بقلم: الشيخ علاء الحسون
ذهب المذهب الجبري إلى أنّ الإنسان مجبور في جميع أفعاله، وهو كالريشة في مهب الريح، أو كالخشبة بين يدي الأمواج، وأنّ نسبة الأفعال إلى الإنسان مجازية كما تنسب إلى النباتات والجمادات، فيقال: أثمرت الشجرة، وجرى الماء، وتحرّك الحجر، وطلعت الشمس وما شابه ذلك (1).
أوّل طائفة إسلامية قالت بالجبر الجهمية أصحاب جهم بن صفوان (2) وكانت عقيدتهم بأنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنّما هو مجبور في أفعاله، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنّما يخلق اللّه تعالى فيه الأفعال كما يخلقها في سائر الجمادات، وتنسب الأفعال إلى الإنسان مجازاً كما تنسب إلى الجمادات، فيقال: أثمرت الشجرة، وتحرّك الحجر و ... (3).
تنبيهان:
1 ـ انقرض هذا المذهب في أواخر القرن الرابع الهجري، ولم يبق له أثر (4).
2 ـ إنّ نظرية الجبر ـ بصورة عامة ـ لها جذور تاريخية قبل الإسلام ، ثمّ بقيت هذه النظرية بعد مجيء الإسلام معشعشة في عقول بعض المسلمين الذين لم يؤسّسوا معتقداتهم على أساس المباني الإسلامية الصحيحة.
دوافع القول بالجبر:
أوّلاً ـ اللجوء إلى أصل يرفع عن كاهل الإنسان مسؤولية الالتزام ، ومن ثمّ الحصول على الحرّية المطلقة ، والانحلال عن كلّ قيد، واتّباع الأهواء وتلبية الرغبات والشهوات النفسانية من دون الالتزام بأي مبدأ.
ثانياً ـ مبادرة بعض السلطات الجائرة إلى ترويج هذا المفهوم من أجل:
1 ـ تبرير أعمالهم المنحرفة والإجرامية.
2 ـ الاستمرار بسياسة التنكيل والبطش ضدّ مخالفيهم.
3 ـ إخماد الثورات التي تقوم ضدّهم من قبل الجهات المعارضة لهم.
4 ـ توفير الأجواء المناسبة لاستقرار عروشهم وانغماسهم في ملذّاتهم الدنيوية.
مفاسد القول بالجبر:
1 ـ تحطيم أركان أساسية من المنظومة الدينية، سنذكرها في المبحث الرابع من هذا الفصل عند بيان الأدلة المبطلة للجبر والمثبتة للاختيار.
2 ـ اندفاع الإنسان إلى الكسل والخمول والانقياد للوضع المتردّي، وعدم بذل الجهد والسعي لتغيير هذا الوضع نتيجة عدم الاعتقاد بامتلاك القدرة على التأثير والتغيير.
3 ـ تبرئة النفس عن ارتكاب الأعمال المخالفة للدين والأخلاق ، وجعل هذه العقيدة ذريعة للاتّجاه نحو الفساد والانحلال.
4 ـ إطلاق أيدي الظالمين لإهلاك الحرث والنسل ، وارتكاب كلّ ما يؤدّي إلى الدمار والفساد ، وتقييد أيدي المظلومين والمستضعفين عن القيام بأي ردّ فعل أمام الظالمين (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. انظر: مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري: ذكر قول الجهمية، ص279.
الملل والنحل ، الشهرستاني: ج1، الباب الأوّل، الفصل الثاني: الجبرية، 1 ـ الجهمية، ص87.
2. جهم بن صفوان: هو أبو محرز جهم بن صفوان الراسبي.
قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (رقم 1584): الضال المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئاً، ولكنّه زرع شراً عظيماً.
وذكر عنه الطبري في تاريخه (حوادث سنة 128): كان كاتباً للحارث بن سريج الذي خرج في خراسان في آخر دولة بني أميّة .
3. انظر: مقالات الإسلاميين ، أبو الحسن الأشعري: ذكر قول الجهمية، ص279.
الفرق بين الفرق، عبد القادر الاسفرائيني: الباب الثالث، الفصل السادس، ص211.
الملل والنحل، الشهرستاني: ج1، الباب الأوّل، الفصل الثاني: ص86 .
4. انظر: العروة الوثقى، جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده، إعداد: هادي خسرو شاهي: ص115 .
5. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.