المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



أدب الأطفال عند المسلمين  
  
1844   02:20 صباحاً   التاريخ: 4/9/2022
المؤلف : محمد حسن بريغش
الكتاب أو المصدر : أدب الأطفال أهدافه وسماته
الجزء والصفحة : ص52 ـ 61
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /

ينبغي أن نبحث عن جذور أدب الأطفال في مصادرنا الأساسية في كتاب الله (عز وجل)، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي أحداث السيرة وكتب التاريخ، وفي غيرها من الكتب التراثية الأصيلة. 

ولعل بعض الناس يستنكرون أن نبحث عن أصول هذا الأدب في مثل هذه المصادر؛ ويقولون: إن ما فيها من نصوص بعيد عن الأطفال وأدب الأطفال، وهو تشريع وأحكام وتوجيهات ومواعظ، وأحداث وروايات، وأين هذا كله من أدب الأطفال!!، إن الذين يستهويهم الغرب بما عنده من تقدم مادي، وبريق صناعي يستنكرون أن يكون في غير الغرب شيء من الفنون أو العلوم، وفي الوقت الذي ينقب فيه الباحثون هناك عن أية مظاهر حضارية أو علمية أو فنية في تاريخهم القديم، ويقبلون أي إشارة تدل على تقدمهم، بالرغم من عدم توثيق هذا التاريخ، في هذا الوقت يرفض أتباع المذاهب الغربية أية إشارة إلى التقدم الحضاري للعرب والمسلمين، ويأبون فهم الدين بغير الصورة التي عرفوها عن الكنيسة.. ولذلك لا يقبلون أن يكون الإسلام منهج حياة، وصانع حضارة، وولادة أمة تحمل أسمى خصائص الإنسانية.

من هذا نرى تفسيراً لاستبعاد كل ما يمت إلى العلوم والفنون والآداب في تاريخنا، ولقد أصبح من الضروري أن نعود إلى هذا التاريخ والتراث ونمضي في التنقيب والبحث للكشف عن كنوزنا ومعالم حضارتنا، ولا يمنعنا هذا من الاستفادة من معطيات المدنية الغربية والتقدم المادي الغربي وغيره شريطة ألا يتعارض ذلك مع عقيدتنا وثوابت حياتنا.

ومن هذا المنطلق ننظر إلى موضوع أدب الطفل، فنرى كثيراً من الآيات الكريمة والسور الصغيرة تناسب سن الطفولة، وتعد نموذجاً رائداً وموجهاً يستمد منه هذا الأدب تصوراته، ويتخذ منه الأديب نبراساً يهتدي بنوره. ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 13 - 19](1).

وهل أروع من هذا النص الكريم الذي يحمل أصدق عواطف الأبوة، وأحلى صور المحبة والإخلاص للولد، الذي ينشأ في كنف الأب الصالح ورعايته، فيخاطبه بحنو، ويعلمه ويمحضه النصح الرفيق، بأسلوب هادئ رقيق وعبارة واضحة شفافة، إنه يخاطب الطفل ويتوجه إليه بالنصح والإرشاد، مرة يأمره، ومرة ينهاه، ولكنه لا ينسى أن يصور له الحقائق الكبيرة بصور مجسمة حسية ليستطيع إدراكها، فيغرس في أعماقه حقائق العقيدة الراسخة بالتصوير الموحي {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16]، إن الآية تصور له الفكرة (القدرة الإلهية وعلم الله عز وجل)، بهذه الصورة ليدركها فالله (عز وجل)، يدرك كل شيء، ويعلم كل شيء مهما صغر أو كبر، وأين كان وأنى كان، وفي أي ظرف كان.

والولد الذي يعرف الصخرة، ويعرف السماء والأرض يدرك عظمة الله وقدرته من هذا كله.

ثم توجه الآيات سلوكه توجيهاً صحيحاً بطريقة عملية واضحة، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]، {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19]، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]، وانظر إلى هذه الصورة الحسية التي يشبه فيها الأصوات المنكرة بصوت الحمار، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].

وكذلك لنسمع إلى هذه السورة وما فيها من إيحاءات وصور ومعان: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1 - 5]، معان قريبة، وصور مؤثرة واضحة حية. . . ومشهد يضع وجدان الإنسان عامة، والطفل خاصة، أمام حقائق الحياة الكبيرة؛ فيعلم أن العبد مهما طغى وبغى واستطال، فهو ضعيف، فإذا بارز الله بالمعاصي والمحاربة قصمه الله فكان كالعصف المأكول. ولكن كيف قصمه؟، بالطيور الصغيرة الناعمة! الطيور الضعيفة التي لا تملك قدرة ولا قوة ولا عقلاً، ولكنها بإرادة الله تصبح أقوى من جبروت الطغيان.

ولنستمع إلى هذه السورة أيضاً: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 1 - 5].

ولنتوقف عند هذه الصور البسيطة الواضحة التي توحي بما خلفها من حقائق ثابتة راسخة: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 5].

وكذلك هناك سور كثيرة ولا سيما في الجزء الثلاثين تناسب مراحل الطفولة، وآيات كثيرة في السور المختلفة، كالآيات التي تقص حكاية الجدل الذي دار بين اليهود ونبيهم عند ذبح البقرة، والآيات الخاصة بنبي الله زكريا، ومريم، ويحيى (عليهم السلام)، والآيات الخاصة بنبي الله موسى (عليه السلام)، مع فرعون، والآيات الخاصة بحكايته مع اليهود، وقصة موسى والرجل الصالح، وقصة موسى وشعيب (عليهما السلام)، وقصة صاحب الجنتين، وقصة أصحاب الكهف، وقصة إبراهيم (عليه السلام)، مع قومه، وقصة إبراهيم وإسماعيل وأمه (عليهم السلام)، وقصة نوح (عليه السلام)، مع قومه.. إلخ.

سور وآيات كثيرة تناسب مراحل الطفولة والفتوة، وتعد نموذجاً رائداً وموجها لأدب الطفل المسلم الذي نريد أن يكون ذا سمات واضحة ومميزة، يراعي اهتمامات الأطفال، ويناسب مداركهم، ولكنه أيضاً يؤدي إلى إعدادهم لحياة إسلامية شاملة.

وإذا عدنا إلى الحديث الشريف رأينا نصوصاً كثيرة جداً تناسب مراحل الطفولة المختلفة، وتعد من الأدب الإسلامي الرفيع، والنماذج الرائدة والموجهة لهذا الأدب. ولنقف عند بعض هذه النصوص: أخرج الترمذي عن ابن عباس (رض) قال: كنت خلف النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: (يا غلام!، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

وفي رواية أخرى: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسر)(2).

مع بساطة العبارات، ووضوحها، ومع شفافية المعنى وإيحاءاته وعلاقته بالواقع، وبحياة الطفل خاصة، والإنسان عامة، مع هذا نلاحظ التكرار في الألفاظ، بل والعبارات ليزيد الأمر وضوحاً ورسوخاً لتثبيت المعنى المقصود من الحديث، وللتأكيد على أساسيات ينبغي أن يتربى عليها الطفل.

ولنقف عند هذا الحديث أيضاً: عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كلمات أقولهن في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)(3).

وهناك نماذج كثيرة جداً من الأحاديث النبوية التي رواها صغار الصحابة وفهموها وهم في مرحلة الطفولة (أقل من 15 سنة)، ووعوها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولما تتجاوز أعمارهم سن الطفولة ما بين السابعة والخامسة عشرة، وهي بحاجة إلى من يجمعها في مجموعات، ويعرضها للأطفال بصورة مناسبة.

وهناك نصوص من الشعر والنثر في كتب السيرة والتراجم، وكتب التاريخ، والعلوم الإسلامية المختلفة يمكن إدراجها ضمن أدب الأطفال، أو وضعها في مجموعات خاصة بالأطفال، ونتوقف في هذا المجال عند كلمة سماحة الأستاذ الشيخ أبي الحسن الندوي في كتابه (نظرات في الأدب)، حيث يقول: (إن هذا الأدب الطبيعي الجميل القوي كثير وقديم في المكتبة العربية، بل هو أكبر سناً وأسبق زمناً من الأدب الصناعي في كتب الرسائل والمقامات، ولكنه لم يحظ من دراسة الأدباء والباحثين وعنايتهم بما حظي به الأدب الصناعي... ونأخذ كتب الحديث والسيرة - كمثال لهذا الأدب الطبيعي ـ أولاً فنقول: إنها اشتملت على معجزات بيانية وقطع أدبية ساحرة تخلو منها مكتبة الأدب العربي على سعتها وغناها)(4).

وما دام الأدباء يفتشون في زوايا الحياة، وفي الأساطير وغيرها عما يرونه مناسباً لأدب الأطفال، فمن الأفضل أن يبحثوا في هذا التراث الحي الذي يصنع الحياة والمجتمعات ويربي الأجيال على بصيرة. أليس غريباً أن يعودوا إلى الأساطير، والسير الشعبية لأخذ صور وموضوعات للأطفال، ويتركون مرجع العربية، (كتاب الله وسنة رسوله)؟.

وقبل أن نكمل صورة أدب الأطفال في تاريخنا العربي والإسلامي لا بد من الوقوف عند ظاهرة معينة في كثير من الكتب التي بحثت في موضوع هذا الأدب؛ وهي أن أكثر المؤلفين والباحثين تجاهلوا ما في تراثنا الإسلامي والعربي مما له علاقة بهذا الأدب، بينما توقف كثيرون ممن كتب في هذا الموضوع عند جذور أدب الأطفال عند الغربيين، والشرقيين على حد سواء. ولم أر إلا النادر من الكُتّاب قد توقف عند شيء من إنتاج الغرب بالتقويم الموضوعي، والنقد العلمي البناء، ليعرف هل يصلح ما كتبوه للأطفال أم لا يصلح. وهل يتناسب مع فطرة الطفل وعقله ومدركاته أم لا يتناسب. ولذلك لا نجد إلا إشارات عاجلة إلى ما في تراثنا من هذا الأدب؛ وهذه الإشارات لا تتعدى الوقوف عند (ألف ليلة وليلة)، وبعض القصص الأخرى، التي كانت لها غايات لا يجهلها العاقل. لذلك لم يجرؤ كتابها - الباطنيون - على الظهور والوضوح والإعلان عن أنفسهم، بل راحوا يروجون مثل هذه الكتابات ويدسون الأخبار، وينسجون من خيالاتهم خيوط القصص والمؤامرات لتشويه الإسلام وأهله. لقد رأى الغربيون في هذا بغيتهم، لأن الذين صنعوا هذا من حلفائهم من اليهود ومن شايعهم وسار وراءهم بعلم أو بغير علم؛ ولذلك احتفوا بمثل هذه الكتب، وألفوا حولها المؤلفات وعملوا الدراسات، ومنحوا الألقاب العلمية لأصحابها، وكأنها التراث الأسمى للمسلمين. وهذا ما دفع أكثر الباحثين لذكرها كأهم مصدر عربي لأدب الأطفال(5).

ويتوقف الدكتور علي الحديدي عند الحديث عن كتاب (ألف ليلة وليلة)، فيرى رأياً آخر حيث يقول: أما سيد مصنفات التسلية (ألف ليلة وليلة)، وعشرات المجموعات التي ألفت على شاكلته وحكاياتها عن الجن والأساطير والمغامرات وأسفار البحار وما فيها من (الفابولات)، والنوادر التي أمتعت العالم وأسعدته، فلا يصلح منها للصغار إلا النادر القليل كقصة (علاء الدين والمصباح)، وقصة (علي بابا والأربعين حرامياً)، وبعض مغامرات (السندباد).

أما مؤلف كتاب (أدب الأطفال، فلسفته، فنونه، وسائطه)، فإنه ينظر إلى أن كتاب (ألف ليلة وليلة)، حكايات وضعتها مخيلة القصاصين لأبناء الشعب في عهود كان فيها الشعب قليل المعرفة، يؤمن بوجود الجن والعفاريت ويجد متعة في أخبار الكنوز المطمورة والقصور المسحورة التي تنقله إلى عالم خيالي رحيب ينسيه مرارة الواقع ومتاعب العيش (6)، بل يرى أن هذا جزء من الأمر الذي يسود في كل مكان، حسب النظرية الماركسية التي يؤمن بها المؤلف والتي بنى كتابه على أساسها، وينهي نظرته هذه بأن مثل هذه الحكايات التي يرد فيها ذكر العفاريت والجن والسحر، كان نوعاً من الزاد الأدبي الذي يتناوله الشعب وأنه (كان كئيباً لما ينطوي عليه من حكم ومواعظ وأمثولات قاسية)(7).

ثم يقرر أيضاً بأنه لا يوجد أدب للأطفال العرب (إلا أن أدباً للأطفال العرب لم يتبلور بعد)، برغم تزايد الاهتمام بأدب الأطفال في أكثر بقاع الدنيا، وسبب ذلك فيما رأى المؤلف (طغيان النظريات التربوية التقليدية، وأن المجتمع كان مجتمع رجل قبل كل شيء؛ وأن الاهتمام بالثقافة والإعلام هو ظاهرة حديثة).

بل يصل الحد بالمؤلف إلى إنكار كل أدب الأطفال الذي يخرج عن النظرية الماركسية فيقول: (فإن ما قدم ويقدم للأطفال وفق النظريات التربوية القديمة لا يمكن اعتباره أدباً للأطفال!).

وكل أدب لا يرتبط بالمستقبل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للأمة لا يعد أدباً(8)!!، أي لا يرتبط بالتفسير المادي للحياة. ولهذا يرى أن الحكايات والأقاصيص التي استمدت من تاريخنا هي وليدة عصور العبودية والإقطاع(9): (وعليه من الخطأ أن نعتبر جميع هذه الأقاصيص والحكايات التي تعبر عن واقع غير واقعنا زاداً رئيسياً لأدب الأطفال)، ولأنها (من تركات المجتمعات المتخلفة في طفولتنا)(10).

وهذا المؤلف الذي يتجاهل أبسط مقومات العقل، وكبريات الحقائق، ويرمي بحقد كل ما ضمه تاريخنا من حضارة علمية وأدبية وثقافية وسياسية كانت بادية واضحة كالشمس، نشرت آثارها حتى الصين شرقاً وحتى الأطلسي غرباً، وسارت حتى ضربت في وسط أوروبا أوتاد الخيام العربية.. وها هي ذي اليوم تبدو لكل الشعوب، الحضارة التي يمكن أن يلجأ إلى فيئها الهاربون من جحيم الحضارات المادية، والمنقذ الوحيد من الصراعات والصرعات المختلفة.

هذا المؤلف الذي ينكر بشكل واضح ومبطن كل ما دعت إليه عقيدة المسلمين، ويتنكر لكل ما أعطته هذه الحضارة، يتجاهل ويتغافل عما يراه في العالم الشيوعي من كوارث لا يصدقها عاقل.. وها هي ذي الدول الشيوعية تنهار واحدة إثر أخرى، ويخرج الإنسان ليدافع عن إنسانيته، ويزيل هذا الكابوس، حتى يقف زعماؤهم وهم يعلنون خطأ ما اعتقدوه، وجريمة ما ارتكبوه، بل يلعنون زعماءهم الذين كانوا رواد هذا المذهب.

نخلص من هذه الجولة إلى تسجيل التقصير الذي وقعنا به إزاء تراثنا وأدبنا، وإلى الأحكام المسبقة التي هيمنت على كثير من المؤلفات والدراسات الخاصة بأدب الأطفال نتيجة التقليد، أو الانخراط في الولاءات الحزبية والفكرية الوافدة.

هذا التقصير جعلنا نكسل عن النظر في هذه الكنوز الثمينة، والآثار الكثيرة التي ضمت ما يصلح لأدب الأطفال، لجمعه، ونشره، أو لترتيبه وإعادة صياغته من جديد ليتلاءم مع هذا العصر، وليقدم بالصورة المناسبة لأطفالنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ انظر كتاب: المرأة المسلمة الداعية، فصل: الأبناء ومسؤولية الآباء، للمؤلف.

2ـ رواه أحمد، والترمذي وغيرهما وهو صحيح.

3ـ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وهذا الحديث رواه الحسن (عليه السلام)، وكان صغيراً عندما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن رسول الله توفي وهو أقل من عشر سنوات.

4ـ نظرات في الأدب: الشيخ أبو الحسن الندوي 22، ط 1، 1408هـ - 1988م، دار القلم.

5ـ انظر مثلاً: (أدب الأطفال - مبادئه ومقوماته الأساسية): تأليف محمد محمود رضوان وأحمد نجيب لطلبة دور المعلمين والمعلمات ص17، وكتاب: أدب الأطفال ومكتباتهم: تأليف هيفاء شرايحة، 27، وكتاب: في ادب الأطفال: د / علي الحديدي / 45، وكتاب: أدب الأطفال في ضوء الإسلام: د / نجيب الكيلاني / 27، وكتاب: أدب الأطفال - فلسفته وفنونه ووسائطه: تأليف هادي نعمان الهيتي / 104.

6ـ أدب الأطفال - فلسفته، فنونه، وسائطه: تأليف هادي نعمان الهيتي / 103- ونلاحظ كثرة التركيز على (ألف ليلة وليلة)، من قبل المستشرقين وغيرهم ممن يحملون الدعوة إلى تقليد الغرب واتباعه، والباحث المنصف يتوقف عند السبب الذي جعل مؤلف هذا الكتاب أو مؤلفيه يخفون أنفسهم، ولكن التدقيق في الأمر يشير إلى تلك الحركات الباطنية وغيرها التي كانت تعمل في الخفاء لتهديم حكم الإسلام، والكتاب إسهام في تشويه الإسلام والمسلمين.

7ـ المصدر السابق: 103.

8ـ المصدر السابق: 105.

9ـ المصدر السابق: 106.

10ـ المصدر السابق: 106. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.