كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)/القيامة والحساب والحشر
يحشر الله يوم القيامة شهر رمضان في أحسن صورة،
فيقيمه على تلعة لا يحفى على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر ويخلع عليه من كسوة الجنة
وخلعها وأنواع سندسها وثيابها حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا يعي علم مقداره
اذن، ولا يفهم كنهه قلب، ثم يقال لمناد من بطنان العرش: ناد، فينادي: يا معشر الخلائق
أما تعرفون هذا ؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا و سعديك، أما إننا لا نعرفه،
فيقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به ! وما أكثر من شقي به ! ألا فليأته
كل مؤمن له معظم بطاعة الله فيه فليأخذ حظه من هذه الخلع، فتقاسموها بينكم على قدر
طاعتكم لله وجدكم، قال: فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله مطيعين فيأخذون من تلك الخلع
على مقادير طاعتهم في الدنيا، فمنهم من يأخذ ألف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف، ومنهم
من يأخذ أكثر من ذلك وأقل، فيشرفهم الله بكراماته، ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك
الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين، وله موحدين، وبفضل هذا الشهر معترفين
فيأخذونها ويلبسونها، فتقلب على أبدانهم مقطعات نيران، وسرابيل قطران، يخرج على كل
واحد منهم بعدد كل سلكة من تلك الثياب أفعي وحية وعقرب، وقد تناولوا من تلك الثياب
أعدادا مختلفة على قدر أجرامهم، كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر، فمنهم الآخذ
ألف ثوب، ومنهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك، وإنها لأثقل على أبدانهم
من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال: ولولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون
لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل والعذاب، ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة من تلك السرابيل
من القطران ومقطعات النيران أفعى وحية وعقرب وأسد ونمر وكلب من سباع النار، فهذه
تنهشه، وهذه تلدغه، وهذا يفترسه، وهذا يمزقه، وهذا يقطعه، يقولون: يا ويلنا مالنا تحولت
علينا هذه الثياب وقد كانت من سندس وإستبرق وأنواع خيار ثياب الجنة، تحولت علينا مقطعات
النيران وسرابيل قطران، وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة ! فيقال لهم: ذلك بما
كانوا يطيعون في شهر رمضان وكنتم تعصون، وكانوا يعفون وكنتم تزنون، وكانوا يخشون ربهم
وكنتم تحبرون، وكانوا يتقون السرق وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله وكنتم
تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة وهذه نتائج أفعالكم القبيحة، فهم في الجنة خالدون،
ولا يشيبون فيها، ولا يهرمون، ولا يحاوون عنها ولا يخرجون، ولا يقلقون فيها ولا يغتمون،
بل هم فيها سارون مبتهجون، آمنون مطمئنون، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأنتم في النار
خالدون، تعذبون فيها وتهانون، ومن نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغتسلون
ومن زقومها تطعمون، وبمقامعها تقمعون، وبضروب عذابها تعاقبون، الاحياء أنتم فيها ولا
تموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل
النبيين، بعد العذاب الاليم، والنكال الشديد.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 7 / صفحة [ 190 ]
تاريخ النشر : 2024-09-09