x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية

القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي

المجموعة الجنائية

قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي

القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية

القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني

قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية

المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات

علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية

دساتير الدول

النظام العام من موانع تطبيق القانون الاجنبي

المؤلف:  غالب علي الداودي وحسن محمد الهداوي

المصدر:  القانون الدولي الخاص

الجزء والصفحة:  ج1 ص144-152

26-4-2021

3195

إذا تقرر تطبيق قانون أجنبي في النزاع المشوب بعنصر أجنبي إشارة من قواعد الإسناد في قانون القاضي، هل يلتزم القاضي بتطبيق هذا القانون مطلقا حتى ولو كان مخالفا للنظام العام في دولته؟.

يكاد ينعقد الإجماع منذ زمن بعيد على عدم إمكان تطبيق هذا القانون في حالة مخالفته للنظام العام والآداب في بلد القاضي المرفوع إليه النزاع، بحيث يكون في مقدور القاضي استبعاد تطبيقه كلما اتضح له انه يتنافى مع الأفكار الأساسية التي يقوم عليها النظام العام في مجتمعه، وإحلال قانونه الوطني محله (Lex Fori).

فما هو النظام العام والآداب، وما هو نطاق تطبيقهما، وكيف يؤديان إلى منع تطبيق القانون الأجنبي المختص في النزاع المشوب بعنصر أجنبي، وما هو موقف المشرع الأردني من هذه المسألة؟. هذا ما سنجيب عليه في المطالب الأربعة التالية:

المطلب الأول

التعريف بالنظام العام والآداب

يرد مصطلح النظام العام كثيرا في دراسة القانون رغم أن مفهومه يستعصي علي التحديد الدقيق بحيث لا يتيسر له تعريف جامع وضابط مستقر يحدد المقصود به ويعطي صورة منضبطة عن ماهيته رغم المحاولات الفردية والجماعية التي بذلت في سبيل الوصول إلى تبني تعريف جامع له. ولهذا فضل أغلب المشرعين عدم إعطاء تعريف محدد اله، بل اكتفوا بتقريب معناه إلى الأذهان وبناء أساسه على فكرة المصلحة العامة للجماعة سواء أكانت هذه المصلحة سياسية متعلقة بتنظيم الدولة أم اجتماعية متعلقة بتنظيم الأسرة أم اقتصادية متعلقة بتنظيم الإنتاج، وترتيب بطلان أي اتفاق خاص بين الأفراد يخالف أحكامه ويستبعد تطبيقه.

والمشرع الأردني شأنه شأن المشرعين الآخرين أورد مصطلح النظام العام في نصوص كثيرة (1) رغم أنه لم يأت بتعريف محدد له في قواعد الإسناد الأردنية واكتفى بذكر ما يعتبر منه على سبيل المثال في المادة  163/3  من القانون المدني). فالنظام العام هو مجموع المصالح الجوهرية الأساسية والمثل العليا التي ترتضيها الجماعة لنفسها ويتأسس عليها كيانها كما يرسمه نظامها القانوني، سواء أكانت هذه المصالح الأساسية والمثل العليا سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم خلقية أم دينية ويعرض الإخلال بها كيان الجماعة إلى التصدع والانهيار.

ولا يقتصر مجال تطبيق النظام العام على فروع القانون العام، ولا يعتبر مفهوم النظام العام مترادفا لمصطلح القانون العام كما يتصور البعض. لأن مفهوم النظام العام أوسع بكثير من مفهوم القانون العام، ويعمل به حتى في نطاق بعض المسائل التي تحكمها فروع القانون الخاص، مثل الميراث، وعلاقات العمل، والأهلية، والزواج، والحضانة، والإجراءات اللازمة للتصرف في العقار، والعقود الواقعة على بيع التركات المستقبلية، وبطلان عقود الاتجار بالعبيد، والتبني ... إلخ.

المطلب الثاني

نطاق النظام العام

 مفهوم النظام العام ليس مطلقا ولا جامدا، بل هو نسبي ومتغير بحسب الزمان والمكان. فهو يتفاوت باختلاف الأنظمة والتيارات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسود المجتمعات، لأنه المنفذ الذي تتسرب منه النظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى علم القانون. ويتسع مفهومه ويضيق بحسب حجم تدخل الدولة في تنظيم العلاقات في المجتمع بقواعد قانونية أمرة أو ناهية بوصفها صاحبة السيادة والسلطة العامة، وقيامها بوظائف جديدة غير وظائفها التقليدية التي كانت متروكة سابقا الحرية الأفراد و اتفاقاتهم الخاصة استنادا إلى مبدأ سلطان الإرادة(3). فمثلا:

1- إن العبيد فيما مضى كانوا يعدون من الأموال ومحلا للتصرفات القانونية، كالبيع والشراء والهبة والإيجار ويخضعون لقانون الأشياء لا لقانون الأشخاص، لأن الاتجار بالرقيق كان أساس الحياة الاقتصادية ومن النظام العام في المجتمعات القديمة، مثل اليونان والرومان والعرب في الجاهلية (4). بينما يحرم الاتجار بالرقيق في الوقت الحاضر وان أي عقد يبرم بشأن الاتجار بالرقيق يعتبر باطلا بسبب مخالفته للنظام العام.

2- كان الطلاق يعتبر مخالفا للنظام العام في فرنسا ويمنعه القانون إلى عام 1884م، بينما يجيزه القانون الفرنسي في الوقت الحاضر.

3- كان التأمين على الحياة مخالفا للنظام العام سابقا على أساس أنه يتضمن مبدأ المضاربة على الحياة وفيه نوع من المقامرة وتشجيع الإجرام، بينما يعد اليوم أمرا مشروعا يجيزه القانون باعتباره دعامة من دعامات الحياة الاقتصادية في المجتمعات الحديثة وتنص عليه التشريعات المعاصرة كنظام قانوني سائد غير مخالف للنظام العام.

4- كان تعدد الزوجات أمرا مشروعا غير مخالف للنظام العام في تركيا سابقا، بينما يعد اليوم عدم تعدد الزوجات هو من النظام العام في تركيا، وهكذا الأمر في العراق حيث كان تعدد الزوجات مباحا بصورة مطلقة إلى سنة 1959م ثم صار ممنوعا في بعض الحالات و مخالفا للنظام العام.

5- كان للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث من النظام العام في تركيا ثم ألغي هذا المبدأ في التشريع التركي الحديث ولم يعد من النظام العام.

وما يعد من النظام العام في مجتمع ما قد لا يعد هكذا في مجتمع أخر. فمثلا يباح تعدد الزوجات في القانون الأردني وفي الشريعة الإسلامية باعتباره من النظام العام، بينما يعد الزواج بأكثر من واحدة مخالفا للنظام العام في القوانين الأوروبية.

والطلاق مباح في القانون الأردني ويعد ذلك من النظام العام، بينما لا يجوز الطلاق في القانون الإسباني ويعد هذا المنع من النظام العام.

والتبني غير مباح في تشريعات الدول العربية وبعض الدول الإسلامية ومنها المملكة الأردنية الهاشمية، لأنه مخالف للنظام العام استنادا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، بينما يقره القانون التونسي والفرنسي والتركي.

وبيع التركات المستقبلية يعتبر مخالفا للنظام العام في الأردن وهو لا يعتبر هكذا في سويسرا.

لقد توسع مفهوم النظام العام في منتصف القرن التاسع عشر بتأثير المذهب الاجتماعي حتى صارت روابط كثيرة تعد من مقومات كيان الجماعة الأساسية وبالتالي من النظام العام، في حين كانت هذه الروابط قبل ذلك ألصق بمبدأ سلطان الإرادة والاتفاق الخاص بين الأفراد، كعلاقات العمل بين العامل وصاحب العمل مثلا.

فحيث يسود المذهب الفردي يضيق مفهوم النظام العام، وحيث يسود المذهب الاجتماعي يتسع نطاق مفهومه، ولذلك عندما انهارت الاشتراكية في موطنها الأصلي ( الاتحاد السوفياتي السابق) بدأ مفهوم النظام العام يتقلص ويضيق ويعود إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه قبل اجتياحه مبدأ سلطان الإرادة في ظل الاشتراكية(5).

المطلب الثالث

من الذي يحدد ما هو من النظام العام

على الرغم من التوسع الذي أصاب مفهوم النظام العام وقبوله بالإجماع فقها وقضاء وتشريعا إلا أنه تعذر تحديده على سبيل الحصر، ويكاد يكون الاتفاق بشأن كيفية تحديده وتقرير ما يعد وما لا يعد منه معدوما.

فوفقا لرأي (سافيني) يلعب النظام العام دوره في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص عندما تتنازع تشريعات غير قائمة على أسس وأفكار متقاربة، وعلى ذلك يظهر تأثير فكرة النظام العام على أشدها بين قوانين الدول المختلفة في الحضارة، لأن التباين الكبير بين أسس قوانين الدول المتمدينة وغير المتمدينة حضاريا يؤدي إلى عدم اشتراك المفهوم القانوني، و عليه لا يمكن تطبيق القانون الأجنبي المختص إذا كان يعود لبلد أقل حضارة من حضارة بلد القاضي(6)، مما يجب عدم ترك مسألة تقدير ما هو من النظام العام وما هو ليس منه للقاضي، بل يجب تعداد و حصر ما بعد من النظام العام باعتبار أن تأثير النظام العام هنا ليس قاعدة عامة في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص في تنازع القوانين، بل استثناء من قاعدة قبول تطبيق القانون الأجنبي المختص ومما يؤخذ على هذه النظرية هو أن النظام العام يفرض نفسه ويلعب دوره أيضا في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص عندما تتنازع قوانين الدول المتقاربة في الحضارة ويوجد الاشتراك في المفهوم القانوني بين تشريعاتها بالنسبة لنظام أو أنظمة معينة. ففرنسا وإيطاليا لا تختلفان حضاريا والأسس القانونية فيهما متقاربة ومع ذلك فإن نظام الطلاق وإن كان مقبولا في فرنسا، فإنه ولوقت قريب جدا كانت المحاكم الإيطالية تمتنع عن قبوله لمخالفته للنظام العام في إيطاليا، ولهذا كان يتم استبعاد تطبيق القانون الفرنسي في إيطاليا كلما أشارت إلى تطبيقه قواعد الإسناد الإيطالية في مسألة الطلاق بسبب مخالفته للنظام العام في إيطاليا رغم تقاربهما في الحضارة، كما أستبعدت المحاكم الألمانية في كثير من الحالات القوانين الفرنسية والإيطالية عندما كان يتقرر تطبيقها في المانيا طبقا لقواعد الإسناد الألمانية بسبب مخالفتها للنظام العام في ألمانيا رغم تقارب هذه الدول في الحضارة(7).

ولهذا يرى أنصار النظريات الحديثة وعلى رأسهم (Moneini) وجوب عدم تحديد وحصر المسائل التي تدخل ضمن النظام العام مقدما، خاصة ما يتعلق منها بالقوانين العامة، والقوانين الخاصة بالملكية العقارية (8) وترك ذلك لقاضي الموضوع في الوقائع التي تعرض عليه. لأن تأثير النظام العام حسب رأيهم قاعدة عامة ثابتة في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص وليس استثناء من قاعدة تطبيقه، ولصعوبة تحديد نطاق تطبيق النظام العام مقدما بسبب قابليته للتغير في الزمان والمكان، خاصة أن المرونة التي يتصف بها مفهوم النظام العام تعطي للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تفسير القواعد القانونية وتحديد طبيعتها حتى تكاد أن تجعل منه هذه السلطة التقديرية مشرعة.

فيجب ترك الأمر للقاضي في كل واقعة تعرض عليه لينظر ما إذا كان حكم القانون الأجنبي المختص فيها يتعارض مع النظام العام في دولته أم لا، وهو يحدد مفهوم النظام العام السائد في دولته في الوقت الذي يصدر حكمه، لأنه هو الوقت الذي يتم فيه تطبيق القانون الأجنبي، وعندما يصطدم ذلك القانون وقت تطبيقه مع المفاهيم القانونية السائدة في بلد القاضي، فإنه يمتنع عن العمل به، ولكن تمتع القاضي بهذه السلطة التقديرية في تحديد ما هو من النظام العام لا يعني أن في مقدوره أن يفرض في هذا المجال نظرته الشخصية للأمور، بل يجب عليه أن يتقيد في تقديره للنظام العام بالأفكار السائدة في مجتمعه والتي تتماشى مع مصالح الجماعة (9)، وأن يبني تصوره في ذلك على تصور الجماعة بأسرها ويستقرى الأوضاع العامة السائدة في المجتمع من جميع النواحي ويتقيد بما تعارفت عليه الأكثرية الساحقة من الناس الأسوياء بهذا الشأن ويتجرد من محاولة إحلال الآراء الشخصية محل العدل ورأي المجتمع، وأن يهتدي بتروي وحكمة بالأفكار السائدة في مجتمعه وبيئته ويراعي الشعور العام لدى الجماعة بعيدا عن تفكيره الخاص ومثله الذاتية ومعتقداته وتصوراته الشخصية.

فمهمة القاضي في هذا الصدد لا شك عسيرة عند تقديره وتحديده متطلبات النظام العام، ويخضع هذا التقدير والتحديد كأية مسألة قانونية أخرى لرقابة محكمة التمييز. ولكنه بما أوتي من ثقافة قانونية وفطنة قضائية وحكمة ونفاذ بصيرة ومن ورائه محكمة التمييز، فإنه يستطيع التوصل إلى المبادئ السليمة في ذلك (10).

ويلحق بالنظام العام (الآداب العامة) ويقصد بها الأصول الأساسية للأخلاق السائدة في الجماعة في وقت من الأوقات. أي مجموعة قواعد السلوك التي يجد الناس في كل مجتمع من المجتمعات أنفسهم ملزمين باتباعها طبقا لناموس أدبي خلقي يسود علاقاتهم الاجتماعية في الحياة ولا يسمح لهم بالخروج عليها عن طريق الاتفاق الخاص. وهذا الناموس الأدبي الخلقي هو وليد المعتقدات الموروثة والعادات المتأصلة والأعراف المستقرة في زمان ومكان معينين، وللدين أكبر الأثر في تكييفه عندما يرسم للإنسان معيار التمييز بين الخير والشر وبين الحسن والقبح.

وكل ما يخالف قواعد الآداب العامة يجرح الشعور العام ولا ينتج أي أثر قانوني. فاستئجار دار للدعارة أو للقمار تصرفا باطل لا أثر له قانونا، لأنه يخالف الآداب العامة (11)

وفكرة الآداب العامة كفكرة النظام العام نسبية مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان وتتأثر بالعوامل الأخلاقية والاجتماعية والدينية، مما يجعل من المتعذر تحديد وحصر ما يعتبر من الآداب العامة وما لا يعتبر منها. ففي فرنسا مثلا لم يكن يسمح بإقامة دعوى إثبات نسب الولد غير الشرعي لمخالفة ذلك الآداب العامة، ثم تطور تصور المجتمع الفرنسي بهذا الشأن وأصبح بالإمكان إقامة دعوى إثبات نسب الولد غير الشرعي.

والتعري وفتح النوادي الخاصة بالعراة مخالف للآداب العامة في الأردن، بينما هناك المئات من النوادي الخاصة بالعراة في الولايات المتحدة الأمريكية لعدم اعتبار ذلك مخالفا للآداب العامة فيها. ويترك تقدير مدى توافق العلاقات مع الآداب العامة أو تعارضها للقاضي، ويعتبر كل اتفاق يخالف الآداب العامة باطلا لا ينتج أي أثر قانوني ويستبعد القاضي تطبيق القانون الأجنبي المختص إذا كان مخالفا للآداب العامة في دولته، وقد يحل قانونه الوطني محله(12)

النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي:

ذهب بعض المؤلفين ومنهم (جارلس Charles Brocer) أستاذ القانون في كلية حقوق جنيف وكذلك بعض الأحكام القضائية إلى ضرورة التمييز بين النظام العام الداخلي في القواعد القانونية الداخلية البحتة والنظام العام الدولي في القانون الدولي الخاص. وقالوا أن نطاق مفهوم الثاني أضيق من مفهوم الأول، لأن القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام في القانون الداخلي هي قواعد آمرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلافها وان أي اتفاق على خلافها يعتبر باطلا. بينما القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام في القانون الدولي الخاص هي قواعد آمرة تمنع تطبيق القانون الأجنبي وتحل قانون القاضي محله.

فهدف النظام العام في القوانين الداخلية البحتة هو منع خروج الأفراد على قواعدها الآمرة أو الناهية أو تعطيلها باتفاقاتهم الخاصة واعتبار أي اتفاق يخالفها باطلا(13). بينما هدف النظام العام في القانون الدولي الخاص هو استبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص الذي يتقرر تطبيقه إشارة من قواعد الإسناد الوطنية واستبدال قانون القاضي به(14) . فإرادة الأفراد تنثني أمام القواعد الامرة أو الناهية في جميع القوانين الداخلية البحتة، بحيث لا يجوز لهم الاتفاق على خلافها، بينما في القانون الدولي الخاص لا تنثني إرادة الأفراد أمامها وإنما يمتنع تطبيق القانون الأجنبي المختص في دولة القاضي بهدف حماية الأمن الاجتماعي فيها. فهما يتشابهان ويشتركان في أن هدفهما واحد وهو حماية المجتمع ومصالحة الأساسية وأن الدفع بكل واحد منهما أمام المحكمة يكون عن طريق التمسك بفكرة النظام العام، ولكنهما يختلفان في أن الدفع بالنظام العام الداخلي يكون في علاقة قانونية داخلية محضة في جميع عناصرها، بينما الدفع بالنظام العام في القانون الدولي الخاص يكون في علاقة قانونية مشوبة بعنصر أجنبي(15).

وهكذا يترتب على التمسك بفكرة النظام العام في القانون الداخلي البحت بطلان التصرف القانوني المتعارض معها. في حين أن التمسك بفكرة النظام العام في القانون الدولي الخاص لا يؤدي إلى بطلان التصرف القانوني المتعارض معها، وإنما إلى منع تطبيق القانون الأجنبي المختص، وهذا ما تنص عليه المادة (29) من القانون المدني الأردني بقولها: (لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف النظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية).

المطلب الرابع

أثر النظام العام في القانون الدولي الخاص

 يختلف أثر النظام العام في القانون الدولي الخاص باختلاف النظرة إليه كقاعدة عامة في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص، أو كاستثناء من قاعدة تطبيق القانون الأجنبي المختص. فإذا اعتبرنا دور النظام العام في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص قاعدة عامة ينتج عندئذ أثره السلبي المنفرد فقط  .

أما إذا اعتبرنا دور النظام العام استثناء من قاعدة تطبيق القانون الأجنبي المختص، فينتج عندئذ أثره السلبي المنفرد أولا ثم يعقبه أثره الإيجابي، وكالاتي:

أولا- ظهور الأثر السلبي المنفرد للنظام العام:

يظهر الأثر السلبي المنفرد للنظام العام عندما تكون العلاقة موضوع النزاع المشوب بعنصر أجنبي مقبولة في القانون الأجنبي المختص وغير مقبولة في قانون القاضي، كما لو أراد أردني متزوج ومقيم في تركيا أن يتزوج مرة ثانية هناك وعرض هذا الموضوع على محكمة تركية. فقانونه الوطني، وهو القانون الأردني يجيز له ذلك، لأنه يبيح تعدد الزوجات. ولكن بما أن هذا الأردني مقيم في تركيا، وأن قانون القاضي وهو القانون التركي يمنع تعدد الزوجات، فلا يستطيع أن يتزوج من إمرأة ثانية في تركيا، لأن هذا المنع يعتبر من النظام العام في تركيا، ويقرر القاضي التركي رفض تطبيق القانون الأردني رغم کونه القانون الواجب تطبيقه في النزاع، ولكن دون إحلال القانون التركي محله : وفي القانون المكسيكي لا يوجد مانع من الاعتراف بالولد من الزئي، بينما لا يعترف القانون السعودي بإنشاء هذا الحق لأنه مخالف للنظام العام في السعودية. فهنا يعترف القانون المكسيكي بحق معين ولكن نشوء هذا الحق في القانون السعودي ممنوع، لأنه مخالف للنظام العام في السعودية. فإذا تقرر تطبيق القانون المكسيكي في مثل هذا النزاع في السعودية، يكتفي القاضي السعودي برفض تطبيق القانون المكسيكي دون إحلال القانون السعودي محله. فهنا يظهر الأثر السلبي للنظام العام بصورة منفردة وهو منع تطبيق القانون الأجنبي المختص لتعارضه مع النظام العام السعودي دون أن يستتبعه إحلال قانون القاضي (السعودي) محله, لأن مهمة النظام العام هنا تنحصر كقاعدة عامة في منع تطبيق حكم قانون أجنبي مخالف للنظام العام في السعودية فقط، لعدم وجود ما يمكن إحلاله محله في قانون القاضي.

ثانيا- ظهور الأثر السلبي أولا ثم الأثر الإيجابي للنظام العام:

وقد يظهر الأثر السلبي للنظام العام أولا ثم يستتبعه الأثر الإيجابي، حيث لا يظهر الأثر الإيجابي مستقلا وبمفرده، وإنما يستتبع الأثر السلبي، ويظهر ذلك عندما يعطل مفهوم النظام العام أحكام القانون الأجنبي المختص التي تتعارض معه ويحل محلها أحكام القانون الوطني لدولة القاضي(16). لأن القانون الأجنبي المختص يرفض حقا يجيزه قانون القاضي.

فمثلا إذا كان قانون دولة (أ) هو القانون الأجنبي المختص ويمنع الزواج بين الرجل الأبيض والمرأة السوداء بسبب اختلاف اللون، وتزوجت إمرأة سوداء من رجل أبيض من جنسية دولة (أ) التي قانونها يمنع مثل هذا الزواج وتم الطعن بهذا الزواج أمام محكمة أردنية، فإن القاضي الأردني يعتبر هذا المنع مخالفا للنظام العام في الأردن ويجيز هذا الزواج رغم انه ممنوع في القانون الوطني للزوجين بسبب اختلاف لونهما. فالقاضي الأردني المرفوع إليه هذا النزاع يعطي الاختصاص في النزاع لقانون دولة (أ) أولا وفقا القاعدة الإسناد في المادة ( 13/1) من القانون المدني التي تسند حكم النزاع المشوب بعنصر أجنبي في الشروط الموضوعية للزواج لقانون الزوجين ثم يعود فيستبعد تطبيق قانون دولة (أ) الواجب تطبيقه بحسب المادة (29) ويحل محله القانون الأردني، لعدم اعتراف المشرع الأردني بالتمييز العنصري القائم على اختلاف اللون وبحقوق الإنسان وكرامته، مما يعتبر ذلك مخالفا للنظام العام في الأردن.

وهكذا فإن مفهوم النظام العام أنتج أثره السلبي أولا في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص ثم استتبعه الأثر الإيجابي بإحلال القانون الأردني محله

أثر مفهوم النظام العام في القانون الأردني:  

تنص المادة (29) من القانون المدني الأردني على أن: (لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف النظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية).

فإذا تبين أن القانون الأجنبي المختص الذي تقرر تطبيقه إشارة من قواعد الإسناد الأردنية مخالف للنظام العام أو الآداب في الأردن، فإن القاضي الأردني المرفوع إليه النزاع يستبعد تطبيقه وفقا للمادة (29)، ويستبدل به حكم القانون الأردني في التنازع الدولي دون التنازع الداخلي بطبيعة الحال (17).  

ورغم أن المشرع الأردني لم يشر في المادة (29) المذكورة إلى إحلال القانون الأردني محل القانون الأجنبي المختص المستبعد تطبيقه بسبب مخالفته للنظام العام في التنازع الدولي المرفوع إلى القاضي الأردني خلافا لما سار عليه المشرع في بعض الدول الأخرى، إلا أن إحلال القانون الأردني محل القانون الأجنبي المختص الذي يستبعد تطبيقه بسبب مخالفته للنظام العام في الأردن يحصل، لأن قانون القاضي يعتبر كما سبق أن ذكرنا صاحب الاختصاص الاحتياطي والقانون الأنسب لحل النزاع في هذه الحالة.

والقاضي الأردني هو الذي يحدد ما إذا كان موضوع النزاع المشوب بعنصر أجنبي المعروض عليه مخالفا للنظام العام أو الآداب في الأردن أم لا، ووفقا للقانون الأردني، لأن العنصر الأجنبي الموجود في انزاع ينبغي أن لا يؤدي إلى إحداث خلل في النظام العام بالدولة وأن مفهوم النظام العام أصلا وسيلة فاعلة يعتمد عليها القاضي الوطني للتصدي لحكم كل قانون أجنبي يخالف النظام العام أو الآداب في دولته حماية للأمن الاجتماعي في المجتمع.

وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ تأثير مفهوم النظام العام في منع تطبيق القانون الأجنبي المختص قد انتقد باعتباره وسيلة سهلة في يد القاضي الوطني لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص في النزاع المعروض عليه وإحلال قانونه الوطني محله دائما، مما يؤدي إلى توسيع سلطة القاضي وتقريبها من سلطة المشرع، بحيث يمنع تطور وازدهار مبادئ تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، خاصة انه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في هذا المجال. ولهذا اقترح البعض اقتصار منع تطبيق القانون الأجنبي المختص على أحكامه التي تتعارض والنظام العام الداخلي فقط في بلد القاضي. أي الاستبعاد الجزئي لا الكلي، بحيث لو كان قانون دولة المورث الأجنبي يعتبر اختلاف اللون مانعا من موانع الميراث مثلا، وكان هذا الحكم لا يمكن تطبيقه في دولة القاضي لتعارضه مع النظام العام فيها، فعلى القاضي أن لا يطبق هنا هذا الحكم لمخالفته للنظام العام في بلده، وأن يطبق بدلا منه ما يخالفه من حكم موضوعي في قانونه الوطني الذي يجيز التوارث بين الملونين، ولكن بقدر ما هو مقدر للوارث من نصيب في قانونه الوطني المختص الذي استبعد تطبيق حكمة المتعلق بموانع الإرث، لا بقدر الأنصبة المقررة للورثة في قانون القاضي، على أساس أن النظام العام هنا يجب أن لا يعطل أحكام القانون الأجنبي المختص كليا، وإنما جزئيا في أحكامه التي تتعارض وإياه فقط من حيث الجواز أو عدم الجواز ويحل محلها الأحكام التي تقابلها من قانون القاضي ومن ثم يقرر مقدار الحق بمقتضى القانون الأجنبي المختص نفسه(18).

___________

1- ومثال ذلك ما تنص عليه المادة (163) من القانون المدني بقولها: (1- يشترط أن يكون المحل قابلا لحكم العقد. 2- فإن منع الشارع التعامل في شيء أو كان مخالفا للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا). وتنص المادة (110) منة على أن: (1- السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد. 1- ويجب أن يكون موجودا وصحيحا ومباحا غير مخالف للنظام العام والآداب ).

2- تنص الفقرة (3) من المادة (163) من القانون المدني على أن: (ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجيري وسائر القوانين التي تصدر الحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية).

3- انظر مؤلفنا - المدخل إلى علم القانون وخاصة الأردني - الطبعة الثالثة - مطبعة الروزانا- إربد / 1995 " ص 80 وما بعدها والأستاذ عبد الرحمن البزاز -مهادي أصول القانون - مطبعة العاني - بغداد / 1954 - ص 273 والدكتور شمس الدين الوكيل - مبادئ القانون - الطبعة الأولى - القاهرة 1968- ص 95 وعبد الباقي البكري وزهير البشير - المدخل لدراسة القانون - مطبعة التعليم العالي في الموصل 1989 ص 213.

4- انظر مؤلفنا - المدخل إلى علم القانون وخاصة الأردني - الطبعة الثالثة - مطبعة الروزانا- إربد / 1995 - ص 81 والدكتور علي محمد بدير - المدخل لدراسة القانون - دار الطباعة الحديثة البصرة 1970 - ص 94  

5- انظر المدخل إلى علم القانون وخاصة الأردني - الطبعة الثالثة - مطبعة الروزانا- إربد / 1995 - ص 83.

6- نظر الدكتور مرتضى نصر الله - مبادى القانون الدولي الخاص التجاري - مطبعة النعمان  النجف الأشرف / 1962- ص 82

7-انظر الدكتور مرتضى نصر الله - المرجع السابق - ص 92 والدكتور حسن الهداوي و الدكتور غالب الداودي -القانون الدولي الخاص - القسم الثاني - تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الأجنبية مطابع مديرية دار الكتب للطباعة والنشر في جامعة الموصل / 1982 - ص 179

8- انظر الدكتور مرتضى نصر الله - المرجع السابق – ص92.

9- انظر الدكتور حسن الهداوي والدكتور غالب الداودي - المرجع السابق - ص 185 .

10- انظر الدكتور مرتضى نصر الله - المرجع السابق - ص 92 ومؤلفنا المدخل إلى علم القانون وخاصة الأردني - المرجع السابق - ص 85 .

11- انظر عبد الباقي البكري وزهير البشير - المدخل لدراسة القانون - مطبعة التعليم العالي في الموصل 1989- ص 214 والدكتور سعيد عبد الكريم مبارك - أصول القانون " مطابع مديرية دار الكتب للطباعة والنشر في جامعة الموصل 1982ء ص 248 والدكتور علي محمد بدير - المرجع السابق - ص 95 والدكتور عبد الرزاق السنهوري والدكتور أحمد حشمت ابو ستيت - أصول القانون - القاهرة /1941- ص 167 والدكتور حسين کيرة" محاضرات في المدخل للقانون - القاهرة / 1954- ص 67 ومؤلفا المدخل إلى علم القانون وخاصة الأردني" المرجع السابق - ص 86

12- أنظر مؤلفنا- المرجع السابق - ص 86

13- Prof . Dr . Muammer Rasit Sevig , Devletler Hususi Hukuku , B , C1 , Sf 304 >

Ve Prof. Dr. Osman Berki, Devletler Hususi Hukukunda amme Intizami (iz. Bar. Mlec. 1945, Sy 31-36. sf, 9).

 14-Prof. Dr. Osman Berki, Develetler Hususi Hukukunda Amme Intizami (Izmir Barosu Dergisi. 2 Kanun- 1942: Say 127. sf. 462-470 Ve Timur Hifzi (Devletler Husasi Hukukanda Amme intizami. ist. Huk. Fak. Mec. 1941- No. 45, st, 866 - 905,

15- انظر الدكتور حسن الهداوي والدكتور غالب الداودي – المرجع السابق  ص 186 و  Prof. Dr.Osman Berki. sf.83

16-انظر 85-84 , Prof . Dr . Osins in Berki , st والدكتور مرتضى نصر الله - المرجع السابق - ص 93 - 94 والدكتور حسن الهداوي والدكتور غالب الداودي - المرجع السابق - ص 189 .

17- انظر المذكرات الايضاحية للقانون المدني الأردني ج1 - ص 54، والتي جاء فيها ما يلي: تنص المادة 29 على أنه لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته اللصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية، وهذا الحكم العقد عليه الإجماع وحذا المشرع في تقنينه حذر كثير من التشريعات الأجنبية، وينبغي التنويه بأن إعمال فكرة النظام العام والآداب لترتيب الأثر الذي تقدمت الإشارة إليه فيما يتعلق باستبعاد تطبيق القوانين الأجنبية، يختلف عن إعمال هذه الفكرة في نطاق روابط الالتزامات التي لا يدخل في تكوينها عنصر أجنبي).

18- نظر الدكتور حسن المهداوي والدكتور غالب الداودي - المرجع السابق - ص 189

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+