أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-08
531
التاريخ: 9-7-2021
2361
التاريخ: 2023-07-27
1541
التاريخ: 2023-04-30
2056
|
إن كمال الشكر هو في إظهار العجز عنه؛ كما أن نبي الله داوود (عليه السلام) ، في معرض جوابه على خطاب الله حين قال تعالى له: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ:13]، قد سأل ربه "كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك؟!" قال الباري: "الآن قد عرفتني وشكرتني، إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة" (1) وعندما قال موسى الكليم (عليه السلام) مخاطباً ربّه: "كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازى بها عملي كله؟!"، فأوحى الله إليه: "يا موسى الآن شكرتني" (2)؟
إن الذي يستطيع أن يبلغ حقيقة الشكر هو ذلك الشخص الذي:
أولاً: يلتفت إلى فقره وعجزه وضعفه.
ثانياً: يلتفت إلى أنواع النعم والفيوض المُفاضة عليه من جانب ربه؛ كأصل الوجود والكمالات التالية له، كالأذن بها الأصوات، والعين التي يبصر بها الوجوه، والفؤاد الذي يدرك به المسائل: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]، مضافاً إلى الأنواع من التأييدات والنصر التي يوليها الله تعالى في حوادث الحياة ونوازلها المختلفة، والأرزاق والطيبات التي يجعلها من نصيبه طيلة عمره: {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26] ، {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15]
ثالثاً: يستعمل أنعم الله في سبيل فلاحه وسعادته كي لا تبدل إلى نقمة وشر وعقوبة، ويعلم أن الهداية التكوينية الإلهية هي عامة وأن مائدة آلاء الله معدة للجميع. فهذا الإنسان هو حسب نمط مواقفه، إما أن يكون عارفاً بالحق شاكراً له، وإما غير شاكر له كفوراً به: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]
رابعاً: يشكر الله تعالى ويقدره ويجله في مقام اللفظ واللسان أيضاً ممّا مدعاة لازدياد النعمة والرحمة وموجب لجلب اللطف والمرحمة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، ويؤدي حق العبودية: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:66]. وعلى الرغم من أن المعرفة القلبية، والخضوع الباطني، والخشوع الجوارحي، والإنفاق الفعلي للنعمة على درب رضا الله تُعد شكراً، إلا أن الأمر الموجه لنا هو أن لا نتقاعس عن الإظهار اللفظي، وإذا أردنا أن نقدم نموذجاً مختصراً عن أفضل التعابير وأكثرها جامعيّة في إظهار الشكر فيمكننا تقديمه بهذه الصورة:
أ: جملة "الحمد الله"؛ بالالتفات إلى أن الشكر هو ذات الحمد وأن اختلاف الإثنين يكمن أحياناً في أن الحمد هو في مقابل مطلق أنماط الحسن الاختيارية سواء ما كان على هيئة نعمة أو لم يكن، وسواء ما كان نعمة في حق الشخص الحامد أو نعمة في حق غيره، في حين أن الشكر هو في مقابل حسن النعمة المُنعم بها على الشاكر خاصة.
عن حماد بن عثمان قال: خرج أبو عبد الله الله من المسجد وقد ضاعت دابته فقال: "لئن ردها الله عليّ لأشكرت الله حق شكره" قال: فما لبث أن أتي بها، فقال: "الحمد الله". فقال له قائل: جعلت فداك، أليس قلت: لأشكرت الله حق شكره؟ فقال أبو عبد الله: "ألم تسمعني قلت: الحمد الله" (3).
بالطبع إن إدراك تمام الحمد، وإحضار تلك الأمور في الذهن، واعتبارها جميعاً من مختصات الله تعالى هو يحتاج إلى معرفة كاملة.
ب: طبقاً لرواية المحدث القمي فإن قول: "شكراً لله" بعد الفريضة حال السجود يُعد شكراً على التوفيق لأداء الفريضة، ومن شأنه تدارك نقائص الصلاة مما لم يُتدارك بالنوافل (4).
ج: إن جملتي: "بسم الله" و "الحمد الله" اللتين عدتا في حديث الرسول الأكرم معياراً لكون النبي نوح "عبداً شكوراً " حيث لم يكن يحمل شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا ونطق بهاتين الجملتين: "كان نوح لا يحمل شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا قال: الله والحمد لله، فسماه الله {عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]. بطبيعة الحال مع الالتفات إلى الحصر واستيعاب جميع الأفراد والإحاطة العلمية بها جميعاً، كما قد مرت الإشارة إليه.
د: عبارة: "اللهم إني أشهدك أنه ما أمسى وأصبح بي من نعمة أو عافية في دين أو دنياً فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا المروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) والتي تعد المعيار على كون نبي الله نوح (عليه السلام) شكوراً (5).
كما أنه من المناسب الإلفات إلى بضع نقاط أخرى في الشكر:
1. كما قلنا مسبقاً فإنّه لا يختص الشكر بالأنعم الظاهرية والمادية بل إنه مثلما يشمل النعم الظاهرية، كالأعضاء والجوارح والحواس البدنية: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ونظير الكواكب والهواء والماء والجمادات والنباتات والحيوانات والثمار وغير ذلك: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172]، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46]، فهو يشمل كذلك الآلاء الباطنية والمعنوية، كالعقل والروح والقوى والحواس الباطنية التي تندرج تحت عنوان "الأفئدة" في الاية: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، ونظير الهداية والتوفيق الإلهيين، وبعثة الأنبياء، وإنزال الكتب والمعرفة والحكمة والإفاضات الروحانية، كما في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:12]، {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]
2. للشكر - كما للإيمان وبعض الموضوعات الدينية والعقائدية الأخرى - مراتب ثلاث: الشكر القولي"؛ أي تعظيم النعم الإلهية باللسان، و"الشكر القلبي" والخضوع الباطني في مقابل المنعم، والامتنان له والشعور بالخجل تجاهه جراء ما أولى من النعم، و"الشكر العملي"؛ وهو إنفاق النعم الإلهية في سبيل الطاعة والعبوديّة وعدم جعل العدو ضيفاً على مائدة الصديق.
3. عودة الشكر وآثاره بالنفع على الإنسان ذاته، كما في قوله: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40] ، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]؛ فكما أن روح الإنسان الشاكر تصيب الرشد والسعة، ولهذا نرى أن القرآن الكريم، وبدلاً من أن يقول: "لئن شكرتم لأزيدن نعمكم، فهو يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، أي إنني أزيدكم أنتم أنفسكم وأضفي المزيد على سعة وجودكم (وذلك لأن الشكر ملازم للخضوع والخشوع وإن أسمى مراتب كمال الإنسان ما هي إلا أعلى مراتب خضوعه وعبوديّته في الساحة الإلهيّة)، نقول فكما أن روحه تصيب ذلك فإن نعمه أيضاً تزداد: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. وخلاصة الأمر فإنه من الممكن تفسير جملة: {لأزيدنكم} من دون حذف التميز، ومع حذفه أيضا.
4. إن شكر العبد يكون مشفوعاً ب "شكر المولى"؛ أي عندما ينجز العبد عملاً عن إخلاص، ويهديه إلى حضرة المولى بدافع التعظيم والإجلال، وبعنوان الخدمة والعبوديّة، فإن المولى يقبل هديته ويمنحه في مقابل هذا العمل الصالح - الكفاية في صلاحه ومصلحته؛ كما تقول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام): "من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عز وجل له أفضل مصلحته" (6).
من أجل ذلك فإن أحد أسماء الله الحسنى هو "الشاكر": {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى:23]، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30]
5. ان مقدار فضيلة الإنسان وكرامته لا تقاس بما أوتي من بل إن جميع النعم المعنويّة مثل كون المرء مستجاب الدعوة، وسيطرته على الريح والجن والملك والطيور، وجعلهم جميعاً تحت إمرته، وانكشاف عالم الملكوت له وشهوده، ورفع حجب عالم الملك عن ناظره، هي من أجل امتحانه وابتلائه واختبار درجة شكره ليس إلا، وليس لها إطلاقاً أن تكون مدعاة للفخر ومعياراً لعلو الشأن؛ مثلما أن ما قصرت عنه يد المرء من أمور فهي ليست بدليل على تدني مقامه وتخلفه عن الركب، بل فقط من أجل قياس مستوى استقامة الإنسان وثباته.
فالإنسان الأرقى هو ذلك الذي لا تغره العطايا والمواهب الإلهية، بل تزيد وتضاعف من خضوعه تجاه المنعم المعطي وشكره له. من هنا فإن سليمان النبي (عليه السلام) يقول في كل ما أوتي من جلال وعظمة: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40]، فكل هذا الملك والسلطان هو مجرد فضل من جانب إلهي وبارئي كي يبلوني إن كنت شاكراً أم كفوراً. وقد مرّ في بحث البلاء والابتلاء أنّه في ذات الوقت الذي من الممكن أن تكون فيه جميع نعم الدنيا علامة على التكريم والإعزاز من الله، فإن محورها الأساسي هو الامتحان الإلهي وإن آلاء الجنة فقط التي تمتاز بالبعد التكريمي المحض.
6. الشكر هو بمعنى الظهور، وشكر النعمة هو إظهارها في المسير الصحيح. فسرور المتنعم يكون تارة ببلوغ النعمة، وتارة بإنعام المنعم، وثالثة بذات المنعم والشكر يظهر أحياناً في المعرفة، وأحياناً أخرى في الحالة، وأحياناً ثالثة في العمل. أما الشكر الجامع فهو الذي يحتوي على جميع تلك المراحل. وقد يفسر الشكر أحياناً بلحاظ الأشخاص، فيترجم الشكر لمن هو أعلى وأسمى بالطاعة وللمماثل والمساوي بالمكافأة والمقابلة بالمثل، ولمن هو أدنى بالإحسان والتفضل (7).
7. إن القضية المهمة في مسألة الشكر هي: هل إن شكر الخلق في مقابل إحسانهم أمر مستساغ أم لا؟ يذهب المحققون إلى أن التأدب بأدب الله وأدب رسوله يقتضي تصحيح وتجويز شكر المخلوق المحسن؛ وذلك لأن الموحد المبتدئ يكون محجوباً عن شهود الخلق عند مشاهدة الحق، بينما لا يكون الموحد الكامل محجوباً عن الحق عند الانغماس في الكثرة، ولا يكون محجوباً عن الخلق بسبب الاستغراق في الوحدة. والأحاديث المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) تسوّغ شكر المخلوق المحسن وترغب فيه بعنوان كونه مجرى الفيض ومظهر الإحسان الإلهيين (8).
8. يقول البعض في الفرق بين الحمد والشكر: إن الحمد هو من أشباه التسبيح والتهليل، فهو من الأذكار أما الشكر فهو من قبيل الأخلاق، كالصبر والرضا. إلا أن للحمد مراتب أيضاً قد سبقت الإشارة إليها؛ وأن للشكر مراحل كذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 374.
2. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 374.
3. الكافي، ج 2، ص 97؛ وبحار الأنوار، ج 68، ص 33.
4. راجع "الباقيات الصالحات في حاشية مفاتيح الجنان، مبحث سجدة الشكر.
5. سورة الإسراء، الآية 3: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُورا}.
6. الدر المنثور، ج5، ص 236.
7.علل الشرائع، ج 1، ص 42؛ وبحار الأنوار، ج83 ، ص251.
8. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج2، ص 108؛ وبحار الأنوار، ج67، ص249.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|