العاطفـة والتـداول في البورصـة (أهـم العواطـف التي تحكـم المستثـمر1)
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص96 - 99
2025-12-09
19
الفصل السابع
العاطفة والتداول في البورصة
بداية.. هناك أسئلة هامة قبل دخولك عالم البورصة.. هل طبيعة شخصيتك تؤهلك لدخول هذا العالم، وإدارة استثماراتك بنفسك والنجاح في ذلك ؟؟ هل لديك الرغبة في التواصل مع هذا العالم ؟ هل أنت قادر على ذلك الآن ؟ فجميعنا نتمنى أثناء جلسة التداول أن نكون هادئين وعقلانيين وراضين عما نفعله حتى يمكننا اتخاذ قرارات سليمة ومربحة، وأن تكون تصرفاتنا يحكمها المنطق، وأن يكون الوقت الذي نجلس فيه لمتابعة الشاشة وقتاً هادئاً منطقياً عاقلاً، ونتمنى أن نكون كأننا نعمل في وظيفة عادية نجلس على المكاتب ونقرأ ما بأيدينا لنكتب مذكرة أو تقرير مثلاً، نحن نتمنى ذلك حتى لا نخرج كل يوم من جلسة التداول بأمراض الصداع والتوتر والقلق. ولكن للأسف فالواقع يبدو بعيداً عن ذلك تماماً، لا تندهش لذلك إن لم تكن قد دخلت هذا العالم من قبل، لأنه ومع ما نعانيه من مشاكل مالية نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية فإن ما يتعلق بالمال يكون اتخاذ القرار فيه بسلاسة صعباً، ويكون الهدوء أبعد ما يكون عنا، ويكون القلق مصاحب لتصرفاتنا، فالعاطفة تتنازع مع المنطق وتدخل في طريقه بسرعة لتعترض على ما يقوله العقل، وتنسي كل شيء ما عدا ما يؤثر عليها أثناء الجلسة من مشاعر تسيطر عليها وتقودها. فأثناء الجلسة أرى الكثيرين في غاية القلق والتوتر وشد الأعصاب، رغم أن ما يحدث قد يكون متوقعاً، وقد يكون حدث أمامهم مراراً، ولكن ألم تسأل نفسك لماذا؟ لماذا نسيت كل ما وعدت به نفسك قبل الجلسة وكل ما قررته وأنت تتصفح شارتات أسهم محفظتك؟ لماذا تتصرف بسرعة شديدة وبرد فعل مبالغ فيه ولا تفكر وقد لا تحسن سرعة التصرف وتأخذ قراراً خاطئاً؟ ولماذا قد لا تتصرف على الإطلاق وتصاب بالملل؟ ويبدأ الحوار الآتي.." إيه الجلسة المملة دي.. حاجة تخنق.. هـو السوق عامل كده ليه ؟؟" وكثيراً ما تسمع هذا الحوار، وإن سمعته تدرك على الفور أن هناك شيئاً يستحق أن تقف عنده وتبحث عن السبب، فما يحدث لنا أننا عندما نتكلم عن المال نجد أن الجانب العقلاني من المخ ليس هو الذي يتحكم، بل الجانب العاطفي الذي ترقد فيه عاطفتنا تجاه المال والثروة، وهذا هو ما يجب علينا تهدئته، يجب علينا أن نتوقف قليلاً ونسأل أنفسنا لماذا كل هذا التوتر والقلق ونبحث معاً عن أسباب ذلك وكيف نتغلب على سلبيات هذا الشعور، وكيف نستمتع بالوقت ونحن نتابع الجلسة حتى في حالات هبوط السوق ونتعامل مع الموقف باحتراف.
أولاً.. أهم العواطف التي تحكم المستثمر
أثناء التداول نجد أن هناك العديد من العواطف والمشاعر النفسية التي تؤثر على المتداول، هذه العواطف هي التي تتحكم فيه وتحاول أن تحتويه وتؤثر على قراراته أثناء الجلسة، وهي التي تحدد عوائد السوق في المدى القصير، ولقد بدأ المحللون الماليون في الأسواق المالية بالتنبه إلى أهمية وضع مؤشرات تقيس مشاعر المستثمرين، بل وبدأت الكثير من الصناديق الاستثمارية والبنوك الكبرى في العالم باستخدام إستراتيجيات استثمارية قائمة على تحليل العوامل النفسية بشكل أساسي وتؤكد تضمينها في عملية اتخاذ القرار الاستثماري، وهذا الحقل الجديد من علم الاستثمار والتمويل بدأ في الظهور في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ونتعرف فيما يلي على أهم هذه العواطف وكيفية التحكم فيها:
اللامنطق
نجد أن بعض المستثمرين يجدون صعوبة بالغة في التمسك بالمنطق في تصرفاتهم وقراراتهم حتى أنهم يكررون الخطأ الواحد عدة مرات لقد تقابلت مع الكثير من هذه الحالات وتناقشت مع أصحابها، وكانت أسئلتي عند دراسة هذه الحالة تنحصر في الآتي: لماذا اشتريت هذا السهم اليوم مرة أخرى؟ هل لديك مؤشرات مائية أو فنية تدعم هذا القرار؟ وتكون الإجابة بالنفي، فأنتقل للسؤال التالي: هل تعرف أن قرارك هذا خاطئ ؟، وتكون الإجابة بالإيجاب فأنتقل للسؤال الأهم لماذا تكرر نفس الخطأ؟ تجده يقول: "مش عارف أنا عملت كده تاني إزاي أنا كنت مقرر قبل الجلسة إني مش هاشتري، مش عارف إيه اللي حصل لي لما قعدت قدام الشاشة". ويحدث هذا الموقف كثيراً، فمهما تكررت الظروف يعاودون تكرار الخطأ بدون تفكير أو تعلم من الخطأ، وهذا خطأ كبير.. لأنه يجب أن تكون أميناً بالفعل مع نفسك في إحساسك بأن لديك مشكلة، مشكلتك أنك تجد صعوبة بداخلك تجعلك غير قادر على التحكم في ذلك الهاجس الشيطاني الذي يدفعك دفعاً إلى اتخاذ قرارات عكس ما قررته قبل بداية الجلسة، وتهورت عندما شاهدت بعض التغيرات في أسهمك، أنت هنا تعاني من مشكلة يجب أن تحلها، فأنت بحاجة للمساعدة فعلاً، تحتاج أن تقف مع نفسك وتدربها على عدم تكرار هذا الخطأ، تحتاج أن تعترف بأن لديك مشكلة وهنا لا داعي للخجل، قف مع نفسك وقل لها " أنا في مشكلة"، لا تخجل، فالخجل هو أن تكرر الخطأ مرات ومرات دون أن تتعلم، فالخطأ أمر حيوي وضروري للتعلم، وبدونه قد لا تكتسب الخبرة أبداً، ولكن العيب هو أن تكرر الخطأ مرات ومرات وفي كل مرة تقع فيه ولا تتعلم.
المبالغة
نجد أحياناً أن هناك شعور يسيطر على المستثمر بأن العملية التي سينفذها هي التي ستحقق له كل المكسب المرجو (أو ستعوض كل الخسارة السابقة ويبدأ في مرحلة جديدة من المكاسب)، فنجده مثلاً يشتري السهم بـ 100 جنيه، ويعيش مع حلمه بأن هذا السهم سوف يبيعه بـ 400 جنيه، ويعدد الأسباب لتنبؤاته هذه، ويبدأ في رحلة إقناع نفسه بأن السهم "الفلاني" كان سعره 100 جنيه وبعد أسبوعين وصل إلى 500 جنيه، هكذا سيصل سهمه، ويعيش مع الحلم، وهذا خطأ كبير.. لأن المبالغة في الإحساس بموقف عادي تؤدي إلى نسيان متابعة حركة السوق بدقة، لأننا نعيش في حلم السهم الذي سيحقق الطفرات، وننسي باقي السوق، مما يجعلنا نفقد فرص أخرى بديلة قد تكون أفضل من التواصل مع الحلم.
اليأس
نجد أن هناك بعض المستثمرين يصابون باليأس والملل والشعور بالانهزامية، فلقد كان أحد طلابي في دورة تدريبية عن البورصة من هذه النوعية، رغم أنه كان طبيباً عقله لا يعرف إلا ما يراه في جسم الإنسان، إلا أنه كان كثيراً ما يسيطر عليه اليأس والإحباط، فأجده يقول.. " مش عارف أنـا ليـه وشي وحش أوي كده كل لما أدخل السهم ينزل.. ييبقي طالع إنما أول ما أشتري فيه ينزل.. أنا نحس على السهم". ويظل في هذه الحالة كثيراً، ويكررها كثيراً إلى درجة أنه يؤمن بأنها الحقيقة ويؤمن بها معه أصدقاؤه المتابعين للشاشة بجواره، ويبدأ التعليق "إحنا هنشتري يا فلان سهم كذا .. إستني علشان خاطرنا إوعي "تدخل ويضحكون ويضحك معهم .. ثم ماذا هل هناك ما يسمي في عالم البورصة "واحد نحس.. كل ما يدخل السهم ينزل" ؟ بالطبع الإجابة خطأ فهو دخل في وقت الخروج وجني الأرباح، دخل في توقيت خطأ، البورصة محددة المعالم في الدخول والخروج، واستثناءات ذلك بأسباب أيضاً وعوامل كثيرة ومتغيرات يمكن التنبؤ بها، لذا يجب عليك أن تتدرب على التحكم في النفس قبل الدخول في السهم، ودراسة توقيتات الدخول ونسيان كلمة "نحس" التي لا مجال لها في البورصة، أنت المتحكم فيما يحدث لك وليس هناك ما تدعيه من "شماعات" تعلق عليها أخطاؤك. انتبه، فأنت في سباق لا يحتمل هذه الأقاويل، لا تتعجل الدخول في السهم، ولا تتعجل المكسب، فهناك قاعدة قديمة تسمي Traders Rule of three Tens " تقول أنك تحتاج 30 عاماً لكي تكون تاجراً ناجحاً، فالتاجر يحتاج 10 سنوات الأولى في حياته للتعلم، و 10 الثانية ليكون المال و10 سنوات الثالثة ليديره حتى يكون مالاً أكثر.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة