أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى:
" وإذ قلنا للملائكة " بعد ذكر ما سيأتي
من الخلاف في معنى السجود وحقيقة إبليس وأن المأمورين هل كانوا كل الملائكة أو بعضهم
واختار الأول: روي عن ابن عباس أن الملائكة كانت تقاتل الجن فسبي إبليس وكان
صغيرا " وكان مع الملائكة فتعبد معها بالأمر بالسجود لآدم فسجدوا وأبى إبليس فلذلك
قال الله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن " وروى مجاهد وطاوس عنه أيضا
" أنه كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا
" من الملائكة اسمه عزازيل، وكان من سكان الأرض،
وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا " وأكثر
علما " منه، فلما تكبر على الله وأبى للسجود
لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطانا وسماه إبليس " وكان من الكافرين " أي كان كافرا
" في الأصل، أو كان في علمه تعالى منهم، أو صار منهم. " ولقد خلقناكم ثم صورناكم
" أي خلقنا أباكم وصورناه، وقيل: خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره، وقيل: إن الترتيب
وقع في الإخبار، أي ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا " ما منعك أن لا تسجد
" لا زائدة، أو المعنى: ما دعاك إلى أن لا تسجد ؟ " خلقتني من نار
" قال ابن عباس: أول من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن
قاس الدين بشئ من رأيه قرنه الله بإبليس، ووجه
دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين لم يجز أن يسجد الأشرف
للأدون، وهذا خطأ، لأن ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد، وقد
قيل أيضا ": إن الطين خير من النار، لأنه أكثر منافع للخلق من حيث إن الأرض مستقر
الخلق وفيها معائشهم ومنها تخرج أنواع أرزاقهم، والخيرية إنما يراد بها كثرة المنافع
" فاهبط " أي انزل وانحدر " منها " أي من السماء، وقيل: من الجنة،
وقيل: انزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة إلى
الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين " فما يكون
لك أن تتكبر " عن أمر الله " فيها " أي الجنة أو في السماء، فإنها ليست
بموضع المتكبرين " فاخرج " من المكان
الذي أنت فيه، أو المنزلة التي أنت عليها " إنك من الصاغرين
" أي من الأذلاء بالمعصية، وهذا الكلام إنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض
الملائكة، وقيل: إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله " قال أنظرني
" أي أخرني في الأجل " إلى يوم يبعثون
" أي من قبورهم للجزاء، قال الكلبي: أراد الخبيث
أن لا يذوق الموت في النفخة الاولى، واجيب بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم، وهي
النفخة الاولى ليذوق الموت بين النفختين وهو أربعون سنة
" فبما أغويتني " أي بما خيبتني من رحمتك وجنتك، أو امتحنتني بالسجود لآدم
فغويت عنده، أو حكمت بغوايتي، أو أهلكتني بلعنك إياي،
ولا يبعد أن يكون إبليس اعتقد أن الله يغوي الخلق ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده
من الشر " لأقعدن لهم " أي لأولاد آدم " صراطك المستقيم " أي على
طريقك المستوي لأصدهم عنه بالإغواء. " ثم
لآتينهم من بين أيديهم " الآية فيه أقوال: أحدها أن المعنى:
من قبل دنياهم وآخرتهم، ومن جهة حسناتهم وسيئاتهم، أي ازين لهم الدينا، واشككهم
في الآخرة، واثبطهم عن الحسنات، واحبب إليهم السيئات. وثانيها: أن معنى "
من بين أيديهم وعن أيمانهم " من حيث يبصرون، و " من خلفهم و عن شمائلهم
" من حيث لا يبصرون. وثالثها: ما روي عن أبي جعفر
عليه السلام قال: " ثم لآتينهم من بين أيديهم
" معناه: اهون عليهم أمر الآخرة " ومن خلفهم " آمرهم بجمع الأموال والبخل بها
عن الحقوق لتبقى لورثتهم " وعن أيمانهم " افسد عليهم أمر دينهم بتزئين الضلالة وتحسين
الشبهة " وعن شمائلهم " بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم
" ولا تجد أكثرهم شاكرين " إما أن يكون
قال ذلك من جهة الملائكة بإخبار الله إياهم، وإما
عن ظن منه كما قال سبحانه: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " فإنه لما استزل آدم
ظن أن ذريته أيضا " سيجيبونه لكونهم أضعف منه " مذءوما " " أي
مذموما "، أو معيبا "، أو مهانا " لعينا
" مدحورا " " أي مطرودا " لأملان جهنم منكم " أي منك ومن ذريتك
وكفار بني آدم " أجمعين " " ولقد خلقنا الإنسان " يعني آدم
" من صلصال " أي من طين يابس تسمع له عند النقر صلصلة
أي صوت، وقيل: طين صلب يخالطه الكثيب، وقيل:
منتن " من حمأ " أي من طين متغير " مسنون " أي مصبوب.
كأنه افرغ حتى صار صورة، كما يصب الذهب والفضة، وقيل:
إنه الرطب، وقيل: مصور، عن سيبويه قال: اخذ منه سنة الوجه " والجان " أي إبليس،
أو هو أب الجن، وقيل: هم الجن نسل إبليس " من قبل " خلق آدم " من نار
السموم " أي من نار لها ريح حارة تقتل، وقيل:
نار لا دخان لها والصواعق تكون منها، وقيل: السموم:
النار الملتهبة، وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله: " خلقه من تراب " ثم جعل التراب
طينا "، وذلك قوله: " وخلقته من طين " ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك
قوله: " من حمأ مسنون " ثم ترك حتى جف وذلك قوله: " من صلصال
" فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة.
" بشرا " " يعني آدم وسمي بشرا " لأنه
ظاهر الجلد لا يواريه شعر ولا صوف " فإذا سويته " بإكمال خلقه. " ونفخت فيه
من روحي " قال البيضاوي: أصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر، ولما كان الروح
يتعلق أولا " بالبخار الطيف المنبعث من القلب ويفيض عليه القوة الحيوانية فيسري
حاملا " لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا
"، وإضافة الروح إلى نفسه للتشريف " فاخرج
منها " أي من الجنة أو من السماء، أو زمر الملائكة
" فإنك رجيم " مطرود من الخير والكرامة، أو شيطان يرجم بالشهب " وأن
عليك اللعنة " هذا الطرد والإبعاد
" إلى يوم الدين " فإنه منتهى أمد اللعن، لأنه يناسب أيام
التكليف، وقيل: إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية تضر بها الناس، أو لأنه يعذب فيه
بما ينسي اللعن معه فيصير كالزائل " إلى يوم الوقت المعلوم " المسمى فيه
أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة
الاولى، أو يوم القيامة " رب بما أغويتني "
الباء للقسم، وما مصدرية، وجوابه " لأزينن لهم في الأرض " والمعنى: اقسم
بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي
هي دار الغرور، وقيل: للسببية، والمعتزلة أولوا
الإغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود، أو بالإضلال عن طريق
الجنة، واعتذروا عن إمهال الله تعالى له وهو سبب لزيادة غيه وتسليطه له على بني
آدم بأن الله علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر أمهل أو لم يمهل، وإن في إمهاله تعريضا
" لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب. " هذا صراط علي مستقيم " قال الطبرسي فيه
وجوه: أحدها: أنه على جهة التهديد له، كما تقول لغيرك: افعل ما شئت وطريقك علي أي لا
تفوتني. وثانيها: معناه أن ما تذكره من أمر المخلصين والغاوين طريق ممره علي، أي ممر
من سلكه مستقيم لا عدول فيه عني، واجازي كلا من الفريقين بما عمل. وثالثها: هذا
دين مستقيم علي بيانه والهداية إليه " ليس لك عليهم سلطان " أي قدرة على إكراههم
على المعصية. " إلا من اتبعك " لأنه إذا قبل منه صار عليه سلطان بعدوله عن الهدى
إلى ما يدعوه إليه، وقيل: الاستثناء منقطع والمراد: ولكن من اتبعك من الغاوين جعل
لك على نفسه سلطانا ". " ءأسجد لمن خلقت طينا " " استفهام إنكار
" هذا الذي كرمت " أي فضلته " علي
" يعني آدم على نبينا وآله وعليه السلام " لاحتنكن " أي لأغوين
" ذريته " وأقودنهم معي إلى المعاصي كما يقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل تجر
به " إلا قليلا " " وهم المخلصون، وقيل: " لأحتنكنهم " أي
لأستولين عليهم، وقيل: لأستأصلنهم بالإغواء من احتناك الجراد
الزرع، وهو أن يأكله ويستأصله " واستفزز
" الاستفزاز: الازعاج والاستنهاض على خفة وإسراع " بصوتك " أي أضلهم
بدعائك ووسوستك، من قولهم: صوت فلان بفلان: إذا
دعاه، وهذا تهديد في صورة الإمر، وقيل: بصوتك
أي بالغناء والمزامير والملاهي، وقيل: كل صوت يدعى به إلى الفساد فهو من صوت الشياطين
" وأجلب عليهم بخيلك ورجلك " الإجلاب : السوق بجلبة وهي شدة الصوت، أي أجمع عليهم
ما قدرت عليه من مكائدك وأتباعك وذريتك وأعوانك، فالباء مزيدة، وكل راكب أو ماش
في معصية الله من الانس والجن فهو من خيل إبليس ورجله، وقيل: هو من أجلب
القوم وجلبوا أي صاحوا، أي صح بخيلك ورجلك
فاحشرهم عليهم بالإغواء " وشاركهم في الأموال والأولاد " وهو كل مال اصيب
من حرام، وكل ولد زنا عن ابن عباس، وقيل: مشاركته
في الأموال أنه أمرهم أن يجعلوها سائبة وبحيرة ونحو ذلك، وفي الأولاد أنه
هودهم ونصرهم ومجسهم، وقيل: إن المراد بالأولاد
تسميتهم عبد شمس وعبد الحارث ونحوهما، وقيل: قتل الموؤودة من أولادهم " وعدهم
" ومنهم البقاء وطول الأمل وأنهم لا يبعثون، وكل هذا زجر وتهديد في صورة الأمر
" وكفى بربك وكيلا " " أي حافظا " لعباده من الشرك. " كان
من الجن " هذا دليل من قال: إنه ليس من الملائكة، وقال
الآخرون: أي كان من الذين يستترون عن الأبصار
من الجن وهو الستر. " لما خلقت بيدي " أي توليت خلقه بنفسي من غير واسطة،
وذكر اليدين لتحقيق الإضافة لخلقه إلى نفسه، وقيل: أي خلقته بقدرتي " أستكبرت
أم كنت من العالين " أي أرفعت نفسك فوق قدرك وتعظمت عن امتثال أمري أم كنت من الذين
تعلو أقدارهم عن السجود فتعاليت عنه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [ 131 ]
تاريخ النشر : 2024-08-13