رؤيـة تـطبيقيـة مـن واقـع السوق المـصـري
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص129 - 132
2025-12-12
26
رؤية تطبيقية من الواقع المصري
نتناول هنا رؤية واقعية من السوق المصري على عدم إتباع إستراتيجية محددة للتداول، وعدم تحديد الهدف من عملية الاستثمار..
الاكتتاب العام في سهم الاتصالات
كان هذا مثالاً واقعياً لافتقار المستثمرين في السوق المصرية لثقافة وجود إستراتيجية لعملية استثمارهم في البورصة مما أدى إلى كوارث مالية لهم، كان هناك العديد من الأخطاء من الذين دخلوا البورصة بدون دراسة ووعي فلقد تكرر هذا كثيراً في السنوات القليلة الماضية وعانينا منه الكثير. ولقد تعايشت مع هذه الأحداث في هذا الاكتتاب الذي فتح عالم البورصة على مصراعيه للآلاف من الشباب الحالم بالثراء، وآلاف من الأفراد البسطاء، وأفرز ما يسمى في البورصة بـ "جيل الاتصالات"، فلقد كان هناك حلم الثراء من البورصة بالإضافة إلى تراجع أسعار الفائدة في البنوك في هذا الوقت مما ساعد على إقبال العديد من صغار المودعين على سحب مدخراتهم والدفع بها إلى الاكتتاب في أسهم "الشركة المصرية للاتصالات".
وحدث التسابق المحموم على الشراء من فئات من الأفراد لم يسبق لها دخول أسواق المال، من ربات بيوت وباعة جائلين وطلاب أسرع كل منهم إلى جمع مدخراته القليلة سواء من "تحت البلاطة" أو من دفاتر التوفير أملاً في ضربة الحظ التي يمكن أن تنتقل بهم من خانة الفقراء إلى خانة الأثرياء في لمحة بصر. واستطاع الاكتتاب الخاص والعام أن يخرج مدخرات تصل إلى أكثر من ثلاثين مليار جنيه مصري، وهي مبالغ ضخمة كانت تمثل سيولة محجمة عن الدخول في النشاط الاستثماري فغطت أكثر من خمسين مرة الاكتتاب الخاص وأكثر من عشر مرات الاكتتاب العام لماذا ؟؟ .. ببساطة سيطرت فكرة الثراء على فكرة التعلم، وألغت المنطق، وكعادة المصريين "الحق الكافيه ده ، نجح في الشارع ده، نعمل عشرة جنيه" .. والنتيجة "يفشل اللي كان مفتوح واللي فتح ". وهذه "عينة حقيقية" من واقع ما حدث أثناء اكتتاب الاتصالات الشهير، نقرأ معاً الأفكار والأقاويل التي سيطرت على البسطاء في البورصة..
- "شوف سهم موبينيل كان بكام ، بيقولوا كان بـ 10 جنيه وبقي بـ 180 جنيه، شفتوا الملايين اللـي الناس عملتها" .. ودخلت الناس منتظرة الملايين !!
- "أدخل الاتصالات، السهم هيجيب 100 جنيه، ما تبعش أقل من كده، بقي الاتصالات ولا موبينيل يا عم " .. ودخل العم وعم العم والشارع والحارة !!
- "هاتي الشبكة يا منى نبيعها، ونستلف من عمي كده كام ألف عليها، وندخل جمعية تقبضها الأول وندخل الاتصالات، واوعي بقي .. هتشوفي" .. وباعت مني واستلف هاني من عمه، ودخل الجمعية وقبضها الأول !!
- "بيعي الدهب يا أميمة، سأعوضنك عنه ألماز، علشان نلحق ندخل الاكتتاب ده، بيقولوا هيكسر الدنيا" .. وباعت أميمة !!
- "بيع التاكسي يا أبو أحمد، وسمي كده وتوكل على الله، وأدخل الاتصالات، وبيعهـا لمـا تجيـب الـ 100 جنيه، وإشتري تاكسي أجدد منه يا أخويا" .. وباع أبو أحمد التاكسي !! –
"أم العيال أخدت تحويشة العمر ودخلت علشان أبلة سيدة ناظرة المدرسة قالت لها اللي هيطلع لك من الاتصالات هيكبر لك التحويشة دي 10 مرات، أدخلي، إشمعني إنتي" .. ودخلت أم العيال منتظرة تحويشة عمرها تكبر 10 مرات !!
وغيره .. وغيره .. وغيره .. هنا الخطأ الأكبر.. أخذنا الاحتياج الأساسي واستثمرناه، ولم ندرس أو نفهم "يعني إيه بورصة" ، كان الهدف أن يصل سعر السهم إلى 100 جنيه، ونبيعه ونحقق الربح المنشود، ولكن ما حدث أننا استثمرنا أموالنا وأموال غيرنا بدون أن نجني عائداً من وراء هذا الاستثمار، وجمدنا هذه الأموال سنين طويلة دون أن يتحقق لنا حلم الثراء السريع، ودون أن نعوض أموالنا وأموال غيرنا أو القروض التي اقترضناها أو فوائدها ، لم ندرك هنا أن أبسط الأمور لثقافة البورصة أنه حينما يزيد الطلب يؤثر على العرض، وزاد الطلب على الاكتتاب إلى عشرة أمثال المعروض، وكشفت هذه التجربة عن نوع من الإقبال العشوائي غير المدروس، وعن عدم إلمام الكثيرين ممن أقبلوا على شراء السهم بأبسط قواعد التداول في السوق، كما كشفت عن قصور في الأداء المصرفي، فلقد شاهدت بنفسي أن أغلب الراغبين في الاكتتاب عانوا كثيراً للحصول على ما يلزمهم من سيولة أو تسييل ودائعهم التي يحتفظون بها في البنوك، مع سيطرة التعامل بالأوراق النقدية رغم أنه كان من الممكن بسهولة مع وعي مصرفي أفضل إتمام العمليات المطلوبة للجمهور في زمن وبمعاناة أقل عند إصدار شيكات مصرفية لحساب شركات السمسرة، بل إن المعاناة امتدت عند التعامل مع شركات السمسرة حيث تعطلت حركة العمل بشركات السمسرة بسبب عمليات العد اليدوي للأموال التي وصلت إلى عدة ملايين من الجنيهات جلبها أصحابها في أجولة و"كراتين" ورقية، وأصبحت هناك غرفاً بكاملها في شركات السمسرة تملؤها الجنيهات، بينما كان يمكن تحاشي نواحي القصور هذه باستخدام ماكينات عد النقود التي لا تكلف كثيراً.
تداول
ولا شك أن هذا النوع من الإقبال المحموم غير المدروس (1) على التعامل في البورصات ينذر بعواقب وخيمة على مختلف المجتمعات العربية، ففضلاً عن إحلال ثقافة الربح السريع محل الثقافة الإنتاجية فإنه يؤدي إلى تفريغ أحد الأهداف المعلنة لعمليات الخصخصة من مضمونه، ففكرة أن بيع أسهم الشركات لقطاع واسع من الجمهور تهدف إلى توسيع قاعدة الملكية، ينفيها أن معظم صغار المتعاملين الذين يقبلون على شراء أسهم قليلة في الطرح الأولي غالباً ما يسارعون لبيع ما يملكون عند أول ، ومع ارتفاع السعر، وغالباً ما يُقبل كبار المتعاملين أو "حيتان السوق" على جمع الأسهم من أيدي صغار المتعاملين، وهكذا تتركز الملكية مرة أخرى في أيدي قلة محدودة من المستثمرين، الأمر الذي يفاقم من أجواء السخط والتوترات الاجتماعية، مع تزايد حالات الإحباط لدى صغار الحالمين بالثراء السريع، فضلاً عن أن هذا النمط من التوسع العشوائي في النشاط يجلب الكثير من مخاطر التلاعب التي لا يدفع ثمنها عادة إلا صغار المتعاملين، ومن أمثلتها التعاملات التي تتم وفقاً للحصول على معلومات سرية أو ما يسمي Insider Trading .
هنا يجب أن نحدد أهدافنا أولاً، فأهداف كل منا تختلف عن الآخر كما قلنا، فبعض الأهداف (كتجهيز منزل) تعتبر من الأهداف الاستثمارية قصيرة الأجل ذات الأولوية القصوى لبعض منا، وبعض الأهداف الأخرى (كالادخار من أجل التقاعد) تعتبر من الأهداف طويلة أو متوسطة الأجل ذات الأولوية القصوى أيضاً للبعض الآخر، وبعض الأهداف الأخرى (مثل الادخار من أجل شراء سيارة أو قضاء إجازة) تعتبر من الأهداف متوسطة الأجل ولكن بأولوية ثانوية.
الخلاصة..
- هل تستطيع أن تحدد أي نوع من المستثمرين أنت؟
- هل تعرف الآن من تكون.. مضارب ولا مستثمر ولا الإثنين؟؟ فبعد أن حددنا الطريق الذي سنسلكه في البوصة وفقا لظروفنا..
وحددنا الهدف من الاستثمار في البورصة.
تبدأ تنفيذ الإستراتيجية ...
عن طريق عمل محفظة جيدة.
- ومراعاة تنويع المحفظة بالقطاعات وبالأسهم المختلفة.
- ومتابعة حالة السوق واحتياجات المستثمر وتحديث المحفظة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ إكرام يوسف - الحوار المتمدن - العدد (1411) - 2005/12/26م.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة