الشرّ أمر عدميّ وعلّته انعدام علّة الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص95-97
2025-08-07
506
يقول أفلاطون: ليس للشرّ وجود خارجيّ على الإطلاق، بل هو عدم. بمعنى الشرور القليلة التي تقع في الخارج لا تحتاج إلى علّة الموجود، لأنّها تعود إلى العدم، كما أن الوجود يعود إلى الوجود.
ومحصّل هذا الكلام هو: الوجود علّة الوجود، والعدم علّة العدم، اي أن علّة الأشياء الموجودة يجب أن تكون موجودة حتماً، في حين يكفي عدم تحقّق علّة الوجود في الأشياء المعدومة؛ إذاً فعلّة العدم عبارة عن عدم علّة الوجود.
وعلينا أن نعلم أن الشرور التي تحدث في الخارج ليست كسائر الامور العدميّة فتكون نافية للإيجاب، بل إنّها معدومة المَلَكة، ولا حظّ للوجود في معدوم المَلَكة. وعلى هذا يجب أن لا يستعصي على الإنسان فَهْم تأثير العدم في إيجاد الشرّ.
وتشبه حالة معدوم المَلَكة حالة العدم في الشيء الذي يمتلك المقوّمات والعوامل اللازمة لان يوجد ولكن لا يتحقّق هذا الوجود، كالعمى الذي هو أمر عدميّ، لكنّ حالة عدم الإبصار هذه موجودة في إنسان يمتلك عينين وكان يمكن له الرؤية بواسطتهما.
فإذا اصيب شخص ما بالعمى فهذا يعني أن شرّاً ما قد حصل، لأنّه إنسان يمتلك قابليّة الإبصار وعلى أن يكون ذا عينين. ويقال لهذا العدم اي عدم وجود علّة الإبصار شرّاً. لأنّ مرجعه هو انعدام تحقّق علّة وجود الإبصار. وواضح أن انعدام علّة الإبصار تسبّب في العمى. إذاً علّة الشرّ هنا كانت أمراً عدميّاً وهو عدم تحقّق علّة الإبصار في الخارج.
وعلى هذا لا يُسمّى الجدار الذي لا عين له أعمى وذلك لفقدانه قابليّة امتلاك العين. واستناداً إلى هذا، فإنّ عدم امتلاك الجدار للعين لا يُعتبر شرّاً بالنسبة له سوى أنّه سُلِب هذا العنوان، اي عدم امتلاكه للعين كسائر الامور العدميّة.
فإذا تأمّلتَ جيّداً سترى أنّك لا تمتلك قروناً! وهذا ليس بشرٍّ أو عيب أو ضرر لك، وذلك لأنّ الإنسان ليست له قابليّة امتلاك القرون، ولم تُخلَق في وجوده تلك القابليّة أصلًا حتى يتسبّب فقدانها في إيجاد منقصة أو عيب أو ضرر فيه. في حين أنّك لو ألفيتَ نفسك أصمّاً أو أعمى أو أبكماً فهذا هو الشرّ والضرر والعيب بعينه، لأنّ ذلك حصل في حالة امتلاك لحاسّة السمع والبصر والنطق. ولهذا يبدو واضحاً لك أن علّة الصمم تكمن في عدم وجود علّة السمع، وعلّة العمى في عدم وجود علّة البصر، وعلّة البكامة في عدم وجود علّة النطق وحسب، لا أمراً وجوديّاً آخر غير ذلك.
وعلى هذا الأساس، فإنّ علّة جميع أقسام العدميّات هي العدم؛ اي عدم علّة الوجود. وأمّا فيما يخصّ مسألة الشرور فإنّ هذا العدم يتّخذ لنفسه صبغة خاصّة وعدم مَلَكَة، لأنّه متحقّق في موضوع كان له قابليّة الوجود في حين كان يفتقدها.
فما أضلّ اولئك الذين كانوا يقولون بأصلين لهذا العالم (يزدان) و(أهريمن). أن الله سبحانه وتعالى هو وحده خالق الوجود ولا علّة للاعدام سوى العدم. فلم يخلق الله سبحانه في الأعمى علّة الإبصار، وعلى هذا فعلّة ذلك عدم إيجاد علّة الوجود، لا أن يكون للعمى علّة خاصّة به في مقابل البصر.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة