أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه الله: " إذ أبق
إلى الفلك المشحون " أي فر من قومه إلى
السفينة المملوءة من الناس والاحمال خوفا من أن ينزل العذاب
وهو مقيم فيهم " فساهم " يونس القوم بأن ألقوا السهام على سبيل القرعة،
أي قارعهم " فكان من المدحضين "
أي من المقروعين، عن الحسن وابن عباس، وقيل: من المسهومين،
عن مجاهد، والمراد: من الملقين في البحر، واختلف في سبب ذلك فقيل: إنهم أشرفوا
على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون،
وقيل: إن السفينة احتبست فقال الملاحون: إن ههنا
عبدا آبقا، فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري، فلذلك اقترعوا فوقعت
القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر، وقيل: إنه
لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر " فالتقمه الحوت " اي ابتلعه،
وقيل: إن الله سبحانه أوحى إلى الحوت: إني لم
أجعل عبدي رزقا لك، ولكني جعلت بطنك له مسجدا، فلا
تكسرن له عظما، ولا تخدشن له جلدا " وهو مليم " أي مستحق اللوم - لوم
العتاب، لا لوم العقاب - على خروجه من بين قومه
من غير أمر ربه، وعندنا أن ذلك إنما وقع منه تركا
للمندوب، وقد يلام الرجل على ترك المندوب، ومن يجوز الصغيرة على الانبياء قال: قد
وقع ذلك صغيرة مكفرة. واختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل: كان ثلاثة أيام، عن مقاتل
بن حيان، وقيل: سبعة أيام، عن عطاء، وقيل: عشرين يوما، عن الضحاك، وقيل: أربعين
يوما، عن السدي ومقاتل بن سليمان والكلبي " فلولا أنه كان من المسبحين "
أي كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه
الله عند البلاء، عن قتادة، وقيل: كان تسبيحه أنه
كان يقول: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " عن سعيد بن
جبير.
وقيل: " من المسبحين " أي من
المنزهين الله عما لا يليق به " للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
" أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة " فنبذناه بالعراء "
أي طرحناه بالمكان الخالي الذي لانبت فيه ولا
شجر، وقيل: بالساحل، ألهم الله الحوت حتى قذفه ورماه
من جوفه على وجه الارض " وهو سقيم " أي مريض حين ألقاه الحوت "
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين " وهو القرع، عن
ابن مسعود، وقيل: هو كل نبت يبسط على وجه الارض ولا ساق
له، عن ابن عباس والحسن. وروى ابن مسعود قال: خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ
ليس عليه ريش، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون
" قيل: إن الله سبحانه أرسله إلى أهل
نينوى من أرض الموصل، عن قتادة، وكانت رسالته هذه
بعد ما نبذه الحوت، عن ابن عباس، فعلى هذا يجوز أن
يكون أرسل على قوم بعد قوم، ويجوز أن يكون أرسل
إلى الاولين بشريعة فآمنوا بها. وقيل في معنى " أو " في قوله: " أو
يزيدون " وجوه: أحدها أنه على طريق الابهام على
المخاطبين، كأنه قال: أرسلناه إلى إحدى العدتين.
وثانيها: أن " أو " تخيير كأن الرائي خير بين أن يقول: هم مائة ألف أو يزيدون
عن سيبويه، والمعنى أنهم كانوا عددا لو نظر إليهم الناظر لقال: هم مائة ألف أو
يزيدون. وثالثها: أن " أو " بمعنى الواو، كأنه قال: ويزيدون، عن بعض
الكوفيين، وقال بعضهم: معناه: بل يزيدون، وهذان
القولان الاخيران غير مرضيين عند المحققين، وأجود
الاقوال الاول والثاني. واختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي ؟ فقيل: عشرون ألفا،
عن ابن عباس ومقاتل، وقيل: بضع وثلاثون ألفا، عن الحسن والربيع، وقيل: سبعون ألفا،
عن مقاتل بن حيان. " فآمنوا فمتعناهم إلى حين " حكى سبحانه عنهم أنهم
آمنوا بالله وراجعوا التوبة فكشف عنهم
العذاب، ومتعهم بالمنافع واللذات إلى انقضاء آجالهم.
وقال رحمه الله: إن قوم يونس كانوا
بأرض نينوى من أرض الموصل، وكان يدعوهم إلى الاسلام فأبوا، فأخبرهم أن
العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا، فقالوا:
إنا لم نجرب عليه كذبا، فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشئ، وإن لم يبت فاعلموا
أن العذاب مصبحكم، فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم، فلما أصبحوا
تغشاهم العذاب، قال وهب: أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا،
فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت سطوحهم.
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
المصدر : بحار الأنوار
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [403]