في ظلمة الليل، وقف "عاصم" على أعتاب الغابة. أمامه طريقان: أحدهما مألوف، آمن، لكنه طويل يفضي إلى المجهول، والآخر مظلم تتربص به المخاطر، لكنه يوصل مباشرة إلى قريته حيث ينتظر المرضى دواءً يحمله.
اشتعلت في قلبه نار التردد. صوت داخلي يقول: "اختر الأمان؛ فما يهمك شأن الآخرين؟"، وآخر يهمس: "هل تخشى؟ ألست القوي المؤمن الذي لا يخاف إلا الله؟" تردد للحظة، ثم تذكر قول الله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139). شعر بقوة تتدفق في عروقه كأنها نهر من نور.
شد عاصم عباءته وسار في الطريق المظلم. كان الليل حالكًا، وأصوات الوحوش تتعالى من الأعماق، لكن قلبه كان مشرقًا كالسراج. كل خطوة كانت تصرخ بالشجاعة وكل نبضة تردد: "الجبن منقصة."
وصل أخيرًا إلى القرية. كانت الوجوه المنهكة تنتظر، وعندما رأوه يحمل الدواء، انهمرت الدموع امتنانًا. رأى في أعينهم نورًا يشبه النور الذي أشعلته آية الله في قلبه.
في تلك اللحظة، أدرك أن الشجاعة ليست فقط في مواجهة المخاطر، بل في اختيار ما يجب أن يُختار، مهما كان الثمن.
--------------------
قال الإمام علي (عليه السلام) : "وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ".