كون الشرّ عدماً هو أمر بديهيّ لا يحتاج إلى برهان
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص97-99
2025-08-07
569
ما أكثر وضوح انتماء الشرور إلى الامور العدميّة حتى تمّ اعتبارها من البديهيّات. اي أنّهم اعتبروا خيريّة الوجود وشرّيّة العدم من البديهيّات، وعلى هذا فهي لا تحتاج إلى برهان. ومع ذلك فقد ذكر العلّامة الشيرازيّ دليلًا قويّاً وبرهاناً ساطعاً على ذلك في شرح «حكمة الإشراق».
ولذا فإنّ اولئك الذين قاموا بقدح العلماء والإشكال عليهم قائلين: لقد اكتفوا بذكر الأمثلة العديدة لهذه المسألة ولم يبرهنوا ذلك ووقعوا في الخطأ، مع أن لهذه المسألة أهمّيّة قصوى في التوحيد.
ومن جملة الأمثلة التي ذكروها في هذا الباب، هذا المثال وهو إذا قام أحدٌ بقتل شخص ما، فلا جَرَم أن الضرر والشرّ قد وقعا للمقتول في عمليّة القتل هذه. وعليه يجب البحث والتقصّي في هذه المسألة للعثور على مكمن علّة الضرر والشرّ؟ فهل يكمن العيب والضرر والشرّ في قدرة القاتل وحركة يده، أم في حدّة سيفه، أم يكمن في تقبّل عضو الشخص المقتول وضعفه الذي أدّى إلى قبول القطع؟ أم أن ذلك يكمن في امور وجوديّة أخرى غيرها؟ وبقليل من التأمّل والدقّة نتبيّن أن كلّ تلك الأشياء هي خيرات وحسنات؛ ولكلٍّ منها أثرها الصحيح والجذّاب في عالم الوجود، بحيث لو كانت غير ذلك لكانت خراباً وعيباً.
فالشرّ في هذه القصّة يرجع فقط إلى عدم تعلّق الروح بجسد المقتول وذلك أمر عدميّ. اي أن دوام العمر واستمراره فيه كان مطلوباً، وقد تسبّب هذا السيف في قطعه فقَصُر بذلك عمره. أيّ أن وجود عمره «اي المقتول» ودوامه وطوله مطلوب؛ فتسبّب هذا القتل في عدم وجود ذلك في هذا المقطع الزمنيّ.
وأمّا المثال الآخر فهو: أن البرد الذي يصيب الفواكه ويتسبّب في فسادها إنّما هو خير من جهة أنّه كيفيّة وجوديّة وقوّة فعليّة لها أثر كبير في تنظيم عالم الكون وهو مضافاً إلى ذلك واسطة الجود والفيض للوجود الربّانيّ. وقبول الفواكه للون الأسود في ظروف كهذه على أساس الفعل والانفعال والتأثير والتأثّر في العالم كلّ ذلك هو خير.
ويكمن الشرّ في عدم حلاوة الثمر هنا في حين يمتلك ذلك الثمر القابليّة والاستعداد لذلك. وعدم الحلاوة هذا هو شرّ؛ اي عدم وجود علّة الحلاوة في الفواكه.[1]
وأعتقد أن أفضل مثال ضربه الحكماء هو مثال الظلّ والشمس. فإذا وضعنا في الأرض عموداً نرى أن الجهة المعاكسة للشمس مظلمة؛ ويقال لهذه الظلمة ظلًّا. فالظلّ هو عدم النور؛ وكلّما ازداد العدم، اي كلّما ابتعدت الشمس أكثر صار الظلُّ أكثر ظُلمة؛ حتى يغدو كالليل المدلهمّ حين تكون الأرض واقعة في الظلّ المخروطيّ الشكل للشمس فتصل ظُلمة الليل أوجها. والواقع أن حقيقة الدَّرْف الذي يقال له الظلّ هو فقدان النور، وليس هناك أكثر من مبدأ وجوديّ واحد للنور والظلّ وهو الشمس. فالبقاع المضيئة على الأرض تستمدّ نورها من الشمس ويرجع السبب في استنارتها إلى تشعشع الشمس نفسها. في حين أن الظلّ لا يملك مبدأ آخر لكي يبعث بشعاع ظلّه من هناك وإيصاله إلى جميع البقاع الظليلة، وذلك لأنّ نور الشمس يخالط العدم (أي النور الضعيف) فيبرز على أثره ظلًّا فاتح اللون؛ وأمّا إذا زال نور الشمس فجأة وظهر الليل فستكون النتيجة ظهور ظلٍّ غامق وستَغمرُ العالَم ظلمة بحتة وديجور صرف. فمبدأ الظلّ الذي هو أمر عدميّ، هو مبدأ عدميّ أيضاً: اي عدم وجود علّة النور.
[1] يقول:« إنّي أعشق لطفه وغضبه؛ وهذا عجب أن أكون عاشقاً لشيئين نقيضين أو ضدّين». « العدل الإلهيّ» ص 13، إلى 21، منشورات حسينيّة الإرشاد، ذي الحجّة الحرام 1390 ه-. الطبعة الفارسيّة.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة