التفسير بالمأثور/الامامة/الإمام علي (عليه السلام)
أخبرنا الحفار،
قال: حدثنا أبو القاسم الدعبلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أخي دعبل، قال: حدثنا محمد
بن سلامة الشامي، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن ابن
عباس، وعن محمد، عن أبيه، عن جده (عليه السلام)، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال:
(والله لقد تقمصها
ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا
يرقى إلي الطير، ولكني سدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وقد
طفقنا عنها برهة بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يرضع فيها الصغير ويدب
فيها الكبير.
فرأيت الصبر على
هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمد (صلى الله عليه
وآله) نهبا. إلى أن حضرته الوفاة فادلى بها إلى عمر، فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في
حياته، إذ عهد بها وعقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما شاطرا ضرعيها، ثم تمثل:
شتان ما يومي على
كورها * ويوم حيان أخي جابر فعقدها والله في ناحية خشناء، يخشن مسها ويغلظ كلمها ،
ويكثر العثار والاعتذار فيها، صاحبها منها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس
لها عسفت به، فمني الناس - لعمر الله - بخباط وشماس وتلون واعتراس، إلى أن مضى لسبيله،
فجعلها شورى بين ستة زعم أني أحدهم، فيا للشورى ولله! متى اعترض الريب في مع الأولين
فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر! ولكني أسففت مع القوم حيث أسفوا، وطرت مع القوم حيث
طاروا، صبرا لطول المحنة وانقضاء المدة، فمال رجل لضغنه وأصغى آخر إلى صهره مع هن وهن
، إلى أن قام الثالث نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه منها، وأسرع معه بنو أبيه في مال
الله يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع، حتى انتكثت به بطانته، وأجهز عليه عمله.
فما راعني من الناس
إلا وهم رسل كعرف الضبع، يسألوني أن أبايعهم وآبى ذلك، وانثالوا علي
حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطافي، فلما نهضت بها وبالأمر فيها نكثت طائفة، ومرقت طائفة،
وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله يقول: ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون
علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾ ، بلى والله لقد سمعوها، ولكن راقتهم دنياهم
وأعجبهم زبرجها.
أما والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة، لولا حضور الناصر، ولزوم الحجة وما أخذ الله من أولياء الامر من أن لا
يقاروا على كظة ظالم وسغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها،
ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز).
فناوله رجل من أهل
السواد كتابا فانقطع كلامه، فما أسفت على شئ كأسفي على ما فات من كلامه، فلما فرغ من
قراءته قلت له: يا أمير المؤمنين، لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت إليه منها. فقال. هيهات
يا بن عباس، تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 372
تاريخ النشر : 2024-04-06