التفسير بالمأثور/العلم/الإمام العسكري (عليه السلام)
بالإسناد إلى أبي
محمد العسكري عليه السلام في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] قال عليه السلام:
ثم قال الله تعالى: يا محمد ومن هؤلاء اليهود اميون لا يقرؤون الكتاب
ولا يكتبون كالأمي منسوب إلى امه أي هو كما خرج من بطن امه لا يقرا ولا
يكتب، لا يعلمون الكتاب المنزل من السماء ولا المتكذب به ولا يميزون بينهما إلا أماني
أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال: هذا كتاب الله وكلامه، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب
خلاف ما فيه، وإن هم إلا يظنون أي ما يقرا عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله
عليه واله في نبوته وإمامة علي عليه السلام سيد عترته عليهم السلام وهم يقلدونهم مع
أنه محرم عليهم تقليدهم.
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 79].
قال عليه السلام:
قال الله تعالى: هذا القوم من اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد
صلى الله عليه واله، وهي خلاف صفته. وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة
النبي المبعوث في آخر الزمان: أنه طويل، عظيم البدن والبطن، أصهب الشعر، ومحمد
صلى الله عليه واله بخلافه وهو يجيئ بعد هذا الزمان بخمسمائة
سنة، وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم، وتدوم لهم إصاباتهم، ويكفوا
أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله صلى الله عليه واله وخدمة علي عليه السلام وأهل خاصته،
فقال الله عز وجل: فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون من هذه الصفات
المحرفات المخالفات لصفة محمد صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام الشدة لهم
من العذاب في أسوء بقاع جهنم، وويل لهم الشدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى
مما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا أعوامهم على الكفر بمحمد رسول الله
صلى الله عليه واله، والجحد لوصيه أخيه علي بن أبي طالب ولي الله.
ثم قال عليه السلام:
قال رجل للصادق عليه السلام: فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب
إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليد هم والقبول
من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوا منا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول
من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم، فقال عليه السلام: بين عوامنا وعلمائنا
وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فإن
الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم، وأما من حيث افترقوا فلا.
قال: بين لي يا
ابن رسول الله قال عليه السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم
بالكذب الصريح، وبأكل الحرام والرشاء، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات
والمصانعات، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا
أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم،
وظلموهم من أجلهم، وعرفوهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من
فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين
الله، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، ولا
تصديقه في حكاياته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر
بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه واله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى،
وأشهر من أن لا تظهر لهم، وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية
الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان
لإصلاح أمره مستحقا، والترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال
والإهانة مستحقا. فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم
الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا
لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلا
بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فأما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء
العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا
أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الأشياء
على غير وجوهها لقلة معرفتهم، وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما
هو زادهم إلى نار جهنم، ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض
علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه
أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن برآء منها فيقبله المستسلمون من شيعتنا
على أنه من علومنا فضلوا وأضلوا وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد عليه
اللعنة على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال،
و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون
يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق
المصيب، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا يريد إلا صيانة دينه
وتعظيم وليه لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب
ثم يوفقه الله للقبول منه فيجمع الله له بذلك خير الدنيا والآخرة، ويجمع
على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة، ثم قال : قال رسول الله صلى الله
عليه واله: شرار علماء امتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا،
المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون،
ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين
علينا عن صلواتهم علينا مستغنون، ثم قال: قيل
لأمير المؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح
الدجى ؟ قال: العلماء إذا صلحوا.
قيل: ومن شر خلق
الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمين بأسمائكم وبعد المتلقبين
بألقابكم، والآخذين لأمكنتكم، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال: العلماء إذا فسدوا،
هم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق، وفيهم قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } [البقرة: 159،
160] الآية.
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
المصدر : بحار الأنوار
الجزء والصفحة : جزء 2 / صفحة [ 86 ]