أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2016
2605
التاريخ: 2-2-2016
6255
التاريخ: 16-5-2017
5195
التاريخ: 15-5-2017
18333
|
اذا كان الاقرار لا يصدر الا من الشخص المتهم ، فينبغي لنا اولاً معرفة من هو (المتهم) قبل البدء بالبحث، فالمتهم هو : ( كل شخص توافرت ضده دلائل كافية تفيد ارتكابه جريمة او مساهمته فيها اصلية كانت او تبعية ) ، لذلك يستبعد الشخص المعنوي من نطاق الدعوى الجزائية لان ارتكاب الجريمة يتطلب نشاطاً ارادياً لا يتصور صدوره الا عن شخص طبيعي اهلا لمباشرة الاجراءات الجنائية ضده ، فالشخص المعنوي هو مجاز قانوني محض مجرد من الكيان المادي على وجه يستحيل اسناد الجريمة مادياً اليه ، ومجرد من الارادة ومن ثم يستحيل اسناد الجريمة معنوياً اليه (1) .
اما الاقرار فهو : ( اقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها ، فهو عمل ارادي ينسب به المتهم الى نفسه ارتكاب وقائع معينة ممن تتكون به الجريمة ) (2). ونرى من هذا التعريف وعلى الرغم من انه قد جاء مفصلاً ، الا انه اغفل ذكر مكان صدور الاقرار الذي يجب ان يكون امام القضاء ، حتى يسمى اقراراً بالمعنى القانوني .
ويعرف ايضاً ( اقرار المتهم على نفسه في مجلس القضاء ، اقراراً صادراً عن ارادة حرة بصحة التهمة المسندة اليه ، وهو بهذا المعنى متى اطمأنت المحكمة الى صدقه فهو من غير جدل سيد الادلة في التطبيق القضائي )(3)
وهذا التعريف انسب وافضل من قبله كونه جاء مفصلا .
ويمكن للباحث تعريف الاقرار بأنه : ( اقرار المتهم بكامل ارادته المعتبرة قانوناً امام القضاء بما فعل او امتنع خلافاً للقانون) .
و الاقرار يعني اقوال المتهم ضد نفسه ، اما الادلاء فتعني اقوال المتهم لصالحه .
ويخضع الاقرار لتقدير القاضي شأنه شأن باقي الادلة ، فيمكن ان يأخذ القاضي بالإقرار وحده وفقاً لأحكام المادة (213/ج) والمادة (181) الاصولية ، بأن تكتفي باعتراف المتهم والحكم عليه بغير سماع الشهود ، اذا اقتنعت بصحة اعترافه ، دون الحاجة الى استماع شهادة الشهود
او أي دليل آخر، على انه يجوز للمحكمة ان لا تستمع الى شهود دفاع المتهم بعد اعترافه ولكنها ملزمة أن تستمع الى دفاعه ، فلعلها تكتشف عن ظروف مخففة تؤثر في مقدار العقوبة(4) . ولا يتفق الباحث مع صياغة المشرع في المادة (217 /أ) الاصولية التي تنص على : ( للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير اقرار المتهم والاخذ به ...الخ) ، وان اشكالنا عليه هو في كلمة ( مطلقة ( كونها تتعارض مع مبدأ المشروعية الجزائية وقاعدة ( الشك يفسر لمصلحة المتهم ( من جهة ، كما ان سلطة القاضي مقيدة بنصوص المواد القانونية الأخرى كالمادة (213) من القانون نفسه والتي اشارت الى ( تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها (.. من جهة اخرى ، فكان من الاجدر بالمشرع ابدالها بـ للمحكمة سلطة واسعة ..
وتأييداً لذلك قررت الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية : ( ان المتهم رجع عن اعترافه امام محكمة الموضوع مسبباً ذلك الى الضغط والاكراه مما يجعل الادلة والوقائع بالشكل المتقدم يشوبه الشك وعدم الاطمئنان وعلى وجه الخصوص ان عقوبة الجريمة الاعدام وان الادلة في مثل هذه الجريمة يجب ان تبنى على الجزم واليقين ...)(5)
ويثار تساؤل: هل يشترط ان يكون المقر وقت اقراره متهماً بارتكاب الجريمة ؟
الاجابة نعم يشترط ذلك ، فالشاهد الذي يقر بارتكاب الجريمة في اثناء الإدلاء بشهادته لا يعد ما صدر منه اقراراً بالمعنى القانوني ، لأنه وقت صدور هذا الاقرار لم يكن اهلاً له ، او لم تتوافر فيه الاهلية اللازمة للإقرار بارتكابه الجريمة ، وهي ان يكون متهماً بارتكابها ، وقد اوجب القانون توافر بعض الاشكال ضماناً لتحديد صفة المتهم ، وهي اثبات شخصيته وأحاطته علماً بالتهمة المنسوبة اليه (6) .
كما افترض براءة المتهم حتى تثبت ادانته على نحو يقيني ، وافادة المتهم من اي شك يساور المحكمة حول ذلك الطابع وتعمل هذه القرينة كعامل لصالح المتهم يخفف من وطأة انعدام التكافؤ في موقفه امام الدولة (7).
(وتأييداً لذلك قررت محكمة التمييز الاتحادية نقض قرار محكمة الجنايات بالدعوى المرقمة لأنه غير صحيح ومخالف للقانون وبني على خطأ في تقدير الادلة ذلك ان المتهم اعترف تحقيقاً بتوافر الضمانات القانونية بالتهمة المسندة له وتأييد ذلك بالتقرير الاستخباري ضده وان الادلة ضده بالوصف المتقدم كافية ومقنعة للتجريم والحكم عليه وآذان محكمة الجنايات قد حسمت الدعوى خلاف ذلك لذا قرر نقض القرار ...) (8).
ومن الاهمية بمكان مراعاة الدقة في استعمال لفظ المتهم لأن ذلك يعنى تحريك الدعوى الجزائية ضده، فمثلاً اذا قبض على احد الاشخاص متلبساً بارتكاب جريمة من نوع جناية أو جنحة، عُدّ ذلك تحريكاً للدعوى الجزائية ضده (9).
وقد يثير البحث التساؤل عما اذا ميز المشرع الاجرائي المتهم في ادوار التحقيق او المحاكمة ؟ من ذلك التمييز ؟
الفائدة وماهي وبالرجوع الى قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ، نجد ان المشرع لم يُميز المتهم في مراحل الدعوى الجزائية، خلافاً للقانون الفرنسي، الذي ميز المتهم في مرحلة التحقيق الذي سماه ( inculpe) والمتهم المحال امام محكمة الجنح والمخالفات وسماه ( prevenu) والمتهم المحال امام محكمة الجنايات وسماه ( accuse) (10).
ويرى الباحث ان المشرع الاجرائي العراقي لم يكن موفقاً عندما لم يمييز بين المتهم و بين المشتبه به ولا سيما وان الدعوى الجزائية تمر بمراحل يتغيّر فيها صفة المتهم ، أولها الشبهة او الظن المقترن بالأسباب المعقولة ، ومن ثم الدلائل الكافية ومن ثم الاقتناع بالأدلة الكافية وبالمقابل هناك مبدأ دستوري لا يمكن هدره بمجرد شكوى او اخبار ربما يكون كيدياً وهو (البراءة) ، لما لذلك اهمية تبرز من ناحية صحة الاجراءات المتخذة ضده من جهة ، وحفظ ماء وجهه وسمعته قبل نعتة (المتهم) لما لهذه الصفة من وقع سيئ في النفوس من جهة اخرى ، فالأفضل تسميته بـ( المشكو منه ، وهذا ما سارت عليه محاكم التحقيق عملياً عند ورودها اخبار او شكوى . وتأييدا لذلك قررت محكمة جنايات البصرة بصفتها التمييزية وبعد التدقيق والمداولة نقض القرار المميز لأنه غير صحيح ومخالف للقانون ذلك ان ( المشكو منه ) ... الخ (11).
ويرى الباحث : ان المشكو منه لا يكون متهماً الا اذا جرى تكييف فعله وفقاً لمادة قانونية عقابية او اجرائية بدلالة مادة عقابية ولكن لا يجوز ابداً تكييف فعله وفقاً لمادة اجرائية فقط ، فلا يجوز اصدار مذكرة قبض وتحري بحقه وفقاً لأحكام المادة (59/ج)(12) او (97) (13) او (1/119) الاصولية فقط ، لأنها مواد اجرائية وليست عقابية ، والصحيح ان يصدر الأمر وفق احكام المادة (238 ق ع ع ) (14) ، او وفقاً لأحكام المادة (240 ق ع ع ) (15)وبدلالة احكام المادة الاجرائية استنادا الى شرعية الجرائم والعقوبات في احكام المادة ( 19 /ثانيا ) (16). من الدستور العراقي النافذ .
و ان ذلك التمييز في قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي ، يقتصر على الاصطلاحات من دون ان يمتد الى تحديد من هو المتهم سواء أمام مرحلة التحقيق او المحاكمة ، فهو الشخص الذي رفعت عليه الدعوى الجزائية، ولكن يدق الامر صعوبةً في مرحلتي جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي ، ويتعين التمييز بين المتهم وبين المشتبه به في تلك المراحل ، والفرق بين الاثنين هو في قيمة الشهادة او الادلة المسندة إلى المتهم ، فإذا وصلت الى حد الشك ، في اسناد التهمة اليه كان متهماً ، اما اذا كانت من الضعف والبساطة باذلا يرجح معها الاتهام كان الشخص موضع الاشتباه (17)
ولاشك ان هذا المعيار موضوعي بحت ، فمن الناحية القانونية لا يُميز القانون الا بين المتهم والشاهد، فإذا كان الشخص لايزال في دائرة الاشتباه في امره ، فان المحقق سوف يسأله بوصفه شاهداً حتى تتجلى حقيقة امره ويصبح محلاً للاتهام ، ولما كان القانون قد اوجب في مرحلة التحقيق الابتدائي تحليف الشاهد اليمين من دون المتهم ، فأن تحليف اليمين يبدو شكلاً جوهرياً يميز بين المتهم والشاهد ، مع ملاحظة الاحوال الخاصة التي يُعفى فيها الشاهد من تحليف اليمين(18) ، فطالما سمع الشخص بوصفه شاهدا في الدعوى فان كل ما يصدر منه من اقوال لا تعد اعترافاً ضده واذا اعترف المتهم بارتكاب الجريمة اثناء سماع اقواله بوصفه شاهداً، فيجب على المحقق ان ينتهي من شهادته فوراً ويستجوبه عن التهمة المسندة اليه (19). اما كيفية اثبات شخصية المتهم ، فيجب على المحقق عند حضور المتهم امامه أول مرة ان يتحقق من شخصيته (20) .
ويثار التساؤل عما اذا رفض المتهم اعطاء بيانات عن شخصيته ، فهل يكون له الحق في ذلك ؟ ام يجبر على الادلاء بهذه البيانات باستعمال وسائل الاكراه؟ يذهب بعضهم (21) ، الى ان المتهم ليس له اي حق في اخفاء شخصيته ، طالما ان اعترافه بشخصيته لن يترتب عليه اي ضرر له ، كما ان مصلحة العدالة تقتضي الكشف عن شخصيته حتى ولو باستعمال الوسائل القهرية الضرورية ، ويرى جمهور الفقهاء (22)، ان حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم لا يتقيد الأ بحدود معينة ، وهو يبيح للمتهم تغير اسمه في التحقيق بالقدر الذي لا ينطوي على اضرار بالغير، اي ان هذا الحق يتقيد بحالة انتحال اسم خيالي ، وهو الصورة التي لا يترتب فيها على هذا الانتحال الحاق ضرر بالغير(23) ، وذلك لان عدم الاضرار بالغير يمثل السياج الموضوعي لحق الدفاع ، الذي لا يجوز لمن يمارسه ان يتخطاه والا وقع تحت طائلة العقاب (24).
و يؤيد الباحث ما ذهب اليه جمهور الفقهاء، ذلك ان اثبات البراءة ممكن ان يكون بأي وسيلة كانت مشروعة او غير مشروعة ، بخلاف الادانة التي يجب اثباتها بالطرق المشروعة فقط.
_____________
1- د نبيل مدحت جاسم ، شرح قانون الاجراءات الجنائية، دار الثقافة الجامعية ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1990 ص86
2- د سامي صادق الملاّ , اعتراف المتهم , المطبعة العالمية بالقاهرة ,الطبعة الثانية ، 1975 ص 8
3- محمد زكي ابو عامر ، الاجراءات الجنائية ، دار الجامعة الجديدة ، الطبعة السابعة ، 2005 ، ص 772
4- د حسن صادق المرصفاوي ، اصول الاجراءات الجنائية ، منشأة المعارف ، طبعة اخيرة ، ص 688
5- محكمة التمييز الاتحادية بالعدد ( 55 / تراجع متهم عن اعترافه /2016) في ( 2006/1/30) ، غير منشور
6 - د عبد الحكم فوده ، ادلة الاثبات والنفي في الدعوى الجنائية ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 2016 ، ص361
7- د احمد عوض بلال ، مرجع سابق ، ص محكمة التمييز الاتحادية بالعدد ( 526 / الهيئة الجزائية / 2019/ت/2728) في (2019/2/5) غير منشور
8- د . احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ،1985 ، مرجع سابق .
9- وكذلك قانون الاجراءات الجنائية المصري رقم (150) لسنة 1950 ) النافذ ، ص 138
10- د احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية ، مرجع سابق ، ص 137 ، و كذلك ,481.Bouloe,B, Lacte dinstruction, These, Paris,1965 ,No 667, p ، نقلاً عن د عبد الحكم فوده ، مرجع سابق، ص 361.
11- محكمة جنايات البصرة / الهيئة الأولى / بصفتها التمييزية ، العدد (356 ت ج 2021/1) في (2021/8/5) ،غير منشور
12- اشارت المادة (59/ج) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الى انه : لقاضي التحقيق ان يصدر أمر بالقبض على الشاهد المتخلف عن الحضور واحضاره جبراً لأداء الشهادة . تقابلها المادة (117) اجراءات جنائية مصري
13- اشارت المادة (97) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الى انه : اذا لم يحضر الخصم بعد تبليغه ورقة التكليف بالحضور دون عذر مشروع او اذا خيف هربه او تأثيره على سير التحقيق او لم يكن له محل اقامة سكني معين جاز للقاضي أن يصدر مراً بالقبض عليه .
14- اشارت المادة (238) من قانون العقوبات العراقي الى انه : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من كان مكلفاً قانوناً بالحضور بنفسه او بوكيل عنه في زمان ومكان معينين بمقتضى تبليغ او امر او بيان صادر من جهة محكمة أو سلطة قضائية أو من موظف أو مكلف بخدمة عامة مختص بإصداره فأمتنع عمداً عن الحضور في الزمان والمكان المعينين أو ترك المكان المعين قبل الوقت الجائز فيه تركه .
15- اشارت المادة (240) من قانون العقوبات العراقي الى انه : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر او بغرامة كل من خالف الأوامر الصادرة من موظف او مكلف بخدمة عامة أو من مجالس البلدية أو هيئة رسمية او شبه رسمية ضمن سلطاتهم القانونية و لم يمتثل اوامر اية جهة من الجهات المذكورة الصادرة ضمن تلك السلطات وذلك دون الاخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون .
16- اشارت المادة (19 ثانياً ) من دستور جمهورية العراق عام 2005 الى : ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص
17- د عبد الحكم فوده ، ادلة الاثبات والنفي في الدعوى الجنائية، مرجع سابق ، ص 363
18- اشارت المادة (60/ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الى : يحلف الشاهد الذي اتم الخامسة عشر من عمره قبل اداء شهادته يميناً بأن يشهد بالحق ، اما من لم يتم المسن المذكورة فيجوز سماعه على سبيل الاستدلال من غير يمين .
19- عبد الحكم فوده ، مرجع سابق ، ص 363
20- المادة ( 123 اصول محاكمات جزائية ( تقابلها المادة (123) اجراءات مصرية
21- بولوك ، بند 696 ، ص 503 و جارو ، ج 3 ، ص 20 ، نقلاً . عن د عبد الحكم فوده، مرجع سابق ، ص 367
22- السعيد مصطفى السعيد ، جرائم التزوير، 1951 ص 516 وكذلك د رؤوف عبيد ( جرائم التزييف والتزوير) 1954 ، ص 79 ، كذلك د محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، الطبعة السادسة ، 1964 ، بند 130 ، ص 142 ، نقلاً عن د عبد الحكم فوده ، مرجع سابق، ص 368
23- وفقاً لأحكام المادة (287) من قانون العقوبات العراقي النافذ
24- عبد الحكم فوده ، ادلة الاثبات والنفي في الدعوى الجنائية ، مرجع سابق ، ص 368
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|