المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي
11-8-2016
انتفاء علاقة السببية في اطار المسؤولية الطبية .
2-6-2016
دعاؤه (عليه السلام) على بسر بن أرطأة
19-4-2016
تغذية وتسميد الزيتون
2024-01-03
تحديد المصير
25-5-2018
(يُغشي الليلَ النهارَ)
26-10-2014


مشكلات انعدام الجنسية  
  
3726   11:23 صباحاً   التاريخ: 7-3-2022
المؤلف : سحر جاسم معن
الكتاب أو المصدر : مشكلة انعدام الجنسية واثارها في حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص161-182
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون الدولي الخاص /

فرضت ظروف الحياة القاسية على الأفراد عديمي الجنسية أن يكونوا هكذا - بلا جنسية يرتبطون بها بأية دولة، وتكمن إشكالية الشخص عديم الجنسية الذي يقيم في أي دولة أنه يصبح بحكم الأجنبي غير أنه لا جنسية له، وبالتالي فهو معرض المشكلات شتى حيث يتعرض للإبعاد في أي وقت، كما أنه معرض لعدم القدرة على الاستقرار في أي دولة أخرى ويصعب عليه الحصول على مأوى أو مكان للتوطن فيه.

كونه لا يحمل مستندات لتحديد هويته، فضلا عن افتقاده الانتماء إلى دولة معينة مما يفقده أيضا الحماية الدبلوماسية في حال تعرضه أو أمواله لأي انتهاك من جانب الدولة المقيم فيها أو احد مواطنيها، فضلا عن تعرضه لمشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق عليه في المنازعات التي يكون طرفا فيها وبالأخص المنازعات التي يطبق فيها القانون الشخصي للفرد أي قانون جنسيته كمنازعات مسائل الأحوال الشخصية. وعليه نوضح هذه المشكلات تفصيلا وفقا للتقسيم الاتي:

الفرع الأول: القانون الواجب التطبيق.

الفرع الثاني : الإبعاد.

الفرع الثالث: الحماية الدبلوماسية.

 

الفرع الأول

 القانون الواجب التطبيق

يعنى القانون الدولي الخاص بشكل أساسي بحل مشكلة تنازع القوانين في منازعات العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي، والتي تتم بين الأفراد عبر الحدود(1).

ويقصد بتنازع القوانين "المفاضلة التي يجريها المشرع الوطني بين قوانين دول مختلفة لحكم علاقة قانونية ذات عنصر أجنبي واختيار انسب تلك القوانين لحكم تلك العلاقة القانونية" (2). فوجود عدة قوانين لحكم العلاقة القانونية التي تتضمن في الأقل عنصرا أجنبيا واحدا والتي قد تتعلق بالمعاملات المالية أو التجارية أو المدنية أو النقل أو التأمين أو الأحوال الشخصية، فيستلزم بالضرورة تحديد قانونا واحدا بالذات لحل المشكلة كلها أو جزء منها، أن هذا التحديد يتم عن طريق اختيار أفضل القوانين من وجهة نظر المشرع الوطني في الدولة المعروض أمامها النزاع  (3).

وما يهمنا هنا هو الحديث عن تنازع القوانين في مسائل الأحوال الشخصية فتنازع القوانين في مسائل الأحوال الشخصية والتي هي "مجموعة العناصر المتعلقة بالوضع القانوني للشخص بصفته الخاصة وبعلاقته بأسرته والتي يحكمها قانون الدولة التي يرتبط بها الشخص برابطة الموطن أو الجنسية "فيحل هذا التنازع عادة بالاعتماد على ضابط الإسناد المتمثل بالموطن الحالي للشخص وهذا ما مأخوذ به في الدول المتأثرة بالأفكار الإقطاعية كالقانون الانكليزي والدنماركي والنرويجي وقانون الولايات المتحدة الأمريكية، في حين تعتمد الدول ذات الأصل اللاتيني على ضابط الإسناد المتمثل بجنسية الأشخاص أطراف العلاقة القانونية، فيكون القانون الواجب التطبيق على تلك المسائل، كالأهلية، ومسائل الزواج والبنوة والمواريث والوصايا، هو قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته  (4) .

وهذا ما أخذ به القانون المدني العراقي رقم 40لسنة 1951 حيث تضمن قواعد إسناد خاصة حدد بمقتضاها قانون الجنسية بالنسبة لصفات الحالة الأهلية والزواج والطلاق والنسب وغيرها فقد نصت المادة (18) على "-1 الأهلية يسري عليها قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته "كما نصت المادة ( 19/2 ) على "2- ويسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال"، وكذلك القانون المدني المصري رقم 131 لعام 1948 في المواد من"11- 17"فقد أعتد المشرع المصري بقانون الجنسية في المسائل المتعلقة بالحالة المدنية للأفراد مستخدما تعبيرات مختلفة في ذلك "كقانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته" أو "قانون كل من الزوجين" أو "قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج" أو "قانون المدين بالنفقة" أو "قانون الشخص الذي تجب حمايته" أو "قانون المورث أو الموصي" فمثلا تنص المادة (11/1) "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم حيث يعتمد هذا النص على ضابط الإسناد المتمثل بجنسية الأشخاص فيما يتعلق بحالتهم المدنية وأهليتهم.

كما يذهب القانون المدني القطري رقم 22 لسنة 2004 في المادة (11) إلى ما ذهب إليه القانونين العراقي والمصري بالاعتداد بقانون الجنسية فيما تتعلق بالحالة المدنية للأفراد وأهليتهم حيث نصت المادة أعلاه على إن "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في قطر وتترتب أثارها فيها، إذا كان أحد الطرفين أجنبيا ناقص الأهلية وكان نقص أهليته يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الأخر تبينه، فأن هذا السبب لا يؤثر في أهليته".

وقد أصبحت قاعدة الإسناد في القانون الدولي الخاص تقضي بتطبيق قانون الجنسية في العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية للفرد باعتباره القانون الشخصي له (5).

وهنا يتعين على القاضي الالتزام بتطبيق قانون جنسية الشخص وخاصة في التشريعات التي تأخذ الجنسية كظرف للإسناد في مسائل الأحوال الشخصية، ولكن إذا ما تعلق الأمر بشخص مجرد من كل جنسية فأن التساؤل سرعان ما يثار عن ما هو الضابط الذي يمكن التعويل عليه بوصفه بديلا عن الجنسية في هذا الفرض؟ وبعبارة أخرى كيف يمكن تحديد هذا القانون؟ (6) .

أي كيف يمكن تحديد القانون الواجب التطبيق على مسائل الأحوال الشخصية العديم الجنسية؟

فمن غير الممكن القول بأن انعدام الجنسية يعطل قاعدة التنازع التي تقرر الاختصاص التشريعي للقانون الوطني أو لقانون جنسية الشخص فقد شغلت هذه المشكلة اهتمام الفقه ومنذ زمن بعيد ووضعوا لها بعض الحلول مختلفين فيما بينهم حولها (7).

حيث حاول الفقه البحث عن أكثر القوانين صلة بعديم الجنسية ليكون ضابطا بديلا أو احتياطيا يستعاض به بدلا عن ضابط الجنسية وقد اختلفوا حول الضابط الذي يتعين أعماله في هذا الفرض فذهبوا في ذلك إلى عدة اتجاهات هي:

الاتجاه الأول :

ذهب جانب من الفقه إلى تطبيق "قانون الجنسية الأخيرة "إي بوجوب تطبيق قانون أخر دولة كان عديم الجنسية ينتمي إليها، باعتبار أنه قد عاش في كنفها فترة من حياته، كما وأن أحكام هذا القانون لن تكون غريبة عنه، وغير مخلة بتوقعاته واستقرار معاملاته  (8) .

وقد أخذ بهذا الرأي القانون المدني الألماني حيث نصت المادة (29) من الباب التمهيدي للقانون قبل تعديله في عام 1938 على أنه "إذا لم ينتم شخص إلى أية دولة، فأن روابطه القانونية عندما تكون القوانين الوطنية واجبة التطبيق، تحكمها قوانين أخر دولة كان ينتمي إليها الشخص" (9).

ولكن مما يؤاخذ على هذا الرأي هو إبقاؤه على رابطة لم يعد لها وجود ذلك إن الصلة بين عديم الجنسية والدولة التي كان ينتمي إليها تنعدم بخروجه من جنسيتها، بل من المتصور أن تنقضي الدولة من الناحية القانونية في الفترة اللاحقة على خروجه من جنسيتها- كما حدث للنمسا قبل الحرب العالمية الثانية - ومن ثم لا يمكن الاستناد إلى جنسية هذه الدولة، فضلا عن إن الأخذ بهذا الرأي لا يمكننا من تحديد القانون الواجب التطبيق على عديم الجنسية أذا كان انعدام الجنسية معاصرا للميلاد (10).

الاتجاه الثاني :

ويذهب فريق أخر من الفقه إلى القول بوجوب تطبيق قانون القاضي على أساس أنه ليس هناك تنازع بين القوانين في هذا الفرض وبالتالي لا وجه لأعمال قاعدة الإسناد الوطنية، ويعيب هذا الرأي أن قانون القاضي قد لا يكون ملائما لطبيعة المسألة المعروضة، كما لو لم يكن عديم الجنسية متوطنا في دولة القاضي ومن جهة أخرى فليس ثمة ما يبرر الرجوع إلى قانون القاضي أصلا ما دام أن هناك بديلا أكثر ملائمة، كما إن الأخذ بقانون القاضي بصفة مطلقة في كل مرة يتعذر فيها أعمال القانون الأجنبي الذي أشارت إليه قاعدة الإسناد فقاعدة الإسناد الوطنية يكون الفرض فيها أنها قاعدة محايدة وبالتالي لا يمكن التسليم بالأخذ بهذا الرأي على أطلاقه  (11).

الاتجاه الثالث :

بينما ذهب جانب آخر من الفقه إلى تطبيق قانون جنسية الدولة التي جرد منها الشخص بطريقة تعسفية، بيد إن هذا الرأي بدوره ليس فوق التجريح فتحديد ما إذا كان نزع الجنسية قد تم بصورة تعسفية أم لا المرجع فيه يكون هو قانون الجنسية المعنية، فضلا عن أنه - على فرض صحته - يتكلم عن القانون الواجب التطبيق في حالة واحدة هي تلك التي يتم فيها تجريد الشخص من جنسيته الأجنبية بطريقة تعسفية ومقتضى ذلك كله إن هذا الحل قاصر من ناحية على مواجهة الفرض الذي يكون فيه للشخص جنسية سابقة شحبت منه ولا يمكن تطبيقه على حالات الانعدام المعاصرة للميلاد، ومن ناحية ثانية فأن الدولة التي تثور أمامها المشكلة لا تملك تقدير سلوك الدولة التي كان ينتمي لها عديم الجنسية لتحكم على تجريده من الجنسية كان تعسفيا أم لا، وبالتالي مثل هذا المسلك لا شك منطو على مساس بسيادة الدولة، ألا أذا كان التجريد قد تم مخالفا للقانون الدولي (12) .

الاتجاه الرابع:

ولغرض تفادي القصور الوارد في الآراء السابقة ذهب فريق من الفقه إلى الاعتداد بقانون الدولة التي ولد عديم الجنسية بإقليمها وهذا بالطبع إذا كان محل ولادته معلوما، وإذا لم يكن معلوما فأنه يتعذر في هذه الحالة تطبيق هذا القانون، ولم يسلم هذا المعيار من الانتقاد حيث قد تكون واقعة الميلاد عرضية وغير معبرة عن أي ارتباط، فضلا عن إن الدولة التي ولد فيها عديم الجنسية قد تكون هي الدولة ذاتها التي كسب المعني بالأمر جنسيتها وفقدها (13) .

الاتجاه الخامس وهو الراجح:

لذلك وبعد الانتقادات الموجهة للاتجاهات السابقة ظهر اتجاه آخر يأخذ بفكرة قريبة من فكرة الجنسية الفعلية، ومضمون هذه الفكرة معاملة عديم الجنسية على أنه ينتمي إلى الدولة التي يتصل بها من الناحية العملية فيخضع لقانون تلك الدولة التي يرتبط بها برابطة الإقامة أو التوطن، ولذلك فأن هذا الاتجاه الحديث يركز في خضوع عديم الجنسية إلى قانون الدولة التي يوجد فيها موطنه أو محل إقامته.

فإذا تعذر معرفة موطنه يطبق عليه محل الإقامة أي إن القاضي في هذه الحالة يطبق قانون مجل أقامته على مسائل الأحوال الشخصية  (14).

وقد أيدت هذا الاتجاه الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية:

الاتفاقيات الدولية :

اتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية إذ نصت المادة (12/1) على أن "1- تخضع الأحوال الشخصية لعديم الجنسية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن".

الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين إذ نصت المادة (12) على أن "1- تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته أذا لم يكن له موطنه.

2- تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولاسيما الحقوق المرتبطة بالزواج على أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة ولكن شريطة أن يكون الحق المعني واحد من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئا".

التشريعات الوطنية :

أخذ بهذا الاتجاه القانون الإسباني إذ نصت المادة (1079) من الباب التمهيدي للقانون المدني الاسباني المضاف بالمرسوم الصادر في (31 حزيران 1974) على أن "قانون محل الإقامة المعتادة هو القانون الشخصي لأولئك الذين ليست لهم جنسية، أو كانت جنسيتهم غير محددة على أن الإقامة العادية هنا تستوعب فكرة الموطن، كون الموطن ما هو إلا المكان الذي يقيم فيه الشخص وكذلك القانون الدولي الخاص السويسري الصادر في (18/ كانون الأول/1987 ) إذ يقرر الاختصاص القانون موطن عديم الجنسية في المادة (24)، وأيضا نص المادة (4/12 ) من القانون الدولي الخاص الروماني لعام 1992 فيقرر الأخذ بقانون موطن عديم الجنسية، وعند انعدامه يعتد بقانون محل الإقامة  (15).

وكذلك مجموعة القانون الدولي الخاص النمساوي لعام 1979 حيث قررت المادة (9/2) على أنه "إذا كان شخص عديم الجنسية، أو كانت جنسيته غير ممكن أثباتها، كان قانونه الشخصي هو قانون الدولة التي تكون إقامته العادية فيها "وهذا أيضا ما أخذ به القانون الدولي الخاص المجري لعام (1979) في المادة (11).

كما تنص المادة (4) من القانون الدولي الخاص التركي لعام 1982 على أنه "عندما يتحدد القانون المختص وفقا لمعيار الجنسية يكون مطبقة ما لم توجد أحكام مخالفة في القانون الحالي أ- بالنسبة لعديمي الجنسية، قانون موطنهم، وفي عدم وجوده ، قانون محل إقامتهم العادية، وفي حالة عدم وجود محل تلك الإقامة، قانون البلد الذي رفعت فيه الدعوى "(16).

كما يدعم هذا الاتجاه الفقهي التشريع المصري من خلال موقف واضعي المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري الذين أخذوا بهذا النهج الواقعي على الرغم من إن الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المدني لم تحدد للقضاء حلا معينا لهذه المشكلة وإنما أكتفت بالنص على أنه "يعين القاضي القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية "ألا إن المذكرة الإيضاحية قد حرصت على الإشارة على أنه "يراعي أن تخويل القاضي سلطة التقدير وفقا لأحكام الفقرة الأولى خير من تقييده بضوابط تحد من اجتهاده، والغالب أن يقيد القاضي في حالة التنازع السلبي للجنسية بقانون موطن الشخص" (17)

فيفيد النص أعلاه أن الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري رقم (131 السنة 1948) الغالب أن يعتد القاضي في هذه الحالة بقانون الموطن أو محل الإقامة وهو القانون المصري في أكثر الأحوال اعتمادا على المنهج الواقعي في تحديد الانتماء (18).

                          

وقد اخذ القضاء المصري بهذا الاتجاه الفقهي الراجح حيث أحسن استخدام الصلاحية المخولة له بمقتضى المادة (25) مدني حيث حكمت محكمة استئناف الإسكندرية في حكمها الصادر في (27/حزيران/1962) بتطبيق قانون الموطن في شأن وصية أبرمتها أجنبية عديمة الجنسية وبعد أن تعذر إعمال ضابط الإسناد الذي تضمنته قاعدة الإسناد الواردة في المادة (17/مدني) والخاصة بالميراث والوصية والتصرفات الأخرى المضافة إلى ما بعد الموت، وجاء في حيثيات هذا الحكم "صحيح الرأي فقها هو إن القانون الواجب التطبيق بالنسبة لعديم الجنسية هو قانون موطنه، فأن لم يكن له موطن فقانون محل إقامته، فأن لم يعرف له موطن أو يتحدد محل إقامته فقانون القاضي" (19).

أما القانون المدني العراقي رقم (40 لسنة 1951) فقد اعتمد ذات المنهج المتبع في القانون المدني المصري حيث أعطى للمحكمة حق اختيار القانون الواجب التطبيق في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد  (20).

وبديهي أن ترك الأمر في تحديد القانون الواجب التطبيق للقاضي العراقي حيث تكون له سلطة تقديرية في هذا الشأن يعني أن يعتمد القاضي في تعيينه للقانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية، على فكرة التوطن أو الإقامة في دولة ما، وإذا تعذر تعيين موطن أو محل إقامة عديم الجنسية، فيطبق القاضي في هذه الحالة قانونه في حكم الأحوال الشخصية لعديم الجنسية وهذا ما استقر عليه العرف الدولي (21).

وقد أخذ القانون المدني الأردني رقم ( 43 لسنة 1976) بنفس هذا المبدأ حيث نصت المادة (26) على أن "تعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حالة مجهولي الجنسية" وهذا يعني إن المشرع الأردني قد ترك أمر تعيين القانون الواجب تطبيقه على حالة عديم الجنسية لتقدير القاضي دون أن يقيده بقيد يحد من اجتهاده، ولكن جاء في المذكرة الإيضاحية لنص المادة (26) المذكورة "إن القاضي يعتد غالبا في هذه الحالة بقانون محل إقامة الشخص".

الفرع الثاني

الإبعاد

من الأمور الثابتة والمستقرة في فقه القانون الدولي الخاص أن الدولة التي تمنح جنسيتها لشخص ما تلتزم بتمكينه من الإقامة في إقليمها وهو التزام لا يمكنها التخلي عنه فلابد لكل شخص في حياته من مكان يرتبط به بعلاقاته ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية والاصل نسبة كل شخص إلى موطن عن طريق الجنسية، وعلى الرغم من ذلك فأن من المبادئ التي يقرها القانون الدولي هي حرية الدولة في إبعاد الأجانب عن أراضيها أي للدولة الحق في إبعاد الأشخاص الذين لا يحملون جنسيتها (22).

فيقصد بالإبعاد "عمل بمقتضاه تنذر الدولة فردة أو عدة أفراد من الأجانب المقيمين على أرضها بالخروج منها أو إكراههم على ذلك عند الاقتضاء" (23).

فمن المتفق عليه فقها أنه يحق للدولة إبعاد الأجنبي عن إقليمها وفقا لأحكام القانون الدولي إلا إن الفقهاء يختلفون في مدى هذا الحق، فيرى قسم منهم أنه حق مطلق يكون للدولة بمقتضاه الحرية المطلقة في الإبعاد وفقا للشروط التي تحددها قوانينها الداخلية، ويرى فقهاء آخرون أن للأجنبي الحق في الإقامة في إقليم الدولة التي يرغب الإقامة فيها وليس لتلك الدولة أن تحرمه من هذا الحق إلا إذا وجدت أسباب عادلة يقتنع بها القضاء ليصدر حكمه بذلك، بينما يرى فريق ثالث من الفقهاء أن للدولة الحق في إبعاد الأجانب في حالات معينة ومنها تعكير صفو الأمن والنظام العام (24).

وقد أخذ القضاء الإداري المصري بهذا المبدأ المتفق عليه فقها وقانونا بموجب قرار

المحكمة الإدارية والذي تضمن ( من المبادئ المقررة في القانون الدولي إن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم دفعا لخطرهم وتأمينا لسلامتها، وصيانة لكيان شعبها ومجتمعها من كل ما يضر بما لها من السيادة) (25).

والإبعاد نوعان:

الأول: وهو الذي يصدر بناء على حكم تكميلي من القضاء، وهو المقصود بمبدأ الإبعاد كعقوبة.

الثاني : وهو الذي يصدر من الإدارة كأجراء بوليسي، وهو المقصود بمبدأ الإبعاد كأجراء تقديري تحكمي فهو عمل من أعمال السلطة التنفيذية، ويذهب رأي في الفقه الدولي إلى إن الإبعاد يجب أن لا يكون قاصرا على مجرد العقاب بل يتعين أن يطبق في جميع الحالات التي يعتبر فيها الأجنبي خطرا على سلامة الدولة وأمنها حتى لو لم يصدر حكم من القضاء بشأنه  (26).

واستنادا لما تقدم أعلاه نجد إن الإبعاد لا يمتد إلى المواطنين حيث حرمت المواثيق الدولية كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (12) والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله لعام 1965 الإبعاد على المواطنين، وهذا ما اتجهت دول عديدة للعمل به كالدستور الأمريكي والدستور المصري في المادة (7) والدستور السوري المعدل بدستور 1973 في مادته (33) وكذلك الدستور الكويتي في المادة (28) التي نصت على أنه "لا يجوز أبعاد كويتي عن الكويت أو منعه من العودة إليها والدستور العراقي لعام 2005 حيث نصت المادة (44/ ثانيا) على "لا يجوز نفي العراقي أو أبعاده أو حرمانه من العودة إلى الوطن".

ومع ذلك نجد بعض الدول لم تنص دساتيرها على حظر إبعاد مواطنيها، أو تعمد قوانينها الداخلية إلى تنظيم الحالات التي يجوز فيها إبعادهم كالقانون اللبناني الذي لا زال يأخذ بأبعاد اللبنانيين كعقوبة جنائية نص قانون العقوبات عليها (27) .

أما الشخص عديم الجنسية ونتيجة لانقطاع رابطة الجنسية بينه وبين أي دولة من الدول يجعله في وضع شاذ وبالتالي يصبح في حكم الأجنبي بالنسبة لكافة الدول، وعلى هذا النحو فهو معرض للإبعاد فإن حالة الشخص عديم الجنسية لا يمكن أن تكون حائلا دون اتخاذ قرار الإبعاد بحقه ما دام هذا الشخص غير مرغوب فيه وان وجوده يهدد مصالح الدولة  (28) .

ويمكن أن يثير قرار الإبعاد لعديم الجنسية عدة مشاكل أهمها احتمال عدم وجود دولة تقبله في أراضيها بعد أبعاده لأنه ليس من رعايا أي منها، كما إن احتمال عدم حصوله على الوثائق اللازمة للسفر أو تأشيرة الدخول إلى أحدى الدول، وهذه الأمور قد تكون عقبة صعبة أمام الإبعاد ولا يمكن التغلب عليها بسهولة ولكنها لا توقف قرار الإبعاد كونه حق أعترف به الفقه والقضاء بالنسبة للدولة، ولكنها من الممكن أن تؤخر تنفيذ قرار الإبعاد الحين أيجاد السبيل لتنفيذه  (29) .

فعلى الأغلب إن معظم الدول ترفض بقاء الشخص عديم الجنسية على أرضها فهي تبعده إلى دولة أخرى ولا تلبث بدورها أن ترسله خارجها فالدول تتقاذفه فيظل كالحطام الذي لا ترغب فيه أية دولة وهنا تظهر مشكلة التوطن، أو البحث عن مأوى أو مكان الاستقرار عديم الجنسية (30).

وبالتالي يكون عديم الجنسية "أجنبي عند جميع الدول "هذا ما عبرت عنه محكمة القضاء الإداري في مصر في حكمها الصادر في 1955/1/18 للسنة التاسعة حيث جاء فيه "وسيكون عديم الجنسية بالتالي بلا مأوى يتوطن فيه أسوة بغيره من الأشخاص ويكون فضلا عن ذلك معرضا للإبعاد من إقليم أي دولة قد يرغب بالاستقرار فيها" (31).

ورغم المحاولات والجهود الفقهية والدولية لوضع حلول في هذا الشأن إلا إنها حلول متواضعة وما زالت طي الوثائق بعيدة عن العمل الواقعي القانوني، ومنها ما ذهب إليه فريق من الفقه حيث نادي بضرورة عدم الالتجاء إلى إجراء الإبعاد بالنسبة لعديم الجنسية نظرا لعدم وجود دولة أخرى تتقبله وبالتالي يضطر العودة إلى إقليم الدولة التي أبعدته مرات متكررة ومن ثم قد يتعرض للعقاب لعدم تنفيذه ومخالفته قرار الإبعاد إلا إن هذا النداء لم يلق أذانا صاغية من الدول. فلا زالت الدول تمعن في إبعاد عديم الجنسية بل كثيرا ما تعمد إلى إسقاط الجنسية عن فئات معينة من رعاياها الذين لا ترغب بوجودهم على أراضيها حتى يصبحوا بذلك عديمي الجنسية لتتمكن حينئذ من إبعادهم.

كما يذهب البعض الأخر إلى إيجاد وسائل أخرى لمعالجة الإبعاد كالاستعاضة بإجراءات داخلية شبيهة (بالإبعاد) كحضر الإقامة على عديمي الجنسية في مكان معين أو إلزامه بالإقامة في محل معلوم وان الدولة بهذا الإجراء تكون قد عملت على تجنب الآثار السلبية للإبعاد فضلا عن المحافظة على سلامة الدولة  (32).

أما الجماعة الدولية فقد عنت بمحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة فأبرمت اتفاقيات دولية هدفها القضاء على هذه المشكلة وإيجاد مأوى لعديم الجنسية ومنها:

اتفاقية لاهاي لسنة 1930 المتعلقة ببعض مسائل تنازع القوانين بشأن الجنسية فقد نصت المادة ( الأولى من البروتوكول الملحق بها والخاص بانعدام الجنسية على أنه "إذا فقد شخص جنسيته بعد دخوله في بلد أجنبي عنه من دون أن يحصل على جنسية أخرى وجب على الدولة التي كان متمتعا بجنسيتها قبل الفقد أن تقبله بناء على طلب الدولة التي يقيم فيها، وذلك في حالتين:

* أذا كان هذا الشخص في حالة فقر مستمر بسبب مرض غير قابل للشفاء أو لأي سبب أخر.

*  أذا حكم على الشخص في البلد الذي يقيم فيه بعقوبة الحبس لمدة شهر على الأقل سواء أمضى هذه العقوبة أم حصل على عفو عنها كلا أو بعضها".

ويعيب هذا الحل أنه يفترض إن عديم الجنسية كانت له جنسية ثم فقدها ومن ثم فالنص يواجه هذا الفرض ويعجز عن إيجاد حل لحالة انعدام الجنسية المعاصرة للميلاد (33).

اتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية والتي تقضي بموجب أحكام الفصل الرابع منها في المواد (20، 21، 22، 23، 24) بوجوب أن تكفل الدولة المقيم فيها عديم الجنسية حقه في الإسكان والتعليم الرسمي والإغاثة العامة وحقه في العمل والضمان الاجتماعي.

كما تنص المادة (31) من الفصل الخامس على أن:

"1 - لا تطرد الدولة المتعاقدة شخصا عديم الجنسية موجودة في إقليمها بصورة نظامية ألا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام.

2- لا ينفذ طرد مثل هذا الشخص إلا تطبيقا لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون ويجب أن يسمح لعديم الجنسية، ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتعلق بالأمن الوطني بأن يقدم بيانات لإثبات براءته.

وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة

أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصا من السلطة المختصة.

3- تمنح الدول المتعاقدة مثل هذا الشخص العديم الجنسية مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة نظامية في بلد أخر وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضروريا من التدابير الداخلية".

كما عالجت اغلب التشريعات الوطنية مسألة إبعاد عديمي الجنسية ومنها القانون الألماني الصادر في (27/نيسان / 1933) في المادة (31) والتي أكدت عدم اتخاذ قرار الإبعاد إلا إذا وجدت الدولة دولة أخرى تقبله حيث نصت على أنه "لا يجوز إرسال الأجنبي المجهول الجنسية والذي لم تثبت جنسيته والذي صدر ضده قرار الإبعاد إلى دولة أخرى الا إذا سمحت له هذه الدولة بدخوله فيها"(34) كما أشار إلى ذلك أيضا القانون الأذربيجاني بشأن المركز القانوني للأجانب وعديمي الجنسية لعام 1996 في المادة (27) والتي تضمنت حق الدولة في ممارسة الإبعاد وطرد عديمي الجنسية إذا وجدت هناك ضرورة تدفعها إلى ذلك.

كما عالج المشرع العراقي هذه المسألة بوضعه نصوصا خاصة تخول جهة الإدارة حجز وتحديد إقامة عديم الجنسية الذي يتقرر أبعاده ولا يمكن تنفيذ القرار. فقد عرف قانون إقامة الأجانب رقم (118 لعام 1978) المعدل في المادة ( 10/1 )

) الإبعاد بأنه "طلب السلطة المختصة من أجنبي مقيم في الجمهورية العراقية بصورة مشروعة الخروج منها "كما نصت المادة (16) من القانون أعلاه على أنه "عند تعذر أبعاد الأجنبي أو إخراجه أو كان عديم الجنسية، فللوزير أن يقرر تحديد محل أقامته لمدة يعينها في القرار تمدد عند الاقتضاء إلى حين أمكان أبعاده أو إخراجه من أراضي الجمهورية العراقية "أما أذا كان عديم الجنسية أو الأجنبي يخشى منه على الأمن فلوزير الداخلية أن يأمر بحجزه المدة مؤقتة إلى حين أمكان أبعاده وهذا الإجراء يكون تطبيقا لنص المادة (17) من هذا القانون حيث نصت على أنه "عند تعذر أبعاد الأجنبي أو إخراجه من العراق وكان مما يخشى منه على الأمن فللوزير أن يأمر بحجزه لمدة مؤقتة إلى حين أمكان أبعاده أو إخراجه "ولكن مما يؤاخذ على هذه المادة أنها لم تحدد مدة معينه للحجز (35) .

وبرغم كل ذلك فأنه لا مفر من الاعتراف بأن عديم الجنسية لا زال محرومة حتى ألان من الحق في الاستقرار بإقليم دولة ما، حتى لو سمحت له أحدى الدول بالإقامة بإقليمها فأنه يظل في مركز أدنى من مركز الأجانب العاديين حيث يبقى معرضا للإبعاد من قبل هذه الدولة في أي وقت.

الفرع الثالث

الحماية الدبلوماسية

من المبادئ المستقرة في العرف الدولي أن من حق الدولة أن تتصدى لحماية مواطنيها فيما لو أصابهم ضرر بفعل دولة أخرى. فمعلوم لدينا أن لكل دولة الحق في شمول رعاياها بحمايتها في الخارج وتشمل الحماية فضلا عن حماية شخص المواطن - العمل على احترام حقوقه واستعادة أمواله ومنع أي اعتداء عليه في الخارج (36).

وان حماية الدولة لرعاياها إنما يطلق عليها "بالحماية الدبلوماسية والتي يترتب عليها مسؤولية الدولة عن انتهاكات القانون الدولي الناجمة عن الأضرار التي تصيب أشخاص أو أموال رعايا دولة أخرى هذا من جانب، ومن جانب أخر فهي حق للدولة

في ممارسة هذه الحماية لرعاياها في الخارج حيث تقوم هذه الحماية على التوفيق بين معطيات كل من السيادة الشخصية والسيادة الإقليمية فالأولى تمنع الدولة السيادة على رعاياها بينما الثانية تقرر السيادة على كل من يقيم على إقليمها أو ما يوجد فيه من أموال (37).

فالحماية الدبلوماسية بمعناها الشكلي هي "الإجراء الذي تتقدم به دولة ما ضد دولة أخرى بشأن الأضرار التي تعرض لها مواطنوها بعد التحقق من توافر شروط هذا الإجراء".

أما الحماية الدبلوماسية بمعناها الموضوعي فهي "عمل الدولة الذي يرمي للحصول على احترام القانون الدولي في شخص رعاياها"، وهذا التعريف قد عرضته الأستاذة باستيد والذي استقته من اتجاه المحكمة الدائمة للعدل الدولي فقد أسست المحكمة حق الدولة في الحماية الدبلوماسية من عبارة شهيرة يكررها الفقهاء عادة في تناولهم لهذا الموضوع تتضمن أن الدولة في تبنيها دعوى احد رعاياها بلجوئها إلى العمل الدبلوماسي أو إجراءات التقاضي الدولي نيابة عنه، فأن الدولة في الواقع أنما تؤكد حقها الخاص في ضمان احترام قواعد القانون الدولي في شخص رعاياها" وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه حق الدولة في الحماية الدبلوماسية لمواطنيها(38) .

وبما إن الجنسية هي المعيار الذي تتخذه الدول لفرض حمايتها على الأشخاص الذين يعتبرون من مواطنيها المقيمين في الخارج فأن البعثات الدبلوماسية للدول لا تحمي إلا المواطنين، أي الذين يتمتعون بجنسية دولتها ويذهب الفقه التقليدي إلى إن التبعية الوحيدة التي يمكن أن تكون أساسا للحماية الدبلوماسية هي رابطة الجنسية التي تربط طالب الحماية بالدولة التي تتصدى لحمايته، أي يجب أن يكون طالب الحماية حاملا الجنسية هذه الدولة وفقا لتشريعاتها الداخلية، وفي هذا المعنى تقول محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها الصادر في 23/شباط / 1939 أنه "عند عدم وجود أتفاق دولي خاص، فأن الجنسية هي الرابطة الوحيدة التي تخول للدولة الحق في الحماية الدبلوماسية" (39) .

بيد أن الشخص عديم الجنسية لا يتمتع بحق الحماية الدبلوماسية أذا ما أصابه أي ضرر أو تعرض لانتهاك لأي من حقوقه التي تقرها له الدولة التي يقيم فيها حيث لا يعتبر هذا الشخص في نظرها من المواطنين ولا يعتبر من مواطني أية دولة أخرى، وبذلك فأنه لا يكون مستحقا للحماية الدبلوماسية فليس ثمة معيار تستند إليه الدولة لفرض حمايتها الدبلوماسية عليه (40).

فالقاعدة العامة هي أنه لا يجوز للدولة أن تمارس الحماية الدبلوماسية ألا لمصلحة رعاياها فقط دون غيرهم، ففي عام 1931 رأت لجنة المطالبات بين الولايات المتحدة والمكسيك في قضية شركة ديكسون لعجلات السيارات ضد الولايات المكسيكية المتحدة ، أنه لا يجوز توفير الحماية الدبلوماسية للأشخاص عديمي الجنسية وذلك عندما ذكرت:

"إن الدولة...لا ترتكب مخالفة دولية عند الحاقها ضررا بفرد لا جنسية له، وبالتالي ليس لأي دولة سلطة التدخل أو تقديم شكوى لمصلحته، سواء قبل وقوع الضرر أم بعده (41).

فإذا ما تعرض عديم الجنسية لمعاملة تقل عن الحد الأدنى المعترف به للأجانب فلا توجد أي دولة تتدخل لحمايته كونه لا يرتبط بأي دولة برابطة الجنسية، كما انه لا يتمكن من طلب الحماية في مواجهة الدولة المقيم بها وهي الدولة الوحيدة التي احتوته وأعطته بعض المزايا وأن كان على سبيل التسامح، غير إن بعض الدول تفرض على الشخص عديم الجنسية المقيم فيها بعض التكاليف ما لا تستطيع فرضه على الأجانب العاديين كفرض التكليف بأداء الخدمة العسكرية ومن ذلك ألمانيا بموجب قانونها الصادر في 22/ حزيران/ 1913 وايطاليا بموجب قانونها الصادر في 13 حزيران /1912 وفرنسا بموجب قانونها الصادر في 7/آذار (42) 1928.

وقد يزداد الأمر صعوبة إذا كان الضرر الذي يلحق بالشخص عديم الجنسية ناشئة من رفض الدولة التي يوجد فيها اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقه أو أن تسمح له بذلك ولكن لا يصدر بحقه حكم عادل، وأشد من هذا أنه يتعذر على عديم الجنسية اللجوء إلى قنصل أو ممثل دبلوماسي لطلب المساعدة أو الحماية الدبلوماسية داخل تلك الدولة لان القنصلية لا تسبغ على الفرد حمايتها ما لم يكن من مواطني دولتها وكذلك لا تمنحه المساعدة المقررة لأشخاص خاضعين لاختصاص دولة أجنبية، وبذلك يجد هذا الشخص نفسه في حلقة مفرغة يتعذر عليه الخروج منها لأنه لا يرتبط بأية دولة وبالتالي لا تتقدم دولة ما لحمايته دبلوماسيا (43).

كذلك لا يستطيع الشخص عديم الجنسية التوصل إلى القضاء الدولي لعدم تبني قضيته من قبل أية دولة كما لا يستطيع هو أثارة قضيته أمام محكمة دولية لان الفرد لم يصل إلى مستوى اعتباره من أشخاص القانون العام وهذا ما أكدته المادة (34) من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية بأن "للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوي التي ترفع للمحكمة"، كما إن البروتوكول الاختياري لحقوق الإنسان المدنية والسياسية لسنة 1966 قد أعترف بحق الفرد بأن يتظلم دوليا أمام لجنة مشكلة في هيئة الأمم المتحدة، فعديم الجنسية لا يستطيع كذلك الاستفادة من هذه الفرصة لعدم انتمائه لأي دولة معينة حيث تشترط المادة الأولى من البروتوكول موافقة الدولة الصريحة على هذا الاختصاص المقرر(44). وكذلك التشريعات الوطنية تعطي الرعايا حق الحماية معلقا على شرط موافقة الدولة على ممارستها وفقا لتقديرها، ومطلق حريتها، ومن ثم لا يعترف للرعايا بحقوق مستقلة في الحماية خارج أرادة دولة جنسيتهم (45).

فالمعنى المخالف لهذا الكلام إن عديم الجنسية لا يستطيع استحصال موافقة دولة الجنسية) للتمتع بحق الحماية الدبلوماسية كونه لا يمتلك جنسية أي دولة، فحق الحماية الدبلوماسية أنما يقترن بشرط موافقة الدولة التي يحمل الفرد جنستها لغرض ممارستها، ونظرا لتزايد عدد هؤلاء الأفراد وتفاقم مشاكلهم فقد تطلب الأمر تقدير الحماية القانونية الدولية لهؤلاء الأفراد ومد يد العون لهم، فتم ذلك من خلال ما وفرته اتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية من حماية لحقوقهم وكذلك دور المفوضية السامية الشؤون اللاجئين في ممارسة الحماية الدولية لهؤلاء الأشخاص تحت رعاية الأمم المتحدة وأشرافها بحيث أصبح من حق الفرد (عديم الجنسية) اللجوء لتلك المفوضية لحماية حقوقه أذا ما انتهكتها أي دولة سواء كانت طرفا بهذه الاتفاقية أم لا.

كما يولي القانون الدولي اليوم اهتماما بوضع الأشخاص عديمي الجنسية حيث عمدت لجنة القانون الدولي إلى وضع مشروع المواد تتعلق بالحماية الدبلوماسية بشكل عام ومنها ما يتعلق بالحماية الدبلوماسية للأشخاص عديمي الجنسية بشكل خاص حيث نص مشروع المادة (8) الذي أعدته اللجنة واعتمدته في القراءة الأولى "يجوز للدولة أن تمارس الحماية الدبلوماسية فيما يتعلق بشخص عديم الجنسية مضار أذا كان ذلك الشخص، وقت وقوع الضرر وفي تاريخ تقديم المطالبة رسميا يقيم إقامة قانونية وبصفة اعتيادية في تلك الدولة".

فأن نص المادة أعلاه يتيح للدولة حق ممارسة الحماية الدبلوماسية فيما يتعلق بشخص من غير الرعايا كالشخص عديم الجنسية، واشترطت المادة أعلاه لممارسة هذه الحماية أن يكون الشخص عديم الجنسية مقيما بصورة قانونية وبصفة اعتيادية في الدولة المطالبة وقت وقوع الضرر وفي تاريخ تقديم المطالبة رسميا، وهذا يكفل إخضاع غير الرعايا لذات القواعد التي يخضع لها الرعايا فيما يتصل بالاشتراطات الزمنية لتقديم المطالبات  (46) .

______________

1- احمد عبد الكريم سلامة. مبادئ القانون الدولي الخاص الإسلامي المقارن، دار النهضة العربية، القاهرة: 1989، ص 134.

2- جابر إبراهيم الراوي. أحكام تنازع القوانين في القانون العراقي، مديرية مطبعة الحكم المحلي، بغداد: 1980، ص 10.

3- ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين، الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية)، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، بیروت:2005، ص16-17.

4- حسن الهداوي. تنازع القوانين وأحكامه في القانون الدولي الخاص الكويتي، ط2، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت: 1974، ص137.

5- وليد كاظم حسين. تنازع الجنسيات، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة النهرين، 2001، ص97.

6- عكاشة محمد عبد العال. أحكام الجنسية اللبنانية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت: 2007 ، ص 263.

7-  أحمد عبد الكريم سلامة. مصدر سابق، ص135.

8- حفيظة السيد الحداد. مصدر سابق، ص 69.

9- ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين، الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية)، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، بیروت:2005 ، ص52.

10- فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد. الوجيز في القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة: 1971 ، ص 99.

11- هشام علي صادق. تنازع القوانين (دراسة مقارنة) في المبادئ العامة لتنازع القوانين والحلول الوضعية المقررة في التشريع المصري، ط2، منشأة المعارف بالإسكندرية:1971، ص395

12- عكاشة محمد عبد العال، مصدر سابق، ص 264.

13-  محمد اللافي. الوجيز في القانون الدولي الخاص الليبي (دراسة مقارنة)، مجمع الفاتح للجامعات، بدون مكان نشر، 1989 ، ص137.

14- رغد عبد الأمير مظلوم. مشكلة انعدام الجنسية في ضوء القانون الدولي والمقارن، رسالة ماجستير مقدمة الجامعة بغداد، كلية القانون، 2005 ، ص66.

15- احمد عبد الكريم سلامة. مصدر سابق، ص136-137.

16- حسام الدين فتحي ناصف. مشكلات الجنسية (دراسة مقارنة لمشكلة التعدد ومشكلة الانعدام ومشكلة البدون، مشكلة جنسية الأشخاص الاعتبارية، مشكلة إثبات الجنسية)، دار النهضة العربية، القاهرة: 2007 ، ص 42.

17- حفيظة السيد الحداد الموجز في الجنسية ومركز الأجانب، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت: 2005 ، ص68.

18-  صلاح الدين جمال الدين. تنازع القوانين مشكلات إبرام الزواج (دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية)، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية: 2007، ص170.

19- هشام علي صادق. الحماية الدولية للمال الأجنبي (مع أشارة خاصة للوسائل المقترحة لحماية الأموال العربية في الدول الغربية)، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت: 1981، ص396.

20-  نصت المادة  (33/1 ) من القانون المدني العراقي «1- تعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد».

21- غالب علي الداودي و حسن محمد الهداوي. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الأجنبية)، ج 2، طبعة جديدة، مكتبة السنهوري، بغداد: 2012، ص86.

22- احمد عبد الكريم سلامة. مصدر سابق، ص132.

23- عادل محمد خير. الأجنبي وحقوق الإنسان في قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي)، ط1، دار نافع للطباعة، مصر:2005، ص217.

24- جابر إبراهيم الراوي. مبادئ القانون الدولي الخاص في (الموطن ومركز الأجانب وأحكامها في القانون العراقي والمقارن)، ط 2، مطبعة المعارف، بغداد: 1976، ص119 - 120.

25- قرار محكمة القضاء الإداري المصري في 17/شباط/1955، السنة التاسعة، مجموعة أحكام مجلس الدولة، ص 308. نقلا عن عادل محمد خير. مصدر سابق، ص218.

26-  جابر إبراهيم الراوي. القانون الدولي الخاص من أحكام مركز الأجانب في القانون الأردني (دراسة مقارنة)، ط 1، الدار العربية للتوزيع والنشر، عمان: 1986، ص 64.

27- عصام نعمة إسماعيل. ترحيل الأجانب (دراسة تحليلية في ضوء القانون والاجتهاد اللبناني والدولي)، ط 1، مكتبة الحلبي الحقوقية، بيروت: 2003، ص114-115.

28- هشام علي صادق. مصدر سابق، ص180.

29- عبد الحميد محمود حسن السامرائي. النظام القانوني لأبعاد الأجانب في القانون العراقي (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير مقدمة لكلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، 1981، ص167.

30- احمد عبد الكريم سلامة. مصدر سابق، ص134.

31- جمال محمود الكردي. الجنسية في القانون المقارن، ط1، منشأة المعارف بالإسكندرية: 2005 ، ص 138.

32- فؤاد عبد المنعم رياض. مصدر سابق، ص97.

33- عكاشة محمد عبد العال. مصدر سابق، ص262.

34- فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد. مصدر سابق، ص342.

35- قانون إقامة الأجانب العراقي رقم (118 لسنة 1978)، نشر في الوقائع العراقية بالعدد (2665) في ( 1978/7/24 )، ج1، ص1007.

36- هشام علي صادق. الحماية الدولية للمال الأجنبي (مع أشارة خاصة للوسائل المقترحة لحماية الأموال العربية في الدول الغربية)، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت: 1981، ص101.

37- عصام نعمة إسماعيل. ترحيل الأجانب (دراسة تحليلية في ضوء القانون والاجتهاد اللبناني والدولي)، ط 1، مكتبة الحلبي الحقوقية، بيروت: 2003 ، ص83.

38- حازم حسن جمعة. الحماية الدبلوماسية للمشروعات المشتركة، ط2، بدون دار نشر، بدون مكان نشر، 1981، ص 237-239.

39- هشام علي صادق. مصدر سابق، ص107.

40- وليد كاظم حسين. تنازع الجنسيات، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة النهرين، 2001 ، ص 96.

41- جون دوغارت. تقرير أول عن الحماية الدبلوماسية، الجمعية العامة، لجنة القانون الدولي، الدورة الثانية والخمسون، جنيف: 2000، ص62.

42- فؤاد عبد المنعم رياض. مصدر سابق، ص98-99.

43- C. Batchelor. stateless person, some gaps in international protection.international journal of refugee law. vol.7. no.2. 1995.p.12

44- ممدوح عبد الكريم حافظ. مصدر سابق، ص 42.

45- حازم حسن جمعة. الحماية الدبلوماسية للمشروعات المشتركة، ط2، بدون دار نشر، بدون مكان نشر، 1981 ، ص 269.

46- جون دوغارت. تقرير أول عن الحماية الدبلوماسية، الجمعية العامة، لجنة القانون الدولي، الدورة الثانية والخمسون، جنیف: 2000 ، ص61.

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .