أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-03
590
التاريخ: 2024-09-22
336
التاريخ: 2024-09-28
404
التاريخ: 2023-10-03
898
|
واشمأز أوريجانيوس ونفر من ديمتريوس بطريرك الإسكندرية، فخرج منها في السنة 232 وأَمَّ قيصرية فلسطين المدينة التي رحبت به من قبل وأصغتْ إليه وسامتْه كاهنًا مسيحيًّا، فأقام فيها وأسس مدرسة جديدة، وقرأ عليه فيها غريغوريوس العجائبي وأخوه اثينادوروس ويوسيبيوس المؤرخ وغيرهم، وفيها جمع مكتبته الشهيرة وصنف الهكسبلة في شرح الأسفار المقدسة، ومنها خرج لزيارة آثينة سنة 240 وبلاد العرب سنة 244، وفيها أذاقه داقيوس الإمبراطور مُرَّ الاضطهاد (250) فخرج منها رغم أنفه وسِيقَ إلى صور؛ حيث سُجن وتُوُفي في السنة 254 أو 255. وبعد أوريجانيوس أمَّ قيصرية بمفيليوس البيروتي، وكان هذا قد وزَّع أمواله على الفقراء والمساكين ورحل إلى الإسكندرية، فدَرَسَ فيها على خلف أوريجانيوس، ثم استوطن قيصرية فلسطين وأنشأ فيها مدرسة لتدريس العلوم الدينية، وجمع ما كان قد تَبَعْثَرَ من كُتُب أوريجانيوس ونسخ ما لم يتمكن من ابتياعه منها بخط يده، وكان يستنسخ الكتب الإلهية مستندًا إلى ما أَوْرَثَه إياه أوريجانيوس، فينثرها في البلاد نثرًا، وكان يوسيبيوس تلميذَه يعاونُهُ في عمله هذا على ما تشهد به بعضُ النسخ. وممن اشتهرتْ بهم قيصرية فلسطين يوسيبيوس المؤرخ، ولد يوسيبيوس في قيصرية أو في مكانٍ قريبٍ منها، في حدود السنة 265، وقرأ العلم على بمفيليوس البيروتي وعلى دوروثاوس الأنطاكي، واتخذ بمفيليوس خدينًا له وتَسَمَّى باسمه وتقلَّد الكهنوت من يد سلفه الأسقف أغابيوس، وسيم أسقفًا على قيصرية في حدود السنة 313، ووعى علوم زمانه فبرع — بحسب مقياس ذلك العصر — في تاريخ الأسفار المقدسة وفي تاريخ الوثنية وتاريخ الشرق القديم وفي الجغرافية والفلسفة والفَلَك وحساب التقويم، فشرح أشعيا والمزامير وغيرها. وحسب لعيد الفصح مع ما في ذلك من عقد ومشاكل، وعرف جغرافية فلسطين وتاريخها معرفة جيدة، فتمكن مِن إرشاد الحجاج الذي بدئوا منذ عهده يزورون الأماكن المقدسة، وكان خطيبًا حَسَنَ اللفظ أنيق اللهجة فصيحًا بليغًا. ومن مواقفه الخطابية المأثورة خطبته في مجمع نيقية، وذاع صيته فحظي عند قسطنطين بمكانة سَنيَّة وأعد لهذا الإمبراطور خمسين نسخة من الكتاب المقدس بناءً على طلبه. وكان يوسيبيوس من المنتصرين لأوريجانيوس، وقد وافق آريوس في أسلوبه دون نظرياته، ومما يستدعي الأسف أنه بعد ما وقَّع أعمال المجمع النيقاوي واطأ خصوم هذا المجمع على مقاومة أُصُوله، فشارك الآريوسيين في مجامعهم وعدَّه بعضهم من أنصاف الآريوسية مع أنك لا تجدُ في تاريخه البيعي وكتابه الظهور الإلهي إلَّا إجهارًا صريحًا للاهوت السيد المسيح (1). وتعددت مصنفاتُ يوسيبيوس؛ لأنه ظل يكتب حتى الثمانين، ومصنفاته تشكل محاولة جبارة لإحلال النصرانية المَنْزِلَة اللائقة بها، وللرد على مَن استخف بها وطعن فيها أمثال بورفيريوس الفيلسوف، فالنصرانية في نظر يوسيبيوس قُدِّر لها — منذ الأزل — أن ترث الأرض وما نشأ عليها مِنْ حضارة، وما تمَّ السلم الروماني في عهد أوغوسطوس إلا ليمهِّد السبيل للرسل في عملهم التبشيري، وبورفيريوس لم يضع ضد النصرانية تصانيفه اﻟ Historia واﻟ Philosophos إلَّا ليفسح في المجال ليوسيبيوس أن يعد مؤلفه الكبير Historia Ecclesiastica وكذلك خرونيقون بورفيريوس أفسح المجال أيضًا لخرونيقون أوسع وأكبر لتمجيد النصرانية. وقد بدا يوسيبيوس خرونيقونه بسيرة إبراهيم ولم يتجاوزها إلى الخليقة كما فعل يوليوس أفريقانوس، وخص القسم الأول منه بأهم الحوادث في تاريخ الشعوب بالغًا في ذلك إلى السنة 325. ثم جعل من القسم الثاني جداولَ متوازية تَشتمل على أَهَمِّ الحوادث مرتبةً حسب سني وقوعها، وما قصده من وراء ذلك إلا أن يورد حوادثَ معينة وقعت في أماكنَ مختلفة في وقتٍ واحدٍ، ثم يَستعملها لتأييد نظريته في أن هذه الحوادث إنما تلازمتْ في الزمن واختلفتْ في المكان لتتم بها غايةُ الخالق. وأهم ما حدث من هذا القبيل — في نظره — وقوعُ إحصاء كويرينيوس في عين الوقت الذي وُلد فيه المسيح، ومما أَثْلَجَ صَدْرَ يوسيبيوس أَنَّ موسى سبق هوميروس وأن حوادث التوراة جاءت أساسًا سابقًا لغيرها من حوادث العالم القديم، ولا يزال خرونيقون يوسيبيوس مرجعًا حتى يومنا هذا لتعيين تواريخ قسم كبير من حوادث الرومان واليونان. ووضع يوسيبيوس اﻟ Praeparatio ليظهر أباطيلَ الوثنية وأضرارها، وليبين تَفَوُّق التوحيد العبري عليها، ثم صنف اﻟ Demonstratio Evangelica ليرد التهمة التي وجهها اليهود إلى النصارى في قولهم: إن هؤلاء إنما تَهَوَّدُوا ليخرجوا على اليهودية، فهو يرى في اﻟ Demonstratio أَنَّ شرائع موسى إنما أُنزلتْ لتكون حلقةَ وصل بين عهد البطاركة الأولين وعهد المسيح، ولم يكن التثليثُ في نظره وما يتبعه من خلاص سوى تتمة طبيعية لعقيدة اليهود ونبوات الأنبياء مع إيضاح كامل لبعض ما جاء غامضًا ناقصًا في الفلسفة الأفلاطونية. وبعد أن طهَّر يوسيبيوس عقول قُرائه من أدران الوثنية، وأبان قدم عهد النصرانية ومكانتها في تاريخ العالم وسمو منزلتها في منهاج الخالق؛ وضع تاريخًا خاصًّا للكنيسة Historia Ecclesiastica منذ ظهور السيد ليبين أمانتها لتعاليمه وأنها واسطةٌ لخلاص الأنفُس من الخطيئة، وما عذاب اليهود في نظره وتشردهم بعد ظهور السيد سوى برهانٌ ساطعٌ على تَخَلِّي الخالق عنهم، ولم تحبط مساعي الأباطرة مضطهدي النصرانية في نظر هذا المؤرخ إلا بقوة الإيمان وعظمتِهِ، وما انتصار قسطنطين على مكسنتيوس أولًا وعلى ليكينيوس ثانيًا سوى إتمامٌ ساطعٌ باهرٌ لوعود الله — عزَّ وجلَّ(2). وفي هذا القرن اشتهر عددٌ من المؤرخين غير يوسيبيوس، فكان سقراط القسطنطيني الذي أكمل عمل يوسيبيوس ﺑ Historia Ecclesiastica أخرى أوصل فيها تاريخ الكنيسة إلى السنة 439، وكان أيضًا صوزومانيوس الغزِّي فألف كتابًا مماثلًا وقف فيه عند السنة 439، وثيودوريطس القورشي الذي سبقتْ إليه الإشارةُ وإلى تاريخه، وهو يعنى بالمدة بين السنة 325 والسنة 429.
.......................................
1- واللفظ لغبطة البطريرك إغناطيوس برصوم في كتابه: الدرر النفيسة، ج1، ص459-460.
2- Patrologia Graeca, CXLVI; Laquer, R., Eusebius als Historiker seinre Zeit; Baynes, N. H., Eusebius and the Christian Empire, (Ann. de l’Inst. de Phil. et D’Hist. Orient. II, 1934).
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
بالتعاون مع العتبة العباسية مهرجان الشهادة الرابع عشر يشهد انعقاد مؤتمر العشائر في واسط
|
|
|