قوله تعالى:
( ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة،204 -205.
في هاتين الآيتين المباركتين استشراف لمستقبل الامة وتحذير واضح من خطورة تولي المنافقين امور المسلمين، لان اولى صفات المنافق انه اذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وهذا من نبوءات القران وأساليبه البديعة، فلقد اشتمل القرآن الكريم على العديد من الحوادث والوقائع والحقائق المستقبلية التي كانت غيبا عند نزوله، ثم وقعت وتحققت تماما كما أخبر عنها بعد فترة طويلة، وبعضها لازال ينتظر ظرفه الزماني، ووقوعها بالطريقة والصفة التي وصفها بها القرآن دليل لا يرقى اليه دليل على أن مصدر هذا القرآن هو عالم الغيب والشهادة جل شانه، والعلم بتلك النبوءات لا يتحقق، بوسائل المعرفة التجريدية والتجريبية، وعليه فقد رسم هذا المنهج القرآني معالم المستقبل، من خلال استشراف الاحداث القادمة والكشف عن ملابساتها بما يثَبت الأمة في الأزمات، ويعطي العزيمة على الالتفاف حول القيادة الالهية لانه لا يمكن استجلاء هذه النبوءات القرآنية الا من خلال ناطق ينطق بحقائقه ويحرك معانيه في ضمائر الناس.
والآيتان المباركتان من هذه الحزمة التي لا تجود بعطائها كاملا الا على يد من عنده علم الكتاب، الا ان المشكلة كل المشكلة ان الامة خدعت فأعرضت عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي نصبه الله تعالى على لسان نبيه الاكرم صلى الله عليه واله ناطقا بالقران الكريم، وانحازت الى من اعجبهم قوله الظاهر ومدعياته الكاذبة بانه الناصح الامين مع انه منافق واقعا، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون، 4.
ومما يعضد هذا المعنى ويؤكده بعض الروايات الشريفة المعتبرة الدالة صراحة عليه، منها: ما عن الحسين بن بشار قال : سألت ابا الحسن عليه السلام عن قول الله " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " قال عليه السلام : ( فلان وفلان ، " ويهلك الحرث والنسل " النسل هم الذرية والحرث الزرع)، البحار ج 4 : 54 . البرهان ج 1 : 205 . الصافى ج 1 : 181 وقال الفيض الكاشني" ره " تشمل عامة المنافقين وان نزلت خاصة. يعني نزلت في الاول والثاني..
ومنها: ما عن سعد الاسكاف عن أبى جعفر عليه السلام انه قال : ان الله يقول في كتابه" وهو الد الخصام " بل هم يختصمون قال : قلت ما ألد قال ( شديد الخصومة).
وعن سبب النزول فقد ذكروا أنّ هذه الآيات نزلت في (الأخنس بن شريف) وكان رجلاً وسيماً عذب البيان يتظاهر بالإسلام وحبّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان كلّما جلس عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أقسم بالله على إيمانه وحبّه للرّسول، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يغدق عليه من لطفه وحبّه كما هو مأمورٌ به، ولكنّ هذا الشخص كان منافقاً في الباطن وفي حادثة نزاع بينه وبين بعض المسلمين هجم عليهم وقتل أحشامهم وأباد زرعهم (وبهذا أظهر ما في باطنه من النّفاق).
اقول: بعض روايات العترة الطاهرة تفيد انها نزلت في الاول والثاني، وكيف كان فان الصحبة لا تمنع من النفاق بدليل ما تقدم وسياتي مزيد بيان حول هاتين الايتين الكريمتين ان شاء الله تبارك وتعالى..







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN