أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2018
2414
التاريخ: 19-1-2016
2185
التاريخ: 14-12-2016
2591
التاريخ: 28-6-2016
13822
|
قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (أذل الناس من أهان الناس) (1).
ينقل التاريخ أن فقيراً جاء إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وسأله شيئا لقضاء حوائجه، فأعطاه الإمام، ثم بكى (عليه السلام). فتساءل أصحابه بغرابة عن سبب بكائه، فقال الإمام بما مضمونه: بكيت لأنه أراق ماء وجهه باضطراره إلى السؤال، وأخاف أن لا يكون لي أجر عند الله.
لكل إنسان شخصية وكرامة وعزة وماء وجه، يريد لها أن تبقى محفوظة محترمة. والإسلام ـ هو الدين الذي يصون كرامة الإنسان ـ لا يجيز لنا أن نريق ماء وجوهنا لأحد، لأن كرامتنا ليست ملكاً لنا، وإنما هي ملك لله، فكيف بإراقتنا لماء وجوه الآخرين ؟!
إن إراقة ماء وجوه الآخرين ليست بالأمر البسيط، لأنها إذلال لهم، وكسر لخواطرهم، وخلاف تكريمهم واعطائهم وزنهم. ومن هنا فإن الإسلام لا يجيز لنا أن نريق ماء وجوه الناس، ويأمرنا بالمحافظة على شخصياتهم، بأن نقدرها، ونحترمها، وأن لا نهينها، ولا نحرجها، وأن نحافظ على مشاعرها وعواطفها.
والأمر الذي يجب أن يدركه كل إنسان: أن مشاعر الناس وأحاسيسهم ليست من الحديد الصلب، ولا من الخرسانة المسلحة، بل هي كالزجاج الذي يتكسر على إثر صدمة صغيرة، وإذا ما انكسر الزجاج، صعبت إعادته إلى حالته الأصلية.
يقول الإمام علي (عليه السلام) في الشعر المنسوب إليه:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب إن القلوب إذا تنـافـر ودهـا مثل الزجاجة كسرها لا يشعب وأينما جمعت المرء مع غيره من الناس معاملة، في بيته مع زوجته ووالديه واخوانه، أو في عمله، أو في أي مكان آخـر ينبغي له أن يصون ماء وجوه الآخرين.
بل حتى الطفل ـ هذا الكائن الضعيف ـ لا ينبغي لنا أن نجرح مشاعره، ونريق ماء وجهه، سواء كان بمفرده، أم كان أمام آخرين، لأن ذلك يحدث فيه جرحاً داخلياً، قد لا يلتئم بيسر. ولقد كان رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) يقول لبعض الآباء حينما يأتون إليه بأطفالهم ليؤذن في آذانهم، فيبولون على ثياب النبي، فكان الآباء ينهرونهم، كان (صلى الله عليه وآله) يقول لهم بما معناه: دعوه يكمل بوله، فإن هذا الثوب يطهره الماء، وماذا يطهر نفسية الطفل ؟(*).
إن إيذاء مشاعر الآخرين، يحدث فيهم جرحاً غائراً، ولو فكرنا ملياً في هذا الأمر، ولم ننتصر لإنانا، لما سعينا إلى إيذاء تلك المشاعر، وسعينا الى حفظها من الإهانة والأذى.
وفي هذا السبيل يذكر أحد الكتاب قصة، فيقول: (كانت شركة أجهزة كهربائية، كبيرة تواجه مهمة دقيقة، هي إقالة مسؤول من رياسة أحد أقسامها).
(كان هذا الرجل عبقرياً في الكهرباء، ولكنه ما أن عين رئيساً لقسم الحسابات بالشركة حتى أظهر عجزاً فاضحاً، وبرغم ذلك لم تجرؤ الشركة على انتقاده أو الإساءة إليه. لم يكن لها غنى عنه، وكان هو شديد الحساسية مرهف الشعور، فكيف حسموا هذه المشكلة الدقيقة؟ لقد خلعوا عليه لقباً جديداً، جعلوه: المهندس المستشار للشركة، ثم نصبوا شخصاً آخر لرئاسة قسم الحسابات. وقد سر الرجل بهذا اللقب، وسر كذلك مدير الشركة، فقد حلوا مشكلة دقيقة حساسة دون جلبة ولا ضوضاء!).
(ولو انهم جاءوا الى الرجل واراقوا ماء وجهه، كأن قالوا له: أنك لا تصلح لرئاسة قسم الحسابات، فإنه سيشعر بذلة وانكسار كبيرين، وربما تصلب في أن يبقى رئيساً لقسم الحسابات!).
من الأمور التي تعمل على إراقة ماء وجوه الآخرين: الملامة، والعتاب، والتوبيخ، والنقد الجارح، والمن على الآخرين بالخدمات والمساعدات المقدمة لهم، وخصوصاً أمام المجموع، إن إراقة ماء وجه الطرف الآخر حينما يكون بمفرده أمر مهين، والأشد إهانة إراقة ماء وجهه بين الناس.
يقول الإمام علي (عليه السلام): (إياك أن تكرر العتب، فإن ذلك يغري بالذنب، ويهون العتب) (2).
فحينما تكثر العتاب لشخص، فإن ذلك قد يدعوه إلى الاستهانة بالمعاتبة، وقد يجعله يقع في ممارسة الذنوب والأخطاء، بسبب ما أريق من ماء وجهه.
ويقول (عليه السلام) أيضاً: (طعن اللسان أمضى من طعن السنان) (3).
ورب كلمة تقولها لشخص ـ وقد تتصور أنها عادية ـ تجرحه، وتغير ألوانه، وقد تمرضه، ورب رمز أو إشارة تفعل فيه كما تفعل الكلمة المهينة الجارحة، أو كما يفعل الفعل المحرج.
وكما يقول الشاعر:
جـراحـات السّنـان لها التيـام ولا يلتـامُ مـا جـرح اللسان
وحفظ كرامة الناس، وتلافي إراقة ماء وجوههم، علاوة على أنها تضمن ودهم وحبهم للمرء، فهي وسيلة جيدة للإصلاح بينهم. إن بإمكان المرء أن يوفق بين شخصين يوشك كل منهما أن يطبق على عنق الطرف الآخر، إذ بإمكانه أن يسعى بحكمة وراء نقطة أو نقاط الاتفاق بين الطرفين المتنازعين، فيؤكدها ويزيدها وضوحاً وجلاء، وليعمل على أن يصون لكل منهما ماء وجهه، وأن يدعه يحتفظ به.
وفي مجال النقاش، ومحاولة إقناع الشخص بالفكرة الذاتية، تكون قاعدة حفظ كرامة الطرف الآخر، وصيانة ماء وجهه من الأهمية بمكان. إذ ينبغي للمرء حينما يريد كسب شخص آخر إلى وجهة نظره الصحيحة، أن يقدر وجهـة نظر الشخص الآخر، وأن لا يسفهها، لكي لا يـراق ماء وجه هذا الشخص، حتى وإن كانت وجهة نظره خاطئة.
وهكذا فلكي يحسن المرء معاملة الناس خليق به أن يحفظ لهم كرامتهم، وأن يجعلهم يحتفظون بماء وجوههم، فلا يريقه.
___________________________
(1) بحار الأنوار، ج78، ص192.
(*) جاء في كتاب (مكارم الأخلاق)، ص25: (وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله، فربما بال الصبي عليه، فيصيح بعض من رآه حين يبول، فيقول (صلى الله عليه وآله) لا تزرموا بالصبي (لا تقطعوا بوله)، فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته، ويبلغ سرور أهله فيه، ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيتهم، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده).
(2) الغرر والدرر.
(3) المصدر السابق.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|