أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-09-2015
5370
التاريخ: 27-7-2017
5226
التاريخ: 14-08-2015
9108
التاريخ: 27-7-2017
2944
|
استهلّ
بلزاك حياته في سلك الكهنوت، ثم ما لبث أن اتجه إلى الأدب والعمل في الطباعة
والنشر، وغرق في الديون، فكان لابد له من مضاعفة عمله الشاق في الكتابة والتصحيح
الطباعي على حساب راحته وصحته.
بدأ
بكتابة بعض الروايات الضعيفة ثم برزت مواهبه في عام 1828. جمع رواياته التي قاربت
المئة في (الكوميديا البشريّة) وجعلها مقسمّة في محاور رئيسة: (الأول): للعادات
الشائعة في المجتمع الفرنسي بعد الثورة وفي أثناء الامبراطورية الأولى. (والثاني)
عرضٌ مفلسف ومعلّل لمظاهر ذلك المجتمع. (والثالث) تحليل أدبيّ للقوانين التي تنظم
حياة المجتمع.
انتقد
بلزاك سلطة الكنيسة ووقوفها في وجه العلم، وفضح مثالب رجال الدين وأدان حكومة عصره
الملكية وسخر من الأبهة البورجوازية الفارغة ومن الذين يعيشون على ذكريات الماضي،
ومجدّ المتمردين من العمال والفلاحين وتنبأ بانتصار ثورتهم، ولم ينفصل عن الحياة
الحقيقية بما تحويه من طبقات وتجار ورأسماليين ومرابين وكوارث مالية وموظفين وسكان
قصور وعسكريين وشرطة ومحتالين وغانيات وسيّدات مجتمع. وحرص على عرض ما يتردّد في
المجتمع من الأفكار والعادات والتقاليد والعقائد ولم يكتف بالوصف، بل حلّل المشاعر
وبحث عن الدوافع السلوكية وربطها في الغالب بالأحوال الاقتصادية وأكد على تأثير
البيئة في الفرد، وعالج مشكلات سيادة المال، وأساليب المستغلين والجشعين والتهافت
على المناصب بمنأى عن الفضيلة وشقاء الفقراء وتفكك الأسرة وكل الرذائل ولم ينج من
سوط نقده أية شريحة اجتماعية. وقد قال في مقدمة ملهاته البشرية: لقد أضفتُ
إلى عمل المؤرخين فصلاً منسياً هو تاريخ العادات والتقاليد.
وكان
يكتب رواياته بمعزل عن عواطفه وميوله ومشاعره الخاصة ولا يسبغ قناعاته الكاثوليكية
وآراءه السياسيّة على شخصياته بل يدعها تترجم عن ذاتها بعفوية وصراحة وصدق.
ولهذا
كله عدَّ بلزاك الرائد الحقيقي للمذهب الواقعيّ والممّهد الأدبي للاشتراكية
العلمية، الذي أشاع أفكارها ورسم قواعدها حتى غدت بعض أقواله بمنزلة المبادئ
والشعارات؛ كقوله: الذهب نعم، الذهب هو دين دساتيركم...! وفي دفاعه عن
الفلاح: كيف يحرم غارس الحبوب ومنبتها وساقيها وحاصدها ثمرة كدّه؟ وفي
تقديس العمل والإنتاج: إنّ الذي يستهلك ولا ينتج مغتصب لحقّ غيره...!
لقد
كان بلزاك يشمّ رائحة عفن مجتمعه ويستشرف سقوطه أمام زحف الاشتراكية الصاعد في
الأفق. وقد شهد أنجلز أنه تعلّم من بلزاك أكثر مما تعلمه من جميع كتب المؤرخين
والاقتصاديين والاخصائيين المهنيين جميعاً...
ومن
أبرز رواياته: الأب غوريو وأوجيني غرانديه وزنابق الوادي وبالثازار وابن العم بون
وابنة العم بت وعائلة شوان وطبيب القرية والفلاحون والبحث عن المطلق...
وعلى
الرغم من أن قصصه ليست فصولاً لسيرة واحدة فقد كان من دأبه تكرار النماذج نفسها في
أكثر من قصة. وكان -مثل موليير-من أبرع مخترعي النماذج البشريّة، يصفها وكأنما
عايشها في أمكنة سكنها وعملها. فهو يرصدها في جميع حركاتها وأعمالها وعاداتها
ويصفها خارجياً وداخلياً دون أن يهمل أي شيء من التفصيلات والملامح والألبسة
والأمكنة واللهجات فيجعل القارئ يكوّن لها صورة واضحة لا تنسى بحيث يصبح وكأنه
مشاهد ومشارك.