الكتاب ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد مات إلى أبى بكر . وكان من أول خروجه إلى أن قتل نحو أربعة أشهر . وفيروز قيل : إنه ابن أخت النجاشي وقيل هو من أبناء فارس .

وأما مسيلمة بن حبيب الكذاب فكان يقال له : رحمن اليمامة ، لأنه كان يقول : الذي يأتيني اسمه رحمن ، وقدم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيمن أسلم ثم ارتد لما رجع إلى بلده ، وكتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإن الأرض لنا نصف ولقريش نصف ، ولكن قريش قوم يعتدون » !

وفى الينابيع الفقهية : 9 / 143 : « وقيل كان أهل الردة إحدى عشرة فرقة ، ثلاث في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بنو مدلج ، ورئيسهم ذو الخمار ، وهو الأسود العنسي وكان كاهناً تنبأ باليمن واستولى على بلاده ، وأخرج عمال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فبيته فيروز الديلمي فقتله . وأخبر رسولُ الله بقتله ليلة قتل فسر المسلمون وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الغد . وبنو حنيفة قوم مسيلمة الذي تنبأ . وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ أيضاً ثم أسلم وحسن إسلامه . وبعد وفاة رسول ( صلى الله عليه وآله ) كفى الله أمرهم » .

وفى مناقب آل أبي طالب : 1 / 94 : « وأخبَرَ ( صلى الله عليه وآله ) بمقتل الأسود العنسي الكذاب ليلة قتله وهو بصنعاء وأخبر بمن قتله » . راجع : مكاتيب الرسول : 1 / 278 و 270 : كتبه في الردة في قتل الأسود العنسي . والاستيعاب : 2 / 698 والإصابة : 2 / 330 ، الطبقات : 5 / 534 وتاريخ دمشق : 6 / 127 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.