المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16361 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ونواقض الوضوء وبدائله
2024-05-02
معنى مثقال ذرة
2024-05-02
معنى الجار ذي القربى
2024-05-02
{واللاتي‏ تخافون نشوزهن}
2024-05-02
ما هي الكبائر
2024-05-02
شعر لأحمد بن أفلح
2024-05-02

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


يجب على النبي القيام بمقترحات الناس اذا توافرت الشروط المطلوبة  
  
1484   12:25 صباحاً   التاريخ: 10-02-2015
المؤلف : جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : مفاهيم القران
الجزء والصفحة : ج4 ، ص112-121.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / مواضيع عامة في القصص القرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-04 604
التاريخ: 9-10-2014 1790
التاريخ: 9-10-2014 2733
التاريخ: 2023-03-17 882

الأولى : هل يجب على النبي القيام بكل ما يقترحه الناس عليه من معاجز أو أنّه يجب أن يتمتع بالدلائل المثبتة لصدق دعواه وبالمعجزات الساطعة التي تفيد القطع لكل من يريد الحقيقة ويتحرّاها دون غرض أو مرض ، سواء أطابقت تلك المعاجز مقترحات من بعث إليهم أم خالفتها ؟

وبعبارة أُخرى : يجب أن تبلغ معجزات النبي حداً يوجب طمأنينة النفس واستيقانها برسالته لكل من يطلب الحقيقة ويتوخّاها ، ولا يجب على النبي حتماً أن يقوم بالإتيان بكل ما يطلب منه.

إنّ العقل لا يوجب أكثر من أن تكون دعوى النبوة مقترنة بالدلائل والشواهد التي تُثبت صلة النبي بالله سبحانه ، وتكون كافية في إفادة الإذعان بصدقه ، وأمّا قيامه بكل ما يطلب منه ، فلا دليل على وجوبه لا من العقل ولا من الشرع.

ومن هنا يتبين أنّ اللازم على النبي هو القيام بإقناع الناس من حيث المجموع ، وأمّا قيامه بإقناع كل فرد فرد على حدة وتنفيذ طلبات آحاد الناس فلا دليل عليه ، وتشهد على ذلك حياة الأنبياء ، فقد أعطى سبحانه لموسى الكليم تسع آيات بيّنات ، وللمسيح ما آتاه من المعجزات الواردة في قوله سبحانه : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 49].

أقول : إنّ الله سبحانه قد أعطاهما تلكم المعاجز ، ولم يكلفهما بالقيام بإقناع كل فرد بالإتيان بكل ما يقترحه حسب ميوله وأغراضه.

نعم ، لابد أن تكون معجزة كل نبي مشابهة لأرقى فنون عصره وزمانه ، والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره ، فإنّه أسرع للتصديق ، وأقوم للحجة ، فكان من الحكمة والصواب أن يخص موسى بالعصا ، واليد البيضاء ، لمّا شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون ، ولذلك كانت السحرة أسرع الناس إلى تصديق ذلك البرهان والإذعان به حين رأوا العصا تنقلب ثعباناً وتلقف ما يأفكون ثم ترجع إلى حالتها الأولى ، فرأى السَحَرَة ذلك ، وعلموا أنّه خارج عن حدود السحر ، وآمنوا بأنّه معجزة إلهية وأعلنوا إيمانهم في مجلس فرعون ، ولم يعبأوا بسخط فرعون ولا بوعيده.

وشاع الطب اليوناني في عصر المسيح ، وأتى الأطباء في زمانه بالعجب العجاب ، وكان للطب رواج باهر في سورية وفلسطين ، لأنّهما كانتا مستعمرتين لليونان ، وحيث بعث الله المسيح في هذين القطرين شاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئاً يشبه الطب ، فكان من معجزاته أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ليعلم أهل زمانه أنّ ذلك شيء خارج عن قدرة البشر وغير مرتبط بمبادئ الطب وانّه ناشئ عما وراء الطبيعة.

وأمّا النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) فقد برعت العرب في عصره في البلاغة وامتازت بالفصاحة ، وبلغت الذروة في فنون الأدب حتى عقدوا النوادي وأقاموا الأسواق للمباراة في الشعر والخطابة ، فلأجل ذلك اقتضت الحكمة أن يخص نبي الإسلام بمعجزة البيان وبلاغة القرآن ، ليعلم كل عربي أنّ هذا خارج عن طوق البشر ، ويعترف به كل من يتوخّى الحقيقة (1).

نعم ، هناك وجوه أُخر اقتضت جعل المعجزة الخالدة للنبي الخاتم هو القرآن ، وقد أوضحنا تلك الوجوه في أبحاثنا الكلامية.

نعم ، يجب أن تكون معجزة النبي مشابهة لأرقى فنون العصر ، فقط ، وأمّا لزوم قيامه بكل المقترحات والمطلوبات فلا ، لأنّ الأنبياء بعثوا لغرض التربية والتعليم ، وتجب عليهم مكافحة الجهل بالوسائل الصحيحة الكافية ، لا أن يأتوا بكل مطلوب لكل جاهل أو متجاهل حسب هوسهم.

كما يجب أن تكون دعوتهم مقترنة بالمعاجز حتى تحقّق صلتهم بالله سبحانه ويتبين أنّ الله الحكيم هو الذي أعطاه تلك المقدرة ، ولو كانوا كاذبين لما جاز في منطق العقل والحكمة إقدارهم عليها ، لأنّ في إقدار الكاذب على المعاجز ، إغراء بالجهل وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى ، فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالة على صدقه وكاشفة عن رضا الحق سبحانه بنبوته سواء أطابقت مطلوب الناس أم لا.

وإذا رأينا أنّ نبياً من الأنبياء قد امتنع عن القيام ببعض المعاجز ، وبعبارة أصح : إذا لم يأذن الله له في الإتيان بها ، فإنّما هو لأجل أنّه سبحانه جهّزه بأوضح الدلائل وزوّده بأتقن المعاجز بحيث تكون كافية لكل من يتوخّى الحقيقة ويطلب الواقع ، وليس عليه سبحانه أزيد من نصب الدلائل وإقامة البراهين ، فلو انّ القرآن يصف الأنبياء بقوله : {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة : 213] ويصف نبيَّه بقوله : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد : 7] ، فلا تهدف تلك الجملة إلاّ الإشارة إلى أنّ وظيفته الأساسية إنّما هي التبشير والإنذار المقترنين بالمعاجز الكافية ، وانّه لا يجب عليه أن يستجيب لطلب كل من اقترح عليه أمراً أو يطلب منه معجزة حسب هواه ، وليست هذه الأوصاف نافية لأصل المعاجز من رأسها.

الثانية : انّما يصح قيام النبي بالإتيان بالمعجزة المطلوبة منه إذا تعلّق الطلب بالأمر الممكن لا المستحيل ، لأنّه خارج عن إطار القدرة ، فعند ذلك لو طلب من النبي رؤية الله سبحانه جهرة ، أو ولوج الجمل في سم الخياط ، فالسؤال ساقط من أساسه لاستحالة الموضوع.

الثالثة : إنّما يجب على النبي القيام بالإتيان بالمعاجز المطلوبة المقترحة عليه من قبل الناس ، إذا كانت بين الطالبين بها جماعة مستعدة للانضواء تحت لواء الحق بعد أن شاهدوا المعجزة ، وأمّا لو كانوا يطالبون بها ويقترحوها عناداً ولجاجاً ، ومع ذلك يصرون على كفرهم وإنكارهم حتى لو أُتي بمطلوبهم ، فلا يجب على النبي الإجابة لدعوتهم لأنّ الإتيان بالمعاجز في هذه الحالة يعد أمراً لغواً وعبثاً ، وذلك لأنّ الهدف من المعاجز أحد أمرين :

الأوّل : سوق الناس إلى الله سبحانه عن طريق الإيمان بنبوة النبي (صلى الله عليه واله) ورسالته ، والمفروض أنّ تلك الغاية منتفية في المقام ، لأنّ الطالبين بالمعاجز يشكّلون جماعة متعنتة ومعاندة فلا يؤمنون وان أُتي بأضعاف ما يريدون ويطلبون.

وأمّا الكلام في أنّ النبي (صلى الله عليه واله) من أين يحصل له هذا العلم ويكشف أحوالهم ، فهو خارج عن هذا البحث.

الثاني : إتمام الحجة على الكافرين المعاندين المغرضين حتى لا يقولوا يوم القيامة ولا يحتجّوا على الله سبحانه بأنّه ما جاءهم من بشير ولا نذير ، والمفروض أنّ تلك الغاية قد حصلت بالإتيان بسائر المعجزات التي جاء بها النبي (صلى الله عليه واله) من غير اقتراح لما عرفت من أنّه يجب تزويد النبي (صلى الله عليه واله) وتجهيزه بالمعاجز سواءً طابقت مقترحات قومه أو لا.

إنّ القارئ الكريم سيلمس تلك الحقيقة عند استعراض الآيات التي رفض النبي فيها إجابة الطالبين بالمعاجز ، فإنّ أكثرها واردة في ذلك المجال ، وانّه لم يكن غرض الطالبين الاهتداء والانتفاع بها ، بل كانوا يطلبونها لأغراض أُخر ، إمّا تعجيزاً للنبي (صلى الله عليه واله) بحسب أهوائهم أو تلاعباً بما سيصدر منه (صلى الله عليه واله).

الرابعة : انّ المعجزة نوع تصرف في العالم ، والنبي بماله من ولاية تكوينية مكتسبة منه سبحانه ، يقدر على التصرّف في الأكوان بأن يخلع صورة من المادة ويلبسها صورة أُخرى ، كما خلع موسى الكليم صورة العصا من مادتها وألبسها صورة الثعبان بإذن ربّه ، وكما بدّل المسيح الصورة الطينية إلى الصورة الطيرية ، كل ذلك بإذنه سبحانه ، وأمر منه ، وعند ذلك فليس لهم حرية مطلقة في الخلع واللبس والتنفيذ والتصرّف وإنّما يفعلون ذلك بإذن منه سبحانه ، قال الله تعالى : {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } [الرعد : 38].

وبما أنّ هذه الآية تعد نفس النبي (صلى الله عليه واله) آتياً بالمعجزة ، تدلّ على أنّ الآتي بها والمتصرّف في الأكوان هو النبي (صلى الله عليه واله) بما له من روح قدسية يقدر معها على ذلك الأمر.

ولكنها تقيد تنفيذ النبي وتصرفه بإذنه سبحانه ، فالأولياء وفي طليعتهم الأنبياء لا يشاءون إلاّ ما شاء الله ولا يخرجون عن إطار مشيئته سبحانه.

فلو رأينا أنّ النبي قد رفض بعض المقترحات ، فإنّما هو لأجل هذا السبب ، فلم يكن إذن من الله سبحانه بالقيام بتلك المعاجز المقترحة ، وعدم إذنه سبحانه لأجل كون عمل النبي (صلى الله عليه واله) لغواً لا يترتب عليه أثر من هداية السائلين أو إتمام الحجة على المغرضين ، إذ المفروض أنّ السائلين ليسوا في مقام الاهتداء ، والحجة قد تمت على المغرضين من قبل ، ولأجل ذلك ليست هناك غاية صحيحة تبعث النبي إلى القيام بالمعاجز.

الخامسة : انّ الهدف الأسمى من الإعجاز هو هداية الناس إلى الطريق المستقيم ، فلو كانت نتيجة الإعجاز إفناء الناس وإهلاكهم ، لما صحّ في منطق العقل القيام بتلك الدعوة ، فلو طلبوا من الرسل أن يخسف الله بهم الأرض أو يسقط عليهم السماء كسفاً أو يبيدهم العذاب من وجه الأرض ، فلا يصحّ القيام بذلك الطلب ، لأنّ في إجابته نقضاً للغرض وإفناءً للهدف ، وهم : قد بعثوا لهداية الناس لا لإبادتهم وإهلاكهم ، وسوف يلمس القارئ أنّ النبي (صلى الله عليه واله) لو امتنع في بعض المواقف عن القيام ببعض المقترحات فقد كان لأجل ذلك الأصل الذي دلّ العقل على رصانته.

السادسة : قد دلّت الآيات الكريمة على أنّ هناك معاجز لو طلبها الناس من نبيهم وقام هو بمقترحهم ومع ذلك قد رفضوا الاعتناق بدينه والتصديق برسالته ، سيصيبهم العذاب الأليم ، قال سبحانه : {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء : 59].

والمراد من الآيات المقترحة هي المعاجز التي طلبها أقوام الأنبياء منهم ثم كذبوها فنزل العذاب عليهم بسبب تكذيبهم ، وسيوافيك بيان مفاد الآية في محلها وانّ أية معجزة يوجب تكذيبها نزول العذاب.

هذا من جانب ، ومن جانب آخر انّ الله سبحانه وعد النبي برفع العذاب الدنيوي عن هذه الأمّة ما دام هو فيها إكراماً لمقامه وتعظيماً لشأنه ، قال سبحانه : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال : 33].

وعلى ضوء هذين الأمرين يتبيّن أنّ الامتناع عن القيام ببعض المعجزات المقترحة ـ التي يستلزم تكذيبها نزول العذاب ـ إنّما هو لأجل هذا الوعد القطعي الذي قطعه الله على نفسه لنبيّه ، فكل معجزة يستلزم تكذيبها نزول العذاب فهي معجزة ممنوعة لأجل هذا الأمان الذي أعطاه الله سبحانه لأمّة نبيّه.

السابعة : انّ شرط القيام بالمعجزة المطلوبة هو أن لا تكون الإجابة لطلب القوم سبباً لتحقير المعاجز الأُخر وازدراءً لها ، إذ في القيام ـ في هذه الصورة ـ نوع تصديق لموقف الخصم ، وإغراء له في الضلالة ، ولأجل ذلك نرى النبي يجيب القوم عندما طلبوا منه معجزة غير القرآن بصورة التحقير لهذه المعجزة الخالدة الباقية على وجه الدهر بقوله : {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ } [يونس : 20].

الثامنة : انّ الهدف من بعث الأنبياء وتزويدهم بالآيات والبينات هو إيجاد الأرضية المناسبة لإيمان قومهم وإذعانهم بما جاء به الرسل اختياراً ، فإنّ الإيمان ـ بل كل عمل حسن ـ إنّما يعد كمالاً إذا اختاره الإنسان وانساق إليه بصميم قلبه ، وأمّا إذا أُلجئ واضطر إليه بلا اختيار فلا يعد كمالاً له ولا يستحق ثواباً.

ولذلك نرى في مورد يتمنّى النبي ( أو يشعر كلامه بذلك التمنّي ) أن يأتي بآية ملجئة لهم إلى الإيمان وملزمة لهم على الاذعان أجابه سبحانه : {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [الأنعام : 35].

وسوف يوافيك شرح الآية وهدفها.

التاسعة : انّ القيام بالطلب إنّما يصح إذا لم يكن المطلوب على خلاف السنّة الإلهية الحكيمة الجارية في الكون ، وعلى ذلك فلو طلب القوم أن يأتي لهم النبي بجنة وينبوع حتى يريحهم من الكد والكدح فلا يستحق هذا الطلب الإجابة ، لأنّ سنته تعالى جرت على إرزاق الناس من طريق العمل والكسب ، وسيوافيك توضيح ذلك عند البحث عن قوله : {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسراء : 90].

العاشرة : إنّما يصح القيام إذا كان بين المطلوب والمقترح والرسالة الإلهية رابطة منطقية حتى يستدل بالأوّل على الآخر ، وعلى ذلك فلو طلبوا من النبي أن يكون ذا ثروة طائلة فلا يصح للنبي الإجابة ، لأنّ ثروة الرجل ليست دليلاً على صحة منطقه ، وسيوافيك شرح ذلك عند البحث عن قوله سبحانه : {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا } [الإسراء : 91].

فلو أنّ النبي امتنع عن القيام ببعض المعاجز فإنّما هو لأجل هذا الأصل ، وأنت إذا لاحظت هذه الأمور تبيّن لك أنّ الآيات التي رفض فيها النبي القيام بمقترحات القوم ومطلوباتهم من المعاجز فإنّما هو لأجل فقدان إحدى هذه

الشرائط التي نعيد الإشارة إليها في ما يلي باختصار :

1. انّ الواجب هو اقتران دعوة النبي بالدلائل والمعاجز الكافية حتى تفيد الإذعان بصدق دعوته ، لا القيام بكل معجزة تقترح عليه من آحاد الأمّة.

2. لو اقتضت الحكمة الإلهية قيام النبي بمقترحات قومه ، فإنّما تصح عقلاً الإجابة لها إذا تعلّق الطلب بالأمر الممكن لا المستحيل ، فعدم الإجابة للمقترح المستحيل لا يدل على أنّه لم يزود بالمعاجز.

3. انّما يجب على النبي القيام بالمعاجز إذا دلّت القرائن على أنّ الهدف من طلبها هو الانضواء تحت لواء الحق والاهتداء بها لا طلبها عناداً ولجاجاً وتلاعباً بشأن النبي ومعجزاته.

4. الإعجاز نوع تصرف في الأكوان يقوم به النبي بإذن منه سبحانه ، ولا يصدر الإذن منه في كل الأحايين والأوقات ، وإنّما يصدر فيما إذا كانت هناك مصلحة مقتضية للتصرف.

5. انّ الهدف من الإعجاز هو هداية الناس ، فلو تعلّق الطلب بإهلاكهم وإبادتهم لم تكن إجابته صحيحة في منطق العقل لكونها نافية للغرض.

6. انّ المعاجز التي يستلزم تكذيبها نزول العذاب الأليم كما نزل على الأمم السابقة لا يصح للنبي القيام بها ، لأنّه سبحانه كتب على نفسه دفع العذاب عن الأمّة ما دام النبي فيهم ، وهذا الوعد القطعي الإلهي يمنع عن القيام بتلكم المقترحات.

7. انّ كل معجزة مطلوبة صارت سبباً لتحقير المعاجز الأخرى وازدراءً لها لا يجب على النبي في منطق العقل القيام بها ، لأنّ فيه نوع تصديق لموقفهم المتعنّت.

8. انّ الإيمان إنّما يعد كمالاً إذا دفع إليه الإنسان باختياره وإذا كانت الآية المطلوبة أو المتمنّاة سبباً لإيمانهم الإلجائي فلا يجب ، بل لا يحسن في منطق العقل القيام بها.

9. إنّما يصح للنبي أن يقوم بمقترح قومه إذا لم يتعلّق طلبهم بما يكون على خلاف السنّة الحكيمة الجارية في الكون والحياة.

10. إنّما يصح أيضاً القيام إذا كان بين المطلوب والرسالة رابطة منطقية بحيث يصح الاستدلال بأحدهما على الآخر ، فلو كانت الرابطة مفقودة فلا تصح في منطق العقل إجابة الاقتراح.

وأنت إذا استعرضت الآيات التي استدل بها الكتّاب المسيحيّون والمستشرقون على أنّه لم يكن للنبي الخاتم معجزة غير القرآن تقف وقوف مستشف للحقيقة على أنّ عدم قيامه بالمعجزات والآيات التي كانوا يطلبونها منه كان لأجل إحدى هذه العلل أو ما يضاهيها ...  .

______________

(1) البيان : 48 ـ 49.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جمعيّة العميد وقسم الشؤون الفكريّة تدعوان الباحثين للمشاركة في الملتقى العلمي الوطني الأوّل
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السابق: جناح جمعية العميد في معرض تونس ثمين بإصداراته
المجمع العلمي يستأنف فعاليات محفل منابر النور في واسط
برعاية العتبة العباسيّة المقدّسة فرقة العبّاس (عليه السلام) تُقيم معرضًا يوثّق انتصاراتها في قرية البشير بمحافظة كركوك