أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-1-2022
3849
التاريخ: 2024-10-19
607
التاريخ: 21-3-2021
2835
التاريخ: 13-2-2022
2111
|
الغاية في تهذيب الأخلاق هو الوصول إلى الخير والسعادة.
والخير إمّا غاية الوجود وهو المطلق أو آلة الوصول إليه وهو المضاف، وهو إما ذاتي الشرف كالعقل والحكمة، أو ممدوح كأنواع الفضائل والأفعال الجميلة، أو خير بالقوّة، وهو الاستعداد لما ذكر، أو نافع في الوصول إليه كالثروة.
والسعادة وصول الشخص بحركته النفسانيّة إلى كماله، فتختلف بالنسبة إلى الأشخاص بخلاف الخير لا شتراك الكل فيه، واختلفوا في اختصاصها بالنفس أو شمولها للبدن أيضاً. فقيل بالأوّل وأنها محصورة في الفضائل الأربع النفسانية، لأن حقيقة الانسان عندهم عبارة عن النفس الناطقة والبدان آلة لها، فلو كان صاحب هذه الفضائل الأربع خامل الذكر ناقص الأعضاء فقيراً ممتحناً بأنواع المحن والبلاء كان سعيداً الا مرضاً يمنع نفسه عن اقتناء تلك الفضائل الأربع كفساد العقل ورداءة الذهن، وفرعوا عليه عدم حصول السعادة الحقيقيّة لها الا بعد مفارقتها عن البدن، وأنّ كدورات الجسمية وأخباث الطبيعة مانعة لها عن انكشاف الحقائق لها كما هو حقّه وقبولها للآثار الحقة والأنوار الالهية وشاغلة لها بالضروريات البدنية والشواغل الجسمية، وبعد المفارقة ترتفع عنها الحجب الظلمانية وتصفو لقبول الأنوار الحقة الربانية.
وقال المعلم الأوّل وأتباعه: بأنّ من السعادة ما يتعلّق بصحّة البدن وسلامة الحواس واعتدال المزاج، وما يتعلّق بالأموال والأعوان حتى يتوصّل بها إلى الكرام والمواساة وسائر الأفعال الموجبة للمدح، وما يتعلق بحسن الحديث وذكر الخير حتى يشيع ثناؤه وإحسانه بين الناس فيرغبوا إليه ويهتدوا به، وما يتعلق بإنجاح المقاصد وحصول المآرب على مقتضى الارادة، وما يتعلّق بجودة الذهن وصحّة الفكر والسلامة عن الخطأ في المعارف الحقّة، فمن حصلت له هذه الخمسة فهو سعيد تام، والا فهو ناقص.
ثم قالوا: يستقبح العقل أن يكون المعتقد للعقائد الحقة المواظب على الخيرات الجامع لأنواع الفضائل الكامل بذاته المكمّل لغيره الموسوم بخلافة الله تعالى المشغول بإصلاح خلق الله تعالى شقيّاً وبمجرّد مفارقة روحه عن البدن يصير سعيداً، بل لها مراتب تحصل تدريجاً بقدر السعي والهمّة إلى أن يصل إلى أقصى مراتبها فيصير سعيداً تاماً وإن كان حيّاً ولا ينحل بمفارقة البدن.
وقال المتأخّرون: السعادة على ضربين:
أحدهما: ما يتعلق بالنفس حال تعلّقها بالبدن، وهو الأدنى، لأنّ لها في هذه الحالة جنبتين روحانية وجسمانية. والثانية كالآلة للأولى، فما لم يستجمع فضائلها لا يتيسّر له اقتناء الفضائل الروحانية، الا أنّ لها أيضاً مرتبتين أدناهما حصول الفضائل الجسمانية لها بالفعل مع الشوق التامّ إلى اقتناء الفضائل النفسانية، وأعلاهما حصول الفعلية والشوق كليهما لها في الفضائل النفسانية، الا أنّ التفاتها إلى تنظيم العالم الجسماني واقتناء فضائله بالعرض.
والثاني: ما يتعلّق بالنفس بعد انقطاعها عنه فهي لاستغنائها حينئذ عن السعادة البدنية لا سعادة لها الا الملكات الفاضلة ومشاهدة الجمال الأقدس والاستغراق في بحار الأنوار الإلهية. والاولى لشوبها بالآلام الدنياوية ناقصة كدرة، ولا يحصل للنفس لاحتجابها بحجاب البدن وتقيّدها بسجن الطبيعة العقل الفعلي والانكشاف التام واللذّة الكاملة الحقيقية الخالية عن الكدورات، ولو حصل لبعض المتجردين عن جلباب البدن مرّ كالبرق الخاطف، بخلاف الثانية، حيث أنّها لخلوصها عن الكدورات المذكورة واتّصالها بعالم القدس يشاهده كما هو حقّه، وهي حينئذٍ سعادة أبدية لا انقطاع لها ولا زوال، فهذه أعلى من المرتبة الاولى، وهن السعادة الحقيقية التامّة، ولا تحصل إلا بعد مفارقة النفس عن البدن.
واعلم أنّ تفسير السعادة بالعشق أو الحبّ أو الزهد أو غير ذلك من الألفاظ المتداولة في ألسن العرفاء وعلماء الشريعة مبني على كونها من آثار المعارف الحقّة والوصول إلى مرتبة الوحدة الصرفة ومشاهدة تلك الحضرة المقدسة، فهي من لوازمها غير المنفكّة عنها، فالسعادة في الحقيقة ليست الا تلك المعارف الحقّة كما فسّرها الحكماء الالهيّون، وانّما وقع التعبير عن الملزوم باللازم مجازاً والمدّعى واحد.
تتميم:
قيل: أول مراتب السعادة أن يصرف الهمّة نحو مصالح نفسه وبدنه من الأمور الحسّية وما يتّصل بهما بتدبير متوسّط بين الافراط والتفريط، وهو في هذه الحالة إلى ما يلزم أن يفعله أقرب ممّا لابدّ أن يتركه.
ثم أن يصرف الهمّة فيما هو أفضل من إصلاح نفسه وبدنه من غير ملابسة للشهوات الدنيوية والتفات إلى المقتضيات الحسيّة الا بقدر الضرورة، ولهذا النوع من الفضيلة مراتب غير محصورة لاختلاف طبائع الناس وعاداتهم ومدارج معرفتهم وفهمهم وشوقهم وعلمهم وصبرهم على المشاقّ وهممهم، وربما كان للبخت والاتّفاق مدخل فيه أيضاً. ثم أن يصرف الهمّة نحو الفضيلة الالهيّة وهي آخر مراتبها، ولها أيضاً مراتب غير محصورة بحسب اختلاف الأشواق والهمم وقوّة الطبع وصحّة العقيدة وهي التشبّه بالمبدأ والاقتداء به في أفعاله، فلا يفعل الا الخير المحض، وغاية فعله نفسه، لأنّ الخير المحض مقصود لذاته، ولا يفعل ما هو كذلك الا لذاته، لكنّه موقوف على أن ينتفي عنه العوارض النفسانية ويصفو عن الشهوات الرديّة، ويمتلأ قلبه من شعائر الله ومعرفته وحبّه والانس به ومشاهدة حضرته والحقائق الحقّة، ويكون ذلك كالقضايا الأولية في نفسه، بل أوضح وألطف وأظهر وأشرف، فلا يبقى في نفسه شيء من جلب نفع أو دفع ضرّ أو غيرهما، فيصير هو في نفسه خيراً محضاً، ولا يطلب الا ما هو كذلك، فيكون ذاته غاية لفعله، وفعله غرضاً بذاته، وإن ترتّبت على فعله فوائد أخرى كثيرة على الغير بالعوض.
تنبيه:
لا بدّ في سعادة المرء من إصلاح جميع صفاته وأفعاله على طريق الاستمرار والدوام، بحيث لا يتغيّر حاله بتغيّرات الأزمان والأحوال، فلا يزول صبره بحدوث النوائب والفتن وورود المصائب والمحن، ولا يقينه بكثرة الشبهات، ولا رضاه وشكره بتواتر البليّات، ولو كان مثل بلاء أيّوب النبي عليه السلام مثلاً، ولا يحصل التفاوت في حاله لكن لا لنقصان فهمه وقلّة إدراكه وعدم إحساسه، بل لكبر نفسه وشهامة ذاته وارتفاع همتّه، فلا يكون لتقلّبات الأدوار فيها تصرّف، بل ربّما خرج بذلك عن تصرّف الطبائع الفلكية والكواكب السماوية، فلا يتأثّر بسعدها ونحسها وقمرها وشمسها وربّما حصلت لهم قوّة على التصرّف في مواد الكائنات وتغييرها عن مقتضى طبائعها كما حصل لسيّد الرسل (صلى الله عليه وآله) من شقّ القمر وردّ الشمس وغير ذلك.
فصل:
اللذّة الانفعالية تنفعل بعروض الأحوال المختلفة لها وتتبدّل بالزيادة والنقيصة بخلاف الفعلية لكونها ذاتية، واللذّات الحسيّة كلها انفعالية لما نرى من تغيرها بالتزايد مع تزايد القوّة الحيوانيّة وضعفها بضعفها إلى أن ينتفي بالمرّة فتصير بنفسها آلاماً، واللذّة الفعلية المترتبة على السعادة ذاتية عقلية إلهية، فلا زوال لها ولا اضمحلال، مع انّ اللذّات الحسيّة ليست لذّات حقيقيّة، بل هي رفع آلام، ولو كانت لذّات فلا شكّ في كونها محفوفة بالمكاره والآلام غير المحصورة، كما قال سيّد الساجدين عليه السلام: ((عجبت من قوم يطلبون الراحة في الدنيا مع أنّها مخلوقة في الآخرة)) (1).
وأيضاً فإنّ اللذّة إدراك الملائم والنفس لتجرّدها إنّما تميل إلى المجرّدات من سنخها من الأمور العقلية والأنوار العلميّة ومشاهدة الذوات المجرّدة وهي لا تفنى بفناء البدن، وكذا ما يلائمها فلذّتها دائمة أبدية، بخلاف اللذّات الحسيّة لاستنادها إلى الجسمانيّات الفانية فهي زائلة فانية.
وللشيخ الرئيس هنا كلام يؤكّد ويوضح ما أدرجناه في بحث السعادة من أوّله إلى هنا.
قال في الشفاء: يجب أنّ يعلم أن لكلّ قوّة نفسانيّة لذّة يخصها وخيراً، وأذى يخصّها وشراً، فلذّة الشهوة وخيرها أن يتأدّى إليها كيفية مخصوصة ملائمة للحمية (2)، ولذّة الغضب الظفر، ولذّة الوهم الرجاء، ولذّة الحفظ تذكّر الأمور الموافقة الماضية، وأذى كل واحد منها ما يضاده، ويشترك كلها نوعاً من الشركة هي أنّ الشعور لملائمها وموافقها (3) هو الخير، واللذّة الخاصّة بها وموافق كلّ واحد منها بالذات والحقيقة حصول الكمال الذي هو بالقياس إليه كمال بالفعل.
وأيضاً فهذه وإن اشتركت في هذه المعاني فإنّ مراتبها في الحقيقة مختلفة، فالذي كماله أدوم وأتمّ، والذي كماله أكثر والذي كماله أوصل إليه، والذي هو في نفسه أكمل وأفضل، والذي في نفسه أشدّ إدراكاً، فاللذّة التي له أبلغ وأوفر.
وأيضاً فإنّه قد يكون كمال ما بحيث يعلم أنّه كائن ولذيذ ولا يتصوّر كيفيّته ولا يشعر باللذّة، ومالم يشعر لم يشتق، ولم ينزع نحوه مثل العنّين، فإنّه متحقّق عنده أنّ للجماع لذّة ولكنّه لا يشتهيه، ولا يحنّ نحوه، وكذلك حال الأكمه عند الصور الجميلة، والأصم عند الألحان المنتظمة. وربّما يتيسّر للقوّة الدرّاكة وهناك مانع أو شاغل للنفس فتكرهه وتؤثر ضدّه مثل كراهة بعض المرضى الطعم الحلو وشهوتهم الطعوم الرديّة ـ إلى أن قال ـ: وقد تكون القوّة الدرّاكة ممنوّة بضدّ ما هو كمالها، ولا تحسّ به ولا تنفر عنه حتى إذا زال العائق عنها تأذّت به كلّ التأذّي مثل الممرورين، فربما لم يحسّ بمرارة فمه إلى أن يصلح مزاجه فحينئذٍ ينفر عن الحالة العارضة له، وقد يكون الحيوان غير مشته للغذاء وهو أوفق شيء له بل كارهاً له، ويبقى عليه مدّة طويلة فإذا زال العائق عاد إلى واجبه في طبعه فاشتدّ جوعه وشهوته للغذاء حتّى لا يصبر عنه أو يهلك عند فقدانه، وكذلك قد يحصل سبب الألم العظيم مثل إحراق النار وتبريد الزمهرير، الا أنّه يحسّ البدن آفة (4) فلا يتأذّى البدن به حتّى تزول الآفة، فيحسّ حينئذٍ بالألم العظيم. ثمّ قال: إذا تقرّرت هذه الأصول فنقول:
إنّ النفس الناطقة كمالها الخاص بها أن يصير عالماً عقليّاً مرتسما فيها صورة الكلّ والنظام المعقول في الكلّ والخير الفائض في الكل مبتدءاً من مبدأ الكل وسالكاً إلى الجواهر الشريفة التي هو مبدأ لها (5)، ثم الروحانيّة المتعلّقة نوعاً بالأبدان، ثمّ الأجسام العلويّة بهيئاتها وقواها، ثم كذلك حتّى تستوفي في نفسها هيأة الوجود كلّه فتصير عالماً معقولاً موازياً للعالم الموجود كلّه، مشاهدة لما هو الحسن المطلق والجمال الحق ومتّحدة به منتقشة بمثاله وهيأته، منخرطة في سلكه صائرة إلى جوهره، فليقس هذه بالكمالات المعشوقة للقوى الأخر، فتجد هذا في المرتبة بحيث يقبح أن يقال: إنّه أفضل وأتمّ منها، بل لا نسبة لها إليه بوجه من الوجوه تماماً وفضيلة وكثرة، أمّا الدوام فكيف يقاس الدوام الأبدي بدوام المتغيّر الفاسد، وأمّا شدّة الوصول فكيف يقاس ما وصوله بملاقاة السطوح مع ما هو سارٍ في جوهره حتى يكون بلا انفصال، إذ العقل والعاقل والمعقول واحد، وأمّا المدرك في نفسه فالأمر لا يخفى (6).
ثم قال: ولكنّا في حال كوننا في البدن وانغماسنا في الرذائل لا نحسّ بتلك اللذّة، إذا حصل عندنا شيء من أسبابها، ولذلك لا نطلبها ولا نحنّ إليها، اللّهمّ الا أن يكون قد خلعنا ربقة الشهوة والغضب وأخواتهما عن أعناقنا وطالعنا شيئاً من تلك اللذّة، فحينئذ ربّما نتخيّل منها خيالاً طفيفاً ضعيفاً خصوصاً عند انحلال المشكلات واستيضاح المطلوبات النفسيّة والتذاذنا بذلك شبيه بالالتذاذ الحسيّ من المذوقات اللذيذة بروائحها من بعيد، وأمّا إذا انفصلنا عن البدن وكانت القوة العقلية بلغت من النفس حدّاً من الكمال الذي يمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الاستكمال الذي لها أن تبلغه كان مثلنا مثل الخدر الذي أذيق المطعم الألذّ وتعرّض للحالة الاشهى وكان لا يشعر به فزال عنه الخدر وطالع اللذّة العظيمة دفعة فتكون تلك اللذّة لا من جنس اللذّة الحسّية الحيوانية، بل لذّة تشاكل الأحوال الطيّبة التي للجواهر المحضة [وهي] أجل من كلّ لذّة وأشرفها، وهذه هي السعادة.
ويجب ألّا يتوهّم العاقل أنّ كل لذّة فهو كما للحمار في بطنه وفرجه وأنّ المبادئ الاولى المقرّبة إلى ربّ العالمين عادمة للذّة والغبطة، وأنّ ربّ العالمين ليس له في سلطانه وعظمته وخاصيّته البهاء الذي له وقوّته غير المتناهية أمر في غاية الفضيلة والشرف والطيب نجلّه عن أن نسميّه لذّة، وللحمار والبهائم حالة طيّبة ولذّة، كلّا، بل أيّ نسبة تكون لذلك مع هذه الخسيسة، ولكنّا نتخيّل هذا ونشاهده ولم نعرف ذلك بالاستشعار بل بالقياس، فحالنا عنده كحال الأصمّ الذي لم يسمع قط ولم يتخيّل اللذة اللحنيّة. انتهى(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار: 73 / 92 مع اختلاف يسير.
(2) كذا، وفي المصدر: «كيفيّة محسوسة ملائمة من الخمسة».
(3) كذا، وفي المصدر: في أنّ الشعور بملائمتها وموافقتها.
(4) كذا، وفي المصدر: الا أنّ الحسّ مؤوف.
(5) كذا، وفي المصدر: مبتدأة من مبدأ الكلّ، سالكة إلى الجواهر الشريفة الروحانيّة المطلقة ثم ...
(6) كذا، وفي المصدر: وأمّا أنّ المدرك في نفسه أكمل فأمر لا يخفى.
(7) إلهيّات الشفاء: المقالة التاسعة، الفصل السابع في العاد. مع تقديم وتأخير، وقد كانت بعض العبارات مشوّشةً صحّحناها من المصدر.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|