أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام الصادق (عليه السلام)
روي عن أبي عبد
الله عليه السلام : أن رسول الله صلى الله
عليه وآله خرج في غزاة، فلما انصرف راجعا نزل في بعض الطريق ، فبينما رسول الله
صلى الله عليه وآله يطعم والناس معه إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد! قم فاركب.
فقام النبي فركب
وجبرئيل معه ، فطويت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك.
فلما سمع أهل
فدك وقع الخيل ظنوا أن عدوهم قد جاءهم ، فغلقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى
عجوز لهم في بيت لهم خارج من المدينة ، ولحقوا برؤوس الجبال.
فأتى جبرئيل
العجوز حتى أخذ المفاتيح ، ثم فتح أبواب المدينة ، ودار النبي صلى الله عليه وآله
في بيوتها وقراها.
فقال جبرئيل :
يا محمد! هذا ما خصك الله به وأعطاكه دون الناس ، وهو قوله تعالى : ( ما أَفاءَ
اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
) [ في ] قوله : ( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ
اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ )، ولم يعرف المسلمون ولم يطئوها ،
ولكن الله أفاءها على رسوله ، وطوف به جبرئيل في دورها وحيطانها ، وغلق الباب ودفع
المفاتيح إليه.
فجعلها رسول
الله صلى الله عليه وآله في غلاف سيفه ـ وهو معلق بالرحل ثم ركب ، وطويت له
الأرض كطي الثوب ، ثم أتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهم على مجالسهم ولم
يتفرقوا ولم يبرحوا.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : قد انتهيت إلى فدك ، وإني قد أفاءها الله علي. فغمز
المنافقون بعضهم بعضا.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : هذه مفاتيح فدك ، ثم أخرج من غلاف سيفه ، ثم ركب رسول
الله صلى الله عليه وآله وركب معه الناس.
فلما دخل
المدينة دخل على فاطمة عليها السلام فقال : يا بنية! إن الله قد أفاء على أبيك
بفدك واختصه بها ، فهي له خاصة دون المسلمين أفعل بها ما أشاء ، وإنه قد كان لأمك
خديجة على أبيك مهر ، وإن أباك قد جعلها لك بذلك ، وأنحلتكها لك ولولدك بعدك.
قال : فدعا
بأديم، ودعا علي بن أبي طالب ، فقال : اكتب لفاطمة عليها السلام بفدك نحلة من
رسول الله ، فشهد على ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام ومولى لرسول الله وأم أيمن ، فقال رسول الله إن
أم أيمن امرأة من أهل الجنة.
وجاء أهل فدك
إلى النبي ، فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة.
ـ نزل النبي صلى
الله عليه وآله على فدك يحاربهم.
ثم قال لهم :
وما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن وأمضي إلى حصونكم فأفتحها.
فقالوا : إنها
مقفلة ، وعليها من يمنع عنها ، ومفاتيحها عندنا.
فقال عليه السلام : إن مفاتيحها دفعت إلي ، ثم أخرجها وأراها
القوم.
فاتهموا ديانهم
أنه صبا إلى دين محمد ، ودفع المفاتيح إليه.
فحلف أن
المفاتيح عنده ، وأنها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه ، فلما فتش عنها ففقدت.
فقال الديان :
لقد أحرزتها وقرأت عليها من التوراة وخشيت من سحره ، وأعلم الآن أنه ليس بساحر ،
وإن أمره لعظيم.
فرجعوا إلى
النبي صلى الله عليه وآله وقالوا : من أعطاكها؟
قال : أعطاني
الذي أعطى موسى الألواح : جبرئيل.
فتشهد الديان ،
ثم فتحوا الباب وخرجوا إلى رسول الله ، وأسلم من أسلم منهم ، فأقرهم في بيوتهم
وأخذ منهم أخماسهم.
فنزل : ( وَآتِ
ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ).
قال : وما هو؟
قال : أعط فاطمة
فدكا ، وهي من ميراثها من أمها خديجة ، ومن أختها هند بنت أبي هالة ، فحمل إليها
النبي صلى الله عليه وآله ما أخذ منه ، وأخبرها بالآية.
فقالت : لست
أحدث فيها حدثا وأنت حي ، أنت أولى بي من نفسي ومالي لك.
فقال : أكره أن
يجعلوها عليك سبة فيمنعوك إياها من بعدي.
فقالت : أنفذ
فيها أمرك ، فجمع الناس إلى منزلها وأخبرهم أن هذا المال لفاطمة عليها السلام ،
ففرقه فيهم ، وكان كل سنة كذلك ، ويأخذ منه قوتها ، فلما دنا وفاته دفعه إليها.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 29 / صفحة [ 117 ]
تاريخ النشر : 2025-07-31