أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-19
1379
التاريخ: 5-11-2014
1927
التاريخ: 18/12/2022
1936
التاريخ: 5-11-2014
2278
|
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ...}[التوبة / 34]
قال الشيخ: وهاهنا شبهة يمكن إيرادها ، هي أقوى مما تقدم ، غير أن القوم لم يهتدوا إليها ولا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم ، وهي أن يقول قائل: قد وجدنا الله سبحانه ذكر شيئين ، ثم عبر عن أحـدهما بـالكناية ، فكانت الكناية عـنهما ، دون أن تختص بأحدهما وهو مثل قوله سبحانه: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ }. فأورد لفظ الكناية عن الفضة خاصة ، وإنما أرادهما جميعاً معاً ، وقـد قـال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وإنما أراد نحن بما عندنا راضون ، وأنت راض بما عندك ، فذكر أحد الأمرين واستغنى عن الآخر.
كذلك يقول سبحانه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: 40] ، ويريدهما جميعاً دون أحدهما. والجواب عن هذا وبالله التوفيق: أن الاقتصار بالكناية على أحد الأمرين دون عموم الجميع مجاز واستعارة ، استعمله أهل اللسان في مواضع مخصوصة ، وجاء به القـرآن في أماكن محصورة ، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام ولا يصح عليها القياس ، وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجأ إلى ذلك ، ولا دليل في قوله تعالى: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } فيتعدى مـن أجـله المكنى عنه إلى غيره.
وشيء آخر: وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفاً والالتباس منه مرتفعاً ، فتكتفى بلفظ الواحد عن الإثنين للاختصار ، مع الأمن من وقـوع الشبهة والارتياب ، فأما إذا لم يكن الشيء معروفاً ، وكـان الالتباس عـنـد أفـراده متوهما ، لم يستعمل ذلك ، ومن استعمله كان عندهم ملغزاً معمياً.
ألا ترى أن الله سبحانه لما قال: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ، علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معاً بما قدمه من كراهة كنزهما ، المانع من إنفاقهما ، فلما عم الشيئين بذكر يتضمنهما في ظاهر المقال بما يـدل عـلى معنى ما أخره من ذكر الإنفاق ، اكتفى بذكر أحدهما للاختصار.
وكذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] ، إنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معاً ، لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنته الكناية ، فـقال تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } ، فأوقع الرؤية على الشيئين جميعاً ، وجعلهما سبباً للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله(عزوجل) والصلاة ، وليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدمه من الذكر؛ إذ لو أراد ذلك ، لخلا الكلام عن الفائدة المعقولة ، فكان العلم بذلك يجزي في الإشارة إليه.
وكذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] ، لما تقدم ذكـر اللـه عـلى التفصيل ، وذكر رسوله على البيان دل على أن الحق في الرضا لهما جميعاً ، وإلا لم يكن ذكرهما جميعاً معاً يفيد شيئاً على الحد الذي قدمناه ، وكذلك قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
لو لم يتقدمه قوله: نحن بما عندنا ، لم يجز الاقتصار على الثاني ، لأنه لو حمل الأول على إسقاط المضمر من قوله راضون ، لخلا الكلام عن الفائدة ، فلما كان سائر ما ذكرناه معلوماً عند من عقل الخـطاب جـاز الاقـتصـار فـيـه عـلـى أحـد المذكورين للإيجاز والاختصار.
وليس كذلك قوله تعالى: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ، لان الكلام يتم فيها ، وينتظم في وقوع الكناية عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خاصة دون الكائن . معه في الغار ، ولا يفتقر إلى رد الهاء عليهما معاً ، مع كونها في الحقيقة كناية عن واحد في الذكر وظاهر اللسان ، ولو أراد بها الجميع لحصل الالتباس والتعمية والألغاز؛ لأنه كما يكون التلبيس واقعاً عند دليل الكلام على انتظامها للجميع متى أريد بها الواحدة ، مع عدم الفائدة ، ولو لم يرجع على الجميع ، كذلك يكون التلبيس حاصلاً إذا أريد بها الجميع عند عدم الدليل الموجب لذلك ، وكمال الفائدة مع الاقتصار على الواحد في المراد. ألا ترى أن قائلاً لو قال: لقيت زيداً ومعه عمرو ، فخاطبت زيـداً وناظرته ، وأراد بذلك مناظرة الجميع ، لكان ملغزاً معمياً ، لأنه لم يكن في كلامه ما يفتقر إلى عموم الكناية عنهما ، ولو جعل هذا نظيراً للآيات التي تقدمته ، لكان جاهلاً بـفـرق مـا بينهما وبينه مما شرحناه. فيعلم أنه لا نسبة بين الأمرين.
وشيء آخر: وهو أن الله سبحانه وتعالى ، كنى بالهاء التالية ، للهاء التي في السكينة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خاصة ، فلم يجز أن يكون أراد بالأولة غير النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خاصة؛ لأنه لا يعقل في لسان القوم كناية عن مذكورين بـلفظ الواحـد ، وكناية تـردفها عـلى النسـق عـن واحد من الإثنين ، وليس لذلك نظير في القرآن ، ولا في الأشعار ، ولا في شيء مـن الكلام ، فلما كانت الهاء في قوله تعالى: { وأيده بجنود لم تروها} كناية عـن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالاتفاق ثبت أن التي قبلها من قوله: { فأنزل الله سكينته عليه} كناية عنه(صلى الله عليه واله وسلم) خاصة ، وبأن مفارقة ذلك لجميع ما تقدم ذكره من الآي والشعر الذي استشهدوا به. والله الموفق للصواب بمنّه(1).
[انظر: سورة التوبة ، آية 100 ، في السابقون في الإسلام ، من الإفصاح: 83.]
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا .. }[التوبة / 36]
[انظر: سورة البقرة ، آية 185 ، من رسالة الرد على أهل العدد والرؤية : 13 ، حول مدة شهر رمضان.]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ...}
[التوبة / 38]
[انظر: سورة الفتح ، آية 15 ـ 16 ، من الإفصاح: 112.]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 23 ، والمصنفات 2: 45.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|