المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

المخصبات الحيوية ودورها في تغذية النبات
13-6-2016
موضوعات الكتابة في الجاهلية
3-12-2019
ادمان الصوم
24-1-2016
الأنيميا (Enemia) أو فقر الدم
5-6-2016
Algebraic Unknotting Number
12-6-2021
سوار الألماس
2-10-2017


آية (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا) وزعمهم بدلالتها على المتقدمين على امير المؤمنين  
  
459   01:05 صباحاً   التاريخ: 14-11-2019
المؤلف : الشيخ محمد بن محمد العكبري البغدادي الملقب بالمفيد
الكتاب أو المصدر : الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ص 107-131
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم /

قالوا: وجدنا الله تعالى يقول في سورة الفتح: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15].
ثم قال: { قُـلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16].

قالوا: فحظر الله على نبيه صلى الله عليه وآله إخراج المخلفين معه بقوله: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ }.ثم أوجب عليهم الخروج مع الداعي لهم من بعده إلى قتال القوم الذين وصفهم بالبأس الشديد من الكفار، وألزمهم طاعته في قتالهم حتى يجيبوا إلى الإسلام ووجدنا الداعي لهم إلى ذلك من بعده أبا بكر وعمر،
لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال المرتدين، وكانوا أولي بأس شديد على الحال المعروفة، ثم دعاهم عمر بن الخطاب من بعده إلى قتال أهل فارس، وكانوا كفارا أشداء، فدل ذلك على إمامتهما بما فرض الله تعالى في كتابه من طاعتهما(1)، فهذا دليل للقوم على نظامه الذي حكيناه، فما قولكم فيه؟

قيل له: ما نرى في هذا الكلام - على إعجاب أهل الخلاف به - حجة تؤنس، ولا شبهة تلتبس، وليس فيه أكثر من الدعوى العرية عن البرهان، ومن لجأ إلى مثله فيما يجب بالحجة والبيان، فقد كشف عن عجزه وشهد على نفسه بالخذلان، وذلك أن متضمن الآي ينبئ عن منع المخلفين من اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله عند الانطلاق إلى المغانم التي سأله القوم اتباعه ليأخذوها ، وليس فيه حظر عليه صلوات الله عليه وآله إخراجهم معه في غير ذلك الوجه، ولا منع له كم من إيجاب الجهاد عليهم معه في مغاز أخر.

وبعد تلك الحال، فمن أين يجب، إذا كان الله تعالى قد أمره بإيذانهم عند الرد لهم عن وجه الغنيمة بالدعوة فيما بعد إلى قتال الكافرين، أن يكون ذلك بدعاء من بعده دون أن يكون بدعائه هو بنفسه صلوات الله عليه وآله، إذا كان صلى الله عليه وآله قد دعا أمته إلى قتال طوائف من الكفار أولي بأس شديد بعد هذه الغزاة التي غنم المسلمون، وحظر الله تعالى فيها على المخلفين الخروج، وهل فيما ذكروه من ذلك أكثر من الدعوى على ما وصفناه؟

ثم يقال لهم: أليس الوجه الذي منع الله تعالى المخلفين من اتباع النبي صلى الله عليه وآله فيه الوصول إلى الغنائم منه بالخروج معه، هو فتح خيبر، الذي بشر الله تعالى به أهل بيعة الرضوان على ما اتفق عليه أهل التفسير، وتواتر به أهل السير والآثار(2)؟! فلا بد من أن يقولوا: بلى. وإلا سقط الكلام معهم فيما يتعلق بتأويل القرآن، ويرجع فيه إلى علماء التفسير ورواة الأخبار، إذا ما وصفناه إجماع ممن سميناه.

فيقال لهم: أو لستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غزا بعد غزوة خيبر غزوات عديدة، وسار بنفسه وأصحابه إلى مواطن كثيرة، واستنفر الأعراب وغيرهم فيها إلى جهاد الكفار، ولقي المسلمون في تلك المقامات من أعدائهم ما انتظم وصف الله تعالى له بالبأس الشديد، لا سيما بمؤتة(3) وحنين وتبوك سوى ما قبلها وبينها وبعدها من الغزوات؟! ولا بد أيضا من أن يقولوا: بلى. وإلا وضح من جهلهم ما يحظر مناظرتهم في هذا الباب.

فيقال لهم: فمن أين يخرج لكم مع ما وصفناه ... وجوب طاعة المخلفين من الأعراب بعد النبي صلى الله عليه وآله دون أن يكون هو الداعي لهم بنفسه على ما بيناه؟ فلا يجدون حيلة في إثبات ما ادعوه مع ما شرحناه.

ثم يقال لهم: ينبغي أن تنتبهوا من رقدتكم، وتعلموا أن الله تعالى لو أراد منع المخلفين من اتباع النبي صلى الله عليه وآله في جميع غزواته - على ما ظننتموه - لما خص ذلك بوقت معين دون ما سواه، ولكان الحظر له واردا على الاطلاق، وبما يوجب عمومه في كل حال، ولما لم يكن الأمر كذلك، بل كان مختصا بزمان الغنائم التي تضمن البشارة فيها القرآن، وبوصف مسألتهم له بالاتباع دون حال الامتناع منه أو الإعراض عن السؤال، دل على بطلان ما توهمتموه، ووضح لكم بذلك الصواب.

وقد ظن بعض أهل الخلاف بجهله وقلة (4) علمه أن هؤلاء المخلفين من الأعراب هم الطائفة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك، وكانت مظاهرة له بالنفاق، فتعلق فيما ادعاه من حظر النبي صلى الله وآله عليهم الاتباع له على كل حال، بقوله جل اسمه في سورة التوبة: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: 83]. 

فقال: هذا هو المراد بقوله في سورة الفتح: {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح: 15] وإذا كان قد منعه من إخراجهم معه أبدا، ثبت أن الداعي لهم إلى قتال القوم الذين وصفهم بالبأس الشديد هو غيره وذلك مصحح عند نفسه ما ادعاه من وجوب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان على ما قدمنا القول فيه وبيناه آنفا.

فيقال له: أيها الغافل ... أين يذهب بك وهذه الآية وما قبلها من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] نزلت في غزوة تبوك بإجماع علماء الأمة، ولتفصيل ما قبلها من التأول قصص طويلة قد ذكرها المفسرون، وسطرها مصنفو السير والمحدثون؟!ولا خلاف أن الآيات التي نزلت في سورة الفتح نزلت في المخلفين عن الحديبية، وبين هاتين الغزوتين من تفاوت الزمان ما لا يختلف فيه اثنان من أهل العلم، وبين الفريقين أيضا في النعت والصفات اختلاف في ظاهر القرآن. فكيف يكون ما نزل بتبوك - وهي في سنة تسع من الهجرة - متقدما على النازل في عام الحديبية - وهي سنة ست - لولا أنك في حيرة تصدك عن الرشاد؟! ثم يقال له: فهب أن جهلك بالأخبار، وقلة معرفتك بالسير والآثار، سهل عليك القول في تأويل القرآن بما قضى على بطلانه التأريخ المتفق عليه بواضح البيان، أما سمعت الله جل اسمه يقول في المخلفين من الأعراب: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16].

فأخبر عن وقوع الدعوة لهم إلى القتال على الاستقبال، وإرجاء أمرهم في الثواب والعقاب بشرطه في الطاعة منهم والعصيان، ولم يقطع بوقوع أحد الأمرين منهم على البيان.

وقال جل اسمه في المخلفين الآخرين من المنافقين المذكورين في سورة براءة: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 83، 84].

فقطع على استحقاقهم العقاب وأخبر نبيه صلى الله عليه وآله بخروجهم من الدنيا على الضلال، ونهاه عن الصلاة عليهم إذا فارقوا الحياة، ليكشف بذلك عن نفاقهم لسائر الناس، وشهد عليهم بالكفر بالله عز اسمه وبرسوله صلى الله عليه وآله بصريح الكلام، ولم يجعل لهم في الثواب شرطا على حال، وأكد ذلك بقوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 85] .
وهذا جزم من الله تعالى على كفرهم في الحال، وموتهم على الشرك به، وسوء عاقبتهم وخلودهم في النار، وقد ثبت في العقول فرق ما بين المرجأ أمره فيما يوجب الثواب والعقاب ، وبين المقطوع له بأحدها على الوجوه كلها.

وإن الإرجاء لما ذكرناه، والشرط الذي ضمنه كلام الله تعالى فيما تلوناه، لا يصح اجتماعه مع القطع، بما شرحناه من متضمن الآي الأخر على ما بيناه، لشخص واحد ولا لأشخاص متعددة على جميع الأحوال، وإن من جوز ذلك وارتاب في معناه فليس بمحل من يناظر في الديانات، لأنه لا يصير إلى ذلك إلا بآفة تخرجه عن حد العقلاء أو مكابرة ظاهرة وعناد، وهذا كاف في فضيحة هؤلاء الضلال الذين حملهم الجهل بدين الله، والنصب لآل محمد نبيه صلى الله عليه وآله على القول في القرآن بغير هدى ولا بيان، نسأل الله التوفيق، ونعوذ به من الخذلان.

على أنا لو سلمنا لهم تسليم نظر ما توهموه من تضمن الآية لوجوب طاعة داع للمخلفين من الأعراب إلى القتال بعد النبي صلى الله عليه وآله على ما اقترحوه، واعتبرنا فيما ادعوه من ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان بمثل ما اعتبروه، لكان بأن يكون دلالة على إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أولى من أن يكون دلالة على إمامة من ذكروه، وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام قد دعا بعد النبي صلى الله عليه وآله إلى قتال الناكثين بالبصرة والقاسطين بالشام والمارقين بالنهروان، واستنفر الكافة إلى قتالهم وحربهم وجهادهم، حتى ينقادوا بذلك إلى دين الله تعالى الذي فارقوه، ويخرجوا به عن الضلال الذي اكتسبوه، وقد علم كل من سمع الأخبار ما كان من شدة أصحاب الجمل وصبرهم عند اللقاء، حتى قتل بين الفريقين على قول المقل عشرة آلاف إنسان.

وتقرر عند أهل العلم أنه لم تر حرب في جاهلية ولا إسلام أصعب ولا أشد من حرب صفين، ولا سيما ما جرى من ذلك ليلة الهرير، حتى فات أهل الشام فيها الصلاة، وصلى أهل العراق بالتكبير والتهليل والتسبيح، بدلا من الركوع والسجود والقراءة، لما كانوا عليه من الاضطرار بتواصل اللقاء في القتال، حتى كلت السيوف بينهم لكثرة الضراب، وفنى النبل، وتكسرت الرماح بالطعان، ولجأ كل امرئ منهم عند عدم سلاحه إلى قتال صاحبه بيده وفمه، حتى هلك جمهورهم بما وصفناه، وانكشفت الحرب بينهم عن قتل نيف وعشرين ألف إنسان على قول المقل أيضا، وضعف هذا العدد أو قريب من الضعف على قول آخرين بحسب اختلافهم في الروايات.

فأما أهل النهروان، فقد بلغ وظهر من شدتهم وبأسهم وصبرهم على القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة والشام، ما لم يرتب فيه من أهل العلم اثنان، وظهر من إقدامهم بعد التحكيم على قتل النفوس والاستسلام للموت والبأس والنجدة ما يغني أهل العلم به عن الاستدلال عليه، والاستخراج لمعناه، ولو لم يدل على عظم بأسهم وشدتهم في القتال إلا أنهم كانوا بالاتفاق أربعة آلاف إنسان، فصبروا على اللقاء حتى قتل سائرهم سوى أربعة أنفس شذوا منهم على ما جاءت به الأخبار.

ولم يجر أمر أبي بكر وعمر في الدعوة مجرى أمير المؤمنين عليه السلام لأنهما كانا مكتفيين بطاعة الجمهور لهما، وانقياد الجماعات إلى طاعتهما، وعصبية الرجال لهما، فلم يظهر من دعائهما إلى قتال من سير إليه الجيوش ما ظهر من أمر أمير المؤمنين عليه السلام في الاستنفار والترغيب في الجهاد والترهيب من تركه والاجتهاد في ذلك والتكرير له حالا بعد حال، لتقاعد الجمهور عن نصرته، وخذلان من خذله من أعداء الله الشاكين في أمره والمعاندين له، وما مني به من تمويه خصومه وتعلقهم في استحلال قتاله بالشبهات.

ثم لم يبن من شدة أهل الردة وفارس مثل ما ذكرناه من أهل البصرة والشام والنهروان على ما شرحناه، بل ظهر منهم خلاف ذلك، لسرعة انفضاضهم عمن لقيهم من أهل الإسلام، وتفرقهم وهلاكهم بأهون سعي، وأوحى(5) مدة، وأقرب مؤنة، على ما تواترت به الآثار، وعلمه كافة من سمع الأخبار، فبان بما وصفناه أننا مع التسليم للخصوم بما ادعوه في معنى الآية، وباعتبارهم الذي اعتمدوه، أولى بالحجة منهم في صرف تأويلها إلى إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، دون من سموه على ما قدمناه.

ولو تكافأ القولان، ولم يكن لأحدهما رجحان على صاحبه في البرهان، لكانت المكافأة مسقطه لما حكموا به من تخصيص أبي بكر وعمر، بدلالة الآية على الترتيب الذي أصلوا الكلام عليه في الاستدلال، وهذا ظاهر جلي ولله الحمد.

قد كان بعض متكلمي المعتزلة رام الطعن في هذا الكلام، بأن قال: قد ثبت أن القوم الذين فرض الله تعالى قتالهم بدعوة من أخبر عنه كفار خارجون عن ملة الإسلام، بدلالة قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16].

وأهل البصرة والشام والنهروان - فيما زعم - لم يكونوا كفارا، بل كانوا من أهل ملة الإسلام إلا أنهم فسقوا عن الدين، وبغوا على الإمام، فقاتلهم بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات: 9].

وأكد ذلك عند نفسه بسيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم، وبخبر رواه عنه عليه السلام، أنه سئل عنهم، فقال: " إخواننا بغوا علينا " (6) ولم يخرجهم عن حكم أهل الإسلام.

قال: فثبت بذلك أن الداعي إلى قتال من سماه الله تعالى ووصفه بالبأس الشديد إنما هو أبو بكر وعمر دون أمير المؤمنين عليه السلام، فقلت له: ما أبين غفلتك، وأشد عماك! أنسيت قول أصحابك في المنزلة بين المنزلتين، وإجماعهم على من استحق التسمية بالفسق خارج بما به استحق ذلك عن الإيمان والإسلام، غير سائغ تسميته بأحد هذين الاسمين في الدين على التقييد والاطلاق، أم جهلت هذا من أصل الاعتزال، أم تجاهلت وارتكبت العناد؟!

أو لست تعلم أن المتعلق بإيجاب الإسلام على أهل البصرة والشام والنهروان لا يلزم بذلك إكفارهم ، ولا يمنعه من نفي الكفر عنهم، بحسب ما نبهناك عليه من مقالة أصحابك في الأسماء والأحكام، فكيف ذهب عليك هذا الوجه من الكلام، وأنت تزعم أنك متحقق بعلم الحجاج؟! فاستحى لذلك وبانت فضيحته، بما كان يدافع به من الهذيان.

قال بعض المرجئة وكان حاضر الكلام: قد نجونا نحن من المناقضة التي وقع فيها أهل الاعتزال، لأنا لا نخرج أحدا من الإسلام إلا بكفر يضاد الإيمان، فيجب على هذا الأصل أن يكون الكلام بيننا في إكفار القوم على ما تذهبون إليه، وإلا لزمكم معنى الآي.
فقلت له: لسنا نحتاج إلى ما ظننت من نقل الكلام على الفرع ، وإن كان مذهبك في الأسماء ما وصفت، لأن الإسلام عندنا وعندك إنما هو الاستسلام والانقياد، ولا خلاف بيننا أن الله عز وجل قد أوجب على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام مفارقة ما هم عليه بذلك من العصيان، وألزمهم الاستسلام له والانقياد إلى ما يدعوهم إليه، من الدخول في الطاعة وكف القتال، فيكون قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16].
 خارجا على هذا المعنى الذي ذكرناه، وهو موافق لأصلك، وجار على أصل اللغة التي نزل بها القرآن. فلحق بالأول في الانقطاع، ولم أحفظ منه إلا عبارات فارغة داخلة في باب الهذيان.

على أنه يقال للمعتزلة والمرجئة والحشوية جميعا: لم أنكرتم إكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، وقد فارقوا طاعة الإمام العادل وأنكروها، وردوا فرائض الله تعالى عليه وجحدوها، واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها، وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته، ووالوا أعداءه الفجرة الفاسقين في معصيته، وأنتم قد أكفرتم مانعي أبي بكر الزكاة، وقطعتم بخروجهم عن ملة الإسلام؟! ومن سميناه قد شاركهم في منع أمير المؤمنين عليه السلام الزكاة، وأضاف إليه من كبائر الذنوب ما عددناه، وهل فرقكم بين الجميع في أحكام الكفر والإيمان إلا عناد في الدين وعصبية للرجال.

فإن قالوا: مانعو الزكاة إنما منعوها على وجه العناد، ومحاربو أمير المؤمنين إنما حاربوه ومنعوه زكاتهم واستحلوا الدماء في خلافه على التأويل دون العناد، فلهذا افترق الأمران.

قيل لهم: انفصلوا ممن قلب القصة عليكم، فحكم على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، واستحلال دماء المؤمنين من أصحابه، ومنعه الزكاة وإنكار حقوقه بالعناد، وحكم على مانعي أبي بكر الزكاة بالشبهة والغلط في التأويل، وهذا أولى بالحق والصواب، لأن أهل اليمامة لم يجحدوا فرض الزكاة، وأنما أنكروا فرض حملها إلى أبي بكر، وقالوا: نحن نأخذها من أغنيائنا ، ونضعها في فقرائنا، ولا نوجب على أنفسنا حملها إلى من لم يفترض له ذلك علينا بسنة ولا كتاب.

ولم نجد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام حجة في خلافه واستحلال قتاله ولا شبهة أكثر من أنهم نكثوا بيعته فقد أعطوه إياها من أنفسهم بالاختيار، وادعوا بالعناد أنهم أجابوا إليها بالاضطرار، وقرفوه بقتل عثمان وهم يعلمون اعتزاله فتنة عثمان، وطالبوه بتسليم قتلته إليهم وليس لهم في الأرض سلطان، ولا يجوز تسليم القوم إليهم على الوجوه كلها والأسباب، ودعاه المارقون منهم إلى تحكيم الكتاب، فلما أجابهم إليه زعموا أنه قد كفر بإجابتهم إلى الحكم بالقرآن، وهذا ما لا يخفى العناد من جماعتهم فيه على أحد من ذوي الألباب.

فإن قالوا: فإذا كان محاربو أمير المؤمنين عليه السلام كفارا عندكم بحربه، مرتكبي العناد في خلافه، فما باله عليه السلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحاهم، ويتبع مدبرهم، ويغنم جميع أموالهم، ويسبي نساء هم وذراريهم، وما أنكرتم أن يكون عدوله عن ذلك في حكمهم يمنع من صحة القول عليهم بالإكفار؟
قيل لهم: إن الذي وصفتموه في حكم الكفار إنما هو شئ يختص بمحاربي المشركين، ولم يوجد في حكم الاجماع والسنة فيمن سواهم من سائر الكفار، فلا يجب أن يعدى منهم إلى غيرهم بالقياس، ألا ترون أن أحكام الكافرين تختلف، فمنهم من يجب قتله على كل حال، ومنهم من يجب قتله بعد الامهال، ومنهم الجزية ويحقن دمه بها ولا يستباح، ومنهم من لا يحل دمه ولا تؤخذ منه الجزية على حال، ومنهم من يحل نكاحه ومنهم من يحرم بالإجماع، فكيف يجب اتفاق الأحكام من الكافرين على ما أوجبتموه فيمن سميناه، إذا كانوا كفارا، وهي على ما بيناه في دين الإسلام من الاختلاف؟!
ثم يقال لهم: خبرونا هل تجدون في السنة أو الكتاب أو الاجماع الحكم في طائفة من الفساق بقتل المقبلين منهم وترك المدبرين، وحظر الإجهاز على جرحى المقاتلين وغنيمة ما حوي عسكرهم دون ما سواه من أمتعتهم وأموالهم أجمعين؟
فإن ادعوا معرفة ذلك ووجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، فإنهم يعجزون عن ذلك، ولا يستطيعون إلى إثباته سبيلا.
وإن قالوا: إن ذلك، وإن كان غير موجود في طائفة من الفاسقين، فحكم أمير المؤمنين عليه السلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب ، وإن لم يعرف وجه التعيين.

قيل لهم: ما أنكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السلام في البغاة ممن سميتموه دليلا على أنه حكم الله تعالى في طائفة من الكافرين موجود في السنة والكتاب، وإن لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين، فلا يجب أن يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من الكافرين، كما لا يجب خروجهم من الفسق بتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من الفاسقين، وهذا ما لا فصل فيه.

على أن أكثر المعتزلة يقطعون بكفر المشبهة والمجبرة، ولا يخرجونهم بكفرهم عن الملة، ويرون الصلاة على أمواتهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وموارثتهم، ومنهم من يرى مناكحتهم، ولا يلحقونهم بغيرهم من الكفار في أحكامهم المضادة لما وصفناه، ولا يلزمون أنفسهم مناقضة في ذلك.

وأبو هاشم الجبائي(7) خاصة يقطع بكفر من ترك الكفر وأقام على قبيح أو حسن يعتقد قبحه، ولا يجري عليه شيئا من أحكام الكافرين من قتل، أو أخذ جزية، أو منع من موارثة، أو دفن في مقابر المسلمين، أو صلاة عليه بعد أن يكون مظهر للشهادتين، والاقرار بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله على الاجمال، وهذا يمنعه فيمن تقدم ذكره من المعتزلة وأصحابهم من المطالبة في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما سلف حكايته عن الخصوم، ولا يسوغ لهم الاعتماد بذكر الإسلام من الأذى .

فإن قالوا: كيف يصح لكم إكفار أهل البصرة والشام وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عنهم، فقال: " إخواننا بغوا علينا " ، ولم ينف عنهم الإيمان، ولا حكم عليهم بالشرك والإكفار؟! قيل لهم: هذا خبر شاذ، لم يأت به التواتر من الأخبار، ولا أجمع على صحته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأكثر نقلة، وأوضح طريقا في الإسناد، وهو أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، والناس مصطفون للحرب، فقال له: علام نقاتل هؤلاء القوم - يا أمير المؤمنين - ونستحل دماءهم وهم يشهدون شهادتنا، ويصلون إلى قبلتنا؟
فتلا عليه السلام هذه الآية، رافعا بها صوته: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] .

فقال الرجل حين سمع ذلك: كفار، ورب الكعبة. وكسر جفن سيفه ولم يزل يقاتل حتى قتل .

وتظاهر الخبر عنه عليه السلام أنه قال يوم البصرة: " والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ } [المائدة: 54] (8).

وجاء مثل ذلك عن عمار وحذيفة رحمة الله عليهما(9)، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه آله، فالأمر في اجتماع أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام على إكفار عثمان والطالبين بدمه وأهل النهروان أظهر من أن يحتاج فيه إلى شرح وبيان، وعنه أخذت الخوارج مذهبها الموجود في أخلافها اليوم من الإكفار لعثمان بن عفان وأهل البصرة والشام، وإن كانت الشبهة دخلت عليهم في سيرته عليه السلام فيهم، وما استعمله من الأحكام حتى ناظره أسلافهم عند مفارقتهم له فحججهم بما قد تواترت به الأخبار.

على أنا لو سلمنا لهم الحديث في وصفهم بالإخوة له عليه السلام، لما منع من كفرهم، كما لم يمنع من بغيهم، ولم يضاد ضلالهم باتفاق مخالفينا، ولا فسقهم عن الدين واستحقاقهم اللعنة والاستخفاف والإهانة وسلب اسم الإيمان عنهم والإسلام، والقطع عليهم بالخلود في الجحيم.

قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، فأضافه إليهم بالإخوة وهو نبي الله وهم كفار بالله عز وجل. وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73].
وقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } [الأعراف: 85] ولم يناف ذلك كفرهم، ولا ضاد ظلالهم وشركهم، فأحرى أن لا يضاد تسمية أمير المؤمنين عليه السلام محاربيه بالإخوة مع كفرهم بحربه، وضلالهم عن الدين بخلافه، وهذا بين لا إشكال فيه.

ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام علمنا بإظهارهم التدين بحربه، والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال جرعة خمر، لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق.

وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل الخمر، وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحل دماء المؤمنين، لأنه أكبر من ذلك وأعظم في العصيان بما ذكرناه، وإذا ثبت ذلك صح الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام على ما وصفناه.

دليل آخر: ويدل على ذلك أيضا ما تواترت به الأخبار من قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " حربك - يا علي - حربي، وسلمك سلمي "(10). وقد ثبت أنه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السلام حربه على الحقيقة، وإنما أراد التشبيه في الحكم دون ما عداه، وإلا كان الكلام لغوا ظاهر الفساد، وإذا كان حكم حربه عليه السلام كحكم حرب الرسول صلى الله عليه وآله وجب إكفار محاربيه، كما يجب بالإجماع إكفار محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله.

دليل آخر: وهو أيضا ما أجمع على نقله حملة الآثار من قول الرسول صلى الله عليه وآله: " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله تعالى "(11) ولا خلاف بين أهل الإسلام أن المؤذي للنبي صلى الله عليه وآله بالحرب والسب والقصد له بالأذى والتعمد لذلك كافر، خارج عن ملة الإسلام، فإذا ثبت ذلك وجب الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما أوجبه النبي صلى الله عليه وآله من ذلك بما بيناه.

دليل آخر: وهو أيضا ما انتشرت به الأخبار، وتلقاه العلماء بالقبول عن رواة الآثار، من قول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام:" اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". وقد ثبت أن من عادى الله تعالى وعصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الإيمان، فإذا ثبت أن الله تعالى لا يعادي أولياءه وإنما يعادي أعداءه، وصح أنه تعالى معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام لعداوتهم له، بما ذكرناه من حصول العلم بتدينهم بحربه عليه السلام بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله ويزول معه الارتياب، وجب إكفارهم على ما قدمناه.

وقد استقصيت الكلام في هذا الباب في كتابي المعروف بـ (المسألة الكافئة)(12) وفيما أثبته منه هاهنا كفاية، إن شاء الله.

ثم يقال للمعتزلة ومن وافقهم في إنكار إمامة معاوية بن أبي سفيان وبني أمية من عقلاء أصحاب الحديث: ما الفرق بينكم فيما تأولتم به الآية، وأوجبتم به منها طاعة أبي بكر وعمر، وبين الحشوية فيما أوجبوا به منها طاعة معاوية وبني أمية وجعلوه حجة لهم على إمامتهم، وعموا بالمعني بها أبا بكر وعمر وعثمان ومن ذكرناه.
وذلك أن أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه كعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومعاوية بن حديج وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف.

فإن جروا على ذلك خرجوا عن أصولهم، وزعموا أن الله سبحانه أوجب طاعة الفاسقين، وأمر باتباع الظالمين، ونص على إمامة المجرمين، وإن امتنعوا منه لعلة من العلل مع ما وصفناه من قتالهم بعد النبي صلى الله عليه وآله لقوم كفار أولي بأس شديد منعوا من ذلك في الرجلين بمثلها، فلا يجدون فصلا مع ما يلحق مقالتهم من الخلل والتناقض بالتخصيص على التحكم دون الحجة والبيان، ومن الله نسأل التوفيق.

__________________

(1) ممن ذهب إلى هذا الرأي ابن جريج والقرطبي والزمخشري والبيضاوي، أنظر تفسير القرطبي 16: 272، الكشاف 4: 338، تفسير البيضاوي 2: 410، الدر المنثور 7: 520.

(2) معالم التنزيل 5: 170، الكشاف 4: 337، تفسير الرازي 28: 90، تفسير القرطبي 16: 270 وغيرها.

(3) مؤتة: قرية في حدود الشام. " معجم البلدان 5: 219 ".

(4) وممن ذهب إلى هذا الرأي ابن زيد والجبائي والفخر الرازي، أنظر تفسير الطبري 26: 51، والثعالبي 4: 175 والفخر الرازي 28: 90.

(5) الوحي: السرعة. " الصحاح. وحى - 6: 252 ".

(6) قرب الإسناد: 45، سنن البيهقي 8: 182، حياة الصحابة 2: 496.

(7) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، أبو هاشم، من كبار المعتزلة، عالم بالكلام، له آراء انفرد بها عنهم، وله مصنفات في الاعتزال، ولد ببغداد، وتوفي بها في سنة 321 هـ. أنظر " تاريخ بغداد 11: 55 / 5735، وفيات الأعيان 3: 183 / 383، سير أعلام النبلاء 15: 63 / 32 ".

(8) أمالي الطوسي 1: 130، تفسير العياشي 2: 79 / 27، مناقب ابن شهرآشوب 3: 148، شواهد التنزيل 1: 209 / 280 و 281، والآية من سورة المائدة 5: 54.
(9) تفسير التبيان 3: 555، مجمع البيان 3: 321، مناقب ابن شهرآشوب 3: 148.

(10) أمالي الطوسي 1: 374، تفسير فرات: 181، مناقب ابن شهرآشوب 3: 217، مناقب الخوارزمي: 76، مناقب ابن المغازلي: 50 / 73، الفصول المختارة: 197.
(11) الرياض النضرة 3: 122، ذخائر العقبى: 65، الجامع الصغير للسيوطي: 122، ينابيع المودة: 205، مناقب ابن شهرآشوب 3: 211.

(12) ذكر هذا الكتاب تلميذاه النجاشي والطوسي وسمياه " المسألة الكافئة في إبطال توبة الخاطئة ". أنظر رجال النجاشي: 399، فهرست الطوسي: 158.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.