التفسير بالمأثور/الامامة/الإمام الحسن (عليه السلام)
أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن أبيه، عن عثمان أبي اليقظان، عن أبي
عمر زاذان، قال: لما وادع الحسن بن علي (عليهما السلام) معاوية، صعد معاوية
المنبر، وجمع الناس فخطبهم، وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه
لها أهلا، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة، فلما فرغ من كلامه، قام
الحسن (عليه السلام) فحمد الله (تعالى) بما هو أهله، ثم ذكر المباهلة فقال: فجاء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء
بأمي وكنا أهله، ونحن له، وهو منا ونحن منه.
ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في كساء لام سلمة (رضي الله عنها) خيبري، ثم قال: "
اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فلم يكن أحد
في الكساء غيري وأخي وأبي وأمي، ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا
النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي، تكرمة من الله (تعالى) لنا، وتفضيلا منه لنا.
وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، وأمر بسد الأبواب فسدها، وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال:
" أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله (عز وجل) أمرني أن أسدها وأفتح
بابه ".
وان معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا
ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان
نبيه (صلى الله عليه وآله)، ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله (تعالى) نبيه
(صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل
الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفئ، ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (صلى الله
عليه وآله).
وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين
فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما
طمعت فيها يا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها
الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إما
ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا
إلى ما تركوا ".
وقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه
خليفة موسى (عليه السلام) فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا
غيره، وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " أنت مني بمنزلة
هارون من موسى إلا النبوة)، وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب أبي يوم
غدير خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله (صلى الله عليه
وآله) من قومه وهو يدعوهم إلى الله (تعالى) حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب،
وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه
وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي (صلى الله عليه وآله) في سعة حين دخل الغار ولم
يجد أعوانا، وكذلك أبي، وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الأمة وبايعوك يا معاوية،
وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين
المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوه، وإني قد بايعت هذا
﴿وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين﴾ .
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 559
تاريخ النشر : 2024-04-04