أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الأخذ بالكتاب والسنة وترك البدع والرأي والمقايس/الإمام الصادق (عليه السلام)
أبي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه
السلام في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس: أما بعد فإنه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء
والمقائيس لم ينصف ولم يصب حظه، لأن المدعو إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء
والمقائيس، ومتى ما لم يكن بالداعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي
أن يحتاج إلى المدعو بعد قليل لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا للمعلم
ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك
تحير الجاهلون وشك المرتابون وظن الظانون، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الله
الرسل بما فيه الفصل ولم ينه عن الهزل ولم يعب الجهل، ولكن الناس لما سفهوا الحق
وغمطوا النعمة، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله واكتفوا بذلك دون رسله والقوام
بأمره، وقالوا: لا شئ إلا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا
وأهملهم وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون ولو كان الله رضي منهم
اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما بينهم ولا زاجرا
عن وصفهم، وإنما استدللنا أن رضى الله غير ذلك ببعثة الرسل بالامور القيمة الصحيحة،
والتحذير عن الامور المشكلة المفسدة، ثم جعلهم أبوابه و صراطه والأدلاء عليه
بامور محجوبة عن الرأي والقياس، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يردد من الله
إلا بعدا، ولم يبعث رسولا قط وإن طال عمره قابلا من الناس خلاف ما جاء به حتى يكون
متبوعا مرة وتابعا اخرى، ولم ير أيضا فيما جاء به استعمل رأيا
ولا مقياسا حتى يكون ذلك واضحا عنده كالوحي من الله، وفي ذلك دليل لكل ذى لب وحجى،
إن أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون وإنما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل،
فإياك أيها المستمع أن تجمع عليك خصلتين: إحديهما القذف بما جاش بصدرك واتباعك
لنفسك إلى غير قصد ولا معرفة حد، والاخرى استغناؤك عما فيه حاجتك وتكذيبك لمن
إليه مردك، وإياك وترك الحق سأمة وملالة وانتجاعك الباطل جهلا وضلالة، لأنا لم نجد
تابعا لهواه جائزا عما ذكرنا قط رشيدا فانظر في ذلك.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 2 / صفحة [ 313 ]
تاريخ النشر : 2023-07-20