أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2018
1764
التاريخ: 30-12-2020
2073
التاريخ: 16-5-2022
1715
التاريخ: 2024-08-24
327
|
الحياة مقرونة دائماً بالمصاعب والمشاكل، والطفل الذي يواجه مثل هذه المشاكل والصعاب يسعى بنفسه إلى البحث عن سبيل لتجاوزها ، ويشغل فكره لحل كل المشاكل الواحدة تلو الأخرى بصبر وثبات، إذا لم يجد فوق رأسه أباً واماً جاهلين يدللانه دون سبب ويحميانه دون حاجة . وطبيعي أن يصبح طفل كهذا عندما يبلغ مرحلة الشباب ، رجلاً فعالاً ونشيطاً، مقاوماً كل الصعاب مذللا إياها. على عكس الطفل المدلل والمغرور الذي يصبح حينما يبلغ مرحلة الشباب عنصراً غير كفوء تنقصه الشخصية، ليس بوسعه تذليل صعاب الحياة ، فتراه ينكفئ ويتقهقر أمام أمواجها المتلاطمة .
عن صالح بن عقبة قال : سمعت العبد الصالح الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول : يستحب غرامة الغلام في صغره ليكون حليماً في كبره(1).
مثلما يعمل البلوغ على كشف الصفات الذميمة التي يتصف بها الأطفال الذين تلقوا تربية سيئة ، ويعمل على تفعيلها أكثر، كذلك تتفاعل آثار الصفات الحميدة والسجايا الأخلاقية لدى الأطفال الذين كانت تربيتهم حسنة وتبرز بوضوح.
فالطفل الذي تربى على الخير والنزاهة والطهارة ، ونمت نفسه على صفات حميدة كحب الناس والإخلاص والصدق والعدل والإنصاف وغيرها من الصفات ، تشتد هذه الصفات في نفسه وضوحاً عندما يبلغ.
رسوخ الصفات الأخلاقية:
وتبدو هذه المسألة واضحة تماماً إذ ما استرجعنا تاريخ حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقارنا بين مرحلة طفولته (صلى الله عليه وآله) وأيام شبابه ، حيث يتوضح لنا كيف تفاعلت السجايا الأخلاقية والإنسانية التي كان (صلى الله عليه وآله) يتحلى بها في طفولته، وازدادت وضوحاً خلال مرحلة الشباب. وهنا نشير إلى موقف بسيط من مواقف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) العظيمة وذلك كمثال :
... فلما صار ابن سبع سنين قال لأمه حليمة : يا أمي أين إخوتي ، قالت يا بني إنهم يرعون الغنم التي رزقنا الله إياها ببركتك ، قال يا أماه ما انصفتني ، قالت كيف ذلك يا ولدي ، قال أكون انا في الظل وإخوتي في الشمس والحر الشديد وأنا أشرب منها اللبن(2).
فكرة العدل والانصاف:
إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان وهو في سن السابعة يتحدث مع مرضعته عن الإنصاف داخل محيط الأسرة الصغير، وينمي في عقله الفتي مفهوم العدل والإنصاف ، وعندما بلغ (صلى الله عليه وآله) وشب ترسخ هذا المفهوم في ذهنه أكثر ، وعمد إلى نقل هذا المفهوم من محيط الأسرة المحدود وتطبيقه على محيط مدينة مكة الواسع ، فاجتمع (صلى الله عليه وآله) مع مجموعة من كبار رجال العرب في حلف سمي بـ (حلف الفضول) وذلك بهدف تحقيق العدالة وتطبيق العدل الاجتماعي ، فتحالف معهم دفاعاً عن حقوق الناس ، وكان ما كان كما نقله لنا التاريخ .
حلف الفضول:
كان نفر من جرهم وقطوراء يقال لهم الفضيل بن الحارث الجرهمي والفضيل بن وداعة القطوري والمفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أن لا يقروا ببطن مكة ظالماً ، وقالوا لا ينبغي إلا ذلك لما عظم الله من حقها ، فقال عمر بن عوف الجرهمي :
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ألا يقر ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا فالجار والمعبر فيهم سالم
ثم درس ذلك فلم يبق إلا ذكره في قريش، ثم إن قبائل من قريش تداعت إلى ذلك الحلف فتحالفوا في دار عبد الله بن جذعان لشرفه وسنه وكانوا بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتحالفوا وتعاقدوا ان لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول(3).
كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتجنب في فترة شبابه الاختلاط بالمنحرفين في ذلك العصر الجاهلي قدر الإمكان، ويمتنع عن مجالستهم، لكنه (صلى الله عليه وآله) شارك في هذا الحلف بكل سرور ورحابة صدر، وتعاون مع الأشخاص الذين تعاهدوا وتواثقوا على بسط العدل، لأن هذا الحلف جاء مطابقاً لمرامه وطباعه (صلى الله عليه وآله) ونفسه التواقة للعدل.
فالذي يفكر بالعدل منذ طفولته ، ويتحدث عن الإنصاف مع مرضعته وهو ابن سبع سنين، لا بد أن يترسخ هذا المفهوم في نفسه أكثر فأكثر عندما يصبح شاباً. وكان لا بد للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يستفيد من كل فرصة تسنح له ويلجأ إلى اتباع شتى الأساليب لتطبيق العدل الاجتماعي الذي يشكل هدفاً مقدساً بالنسبة له (صلى الله عليه وآله) وفعلاً حانت الفرصة المنتظرة عندما قرر عدد من كبار رجال مكة بذل ما بوسعهم لتطبيق العدل ووضع حد للظلم والجور، فاغتنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) معلناً استعداده للتعاون معهم والانضمام للحلف، فكان ما كان .
وقد دعا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الناس قاطبة إلى العدل منذ بعث نبياً. وقد تخطت دعوته حدود مكة وبلاد الحجاز وكان لها صدى واسع في جميع أنحاء المعمورة. ولم تغب ذكرى حلف الفضول عن بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتذكرها فيسعد ويفتخر بها.
فقال حين أرسله الله تعالى : لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جذعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت(4).
لا أحد يعلم على وجه التحديد كم مرة نجح حلف الفضول منذ قيامه في إحقاق الحق وبسط العدل بين الناس ، ولكن هناك حالتان نوردهما بإيجاز حسبما وردت في التواريخ .
الظلامة الاولى:
السبب في هذا الحلف والحامل عليه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل وكان من أهل الشرف والقدر بمكة فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار ومخزوماً وجمح وسهماً وعدي بن كعب فأبوأ أن يعينوا على العاص وانتهروه - أي الزبيدي - فلما رأى الزبيدي الشر رقى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته :
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائى الدهر والقفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت مكارمه ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
والحرام بمعنى الإحترام، فقام في ذلك الزبير بن عبدالمطلب أي مع عبد الله بن جذعان واجتمع إليه من تقدم وقيل : قام فيه العباس وأبو سفيان وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه شريفاً أو وضيعاً ثم مشو إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه(5).
الشكوى والاستغاثة :
إن رجلاً من خثعم قدم مكة معتمراً أو حاجاً ومعه بنت له جميلة فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى يا لحلف الفضول ، فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد انتضوا أسيافهم أي جردوها يقولون : جاءك الغوث فما لك؟ فقال: إن نبيهاً ظلمني في بنيتي فانتزعها مني قسراً، فساروا إليه حتى وقفوا على باب داره فخرج إليهم، فقالوا له: أخرج الجارية فقد علمت من نحن وما تعاهدنا عليه. فقال: أفعل ولكن متعوني بها الليلة، فقالوا: لا والله ولا شخب لقحة - أي مقدار زمن - فأخرجها إليهم(6).
يعد حلف الفضول من أبرز المحطات المضيئة في حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وخاصة في فترة شبابه . فالإنسان الذي يتحدث في طفولته عن العدل والإنصاف ، لم يستطع أن يقف في شبابه مكتوف اليدين أمام ظلم الأعراب آنذاك ، وهذا ما دفعه إلى المشاركة في حلف الفضول ، والتعاون مع نفر من الخيرين لبسط العدل وجعل مكة حصناً أميناً للمظلومين من أهالي مكة وزوارها .
إن التربية الفردية التي يتلقاها الإنسان في فترة طفولته تلعب دوراً أساسياً في تكوين نفسيته. ويصبح الخير والشر اللذان يكتسبهما الطفل من أبويه أو من محيطه الاجتماعي أساس سلوكه في شبابه وحتى مماته. والسعيد هو ذلك الشاب الذي تلقى في طفولته تربية صالحة طاهرة، واكتسب من اسرته ومحيطه الاجتماعي خير الصفات والسجايا الأخلاقية، ومثل هذا الإنسان لا يجد أدنى مشقة في السير على طريق الصلاح والاستقامة، وبذلك يكون قد ضمن سعادته وسعادة الآخرين من حوله.
«إن لمرحلة الطفولة نقاط ارتكاز ثابتة وقوية يقوم عليها نمو الأحاسيس في المراحل اللاحقة . وقد لا يستطيع المرء أن يدرك أخلاق الفتى في سن البلوغ إذا لم يكن على معرفة سابقة بطفولته.
لا شك أن المحبة التي يتلقاها الطفل قبل بلوغه سن الخامسة أو السادسة، والذكريات اللطيفة أو السخيفة التي يحملها من تلك الفترة ، ستترك آثاراً في نفسية الطفل البريئة ، تتبلور على أساسها أحاسيسه ، وتؤثر في سلوكه دون علمه وإرادته»(7).
وهنا ربما تساءل البعض، هل إن الفتيان الذين تلقوا في طفولتهم تربية سيئة وتعلموا من مربيهم دروساً في الخيانة والرذيلة ، سيجدون أنفسهم أيام البلوغ والشباب يغوصون في الرذيلة لا محالة؟، وهل حكم عليهم أن يكونوا ضحايا تلك التربية دون أن يتمكنوا من إصلاح أنفسهم ؟ ، أم أنهم قادرون بطوع إرادتهم على نسيان ما اكتسبوه في طفولتهم من تعاليم مضلة وطردها من نفوسهم والسعي لاكتساب التعاليم الصحيحة التي تؤمن لهم سعادتهم ، والسير على هداها في طريق الخير والصلاح ؟
ولحسن الحظ أن الإجابة على هذه الأسئلة من الناحيتين الدينية والعلمية تبعث على الأمل والسرور. فالشاب الذي ساءت تربيته في فترة طفولته ، وساهم مرب جاهل أو عالم لكنه خبيث في تضليله وانحرافه ، بإمكانه إذا ما عقد العزم على إصلاح ذاته ، أن يطهر نفسه من أدران التربية السيئة ، ويسعى لاكتساب خير التعاليم الأخلاقية والإنسانية ، ليصنع من نفسه إنساناً خلوقاً كفؤاً يطمح لبلوغ مراتب الكمال.
الدعوة العامة للإسلام:
إن الإسلام لا يخص طائفة دون اخرى أو جيلاً دون آخر ، فهو يلزم جميع البالغين مهما اختلفت قومياتهم وجنسياتهم ومهما كانت ظروفهم التربوية ، بأداء الواجبات الدينية ، وهو يدعو عامة الشباب إلى الإيمان والتحلي بالخلق الحميد. ولو كان من العسير إصلاح الشاب الذي تلقى تربية سيئة في طفولته، لما دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإيمان والأخلاق الفاضلة.
ويستشف من دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لجميع البالغين مهما كانت ظروفهم التربوية نحو الطهر والفضيلة والتحلي بالصفات الأخلاقية والإنسانية ، أن الفتيان والشباب الذين ساءت تربيتهم يمكن إصلاحهم بشيء من العزم والإرادة.
ينبغي على الشاب المراهق السيء الخلق أن يستعين بعقلاء الرجال وفضلائهم لمعرفة عيوبه الأخلاقية ، والسعي لعلاجها ، كما يجب عليه أن يعتبر من سوء سلوك الآخرين ، ويستعين بعقله وفكره لإصلاح نفسه وصونها من عار الرذيلة .
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): الفكر مرآة صافية والاعتبار منذر ناصح وكفى ادباً لنفسك تجنبك ما كرهته لغيرك(8) .
وعنه (عليه السلام) : من لم يهذب نفسه فضحه سوء العادة(9).
تجنب الاثم:
يتوجب على كافة الناس مهما كانت أعمارهم العمل على إصلاح الذات وتجنب الآثام والاستغفار إلى الله سبحانه وتعالى من الذنوب ، لكن أداء هذا الواجب المقدس يعتبر أكثر أهمية للشباب الذين يثبتون في هذه المرحلة دعائم حياتهم المستقبلية . فما أفضل أن يستفيدوا من الفرصة المتاحة لهم ويطهروا أنفسهم من سوء التربية الذي اكتسبوه في طفولتهم ، ويعيشوا بقية عمرهم في جو مفعم بالطهر والخير والفضيلة .
______________________________
(1) وسائل الشيعة ج5 ، ص126 «والغرامة ما يلزم أدائه، ومنه يستحب غرامة الصبي» مجمع البحرين، (غرم).
(2) بحار الأنوار ج 6 ، ص 88.
(3) الكامل لابن الأثير ج2، ص15.
(4) نفس المصدر ج2، ص16.
(5) السيرة الحلبية ج 1 ، ص 156 .
(6) نفس المصدر ج 1 ، ص 157 .
(7) ماذا أعرف، البلوغ، ص42.
(8) نهج البلاغة، الفيض، ص 1246 .
(9) غرر الحكم، ص719 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|