Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
أبعاد فلسفة زيارة الأربعين في فكر السيد السيستاني -قراءة تحليلية-

منذ 4 شهور
في 2025/08/05م
عدد المشاهدات :1021
أبعاد فلسفة زيارة الأربعين في فكر السيد السيستاني -قراءة تحليلية-

بقلم: طارق الغانمي

تحليل الفلسفة الكامنة وراء توجيهات السيد السيستاني (دام ظله الوارف)، والتي تربط الزيارة ليس فقط باستذكار الإمام (ع)، بل بكونها تذكرة بالله تعالى وتعاليمه. فالبيان المبارك للزائرين، ليس مجرد نص، بل هو رسالة تجاوزت الزمان والمكان، ونسجت من كلماته قراءة عميقة لفلسفة الزيارة الأربعينية، نستلهم منها منهجا متكاملاً للحياة، فهو دعوة إلهية صريحة للروح قبل الجسد، وللقلب قبل القدم.

بدأ الخطاب بمدخل رصين، يضع فيه المرجع الأعلى زيارة الأئمة (عليهم السلام) في إطارها الحقيقي؛ لا مجرد عادة اجتماعية، بل هي محطة لتجديد العهد مع المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، إنها ليست رحلة للسياحة الروحية فقط، بل هي رحلة للتربية والتزكية، وإعادة ترتيب أولويات الروح في زمن كثرت فيه الغفلة.

ولعل أبرز ما ميز هذا البيان هو عمقه الروحي وتشبعه بالقيم الإسلامية الأصيلة، حيث لا يكتفي بالحديث عن أهمية الصلاة كفرض ديني روتيني، بل يربطها ربطا وثيقا بالالتزام بأوقاتها، ويرفعها إلى منزلة روحية سامية، ويجعلها عمود الدين ومعراج المؤمنين، وهو تشبيه بليغ يعطي الصلاة بعدها الأسمى؛ فهي ليست مجرد حركات، بل هي وسيلة للارتقاء بالروح إلى حضرة الله سبحانه وتعالى، ويذكرهم بأنها عمود الدين، وأن الاستخفاف بها يباعد المرء عن شفاعة أهل البيت(عليهم السلام).
وفي هذا تذكير بليغ بأن حب الحسين(ع) لا يكتمل إلا بالتمسك بما ضحى من أجله، وفي مقدمتها الصلاة. فمن أحب الحسين حقا، لا يمكنه أن يتهاون في الأمر الذي ضحى من أجله سيد الشهداء (ع) نفسه. وهو استحضار لموقفه (عليه السلام) في يوم عاشوراء، إذ صلى في ساحة القتال مع شدة الرمي، مما يجعله قدوة خالدة لكل زائر.
وأيضا أكد البيان على أن الصلاة هي الميزان الذي توزن به جميع الأعمال، فإن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها، وهذا التنبيه يضع الصلاة في قلب اهتمامات الزائر، ويجعله يدرك أن كل خطوة يخطوها في المسيرة، وكل عمل صالح يفعله، يعتمد قبوله على قبوله للصلاة، إنها بمثابة حجر الأساس الذي يبنى عليه صرح العبادة بأكمله.
شدد البيان على أهمية أداء الصلاة في أول وقتها، ويشير إلى أن أحب العباد إلى الله هم أسرعهم استجابة للنداء، وهذا التوجيه ليس مجرد دعوة للتنظيم، بل هو دعوة للتعبير عن الشوق للقاء الله، وتقديم حقه على أي طاعة أخرى. وفي هذا إشارة لطيفة إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يتشاغل عن الصلاة في وقتها بأي شيء آخر، مهما كان عظيما؛ لأن الصلاة هي الأفضل والأولى.
وبهذه الطريقة، يرفع البيان من شأن الصلاة، ويحررها من صورتها النمطية كواجب فحسب، ليعيدها إلى مكانتها الحقيقية كمحور للعبادة، ودليل على صدق الإيمان، ومقياس لقبول جميع الأعمال.
كما أنه يركز على قيمة الإخلاص بوصفه جوهر أي عمل صالح، فلا يعرف المرجع الأعلى الإخلاص كصفة مجردة، بل كقوة دافعة وحقيقة محورية تحدد قيمة العمل ومصيره، ويشير إلى أن العمل بلا إخلاص كبناء على غير أساس متين، يزول بزوال الحياة الدنيا، وأما العمل المخلص، فإنه يبقى خالدا ومباركا.
أي إنه يقدم الإخلاص بمثابة المحك الذي يميز العمل الخالد عن العمل الفاني الذي لا يخلف أثرا بعد الحياة الدنيا. وفي هذا إشارة لطيفة إلى ضرورة تجنب الرياء والشهرة في هذه الزيارة، وأن يكون المقصد هو وجه الله تعالى وحده.

ذهب البيان إلى ما هو أبعد من مجرد النية، فيؤكد أن قيمة العمل وبركته تتناسب طرديا مع درجة الإخلاص فيه، وكأن الإخلاص هو الوقود الذي يضاعف الأجر، ليبلغ "سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء". هذه الفكرة تمنح الزائر إحساسا بالمسؤولية؛ فكل خطوة وكل عمل في هذه المسيرة، يمكن أن يتحول من فعل عادي إلى عبادة عظيمة إذا ما أخلص فيه لله تعالى.

كما استحضر البيان حديث النبي (صلى الله عليه وآله) عن هجرة المسلمين إلى المدينة، ليظهر كيف أن النية هي التي تلون الفعل وتمنحه معناه الحقيقي. فمن هاجر إلى الله ورسوله، كانت هجرته خالصة، ومن هاجر لدنيا يصيبها، كانت هجرته إليها. هذا التشبيه البليغ يضع الزائر أمام مرآة نفسه، ويدعوه للتساؤل: "ما الذي يدفعني لهذه المسيرة" هل هو حب الحسين الخالص، أم هو السعي وراء مكانة اجتماعية، أو رغبة في الظهور، أو مجرد الانضمام إلى الجموع

ثم ينتقل إلى قضية بالغة الأهمية في هذا العصر وهي الستر والحجاب، لا يقدمها كقاعدة فقهية مجردة أو جامدة، بل ينسجها في نسيج عاطفي عميق يلامس شغاف القلوب، ويربطها ربطا وثيقا بأعماق جراح أهل البيت (عليهم السلام)، ويذكر بأنهم لم يتأذوا بشيء من فعال أعدائهم يوم كربلاء بمثل تأذوا به من هتك حرمهم بين الناس. هذا الربط التاريخي المؤلم والعاطفي العميق يجعل من الحجاب ليس مجرد غطاء للجسد، بل هو غطاء للروح، ورمز للعفة تحمل في طياتها ذكرى هذه المأساة، وحماية لشرف سالت من أجله الدماء الزاكيات، والتي ضحى من أجلها الأئمة(عليهم السلام).
هنا يكمن الجمال البلاغي في البيان، فالحجاب يتحول من رمز للتقيد إلى رمز للتحرر؛ تحرر من قيود الشبهات، وقيود الانحراف، وقيود أي سلوك لا يليق بهذه المسيرة المقدسة.
إن المرجع لا يكتفي بالدعوة إلى اللباس الساتر، بل يوصي بمراعاة مقتضيات العفاف في التصرفات والمظاهر، ويدعو إلى تجنب الألبسة الضيقة، والاختلاطات المذمومة، والزينة المنهي عنها، مؤكدا على ضرورة مراعاة أقصى المراتب الميسورة في ذلك.
هذا التوجيه ليس تضييقا، بل هو تسمية للأشياء بمسمياتها؛ فهو يرفض أي سلوك يخدش قدسية هذه الشعيرة، ويرفض أن تتحول زيارة الحسين(ع)، الذي ضحى من أجل العفاف والطهر، إلى ساحة للتجاوزات. إنه يذكر الزوار، وخاصة المؤمنات، بأنهم ليسوا مجرد حشود عابرة، بل هم سفراء لقضية مقدسة، وكل تصرف منهم يعكس صورة هذه القضية للعالم.
وفي المحصلة، يرفع البيان الحجاب من مستوى الحماية الشخصية إلى مستوى الحماية الرسالية، ليصبح جزءا من تضحيات كربلاء، ووساما على صدر كل من يحمل راية العفاف في هذه المسيرة المباركة، وإنه دعوة للعودة إلى جوهر الزيارة، حيث لا مكان للظواهر البراقة الفارغة، بل كل شيء يجب أن يكون خالصا لوجه الله تعالى ومستلهما من سيرة أهل البيت (عليهم السلام).
إن الدعوة إلى الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى في المسيرة ليست مجرد وصية دينية، بل هي وسيلة عملية لتعزيز الإخلاص، فالذكر الدائم يربط القلب بالله، ويطهره من شوائب الرياء وحب الظهور، ويذكر الزائر بأن الهدف الأسمى ليس الوصول إلى كربلاء بحد ذاته، بل الوصول إلى حالة روحية سامية من القرب من الله تعالى والاتصال بأهل البيت(عليهم السلام).
ويختم البيان بدعاء خاشع جامع، يطلب فيه من الله (عز وجل) أن يبارك لزائري الأربعين سعيهم، ويتقبل منهم عملهم، ويجعلهم قدوة لغيرهم، ويحشرهم مع من أحبوا. وفي هذا الدعاء تجلي للروح الأبوية للمرجع الأعلى، الذي لا يرى الزوار مجرد أفراد، بل يراهم أمة كاملة تحمل رسالة عظيمة، تحتاج إلى رعاية وتوجيه ودعاء.
بهذا الأسلوب، رفع البيان أهمية الزيارة من مجرد شرط لقبول العبادة إلى فلسفة حياة كاملة تطبق في أدق التفاصيل، وتجعل من الزيارة الأربعينية فرصة ثمينة للتخلص من قيود الأنا، والانطلاق نحو عمل خالص لله تعالى لا يزول بزوال الدنيا.
نعم.. هذا البيان هو دعوة للجميع للارتقاء بزيارة الأربعين المباركة من مجرد طقس إلى منهج حياة، ومن مسيرة بالأقدام إلى رحلة بالقلوب والأرواح، لتكون كل خطوة فيها قربانا لله تعالى، وتجديدا لعهد الوفاء مع الحسين وأهل بيته (صلوات الله عليهم).
النفس والمسخ الأخلاقي
بقلم الكاتب : حسن الدخيلي
بسم الله الرحمن الرحیم رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. اللهم صل على محمد وآل محمد. ١ - الفطرة والإنسان : حينما تُمحى الفطرةُ السليمةُ للإنسان، فلنعدَّ العدةَ ونتسلح بالبصيرة والإيمان، ولنحمل بذور الأخلاق معنا، ولنتعلم كيف نغرس المبادئ والقيم والأخلاقيات، وندْرُس... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 1 اسبوع
2025/11/28
يُعد التلوث النفطي من أخطر أنواع التلوث البحري، لأنه يؤثر مباشرة على الماء...
منذ اسبوعين
2025/11/24
تُعدّ الجذور الحرّة أحد أكثر العوامل الكيميائية تأثيرًا على صحة الإنسان، فهي...
منذ اسبوعين
2025/11/24
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثامن والسبعون: فيزياء الذات والمصير: اختيار...