المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الجهاز التناسلي الذكري في الدجاج الجهاز التنفسي للدجاج محاسبة المسؤولية في المصرف (الإدارة اللامركزية والعلاقات الإنسانية ـــ الإدارة اللامركزية في المصرف) أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون المدني أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون الإداري دور التشريعات والسلطات الرقابية في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية موضوع الملاحظة في الاستنباط القضائي ملكة الاستنباط القضائي الجهاز الهضمي للدجاج إستراتيجيات تسعير المنتجات والخدمات المصرفية في الاطار الرقابي (انواع المنتجات والخدمات المصرفية) طـرق تـحديـد سعـر الفـائـدة علـى القـروض السـكـنـيـة (العـقاريـة) تـحليـل ربحيـة العميـل من القـروض الاستـهلاكيـة (الشخصيـة) المـقـسطـة الدجاج المحلي العراقي معجزة الدين الاسلامي موضوع الإعجاز

الجغرافية
عدد المواضيع في هذا القسم 11718 موضوعاً
الجغرافية الطبيعية
الجغرافية البشرية
الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


بداية واقتراب الفكر الجغرافي العفوي  
  
1460   02:20 صباحاً   التاريخ: 31-5-2022
المؤلف : صلاح الدين الشامي
الكتاب أو المصدر : الفكر الجغرافي سيرة ومسيرة
الجزء والصفحة : ص 19- 50
القسم : الجغرافية / معلومات جغرافية عامة /

بداية واقتراب الفكر الجغرافي العفوي

هذا الفكر يمثل فكراً بسيطاً بعيداً عن كل تعقيد بل قد لا تجد له منهجا واضح المعالم بصفة عامة ومن شان هذا الفكر الجغرافي العفوي البسيط ، أن يصور مدى ادراك الانسان للأرض من حوله، آو أن يعبر عن مدى استشعاره خصائص ومواصفات المكان الذي يحتويه ويعوله. ومن شأن هذا الفكر الجغرافي البسيط أيضا، أن يصور الاجتهاد الذي تكفل بترشيد أداء الانسان، وهو يواجه الضوابط الحاكمة للحياة في المكان، أو الذي اضطلع بشد أزر الانسان، وهو يستخدم الموارد المتاحة في المكان . وهذا الفكر الجغرافي نشا بالضرورة نشأة عفوية تلقائية، لكي يجنب الانسان التخبط في المكان، أو لكي يرشد التعايش في المكان. وهذا معناه أنه - بكل تأكيد - خلاصة التجربة ، وما تنتهي إليه من صواب ناقع أو خطأ ضار. بل أنه من غير شك حصاد الفكر الذي يعبر- بالفعل - عن سعة حيلة الانسان واحتياله، لكي يفلح في تأمين الحياة وضمان وجودها وانتصارها في أى مكان على الأرض.

وصحيح أننا قد نفتقد القدرة الكاملة على تصور موضوعي متكامل، يصور شكل وأبعاد ومنطق هذا الشكل من أشكال الفكر الجغرافي العفوي، الوليد مع ميلاد الحياة في المكان الأصل على الأرض، لأنه فكر غير مكتوب. وصحيح أن شكل وأبعاد ومنطق هذا الشكل المبكر من أشكال الفكر الجغرافي، غير شكل وأبعاد ومنطق الشكل الأخر المكتوب من الفكر الجغرافي، الذي انجب التخصص الجغرافي  البحت، أو أسفر عن قواعد وأسس علم الجغرافية.

ولكن الصحيح أيضا أن هذا الشكل المبكر من أشكال الفكر الجغرافي كان - بكل تأكيد- مثمرا وهو وليد مع ميلاد الحياة عندما :

١- رشد الحياة وهي تقبض على زمام مصيرها، ويصر التعايش في أبسط شكل من أشكال التفاعل الديناميكي الحياتي. بين الانسان والأرض في موطنه المنتخب في أي مكان على الأرض.

٢- أطلق العنان للأبداع المفيد وصولاً إلى صياغة وتأسيس القاعدة الصلبة التي ارتكز عليها الاجتهاد الجغرافي العقلاني، الذي أسفر عن بواكير التخصص الجغرافي في خدمة الحياة.

وبهذا المنطق الموضوعي ، ينبغي أن نستشعر كيف أحس الانسان بالمكان من حوله ، وكيف استلهم حسه الجغرافي  لكي يتعرف على موطنه في هذا المكان  كما ينبغي أن نستشعر كيف فجر هذا الحس الجغرافي  الاجتهاد العقلاني ، لكي يسعف الانسان ويشد أزره ويظاهره، في مواجهة الواقع الطبيعي والضوابط الحاكمة للحياة في هذا الموطن في أى مكان. وكان من شأن هذا الاجتهاد العقلاني أن يسفر عن الفكر الجغرافي البسيط الذي يعبر- بكل الصدق - عن مدى احساس الانسان بالمكان من ناحية، ويرشده وهو يدب على الأرض في طلب أسباب التعايش وتأمين الحياة في كل مكان من ناحية أخرى .

ومن غير اصرار على تصور شكل وأبعاد ومنطق الفكر الجغرافي العفوي الوليد مع ميلاد الحياة، ينبغي أن نتصور كيف بصر هذا الفكر الانسان وهداه، وهو يغرس جذوره في الأرض، أو وهو ينتخب الأرض التي يجعل منها موطناً، أو وهو يحدد ويمارس أسلوب انتفاعه بها. بمعنى أنه من غير شك - وليد الحاجة، عندما تحسس الانسان المكان من حوله، وأحسن استخدام حسه الجغرافي، لكي يؤمن الحياة السوية التي انتخبت الموطن, وبدأت مسيرتها المكافحة على الأرض أي أرض، وفي المكان أى مكان, وهل يستغني الانسان عن ثمرة الحاسة الجغرافية الصادقة، وهو يطوع ذاته للواقع الطبيعي في احضان أي مكان معين منتخب، أو وهو يطوع الواقع الطبيعي في أحضان أى مكان معين منتخب لحساب هذه الذات؟ بل وهل يستغني الانسان عن استثمار ثمرات الفكر الجغرافي  العفوي، التي أيدعها استشعار الحس الجغرافي  الذكي، وهو يتعايش مع الواقع الطبيعي في أحضان الموطن المنتخب، أو وهو يقبض على زمام مصيره في أى موطن منتخب؟

ومن غير اصرار مرة أخرى على تصور شكل وأبعاد ومنطق الفكر الجغرافي  العفوي، المولود ولادة تلقائية مع ميلاد الحياة، ينبغي أن نتصور كيف كان هذا الفكر دليل الانسان، وهو يطلب الاستيطان في أنحاء الأرض، أو وهو ينتخب المكان الأنسب لاستيطانه على الأرض، أو وهو يغرس جذوره في أي موطن أنسب على الأرض, وهو - من غير شك وليد الحاجة، عندما تحسس الانسان طريقه في أنحاء الأرض، وعندما أحسن استخدام حسه الجغرافي، لكي يستكشف المكان، ويؤمن مصيره في أحضان الموطن الأنسب المنتخب- وهل يستغني الانسان عن استخدام الحاسة الجغرافية، وهو يتحرك من موطن صار مقترا، لا يستجيب، أو وهو يتحرك إلى موطن جاذب سخي يفيض بالعطاء ؟ بل وهل يستغني الانسان عن استثمار ثمرات الفكر الجغرافي العفوي، التي تفتق عنها الحس الجغرافي الذكي، وهو يفر من الشح والتقتير الذي أعلنه الواقع الجغرافي في مكان أو وهو يلوذ بالسخاء والعطاء المجزي الذي يجود به الواقع الجغرافي في مكان آخر، أو وهو ينتخب الطريق السوي الأفضل، طلباً للتحرك من مكان يطرد إلى مكان يجذب ؟

وبكل الصدق والموضوعية، ينبغي أن نتصور كيف أودع الخالق في صميم الانسان الحس الجغرافي، وكيف يولد فيه مع ميلاده, كما ينبغي أن نتصور أيضاً كيف وجه هذا الحس الجغرافي، لحساب الحياة. وبكل الصدق والموضوعية، نتبين كيف أصبح الفكر الجغرافي العفوي المولود مع ميلاد الحياة، رفيق عمر الانسان في المكان لحساب الحياة، ودليل مصيره في كل مكان، لحساب التنوع في أنماط أساليب الحياة.

ولكي نستوعب هذا التصور، ونقيم الحس الجغرافي تقويماً صحيحاً، عليناً أن نرقب الطفل الوليد في الماضي والحاضر والمستقبل، وأن نرصد تحركاته في أى مكان - ومن الطبيعي أن نتبين كيف يتحسس من حوله المكان، وهو يجلس قعيداً أو وهو يحبو أو وهو يمشى في أضيق الدوائر، لأنه يطلب المعرفة والاحاطة التي تخدم التعايش في هذا المكان, وهل يطلب هذا الوليد وهو في أول مرحلة من مراحل نبض الحياة، من غير ألحس الجغرافي الكامن فيه المعرفة بالمكان في أضيق الدوائر من حوله، لكي يستشعر وجوده ويؤمن مصيره ؟

ولكي نستوعب هذا التصور ونقيم الحس الجغرافي تقويماً صحيحاً مرة أخرى، علينا أن نرقب الرجل الكبير في الماضي والحاضر والمستقبل، وأن نرصد تحركاته في أي مكان يفد إليه. ومن الطبيعي أن نتبين كيف يتحسس من حول المكان في أوسع الدوائر، لأنه يطلب المعرفة ويستهدف التعايش مع الواقع الجغرافي فيه, وهل يطلب هذا الرجل الوافد تواً إلى المكان من غير الحس الجغرافي  الكامن فيه المعرفة بالمكان في أوسع الدوائر من حوله، لكي يؤدى دوره ويؤمن وجوده ويمسك بزمام مصيره لحساب الحياة في هذا المكان ؟

ومن غير الحس الجغرافي  الذكي لا يكاد يفلح الانسان في عملية تطويع المكان لإرادة الحياة، أو في تطويع الحياة لإرادة المكان، وصولاً إلى حد التعايش الأمثل، مع الواقع الجغرافي في أي مكان منتخب لحساب الحياة, وصحيح أن الحس الجغرافي  يلهم الانسان ويبصره وهو يطلب المعرفة بالمكان من حوله، أو وهو يتعامل مع الأرض في المكان من حوله ويطلب العطاء متها لحساب الحياة - ولكن الصحيح أيضا أن طلب المعرفة بالمكان واستخدام الحس الجغرافي من أجل استشعار الواقع الجغرافي فيه، ينمى - بكل تأكيد - الحس الجغرافي ويصقله ويشحذه ويحسن مستوى فاعليته وأدائه، وأن نمو الحس الجغرافي وشحذه وتحسين مستوى أدائه، يفجر الفكر الجغرافي  العفوي وينمي ابداعه لحساب انتصار حركة الحياة -

وهكذا نتبين أن الحس الجغرافي يقود ويوجه ويرشد المعرفة بالمكان، وأن المعرفة بالمكان انفتاح ينشط وينمي ويشحذ الحس الجغرافي، وأن تنشيط وشحذ الحس الجغرافي، تفتح ذكي يطور الفكر الجغرافي العفوي ويثريه - وبمعنى آخر، ينبغي أن نتبين، كيف كانت حاجة الانسان لمعرفة المكان مقدمة منطقية مطلوبة - بكل الالحاح - لحساب الحياة فيه، وكيف استلهم الانسان حسه الجغرافي  الكاشف في   التعرف على المكان, واستيعاب المقدمة المنطقية المطلوبة لحساب الحياة فيه ومن خلال التجربة التي رشدها الحس الجغرافي تفجر الفكر الجغرافي العفوي لكي يوجه التعامل مع الأرض، ولكي يبصر التعايش مع الواقع الطبيعي في المكان.

وفي اعتقادي - على كل حال - أن الحس الجغرافي يمثل قوة من قوى الادراك المبصرة الكامنة في الانسان. وقد أودعها الخالق فيه لكي تبصر حياته وتقود مصيره وتشد أزره وترشد اجتهاده في المكان على الأرض. وصحيح أن الانسان قد اعتمد - بكل الفطنة - على صدق هذا الحس الجغرافي الذي لا يضل ولا يضلل، لكي يتعرف على المكان من حوله، ولكي يتعايش مع الواقع الجغرافي في اي مكان على الأرض. ولكن الصحيح أيضا أن حسن استخدام الحس الجغرافي العفوي، قد حول ادراك المكان من ادراك بالقوة إلى ادراك بالفعل. ومن ثم فجر هذا الادراك بالفعل الفكر الجغرافي العفوي وبلور أهدافه، واخرج ما في الجعبة من حيلة أو ابداع أو اجتهاد لحساب التعايش بين الواقع الجغرافي في المكان في جانب، والحياة التي تشبثت بهذا المكان في جانب آخر.

وإذا كان الفكر الذي يسفر عنه التفكير العقلاني، يمثل في رأى الفلاسفة ، دليلاً على وجود الانسان ماي ومعنوياً ، فإن الفكر الجغرافي الذي يسفر عنه الحس الجغرافي، يمثل في رأي الجغرافية دليلاً على حيوية هذا الوجود، وهو يبصر التوافق والانسجام مع الواقع الجغرافي في المكان - بمعنى أنه إذا كان وجود الانسان لا يستقيم أو يتأتى من غير فكر بناء ، فإن حيوية هذا الوجود وانتظام نبضه الفعال، وانتصاره للحياة، لا يتأتى من غير فكر جغرافي عفوي، يؤمن مصير الحياة في أحضان المكان.

وبهذا المنطق الموضوعي الرشيد، نتبين كيف كان الفكر الجغرافي  العفوي ، وليداً شرعيا نافعا، للإدراك الذكي، الذي هياً له حسن استخدام الحس الجغرافي  الكامن في عمق الانسان أن يولد - ومن الطبيعي أن نستشعر كيف كان الفكر الجغرافي  العفوي، وهو وليد مبهما لبعض الوقت الطويل. الذي افتقد فيه الانسان أساليب التسجيل وحفظ التراث وتوريثه, ومع ذلك فقد تولى هذا الفكر الجغرافي العفوي، وهو مبهم مسئولياته بكل الصدق والواقعية، لحساب الحياة, ومن غير شك أفلح هذا الفكر الجغرافي العفوي في مهمته، عندما توجب عليه ادراك الواقع الجغرافي في احضان أي مكان، أو عندما تولى ترشيد التفاعل الديناميكي الحيوي بين الانسان والأرض ، لحساب دعم الحياة تارة أو لحساب صياغة الحياة الأفضل تارة أخرى.

هذا وينبغي - عندئذ - أن نتصور كيف أسلم الفكر الجغرافي العفوي زمامه لاجتهاد الحس الجغرافي الكامن في عمق الانسان، وكيف استلهم من ملاحظاته المعرفة الكاشفة لأهم أبعاد المواجهة والصراع بين الانسان والأرض، وكيف ترك لاجتهاده أن يوجه ويقود الانتصار في هذه المواجهة، في الاتجاه الذي أملته حاجة الانسان في اطار الممارسة الحياتية الصعبة المكافحة في أحضان المكان - بل يجب أن نستشعر - بالضرورة - كيف أصبح رصيد الفكر الجغرافي العفوي وخبرته، وهي تسعف الانسان وتشد أزره وتلهم كفاحه، ومضات ضوء مشعة تبصر الانتصار لحساب التعايش، وتؤكد فاعلية وجدوى الحس الذكي الجغرافي، لحساب الحياة في أى مكان.

وهكذا كانت الحاسة الجغرافية التي نمتها التجربة وشحذتها الحاجة في المواقف العصيبة التي واجهت مسيرة الحياة، وهي تخدم الاحساس بالمكان وترشد الادراك بالواقع الجغرافي فيه، من وراء الاجتهاد الذي صنع الفكر الجغرافي العفوي، ونمى رصيد خبراته ومعطياته، وحدد مساره ، من أجل مسيرة سوية للحياة - بل لقد كان هذا الفكر الجغرافي العفوي، وهو يخدم التعامل مع الأرض، ويبصر التعايش مع الواقع الجغرافي من وراء الاجتهاد الإنساني الخاص والعام، الذي أطلق عنان الابداع، وصنع الاضافات المفيدة، وأنتج أدوات الحضارة، لحساب المسيرة الحياتية المتأنية، وهي تبتغى ترسيخ وجود الانسان على الأرض.

وصحيح أن الحس الجغرافي  الذكي الصادق، قد اعتصر التدبر من خلال التجاري الحياتية المستمرة ، وهي تنتصر لإرادة الحياة في المكان، لكي تتحدد أبعاد العلاقات المكانية في الزمان، بين المكان لموطن في أضيق دائرة من حول الانسان في جانب, والأماكن الأخرى - المواطن - في أوسع دائرة تغطيها معرفته على الأرض الموطن الكل الكبير للانسان في جانب أخر. ولكن الصحيح أيضاً أن الحس الجغرافي الذكي الصادق، قد استهواه تجسيد الخيال والأمل من خلال التفاعل الحياتي المتجدد، وهو يطوع الواقع الجغرافي  لإرادة الحياة، ويطوع ارادة الحياة للواقع الجغرافي في المكان، لكي يجنى ثمرات المعرفة بالعلاقات المكانية، بين الأرض الوطن الذي يحتوى الحياة، والكون الفسيح الذي يحتوي الأرض، ويشبع ادراكه بمكانة الأرض في هذا الكون ، وبمكانة وجوده وانتصاره على الأرض.

وهكذا قدم الحس الجغرافي  الصادق - بحسن استشعاره وبكامل اختياره - ثمرات الاجتهاد بكل السخاء والوفاء. وكان من شأن هذه الثمرات أن تمثل الالهام الذي غرس نواة الفكر الجغرافي العفوي ، بل لقد أضاف هذا الاجتهاد رصيد أثرى الفكر الجغرافي  العفوي ، وهو يتحمل مسئوليته قبل الحياة وترشيدها في المكان ، أو وهو يتحسس طريقه السوى ويقدم عونه لمسيرة الحياة، أو وهو يظاهر وينصر الحياة في مواجهة الواقع الجغرافي  في أى مكان - وقد كان تحرك الفكر الجغرافي  العفوي - في اعتقادي - على ثلاثة محاور متوازية، وصولاً إلى ثلاثة ثمرات على وجه التحديد - ومن شأن هذه الثمرات أن تمثل - في تصوري - أيعاد الشكل العام الذي حدد محتوى وأهداف وتطلعات الفكر الجغرافي  العفوي لحساب الحياة ، بل وسبيل الحياة الأفضل .

هذا وتتمثل هذه الثمرات التي حددت محتوى وأهداف الفكر الجغرافي العفوي على المدى الطويل، الذي افتقد فيه الانسان الكتابة ووسائل التسجيل والمحافظة على التراث، في التعرف على المكان على صعيد الأرض مرة ، وعلى صعيد السماء مرة أخرى - ومن ثم تأتي ذلك على ثلاثة محاور هي :

١ - المحور الأول: وكان بالضرورة من وراء الاحساس بسطح الأرض ، وادراك كل العوامل التي تشترك في صياغة خصائصه، ومن وراء استشعار التجربة الحياتية في حضن المكان ، الذي يحتوى الحياة ويستجيب لإرادتها وفاعليها بشكل أو بأخر - ومن خلال هذا الاحساس، ومن خلال هذا الاستشعار تكشفت للانسان أنماطاً من التحديات التي تواجه ارادة الحياة في هذا المكان م الذي تشبث يه لبعض الوقت أحيان ، أو الذي عاش فيه لكل الوقت أحيان لخرى, وفي أى من الحالتين، استلهم الانسان الحيلة التي هيأت له الحل أو الحلول التي كفلت صموده في أحضان هذا المكان.

وكان من شأن الخبرة التي استوعيت رصيد الفكر الجغرافي  العفوي ، أن تعجم عود هذه التحديات، وأن تسبر غورها وأن تحدد أبعادها ، لكي ينفتح لها باب الأمل، وهي ترشد أو تبصر اجتهاد الانسان، وهو ينصاع ليعض هذه التحديات لحياناً ويمتثل لإرادتها أحيان، أو وهو يهيئ الضبط الحاكم لها والمنتصر لإرادته عليها أحياناً لخرى, وسواء امتثل الانسان للتحدي الذي أملاه الواقع الجغرافي  في المكان، وطوع ذاته وارادته، لكي يتعايش، أو لحيط الانسان التحدي وأبطل مفعوله وطوعه لإرادته ، لكي ينتصر لحياته في هذا المكان ، فينبغي أن تتبين كيف تحدد المسار الذي سعار فيه الفكر الجغرافي  العفوي لحساب الحياة ، ودعم صيغ المعايشة مع الواقع الجغرافي في أى مكان، مساراً واضحاً، وهو يستلهم الصدق والواقعية وحسن الترشيد من الحس الجغرافي  الذكي المتفتح.

وصحيح أن ثمرات الفكر الجغرافي العفوي، قد استهدفت - بكل المروتة - الادراك الكلي والجزئي للخصائص من وراء الواقع الجغرافي في المكان، والهمت وبصرت التفاعل الحياتي الإيجابي والسلبي بين الانسان والأرض، ورصدت جدوى التأثير المتبادل في المصارعة بين الانسان والواقع الجغرافي  في المكان لحساب الحياة . وصحيح أيضا أن ثمرات الفكر الجغرافي  العفوي ، قد أسعفت وبرهنت على حست أدائها ودعمها تأكيداً للحياة وحرصا على استمرار وجودها وتأمينها في أحضان أى مكان، وأسهمت في صياغة وتشكيل وتنويع أنماط الحياة في كل مكان. ولكن الصحيح أيضا أن ثمرات هنا الفكر الجغرافي  العفوي، قد تابعت - بكل الفطنة - عوامل التغيير على سطح الأرض في المكان، وهي تبدل الأحوال وتعدل من مواصفات وخصائص الواقع الجغرافي في المكان.

ومن ثم ينبغي أن تتصور كيف لعبت ثمرات الفكر الجغرافي العفوي دورها الوظيفي بمهارة، وكيف بصرت الحياة وهي تقبل يهذا التغيير وتقبل عليه وتستوعبه، أو وهي ترفض هذا التغيير وتتحرك من المكان إلى المكان الأنسب الأخر. وفي أى من هاتين الحالتين ، وهو القبول بالتغير ومعايشة الواقع الجغرافي  في المكان، أو رفض التغيير واستحالة معايشة الواقع الجغرافي  في المكان ، تولى الفكر الجغرافي  مهمة ترشيد ودعم اختيار الانسان. بمعنى أنه رشد الانسان مرة، وهو يقبل على صنع التغيير في حياته عن أجل التشبث والبقاء في المكان، ورشد الانسان مرة أخرى وهو يرفض التغيير ويلتزم بالتحرك إلى المكان الأنسب - وهذا معناه أيضا أن الفكر الجغرافي  العفوي كان بصيرة الحياة المتفتحة ، لأنه أخذ على عاتقه دائماً خدمة الحياة ودعمها في المكان ، يقدر ما أخذ على عاتقه تأمين مسيرة الحياة، وتعايشها مع الواقع الجغرافي  في كل مكان.

وفي اعتقاد أى من الجغرافيين المعاصرين المنصفين، أن الاحساس بالمكان الذي يحتوي الحياة ، وأن الادراك الحسى لخصائص وسمات المكان الذي يعطي ويؤمن الحياة ، تمثل أبعادا هامة وكاشفة لمفاهيم الفكر الجغرافي  العفوي ، قد تعبر تعبيراً جيعاً عن أداء هذا الفكر الوظيفي، وهو يجسد الواقع الجغرافي  في المكان تجسيدا واضحا. وتتبنى عليه بالضرورة المتابعة الذكية واستشعار منطق التغيير في هذا الواقع الجغرافي ، وكيف يسهم في تطوير الحياة في للمكان، أو كيف ينقلها ويحركها ض المكان إي المكان الأفضل, وفي اعتقاد أى منصف من الجغرافيين المعاصرين أيضاً، أن الفكر الجغرافي  العفوي عندما تكفل بتجسيد الواقع الجغرافي  في المكان لم يبدأ من فراغ، لأنه استلهم الحس الجغرافي, كما أنه لم ينكب على أداء دوره الوظيفي عبثاً، لأنه حقق بالفعل أقصى قسر من الاستجابة لطلب المعرفة التي طلبها الانسان لحساب الحياة في المكان .

وهكذا نستشعر كيف وقف الفكر الجغرافي العفوي في صف الانسان ، وكيف همس في أذنيه ، كلما واجه أعباء التحدي في المكان وهذا معناه أن اتخذ الانسان من الفكر الجغرافي وأدائه الوظيفي رفيقا يظاهره، وهو يقبض على زمام الواقع الجغرافي  ويؤمن مصيره في احضان هذا الواقع في أي مكان ، بل لقد اتخذ الانسان منه أيضاً رفيقا يظاهره ، وهو يبصر الحياة التي تدس جذورها في المكان ، أو التي تتحرك وتنتقل من مكان إلى مكان أفضل .

ويهذا المنطق الموضوعي، كانت هذه الثمرة من ثمرات الفكر الجغرافي  العفوي الذي جمع أوصالها وتولى صياغتها، وليدة التفتح وحسن استخدام الحس الجغرافي  وتدبر ما يستشعره في أنحاء المكان - وكانت هذه الثمرة الطيبة- بكل تأكيد - بصيرة الانسان على الأرض، وهو يتعايش في أحضان أى مكان، أو وهو يتعامل مع الأرض ويطلب الاستجابة منها والوفاء لإرادة الحياة في هذا المكان, كما كانت هذه الثمرة الطيبة - بكل تأكيد - دليل الانسان على الأرض ترشد وتقود خطاه ، وهو يضرب في الدروب ويتحرك طلبا للموطن الأفضل في المكان الأنسب، أو وهو يتشبث بالأرض ويواجه أعباء التحديات، ويحل عقدتها ويبطل مفعولها وينتصر لإرادة الحياة في المكان الأفضل للموطن الأنسب, ومن ثم نتبين - بكل الواقعية - كيف اتخذ الانسان من مهمة الفكر الجغرافي  الوظيفية سلاحا ، لكي ينتصر لإرادة الحياة في المكان، أو لكي ينصر انتشار حركة الحياة، وتنويع الاستيطان ض كل مكان على صعيد الأرض .

٢- المحور الثاني: وكان بالضرورة من وراء الاحساس بمشقة التجرية الحياتية في المكان المعين الذي احتوى الموطن الصغير- ومن وراء استشعار العلاقات الأصولية بين التجرية الحياتية الذاتية في المكان المنتخب الذي احتوى على الموطن الصغير على الأرض، والتجاري الحياتية العامة في الأماكن المنتخبة التي احتوت المواطن في أنحاء الوطن الكبير الكل الأرض ومن خلال هذا الاستشعار تكشفت للانسان معنى التنوع في أنماط التعامل مع الأرض لحساب الحياة، ومعنى الوحدة في المصير الذي يواجه مسيرة الحياة .

هذا وكان من شأن الحس الجغرافي  الذي استلهم ماهية العلاقة الإيجابية والسلبية بين الحياة في المكان والحياة في الأماكن الأخرى ، واستوحى منطق الاطار الجامع لأنماط الحياة المتنوعة والمنتشرة على صعيد الأرض ، أن يحفز الفكر الجغرافي  العفوي، لكي يتدبر معنى وفاعلية المسافة بين المكان والأماكن الأخرى، ولكي يولجه التحدي الذي يعلنه حاجز المسافة بين أوصال الحياة في كل مكان. وهذا معناه أن الفكر الجغرافي العفوي، قد تطلع إلى صيغة او صيغ تحقق معنى وجدوى الانتصار على حاجز المسافة واختراقه، وصولاً إلى درجات من الترابط بين أوصال الحياة في كل مكان. او وصولا الى درجة من التكامل والدعم المتبادل بين التجربة الحياتية في أى مكان، والتجارب الحياتية الأخرى في كل مكان على صعيد الأرض.

هكذا فتح الحس الجغرافي  الصادق باب الاجتهاد، عندما حمل الفكر الجغرافي  العفوي مسئولية الاضافة أو الابداع ، الذي يسعف الانسان في مواجهة حاجز المسافة - وقد تمثلت هذه الاضافة أو الابداع في ضبط عامل اسقاط هذا الحاجز واختراقه- واحباط أو ابطال مفعوله لكيلا تنقطع الصلة بين المكان والأماكن الأحرى - وما من شك في أن حرية التحرك أو تحرير التحرك لم يكن عيثا لى مقصودا لذات الحركة - بل كان من وراء هذا التحرير التطلع الانساني إلى استثمار الاتصال ،وجنى حصاد التكامل بين التجاري الحياتية المتنوعة، المنتشرة على أوسع مدى في أنحاء الأرض.

وسواء أفلح هذا الضبط الذي أسفر عته الفكر الجغرافي  العفوي وتيناه ورشده فلاحا كليا، لكي تنتصر للعلاقة والاتصال ويتحرر التحرك ، لحساب التكامل بين أنماط الحياة المتنوعة في انحاء الأرض, أو لم يفلح هذا الضبط في اسقاط حاجز المساقة واختراقه إلا في حدود معينة ، فينبغي أن نتبين كيف قاد الفكر الجغرافي العفوي الانسان في الاتجاه الصحيح ، وكيف ألهمه الوسيلة التي وسعت دائرة تحركه، وانتقاله من حول موطنه في المكان المعين إلى موطن الحياة في الأماكن الأخرى. بل ينبغي أن نتبين أكثر من ذلك، كيف لسقر تحرير التحرك وتوسيع دائرته الانتقال عن ادراك حقيقتين هامتين هما، وجه الأرض ووحدة الناس على صعيد الأرض. وعندئذ ان يرى الفكر الجغرافي العفوي إلى استيعاب هاتين الحقيقتين، وما ينبني عليهما معا لحساب الحياة في كل مكان.

وصحيح أن وعى الفكر الجغرافي  العفوي، قد استلهم من الحس الجغرافي  معرفة الكل المتكامل في اطار جامع، يشمل وحدة الأرض ووحدة الناس على هذه الأرض، من خلال المعرفة بالجزء المتميز من هذا الكل- وصحيح أن اهتمام الفكر الجغرافي  العفوي بهذا الجزء المتميز من الكل، قد قوم معنى وكنه وجدوى العلاقة المكانية، التي ربطت بين الأجزاء المتباينة ، من مكان إلى مكان آخر على الأرض ، من خلال انتشار الاستيطان البشرى على المدى الواسع ، وانتقال نبتة الحياة من موطن إلى موطن آخر في أرجاء الأرض ولكن الصحيح أيضا، أن هذا الفكر الجغرافي  العفوي، هو الذي استشعر حقيقة وحدة الأرض، وحقيقة وحدة الناس ، وتلمس أبعاد وحدة الحياة ومدى التنوع في أنماطها وأساليبيها ومناهج تعايشها في سائر المواطن المتنوعة، قد تابع- بكل الفطنة- أسباب وجدوى التكامل والاتصال والدعم المتبادل، بين الحياة في الموطن المعين، والحياة في سائر الأوطان على امتداد الأرض ومن خلال اسقاط حاجز المسافة واختراقه في البر والبحر، تولى هذا الفكر ترشيد الخبرة التي تولت أمر التحرك والانتقال من المكان إلى المكان الأخر- كما تولى بالضرورة تهيئة الدعم المتبادل ، بين الحياة المنتشرة على المدى الواسع في أرجاء الأرض.

وهكذا استشعر الفكر الجغرافي  العفوي مسئوليته وأداء دوره الوظيفي، وهو يخدم المصلحة المشتركة للحياة، لكي يؤمن مصيرها ويشد أزرها، وينمي انتفاعها بالدعم المتبادل بين المكان والمكان الآخر، أو بين الموطن والموطن الأخر، لحساب الناس كل الناس في الأرض كل الأرض بل لقد أصبح من شأن الفكر الجغرافي العفوي، الذي صاحب مسيرة الحياة وأخذ على عاتقه مهمة استيعاب وترشيد المصلحة المشتركة للحياة في أرجاء الأرض، أن يأخذ بالانفتاح ومنطق الأخذ والعطاء ، لكي يحقق أهدافه ويؤدى دوره الوظيفي البناء ، وأن يرفض  الانغلاق ومنطق الانطواء والتقوقع، الذي لا يخدم لتكامل بينا لمكان والمكان الأخر، ولا يتوافق مع التسليم بوحدة الأرض، ووحدة الناس على امتداد الأرض .

وفي اعتقاد أى منصف من الجغرافيين المعاصرين أن حسن استخدام الحس الجغرافي الذكي، الذي لا يضل ولا يضلل، من أجل ادراك موضوعي للواقع الجغرافي في الكل، من خلال الواقع الجغرافي في الجزء على الأرض، ومن لجل استشعار التكامل الذي يجمع شمل الأجزاء المتباينة والمتباعدة في اطار الكل الشامل للأرض كان- بكل تأكيد - من وراء التدير والتفكير وشحذ العقل، الذي لسفر عن الفكر الجغرافي العفوي، وتسخير انجازه لدعم ومظاهره التعايش في أى مكان.

وفي اعتقاد أي منصف من الجغرافيين المعاصرين ايضاً ، أن حسن استخدام الحس الجغرافي الذي لا يضل ولا يضلل، من أجل استشعار كنه وماهية وحدة الأصل، الذي يجمع شمل الناس والبناء البشري على امتداد الأرض ، ومن اجل ذلك  جدوى الانفتاح والتفتح الكاشف عن موضوعية وأهمية العلاقات بين الناس في المكان، والناس في كل مكان على الأرض، كان - بكل تأكيد - من وراء التدبر والتفكير وشحذ العقل الذي أسفر عن الفكر الجغرافي العفوي وتسخير دوره الوظيفي وأدائه التلقائي، لحساب للحياة في كل مكان.

هذا ولقد كان من شأن هتا الفكر الجغرافي  ودوره الوظيفي، أن يفلح في مغزاه ومرماه إلى حد كبير، نلك لأنه لم يتأت إلا من خلال استيعاب كنه وماهية جدوى حقائق أصولية، ترتكز إليها النتائج التي يصل إليها التدير والتفكير وتتمثل هذه الحقائق في:

أ- الحقائق الأصولية التي أنبأت بوحدة الأرض من حيث النشأة والتكوين ، بصرف النظر عن مدى التنوع والتباين بين خصائص المكان، وخمائص أو مواصفات المكان الأخر.

ب- الحقائق الأصولية التي أنبأت بوحدة الناس من حيث الأصل والمصير، بصرف النظر عن مدى التنوع والتباين، بين الناس والناس في أحضان الأوطان المتميزة على امتداد الأرض.

ويهذا المنطق الموضوعي، كانت هذه الثمرة من ثمرات الفكر الجغرافي العفوي، الذي جمع أوصالها وتولى صياغتها, وليدة الانفتاح وحسن استخدام الحس الجغرافي، وتدبر ما يشعره عن كل الأرض وكل الناس, وكانت هذه الثمرة الطيبة - بكل تأكيد - بصيرة الانسان التي لم تضلله، عندما انفتح من خلال رؤية الجزء الذي يحتوى موطنه على الأرض، على تصور شمول الكل الذي يضم الأوطان الجامعة شمل كل الناس في أرجاء الأرض, كما كانت هذه الثمرة الطيبة - بكل تأكيد - أيضاً دليل الانسان الذي لم يخطئ عندما استشعر من خلال استيعاب وتدبر العلاقة بين الجزء والكل، معنى وجدوى المصلحة المشتركة للحياة على الأرض, وكيف تكون مطلوبة وحاسمة لحساب وحدة المصير الذي يشترك فيه الناس في كل أنحاء الأرض- ومن ثم يمكن أن نتبين - بكل الواقعية - كيف اتخذ الانسان من مهمة الفكر الجغرافي العفوي ودوره الوظيفي سلاحا، لكي ينتصر لإرادة الحياة، ولكي يبصر ويرشد وجوده بجدوى المنطق الذي ينتصر لوحدة الناس، ومصلحة الحياة المشتركة في الاطار الجامع الذي يتمثل في وحدة الأرض.

٣- المحور الثالث: كان بالضرورة من وراء الاحساس، بوضع الأرض التي احتوت الحياة ، في لحضان الكون الفسيح الذي يطوقها بأنواع متنوعة من الأجرام السماوية، ومن وراء استشعار شكل أو أشكال العلاقة المنطقية بين الأرض والكون ومن خلال هذا الإحساس الذي شد البصر إلى السماء والتطلع إلى أبعادها الفسيحة، وهي صافية، ومن خلال معاينة الأجرام في مواضعها ومتابعة تحركاتها في مسالكها، ومن خلال الانفتاح والتفتح على ما ينبئ بالكون وماهيته من حول الأرض، كان الابصار والرؤية، وكانت البصيرة والتأمل، وسيلة الانسان لكي يتدبر ويستنفر الحس الجغرافي، وصولاً إلى استشعار وضع الأرض في الكون، وإلى استطلاع علاقة الارض بالكون، وإلى ادراك مكانة الأرض، في إطار كينونة الكون.

هذا ولقد كان من شأن الحس الجغرافي  الصادق، أن يستجيب لإرادة التدبر ويشيع حاجتها لإرضاء شهوة المعرفة- يل وكان من شأنه أيضاً أن يسعف الانسان وينتشله من الفزع الذي انتابه، كلما تغيرت الأحوال من حوله في السماء، وهي تزمجر بالغضب احيانا، أى وهي تصفو بالبشاشة أحياناً أخرى، أو كلما تغيرت أوضاع الشمس والقمر والأجرام في قبة السماء، وهي مشرقة بنور وضاء، أو وهي أفله بظلمة حالكة, وهل للحياة حيلة غير أن تسأل الحس الجغرافي، لكي يبصر التدير والتفكير في أمر هذا الكون وتقلباته، التي تفزعها حينا، وتؤمنها احياناً أخرى ؟

وهكذا كان على الحس الجغرافي في الانسان، أن يستوعب - بكل الفطنة - مكان الأرض في الكون، وأن يتحسس - بكل الموضوعية - علاقة الأرض بالكون، وأن يتصور - بكل الوعى - مكانة الأرض في الكون، لكي يبصر التدير ويرثد التفكير في أمر هنا الكون الفسيح من حول الأرض - وهذا معناه أن الفكر الجغرافي  العفوي قد تبنى أمر هذا الكون. وربما تطلع إلى كشف غموض الكون، وبيان جدوى تأثير الأجرام السماوية في الكون على الحياة، ووقع خطوات مسيرتها وتنوع مكانتها على الأرض . وأضاق هذا الاهتمام إلى رصيد الفكر الجغرافي  العفوي اضافة مفيدة عن الكون، على اعتبار أنها تخدم وجود الانسان وتؤمن قزع الحياة من غصب وزمجرة السماء .

ويبدو أن رصيد الفكر الجغرافي العفوي، الذي تحمس للمعرفة بالكون قد حفز الانسان لأن يتصور الأرض، وكيف أنها تحتل أو تشغل المركز القلب النابض من الكون وربما فشل في نفس الوقت في تأمين الانسان وفزعه من غضبة السماء التي يزمجر بها الكون - بمعنى أنه بث في الحياة روح ومنطق التخوف، وهو يتدبر أمر الكون من حول الأرض ، وأنه لم يبث الأمن أو يشيع الطمأنينة لحساب الحياة، التي تتخوف وتفزع من التقلبات في أنحاء الكون, وربما ذهب الفكر الجغرافي برؤية الانسان وتسيره في أمر الكون إلى حد تجاوز منطق الاستعلاء بالذات، لكي يتصور كيف كان الكون.  

لكي تكون الأرض وكيف كانت الأرض لكي تكون الحياة على الأرض، وكيف كانت الحياة على الأرض، لكي يكون الانسان سيداً في الأرض بمعنى أنه من اجل الانسان كانت الحياة، ومى أجل الحياة كانت الأرض ومن أجل الأرض كان الكون  وسواء أصاب الانسان وهو يقدح فكرة الجغرافي أو أخفق في هذا التصور النابع من الذات، فينبغي أن نستشعر كيف صاغ أو صنع هذا التصور الذاتي النزعة مساراً واضحاً تحرك فيه التفكير الجغرافي تحركاً متخبطاً، لحساب ذاتية الحياة على الأرض أى لحساب أنانية الانسان على الأرض ، في اطار الكون العظيم من حوله.

وصحيح أن حسن استخدام الحس الجغرافي  الصادق، قد ألهم الفكر الجغرافي العفوي، وهو يرصد الاطار الجامع لامتداد الكون الفسيح من حول الأرض وصحيح أيضا أن حسن استخدام الحس الجغرافي  الصادق، قد أشبع الفكر الجغرافي العفوي وساند خطاه ، وهو يتدبر وضع الأرض في مكانها في المركز القلب من الكون - ولكن الصحيح - بكل تأكيد أيضا أن حسن استخدام الحس الجغرافي  الصادق، قد يصر وحفز الفكر الجغرافي  العفوي، لكي يحدد معنى ومغزى وقيمة العلاقة بين الأرض في جانب ، والأجرام السماوية في الكون الفسيح في جانب آخر - وربما كان ذلك من وراء القفزة الفكرية التي استثمرت هذه العلاقة السرمدية، من خلال استشعار كنه القوة أو القوى الخفية، أو من خلال غرس نبتة العقيدة المؤمنة بفاعلية وقدرة هذه القوى ، ومدى تأثيرها على نبض الحياة وكينونتها ومصيرها في المكان وفي الزمان على الأرض.

وهكذا ينبغي أن نتبين- بكل الوضوح - كيف تابع الفكر الجغرافي العفوي، من خلال انفتاح الحس الجغرافي على السماء، والتطلع إلى الأجرام السماوية، والتأمل في حركتها ومدى انتظامها ورتباتها، مهمته لكي يشبع نهم الانسان إلى معرفة المجهول الذي يقزعه حين ويذهله أحياناً لخرى. كما ينبغي أن نتبين- بكل الفطنة- أيضا، كيف تفتقت مهمة الفكر الجغرافي العفوي، من خلال مطالعة قبة السماء،

عن استشعار فاعلية وجدوى كل الضوابط والسنن الحاكمة للحركة السرمدية في الكود الفسيح الغامض من حول الأرض, ومن المؤكد أنه عمل عن الفكر ادراك واقعي صحيح ، يصور كنه وماهية هذه الضوابط والعس الحاكمة  ولكنه استل منها تصورات مبهمة غريبة تلعب دوراً غير مرئي في مصير الحياة على الأرض.

وبصرف النظر عن مبلغ الخلط الشديد بين رصيد الفكر الجغرافي العفوي عن المعرفة بالكون وعن التنجيم ومطالعة الحظ، وعن نبتة الاعتقاد في قوى الخير والشر في جوف هذا الكون ، تستشعر كيف أخذ التفكير على عاتقه مسئولية التدبر في أمر الكون ، ومسئولية تلمس العلاقة بين الأرض وما عليها ، والسماء وما فيها ، لحساب الحياة. ومن ثم كان تشبث الانسان بالانفتاح على قبة السماء دائما ، مطلب يحفز الفكر الجغرافي  العفوي لكشف غموض المجهول فيها الذي يفزعه، ولتطويع الحركة فيها لحساب الزمان ، الذي يطوى صفحات الحياة - يل لقد ابى الانسان أن ينطوي الفكر الجغرافي العفوي انطواء، يصرف معاينته عن قبة السماء، وينكر أو يتنكر لجدوى الاستطلاع الفلكي  في خدمة الحياة على الأرض.

وفي اعتقاد أى من الجغرافيين المعاصرين المنصفين، أن الاحساس بالاطار الجامع للكون كله من حول الأرض، واستشعار الفزع من المجهول الذي يزأر بالغصب، أو يشرق بالصفاء، واستطلاع كته ومغزى العلاقة بين، الأرض وما عليها من نبض الحياة ، والسماء وما تحتويه من لجرام، تمثل أبعاداً هامة وكاشفة لاهتمام وتدبر، وقد تولى أمره الفكر الجغرافي  العفوي وولاية الأمر من شأنها عندئذ أن تعبر عن أداء وظيفي يتسم بالقدرة على التخيل أولاً ، وتجسيد هنا التخيل ثانيا بصرف النظر عن مدى الأخطاء التي تردى فيها ، وهو يكشف النقاب عن المجهول في الكون.

وفي اعتقاد أي منصف من الجغرافيين المعاصرين أيضاً، أن الفكر الجغرافي  عندما تكفل بتدبر أمر الكون ، وتجسيد تخيله عن هذا الكون لم يبط من فراغ لأنه استلهم - في الحقيقة - الحس الجغرافي ، الذي علق استشعاره بقبة السماء وتابع زئير الغضب  حيناً واشراقه الصعاء حين اخر كما أنه لم يكتب على أداء دوره الوظيفي عيثا لأنه قد حقق بالفعل أقصى قدر من وضوح التصور لكنه وماهية الكوى استجابة لتطلع الحياة إلى كشف النقاب عن المجهول في الكون.

وهكذا نستشعر كيف وقف الفكر الجغرافي  العفوي في صف إرادة الانسان ، وكيف صور له ما وراء قوى الطبيعة التي تشرق بالصفاء وتزمجر بالغضب  ومن غير أن يبدد عنه الفزع ، ريما أقلح الفكر الجغرافي  العفوي أيضاً ، في أن يغرس في قلب الانسان نبتة العقيدة التي تتخوق من القوة الخفية المتخفية، فيما وراء قوى الطبيعة الشريرة والخيرة. وما كان لهذا الدور الوظيفي أن يفلح، لولا أن تأتى بالفعل من خلال استيعاب كنه وجدوى السنن الكونية التي حددت مكان ومكانة الأرض في الكون الفسيح، وصورت موضعها، وهي تحتوى نبض حركة الحياة بين أجرام السماء.

ويهذا المنطق الموضوعي ، كانت هذه الثمرة من ثمرات الفكر الجغرافي  العفوي، والتي جمع أوصالها وتولى صياغتها التدبر، وليدة حسن استخدام الحس الجغرافي  الذكي, ولقد كانت - من غير شك - بصيرة الانسان التي لا تضلله، وهو يتطلع بالأمل إلى السماء من فوق رأسه، لكي يتحسس مصلحة الحياة في العلاقة المعنية بأجرام السماء، والتي تجسدت في الضوء والحرارة والمطر، ولكي يستشعر هذه المنح السخية من السماء وأجرام السماء ،وكيف تدعم الحياة وتشد أزرها وتؤمن حاجاتها في أحضان الأرض, كما كانت - من عير شك - أيضاً رقيقة الانسان التي لا تضلله ، وهو يتطلع بالخوق والفزع إلى السماء من فوق رأسه ، لكي يتحسس غضيه قوى الطبيعة التي تتجسد في زمجرة وزئير وبريق يخطف الابصار وصواعق حارقة مدمرة، ولكي يستشعر هذه النقم ، التي تفزع وتهدد بها السماء مصلحة الحياة في أحضان الأرض - كما كانت هذه القوة أيضا - ومن غير شك - دليل الانسان الذي لا يكذب عليه ، وهو يلتمس رضا وعون القوة الخفية التي تفجر تقلبات السماء وتحولها - من عطاء النعم مدراراً ، إلى صب النقم والبلايا ومن ثم يمكن أن نتبين - بكل الوضوح - كيف اخذ الفكر الجغرافي العفوي بيد الحياة وكيف تحمل مسئولية التدبر ، وهو ينفتح بكل التفتح على حصاد الحس الجغرافي الذي يرقب السماء، ويتطلع إلى الكون الفسيح بالمنطق الدى انتصر لمصلحة الحياة في رصد العلاقة بين الأرض والكون من حولها.

هكذا كانت إرادة الحياة في المكان على الأرض ، وفي أي مكان على امتداد الأرض ، والتي تزودت بالحس الجغرافي  وأحسنت استخدامه م من وراء حفز التدبر والتفكير، الذي فجر الفكر الجغرافي  العفوي، الذي كان يسعفه في مواجهة أعباء الحياة - كما كانت حقيقة الموت التي تنهي حياة كل انسان في كل مكان على الأرض، من وراء حفز التدبر والتفكير الذي فجر الفكر التاريخي العفوي، الذي يرقب ويعالج تقدم وتجدد مسيرة الحياة .

ومن قبيل الاستجابة لإرادة الحياة والتشبث بها والتطلع إلى التطويع المتبادل بين الانسان والأرض ، كانت الرغبة في معرفة الواقع الطبيعي في المكان، الذي يحتوى الحياة في أضيق دائرة من حول الانسان، وفي أوسع دائرة من حول كل الناس وتطلع الفكر والاجتهاد عندئذ إلى دراسة واقعية كاشفة، تصور المسرح الذي يستجيب لإرادة الحياة.

وعندما يتطلع الفكر الإنساني- بكل الاجتهاد إلى معرفة المكان، لأن الانسان يتشبث بالحياة، ويتشوق إلى دعم عطاء واستجابة الأرض في المكان لها، ويتلمس الضوابط الحاكمة للتفاعل الحياتي الديناميكي بينه وبين الأرض لحساب الحياة، يتجه هذا الفكر الذي استثمر الحس الجغرافي  في الاتجاه الجغرافي - وهو - من غير شك — الاتجاه الهادف الذي يسفر عن نتائج طيبه وعطاء مقيد ، يخدم ارادة الحياة وانجاح تعايشها مع الواقع الجغرافي في المكان بل أنه السبيل الأمثل الذي يسعف الانسان ، وهو يمسك بزمام الأرض ويطوعها، أو وهو يعمل من لجل تأمين حق الحياة في الأرض.

ومن قبيل الاستجابة لحقيقة الموت والانصياع لها ، لكي تتجدد  أجيال الحياة، كانت الرغبة في حساب الزمان، الذي يمضى وتمضى معه فصول قصة أو مسيرة الحياة في حدود أقصر مدى لحياة الانسان ، أو في حدود مدى الحياة الإنسانية كلها وتطلع الفكر والاجتهاد- عندئذ- إلى دراسة التطور الكاشف الذي يصور استمرار وتجدد قصة الحياة، وكيف يطويها أو يطوى صفحاتها الزمان، بقدر ما تطويه.

وعندما يتطلع الفكر الإنساني - بكل الاجتهاد- إلى حساب الزمان، لأن الانسان يستشعر الوقت، الذي يفصل بين ولادة الحياة ونهاية الحياة، ويتلمس الضوابط الحاكمة لتجدد نبض اجيال، الحياة واستمرار مسيرتها، ويتشبث برصد الفصول التي تحكى فصول أو سياق قصة الحياة وتجددها ، من خلال الترابط بين السلف والخلف ، يتجه هذا الفكر الذي استثمر الحس التاريخي في الاتجاه التاريخي  وهو - من غير شك - الاتجاه الهادف الذي يسقر عن نتائج طيبة وعطاء مفيد، يخدم إرادة استمرار ومواصلة الحياة وانجاح تجددها في الزمان - بل أنه السبيل الأمثل الذي يسعف الانسان ، وهو يتابع صفحات الحياة، التي يطويها الزمان لكي تتجدد، وتتوالى الأجيال من زمان إلى زمان أتحر.

وهكذا ولد الحس مع ولادة الانسان على الأرض - وكان له - بكل تأكيد - وجهين مختلفين اختلافا جوهرياً . وجه تطلع بكل اللهفة إلى استشعار قيمة المكان في الزمان ، ووجه قطاعا من الفكر لكي يصيح فكراً جغرافياً ووجه آخر تطلع بكل الاهتمام إلى استشعار حركة الزمان في المكان، ووجه قطاعا من الفكر لكي يصبح فكراً تاريخيا- ومن الطبيعي أن تبدأ مسيرة الفكر الجغرافي  قبل أن تبدأ مسيرة الفكر التاريخي، لأن استشعار قيمة المكان في الزمان لحساب الحياة سبق استشعار حركة الزمان في المكان لحساب مسيرة تجدد الحياة ومع ذلك لا ينبغي أن نغفل العلاقة الأصولية بين هذين الوجهين المختلفين، اوبين الفكر الجغرافي العفوي والفكر التاريخي العفوي - ومن الجائز- فعلا - ألا تكون هذه العلاقة عضوية في الأصل، ولكنها - بكل تأكيد- علاقة موضوعية إلى أيعد الحدود.

هذا ولا ينبغي أن ينكر أي جغرافي معاصر منصف موضوعية هدم العلاقة، بين الفكر الجغرافي  والفكر التاريخي  او ان يتنكر لكنهها وماهيتها وجدوها ذلك أن دراسة المكان قصور القاعدة أو للسرح الذي يشهد ديناميكية الحياة في الزمان ، وأن دراسة الزمان تصور السياق أو التطور الذي يشهد فصول قصة الحياة في المكان. ولأن الانسان يحيا ويتشبث بدعم أسباب الحياة في المكان, فينبغي أن يفكر الانسان جغرافيا، لكي يتبين كيف تكون قرصة الوجود. بمعنى أن التفكير الجغرافي  يكون مطلوباً وهادفاً ، لتأمين التعايش مع الواقع الجغرافي في أحضان أى مكان على الأرض- ولأن العمر يمضي وينمى الموت فصلاً من فصول أجيال الحياة مع مرور الزمان، فينبغي أن يفكر الانسان تاريخياً ، لكي يتبين كيف يطوى الزمان صفحات الحياة ويشهد تجدد الحياة - بمعنى أن التفكير التاريخي يكون مطلوباً وهادفاً ، لتأمين استمرار قصة التعايش ، مع الواقع الجغرافي  في اي مكان على الأرض.

ومن شأن العلاقة الموضوعية بين الفكر الجغرافي  والفكر التاريخي في أى مرحلة من مراحل المسيرة، أن تتجلى من خلال استشعار الضوابط الحاكمة للصلة الواقعية بين الحياة والموت - وهي - من غير شك - علاقة مصير لا ينبغي أن تتفصم - وكيف نتصور أنها علاقة يمكن أن تنفصم، وهي كاشفة عن صلة بين استشعار المكان الذي يحتوى الحياة في الزمان المعين، واستشعار الزمان الذي يشهد تجدد الحياة في المكان المعين . وهل تولد الحياة إلا لأنها فموت ؟ وهل يموت الانسان إلا لأنه يحيا ؟ والموت يحق لا يوقف العجلة الدوارة بحركة ومسيرة الحياة في المكان ، من زمان إلى زمان أخر -

وهكذا عاش الفكر الجغرافي- تأسيسا على موضوعية هذه العلاقة - قبل أن يكون مكتوباً، وحتى بعد أن أصيح فكراً مكتوبا، عاش متداخلاً ومخلوطاً مع الفكر التاريخي. جل ان الخلط والتداخل بين الفكر الجغرافي والفكر التاريخي، لكي يمتزج الاحساس بالمكان مع الاحساس بالزمان، لحساب التعايش واستمراره في للكان والزمان، يمثل أمراً حيوياً وحتى عندما يتطور التفكير ويتولى الابداع وعندما ترفض الصفوة الرائدة على رأس مسيرة كل من الفكر الجغرافي والفكر التاريخي الخلط والتداخل، وتتلمس الخيط الرفيع القاصل بينهما، يظل الفكر الجغرافي  في خدمة الفكر التاريخي يبصره ويرشد اجتهاده بدور العامل الجغرافي، من وراء حركة الأحداث ونتائجها.

وهذا معناه مرة أخرى ، أن الفكر الإنساني الذي فجره الحس والادراك، في مواجهة المواقف الصعبة بحثا عن الحيلة أو الوسيلة، قد تبنى من خلال الاحساس بالمكان ومعرفته، ومن خلال الاحساس بالزمان وحسابه، أهداف الانسان - والتبني معناه أن يبصر مصيره، ويحقق مصلحته، وينصر وجوده، في أحضان الواقع في المكان ، وهو يعيش، أو في سياق حركة الزمان ، وهو يطوى صفحات الحياة لكي يواصل التعايش في لحضان الواقع المتغير في المكان - ولكن هل ينبغي أن نتوقع عندئذ، أن تكون بداية الفكر الجغرافي  والفكر التاريخي بداية مشتركة ومتزامنة في وقت ولحد؟ وهل صحيح أن هذا الفكر يكون فكراً عفوياً ونابعاً من الذات الانسانية بكل التلقائية ؟

وصحيح أن الكل يصور لنا ، كيف كانت مسيرة الفكر الجغرافي  في خدمة مسيرة الفكر التاريخي - وصحيح أن الكل يصور لنا الفكر الجغرافي  في مرحلة ما بعد الانسلاخ ، قد لعب دور المعلم والرائد الذي يصر ورشد مسيرة الفكر التاريخي. وصحيح أن البعض يصور لنا كيف أن حصاد الفكر الجغرافي  في الزمن الحاضر، هو موضع اهتمام الفكر التاريخي في المستقيل. وصحيح أن البعض يصور لنا كيف أن الجغرافية هي تاريخ اليوم، وأن التاريخ هو جغرافية الماضي - ولكن الصحيح أيضاً - بكل تأكيد - هو :

أولاً: أن حصاد الفكر الجغرافي حصاد مفيد مثمر، يعيه الانسان ويستوعيه ويستثمره ويعمل بموجبه، لحساب الحياة في أى مكان، من غير حاجة - بالضرورة - لأن يكون هنا الحصاد حصاداً مسجلاً أو مكتوبً - بمعنى أنه خبرة تكتسب ترشد الحياة، وتشد أزرها وتورث هذه الخيرة انحداراً من جيل إلى جيل آخر.

ثاني: أن حصاد الفكر التاريخي حصاد مقيد ومثمر، تحتووه قصة وترعيه حكاية  وقد يتعرض لإضافات وتضخيم أو لحذف وتشويه يقصد أو من غير قصد وهذا مناه أنه لا يكون مثمراً وموثوقا به إلا إذا ابتكر الانسان وسيلة لحساب الزمان لضبط التسلسل الدقيق ، الذي يحكى في سياق رتيب حركة ومسيرة قصة الحياة - ووسيلة للتسجيل لتأمين السياق ، ومضى حركة الأحداث التي تحتويها قصة أو حكاية الحياة.

وهكذا، يمكن أن يكون الفكر الجغرافي  فكراً عفوياً ينبع من الذات بكل التلقائية ء لكي تحتويه الخبرة بالمكان والتعايش فيه - بل ويمكن أن يعيش هذا الفكر الجغرافي  عفوياً . وأن ينتقل حصاده من جيل إلى جيل أحر ، قلا يشوهم التوريث ، ولا يفرط فيه الانسان لأنه يبصر الحياة في المكان. أما الفكر التاريخي الذي يمكن أن يكون عفوياً ، قلا ينبغي لن نثق فيه أو نبحث عن حصاده، لأن انتقاله بالرواية من جيل إلى جيل لخر، يشوهه ويقرط في تسلسل السياق الرتيب او المنضبط الذي يحكيه -وفي اعتقادي- على كل حال- بل وفي اعتقاد كل منصف من الجغرافيين المعاصرين، أن حصاد الفكر الجغرافي العفوي، الذي يكون من وراء تطويع المكان للحياة، وتطويع الحياة للمكان، ينبغي أن تنتظمه مسيرة، وينبغي أن تبداً هذه المسيرة من غير حاجة ملحة إلى التسجيل والكفاية . وهذا معناه أن مسيرة الفكر الجغرافي  العفوي قيل ايداع التسجيل ، تنكشف من خلال انحدار وتوريث حصادها من جيل إلى جيل آخر، ومن خلال استيعاب هذا الحصاد والانتفاع يه في مواجهة أعياء الحياة . بل أن بداية مسيرة الفكر الجغرافي  المكتوب ، كانت من حيث انتهت مسيرة الفكر الجغرافي  العفوي غير المكتوب -

وفي اعتقادي أيضاً أن الحس التاريخي قد فجر الفكر التاريخي ، وأن هنا الفكر قد أعطى حصاداً بكل تأكيد أشيع نهم الانسان ، وهو تصور سياق حركة الحياة . ولكن الذي لا شك فيه أن هذا الحصاد لم يهيئ للفكر التاريخي مسيرة تنتظمه - ذلك أن حصاد هذا الفكر الذي احتوته القصة أي الحكاية  او نقلته الرواية وعرضته للتشوية بقصد أو من غير قصد لا يفلح في صياغة مسيرة - وما من شك أن هذا الحصاد كان 

احوج ما يكون إلى التسجيل والكتابة، لكي تصونه وتحفظ سياقه وتحقق مصلحة الانسان في حساب حركة الحياة في الزمان -

وولادة الفكر الجغرافي الذي أسفرت عنه استخدامات الحس الجغرافي، ولادة مبكرة مع ميلاد الحياة على الأرض، مسالة يجب أن تلفت الانتباه, بل قد لا تستحق الجدل بحثا عن الدليل . ذلك أن الحس الجغرافي  الذي كان بمثابة النافذة ، التي أطل من خلالها الانسان على المكان الذي يحتويه ، لكي يتحسس أبعاده ويستشعر خصائصه ، ولكي يتلمس الضوابط الحاكمة للانتفاع بالأرض فيه، قد حفز التدير والتفكير الذي أشرق بنوره وأثمر بحصاده الفكر الجغرافي.

وهذا المعنى يقود إلى تصور كيف يولد الانسان جغرافيا بطبعه وحسه ، لكي تتكشف له أيعاد المسرح الذي يجب أن تستوعبه الحياة ، من أجل أن يتسع ويستوعب ويستجيب للحياة. بل ولكي تتكشف له أيضا قدرات المسرح الذي يجب أن تستخدمه الحياة من أجل أن يعطي للحياة - ومعنى ذلك أيضا أن الفكر العفوي رفيق عمر الحياة ، قد بدا فكراً بالطبع في ضمير الانسان ، قبل أن يصبح فكراً مجراً بالتخصص في عقلية الانسان -

وفي اعتقاد أى منصف من الجغرافيين المعاصرين ، أن دور الحس الجغرافي  في ولادة ونشأة الفكر الجغرافي  مع ولادة الحياة على الأرض، كان دوراً طبيعيا. بل آن دور هذا الحس الجغرافي، وهو يوجه الفكر الجغرافي  في الوجهة المقيدة التي تخدم الحياة في المكان وتحدد علاقة المكان بالمكان، وتقيم التفاعل الحياتي بين الناس والأرض، لحساب الحياة ، كان دوراً منطقيا ومنطقية هذا الدور وطبيعته ، تبتنى على ادراك كيف تطلعت الحياة سائماً إلى البصيرة قبل البصر، وإلى التأمل قبل الأمل ، لكي تؤمن ذاتها في لحضان المكان على الأرض.

وصحيح أن البحث يفتقد الدليل المادي الكاشف عن كنه وماهية الفكر الجغرافي  المولود مع ميلاد الحياة ، لأن الانسان لم يمتلك الوسيلة لتسجيل نبضات هذا الفكر عن المكان ، أو بصمات اجتهاده وترشيده في المكان ، إلا بعد مسيرة طويلة وتفاعل بناء مثمر ثبتت جذور الحياة في المكان ولكن الصحيح أيضاً أن هذا التفاعل للثمر، لذى لسفر عن تثبيت الجذور، ودعم وجود الحياة في أى مكان لا يمكن يتأتى أى لا يمكن أن يسلم زمام الانتفاع بالأرض للحياة ،الا اذا كان الفكر الجغرافي  قد بصرها في المكان وهدا ها، ورشد صمودها للتحديات التي أعلنتها الأرض في المكان وإلا فكيف طوع الانسان هذه التحديات؟ وكيف أبطل مفعولها وأحبطها ومكن وأمن وجوده في الأرض في كل مكان ؟

هكذا تفتق اجتهاد الانسان عن استخدام الحس لجغرافي، وتسخيره تسخيراً وضع الأساس والقاعدة الأصلية للفكر الجغرافي من ناحية، وحدد معالم الطريق الذي اجتازته عسيرة هنا الفكر الجغرافي من ناحية أخرى- وقد اعتمد الانعمان على الفكر الجغرافي في مواجهة أعباء الحياة في أى مكان، وهو يستخدم الأرض ويطلب منها أن تعطيه، وأن تستجيب لإرادة الحياة، قبل أن يعرف التسجيل او الكتابة ، ومن شأن الاعتماد على حصاد فكر غير مكتوب، يشد أزر الحياة ويبصرها، أن يصور مدى الترابط العضوي بين الحس الجغرافي وهو يستشعر خصائص المكان، والفكر صاحب هذا الحصاد، وهو يخدم ويبصر الحياة في هذا المكان . بل أن الترابط أو العلاقة العفوية بين الحس الجغرافي والفكر الجغرافي ، علامة على أن هنا الفكر قد تيع من ذات الناس، وانطلق من احساسهم وهم أصحاب المصلحة فيه، عندما يتشبثون بأسباب انتصار الحياة في المكان وقد تقول ان استشعار الحس الجغرافي  يعطي حصاداً بالقوة، وأن تدير الفكر الجغرافي يحول هذا العطاء إلى حصاد بالفعل.

وبهذا المنطق، ينبغي أن نتصور كيف تفتقد التسجيل الذي يصور أو يجسد الفكر الجغرافي المولود ولادة طبيعية، مع ميلاد الانسان على الأرض، ولكن الذي لا ينبغي أن نفتقده هو الحصاد والنتائج والثمرات التي تصور كيف رافق هذا الفكر مسيرة الحيلة, وكيف كان بصيرة الانسان في أى مكان، ودليل التحرك والانتقال من للكان إلى المكان الآخر. وصحيح أن هذا الفكر الجغرافي  كان بسيطاً وعفوياً ، بساطة أنماط الحياة، وما تتطلع إليه من ضرورات في أى مكان - ولكن الصحيح أيضاً أنه سلم الانسان زمام مصيره وساند صراعه لكي يعايش الواقع الجغرافي  الطبيعي، وتستجيب له الأرض في المكان .

وبهذا المنطق أيضا ، يجب أن تتصور كيف ولد الفكر مع ميلاد الانسا٠ وكيف وجهت إرادة التعايش مع الواقع في المكان هذا الفكر ، في الاتجاه الجغرافي  - كما يجب أن نتصور كيف عاش حصاد هذا الفكر الجغرافي  في ضمير الانسان، على المدى الطويل لكي يبصره ، منذ أن عاش أو تعايش الانسان في المكان ، وانتصر لحساب الحياة . ومن ثم ينبغي أن ننتهي إلى :

أ- أنه طالما كان الانسان موجوداً في المكان على الأرض، فإنه يلتزم بتدبر ما يستشعره الحس الجغرافي ، ويتولى العقل افراز الفكر الذي يدلل على وجوده.

ب- أنه طالما كان الانسان موجوداً في أحضان الواقع الجغرافي  في المكان على الأرض، فإنه يلتزم بتدبر ما يستشعره الحس الجغرافي، ويتولى العقل عندئذ افراز الفكر الجغرافي، الذي يدلل على سعيه واجتهاده، لكي يطوع الواقع لحياته، ويطوع حياته للواقع ويدعم وجوده.

وافتقاد الوعاء الذي يحتوى على الفكر الجغرافي العفوي ويجسد حصاده، وافتقاد الأسلوب الذي يسجل نبضه واجتهاده لحساب ترشيد الحياة في المكان شئ، لا يجب أن يتعارض مع وجود هذا الفكر في ضمير الانسان، أو مع رصد البصمات التي تعلن عنه، أو مع ثمرات استخدامه التي رشدت التعايش مع الواقع الجغرافي  في المكان- ومن غير أن نعتصر كل النتائج الباهرة، التي حققها اجتهاد الانسان، وهو يقبض على زمام مصيره في المكان، ومن غير أن تتبين الاجتهاد الدؤوب الذي بذله الانسان، وهو يجنى ثمرات معرفته بالمكان، ومن غير أن نتلمس النجاح الذي حققه الانسان ، وهو يتعايش مع الواقع الجغرافي للمكان، لا يمكن أن نستشعر دور الحس الجغرافي، وهو يوجه الفكر في الاتجاه الجغرافي, كما لا يمكن أن نستشعر دور الاتجاه الجغرافي، وهو يرسخ قاعدة الفكر الجغرافي  العفوي، من غير أن نتصور عطاء هذا الفكر، وهو يسعف الانسان وانتصاره في مواجهة فعلا لطبيعة، في المكان.

وهكذا بدأت مسيرة الفكر الجغرافي  بداية هادئة بسيطة، مع بداية الوجود الإنساني على الأرض, وما من شك في أن الحس الجغرافي قد ألهب الفكر الجغرافي ، الذي ألهم الانسان ودعم تعايشه من خلال صراع بناء مع الواقع الجغرافي في كل مكان ومن غير أن نتحسس القاعدة الأصلية التي ارتكز عليها الفكر الجغرافي العفوي ومن غير أن نتبين الاضافات التي بصر بها الفكر الجغرافي العفوي التعايش في المكان، لا يمكن أن ندرك صدق وجدوى الحس الجغرافي العفوي غير المكتوب في مرحلة طويلة - كما لا يمكن أن تدرك صدق وجدوى الحس الجغرافي وهو يحفز ويلهم التدبر، لكي يتبنى ويتحمل مسئولية عطاء الفكر الجغرافي  المكتوب، إلا من خلال تصور قيمة هذا العطاء وأهميته، وهو يسعف الانسان وانتصاره في المكان.

ويهذا المنطق، يجب أن نتصور كيف أن الفكر الجغرافي الذي سجله اجتهاد الانسان، بعد ابداع الكتابة واساليب التسجيل، لم يبداً من فراغ بمعنى أن ابداع الكتابة وأساليب التسجيل، يمثل نقطة تحول، أطلقت العنان للفكر الجغرافي  العفوي، الذي توارثته الأجيال على المدى الطويل، لكي يعلن عن نفسه، ولكي يجد الوعاء الذي يحتويه ويجسده ويسجل نبضه المقيد، في اطار التراث الفكري البشري، لحساب الحياة ومسيرة الحياة - ومن ثم نستشعر أن اسقاط أو اغفال الفكر الجغرافي  العفوي غير المكتوب، في المرحلة الطويلة السابقة لابتكار وسائل التسجيل والتعبير عن اجتهاد الانسان، يجب أن يكون مرفوضا وصحيح أننا نفتقد أبعاد وأعماق هذا الفكر الجغرافي العفوي، وهو بسيط ولكن الصحيح أيضا أننا لا نفتقد الاحساس بماهيته وجوهره ولا ننكر جدواه ونتائجه واجتهاده في خدمة أهداف التعايش مع الواقع الطبيعي في أى مكان على الأرض.

ولئن اتفق الجغرافيون على أن مسيرة الفكر الجغرافي  الحقيقية، هي المسيرة التي تبدا مع بداية التسجيل والكتابة، فلا ينبغي ان ننكر الفكر الجغرافي العفوي، الذي يمثل الارهاص المبكر الذي هيا وأعد وجهز لهذه المسيرة - بل لا يجب أن نتنكر التصور الذي يستشعر العلاقة بين ميلاد الحياة وميلاد الفكر الجغرافي- وكيف يمكن أن نتنكر لهذا التصور والعلاقة حتمية، ووليدة الاستجابة للحس الجغرافي الذي  حفز التدبر واستنفر التفكير، لكي يظاهر ويعدم وينصر إرادة التعايش مع الواقع الجغرافي. في أي مكان، وفي كل مكان- بل وكيف يمكن أن نتكر أو نتنكر لماهية وجدوى الفكر الجغرافي العفوي، وهو قطاع من كل الفكر الإنساني الذي اقترن بوجوده على الأرض, وقد تولى تأمين هذا الوجود وترشيده في أحضان الواقع الجغرافي  في أي مكان, والتعايش مع الواقع الجغرافي في المكان، وتطويع المكان للحياة وتطويع الحياة للمكان، وترشيد التحرك من المكان إلى المكان الأخر، كلها من بين أهم العلامات والأدلة المادية، التي لا تكذب وهي تدحض انكار الفكر الجغرافي العفوي وتحبط التنكر لماهية وجدوى هذا الفكر الفعال. لحساب الحياة.

هذا، ولا ينبغي أن ننكر أيضاً أن الحس الجغرافي  الذي حفز التدبر ونشط التفكير، كان له في بعض المواقف ديناميكية الفعل، وله في بعض المواقف الأخرى ديناميكية رد الفعل - وهذا معناه أن ديناميكية الفعل أو رد الفعل ، قد اشتركا معا في ولادة الفكر الجغرافي  العفوي في أبسط صورة - ولا يجب أن ننكر لفعل ورد فعل بنى على استخدام الحس الجغرافي، وهو يلتقط ويجمع أوحال الصور الكلية للمكان، ويرشد ويوجه الفكر في الاتجاه الجغرافي وكيف يمكن أن ننكر أو نتنكر لديناميكية الحس الجغرافي وفاعليته، في مواجمة المواقف التي تعترض حركة الحياة، وتستوجب التدبر والتفكير الذي يظاهر ويدعم انتصار مشيئة الحياة؟ بل وكيف يمكن أن ننكر أو نتنكر لديناميكية وفاعلية الحس الجغرافي، وهو يوجه ويحفز ويوسع دائرة الفكر الجغرافي، لكي يسعف الحياة في المكان، ولكي يكترث بالدعم الأنسب للتعايش في المكان في اضيق دائرة تحتوى الانسان، أو في أوسع دائرة تحتوى الناس كل الناس في أرجا ه الأرض ؟

في اعتقادي - على كل حال - أنه ينبغي أن نضيف المرحلة التي عاش فيها الفكر الجغرافي  العفوي في ضمير الانسان حصاداً يبصر الحياة، إلى مسيرة الفكر الجغرافي  التي حفظ حصادها التسجيل على المدى الطويل، من وقت أن عرف الانسان الكتابة إلى الوقت الحاضر.

وصحيح أن افتقاد وسائل التسجيل قد اخفى ملامح هذا الفكر الجغرافي  العفوي رغم أنه رقيق عمر الانسان منذ ميلاد حياته على الأرض, وصحيح أن حصاد هذا الفكر وجدواه قد أظهر دوره الوظيفي، وهو يبصر ويرشد وينصر إرادة الحياة في أحضان المكان على الأرض ولكن الصحيح أيضاً أن الفكر الجغرافي  الذي حفظه التسجيل وأعلن عن جدواه، وليد شرعي للفكر الجغرافي العفوي. وادائه الوظيفي في رفقة عمر الحياة وانتصارها في أى مكان- وفي أى من للمرحلتين اللتين عاش فيهما الفكر الجغرافي غير المكتوب والمكتوب، لا نفتقد في مغزاه ومرماه وحدة الهدف ، تلك التي تمثلت اتما في اطار خدمة المعرفة بأي مكان، لحساب الحياة وانتصار وجومها في كل مكان.

وفي المرحلة الطويلة التي عاش فيها الفكر الجغرافي العفوي في ضمير الانسان حصادا وخبرة وفاعلية تبصر الحياة، كان التدبر والتفكير اجتهاداً وفريضة والتزاماً من شان كل انسان، وهو يعايش الواقع الجغرافي  في أى مكان ، ويحقق الانتصار لحسابه الشخصي أو لحساب الحياة في كل مكان- وهنا معناه لن نفتقد في هذه المرحلة الطويلة وضوح رؤية خط سير المسيرة الفكرية وأن نفتقد الصفوة المتخصصة ، التي تنكب على التفكير وتتولى اثراء هذه المسيرة - ومعناه أيضا أن استشعار وتلمس ثمرات الاجتهاد الذي بصر الانسان في مواجهة الواقع الجغرافي  وتحياته وضوابطه أهم وأجدى من تحرى كنه وماهية الفكر الجغرافي وهو يهيئ قرص جنى هذه الثمرات لحساب الانسان.

وفي اعتقادي أيضاً، أن تطور هذا الفكر الجغرافي في هذه المرحلة الطويلة، كان تطور بطيئا ومتأتيا, يقدر ما كان منطقيا ومفيدا وكانت مسيرة هذا التطور البطيء تعب في رفقة الانسان, وتلبي حاجته في الاتجاه الصحيح, وصحيح أن ولادة الحياة البشرية على الأرض كانت نقطة بداية، لكي تبدا وتتحرك هذه للسيرة الفكرية، وتتولى ترشيد الانسان في المكان المعين  وصحيح لن هنا الفكر الجغرافي قد يصر الانتشار ، والاستيطان في أنحاء متفرقة على امتداد الأرض, ولكن الصحيح أيضا بعد ذلك كله ، أن هنا الانتشار الاستيطاني في الاقاليم المتنوعة، وما بنى عليه من مواجهة أعياء التنوع في الواقع الجغرافي  من اقليم إلى اقليم أخر، كان من أهم الدوافع أو الحوافز التي أسهمت في تطوير واثراء هذا الفكر الجغرافي العفوي .

وهكذا ينبغي أن نستشعر جدوى الصحبة، بين الانسان والفكر الجغرافي في رحلة عمر الحياة كما ينبغي أن نبني على هذه الجدوى حقيقتين هامتين ومن شأن هاتان الحقيقتان صياغة الاطار الذي يحدد أبعاد هذه الصحبة المثمرة, وتتمثل هاتان الحقيقتان في:

ا- أن طلب الحياة وتأمين الحياة وصياغة التعايش مع الواقع الجغرافي  في أى مكان على الأرض ، قد اتخذ من الملاحظة بالعين والاستشعار بالحس، قاعدة للتدبر والتفكير، وأن التدبر والتفكير قد أطلق عنان الفكر لكي يتجه ويحلق في الاتجاه الجغرافي ، وهو يتحمل مسئوليته قبل الحياة وترشيدها.

ب- أن هنا الانطلاق الذي تأتى استجابة لحسن الصحبة وامتثالا لإرادة الحياة، قد أسفر عن حصاد فكرى جغرافي مفيد وقد انتظم هذا الحصاد الذي تمثل في مكاسب وثمرات في مسيرة فكرية، يشوبها الغموض، ولا ينبغي أن تبحث عن وقع أو بصمات خطواتها الوئيدة, ومن الأفضل أن نحصي جدواها، وأن نتبين كيف شدت أزر الحياة وكيف سددت خطواتها في أى مكان على الأرض.

هكذا نقول أن مسيرة حركة الحياة، قد باشرت الاهتمام بالمعرفة الجغرافية، في المكان والزمان بل قل لقد فجر هذا الاهتمام، بالمعرفة الجغرافية شيئاً من التفكير الجغرافي ، الذي يجسد اعمال العقل، في تدير المدركات الجغرافية, وما من شك في أن هذا التمعن والتفكير، قد بصر ورشد، قدرات الانسان على الابداع، لكي يبتدع قوة القعل الانسب للتعامل مع الطبيعة وحواصها، دون الوقوع في أسر التبعية لها، وضياع حق سيادته على خواص ومواصفات الطبيعة، على صعيد الأرض.

هذا وفي وسعنا أن نتبين خواص هذا التفكير الجغرافي، الذي باشره الانسان على المدى الطويل، وهو يخطو خطواته المتأنية في المرحلة العتيقة  التي عاشها وهو يتعايش أو وهو يتعامل مع فالطبيعة، دون أن يمتلك اسباب السيطرة على الانتاج وتتمثل هنه الخواص في:

اولا:كان هذا التفكير الجغرافي تفكير، يتأتى بشكل تلقائي او عفوي بمعنى لن الانسان لم يتعمد مباشرة هنا لتفكير، أو التمعن في مدركات جغرافية بعينها وقل آنه كان من شانه أن يواجه المتنور الجغرافي  الطبيعي، على صعيد الأرض، أو على صعيد قبة السماء وتشد المدركات الجغرافية انتباهه - وكان هذا الادراك الذي استوعيته الحواس، هو الذي استرعى الانتباه، وفرض على الانسان شيئا من التحدي وكان من شان هذا التحدي أن يستنفر قدرات الانسان العقلية، لكي يفكر ويتدير ويتمعن في عناصر الصورة الجغرافية، واستيعاب ما تعبر عنه، أو ما تكشف عنه، أو ما تتحدث عنه المدركات الجغرافية، التي عاينها واقترب منها، واستوجب أمر الحياة التعامل الإيجابي معها بل قل إنما المصادفة البحتة، هي التي كانت تضع المنظور الجغرافي، أمام أعين وحواس الانسان في المكان والزمان وتكون هذه المصادفة مسئولة عن تلقائية التفكير الجغرافي أو عفويته، في للكان والزمان.

ثانيا: كان هذا التفكير الجغرافي  تفكيراً، يتسم بالخصوصية الذاتية, بمعنى أن الانسان وهو يحيا في شكل قوامه، التفرد في اطار الاسرة، قد باشر هذا التفكير الجغرافي لحسابه الخاص وتغطي هذه الخصوصية مصلحة الانسان، وهو مسئول مسئولية متبادلة بين الزعج والزوجة ومسئول مسئولية مشتركة، قبل للفال الأسرة وتعنى هذه الخصوصية فيما تعنى، تباين توجهات هذا التفكير الجغرافي، وهو مستغرق في الذاتية كما تعنى هذه الخصوصية

شيئا كثيراً من التنوع، في جني ثمرات هذا التفكير الجغرافي، وهو قيد تباين حتما من مكان إلى مكان أخر، ومن زمان إلى زمان آخر وقل تبقي هذه الخصوصية الذاتية، ما يفي وجود الانسان وهو يحيا في تفرد حقيقي، ض اطار الاسرة كيان اجتماعي بسيط.

ثالثا: كان هذا التفكير الجغرافي تفكير، يجسد رصيداً أو تراثا غير مكتوب بمعنى ان الانسان هو صاحب هذا التراث الجغرافي المهم كان لا يمتلك اللغة المشتركة ولا الابجدية التي تسعف تدوين، لو تسجيل هذا الرصيد وقل أن هذا الرصيد كان مستغرقاً في الذاتية ، إلى الحد الذي استغنى عن أن يكون مكتوب أو مسجلاً , وربما اعتمد الانسان على الحافظة والذاكرة، التي تمتع بها في حفظ ما يستحق أن يحتفظ يه من حصاد، أو من نتائج هذا التفكير الجغرافي  - كما كان ض وسعه أن يورث رصيد هذا التراث، من جيل إلى جيل آخر، من غير أن يكون مسجلا أو مكتوباً.

وقل أن حصاد هذا التفكير الجغرافي، وهو الذي تأتى بتلقائية، واستغرق في الخصوصية وكان غير مكتوب، قد لهم الانسان حسن التعامل مع المدركات الجغرافية التي عاينها  ونضرب المثل الذي يجسد كيف أدرك الانسان النار، وربما خاف منها لأول وهلة، كما خاق منها الحيوان. وفي الوقت الذي يبقى الحيوان خائفاً من النار، ويفر منها ولا يقترب منها، عاد الانسان فاقترب منها بمهارة، وعمل على استئناسها والتعامل معها والانتفاع بها, وقد أصبح في وسعه أن ينتفع بها نوراً وأن يتخذ منها الدفء، وان يستخدمها في طهي الطعام، وفي استخلاص المعدن، وفي صناعته - وما زال الانسان متعاملاً مع لنار، لكي ينتفع بها، وهو في نقس الوقت يروضها • ويعرف كيف يتقي خطرها.

وبهذا المنطق الموضوعي، ينبغي أن نستشعر كيف كان حصاد الفكر الجغرافي  العفوي اضافة وابداعا، في قاعدة تراث الانسان على الأرض - كما ينبغي أن نتصور كيف أصبحت اللبنات في هذه القاعة أساسا، ومقدمة لإضافات وابداعات الفكر الجغرافي المكتوب التي تسجل وقع خطوات المسيرة الفكرية انتصاراً لإرادة الحياة في كل هكان وهذا معناه أن الفكر الجغرافي  المكتوب لم يبدا من فراغ ذلك أنه من غير شك استمرار الفكر الجغرافي غير المكتوب وصحيح أننا نفتقد القدرة على تسجيل العلاقة، بين فكر جغرافي مبهم، وفكر جغرافي جلي- ولكن الصحيح أيضاً أن الفكر الجغرافي الجلي الواضح، هو وليد الفكر الجغرافي  الغامض، وأن مسيرة هذا الفكر الجغرافي ما خفي علينا منها وما ظهر، كانت رفيقة عمر الحياة على الأرض.




نظام المعلومات الجغرافية هو نظام ذو مرجعية مجالية ويضم الأجهزة ("Materielles Hardware)" والبرامج ("Logiciels Software)" التي تسمح للمستعمل بتفنيد مجموعة من المهام كإدخال المعطيات انطلاقا من مصادر مختلفة.
اذا هو عبارة عن علم لجمع, وإدخال, ومعالجة, وتحليل, وعرض, وإخراج المعلومات الجغرافية والوصفية لأهداف محددة . وهذا التعريف يتضمن مقدرة النظم على إدخال المعلومات الجغرافية (خرائط, صور جوية, مرئيات فضائية) والوصفية (أسماء, جداول), معالجتها (تنقيحها من الأخطاء), تخزينها, استرجاعها, استفسارها, تحليلها (تحليل مكاني وإحصائي), وعرضها على شاشة الحاسوب أو على ورق في شكل خرائط, تقارير, ورسومات بيانية.





هو دراسة وممارسة فن رسم الخرائط. يستخدم لرسم الخرائط تقليدياً القلم والورق، ولكن انتشار الحواسب الآلية طور هذا الفن. أغلب الخرائط التجارية ذات الجودة العالية الحالية ترسم بواسطة برامج كمبيوترية, تطور علم الخرائط تطورا مستمرا بفعل ظهور عدد من البرامج التي نساعد على معالجة الخرائط بشكل دقيق و فعال معتمدة على ما يسمى ب"نظم المعلومات الجغرافية" و من أهم هذه البرامج نذكر MapInfo و ArcGis اللذان يعتبران الرائدان في هذا المجال .
اي انه علم وفن وتقنية صنع الخرائط. العلم في الخرائط ليس علماً تجريبياً كالفيزياء والكيمياء، وإنما علم يستخدم الطرق العلمية في تحليل البيانات والمعطيات الجغرافية من جهة، وقوانين وطرق تمثيل سطح الأرض من جهة أخرى. الفن في الخرائط يعتمد على اختيار الرموز المناسبة لكل ظاهرة، ثم تمثيل المظاهر (رسمها) على شكل رموز، إضافة إلى اختيار الألوان المناسبة أيضاً. أما التقنية في الخرائط، يُقصد بها الوسائل والأجهزة المختلفة كافة والتي تُستخدم في إنشاء الخرائط وإخراجها.





هي علم جغرافي يتكون من الجغرافيا البشرية والجغرافية الطبيعية يدرس مناطق العالم على أشكال مقسمة حسب خصائص معينة.تشمل دراستها كل الظاهرات الجغرافيّة الطبيعية والبشرية معاً في إطار مساحة معينة من سطح الأرض أو وحدة مكانية واحدة من الإقليم.تدرس الجغرافيا الإقليمية الإقليم كجزء من سطح الأرض يتميز بظاهرات مشتركة وبتجانس داخلي يميزه عن باقي الأقاليم، ويتناول الجغرافي المختص -حينذاك- كل الظاهرات الطبيعية والبشرية في هذا الإقليم بقصد فهم شخصيته وعلاقاته مع باقي الأقاليم، والخطوة الأولى لدراسة ذلك هي تحديد الإقليم على أسس واضحة، وقد يكون ذلك على مستوى القارة الواحدة أو الدولة الواحدة أو على مستوى كيان إداري واحد، ويتم تحديد ذلك على أساس عوامل مشتركة في منطقة تلم شمل الإقليم، مثل العوامل الطبيعية المناخية والسكانية والحضارية.وتهدف الجغرافية الإقليمية إلى العديد من الأهداف لأجل تكامل البحث في إقليم ما، ويُظهر ذلك مدى اعتماد الجغرافيا الإقليمية على الجغرافيا الأصولية اعتماداً جوهرياً في الوصول إلى فهم أبعاد كل إقليم ومظاهره، لذلك فمن أهم تلك الأهداف هدفين رئيسيين:
اولا :الربط بين الظاهرات الجغرافية المختلفة لإبراز العلاقات التبادلية بين السكان والطبيعة في إقليم واحد.
وثانيا :وتحديد شخصية الإقليم تهدف كذلك إلى تحديد شخصية الإقليم لإبراز التباين الإقليمي في الوحدة المكانية المختارة، مثال ذلك إقليم البحر المتوسط أو إقليم العالم الإسلامي أو الوطن العربي .






العتبة العباسية تطلق مسابقة فن التصوير الفوتوغرافي الثانية للهواة ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي
لجنة البرامج المركزيّة تختتم فعاليّات الأسبوع الرابع من البرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسيّة
قسم المعارف: عمل مستمر في تحقيق مجموعة من المخطوطات ستسهم بإثراء المكتبة الدينية
متحف الكفيل يشارك في المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآثار بجامعة الكوفة