طرق سمعي هاتفٌ من العتبة الحسينية للمشاركة بقصيدة في محفل استذكار عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله).
حضرنا في قاعة داخل الحرم ، القاعةُ مطلَّة على الفناء والنقوش والزائرين ، وقد حضر الخطباء والفضلاء والأساتذة مع جمهور حريص ، ومن بينهم كان الشيخ المقدسي.
كان الشيخ مشاركاً بكلمة يستذكر فيها عميد المنبر ، إذ أخرج من جيبه ورقةً فيها بطاقة تهنئة أرسلها له الشيخ الوائلي بخط يده مهنئاً ، بعد أن نال الشيخ المقدسي شهادة الدكتوراه من مصر.
قرأ الشيخ الرسالة ، وكأننا نسمع الشيخ الوائلي خطيبا ، فقد توالت الكلمات الفخمة ، والجزالة الواضحة ، والإطراء الراسخ ، والوعي النافذ ، والوائلي يبارك المقدسي شهادته الأكاديمية ، إذ يراها مكسباً للمنبر الحسيني ، الذي يضيف له البحث الرصين ، والمنهج العلمي ، أفقاً جديدا ، وحضوراً مؤثرا.
قرأ الشيخ المقدسي الرسالة ، مستذكراً عميد المنبر ، ليشهد أنه كلما أصيب بالخمول ، أو ضعف الهمة ، أو لم يجد متسعاً للقراءة والمراجعة ، لاذ بخطب الشيخ أحمد ، ليستمد منها القوة ، والعزم ، والإمداد المعرفي ، والروح الوثابة ، ليكون ذلك الاستماع طاقة متجددة لارتقاء المنبر.
تحدث الشيخ المقدسي عن صاحبه ، وكأنه يشير إلى أستاذه ، إشارةً مشحونةً بالأخلاق العالية ، والاعتراف بالسبق ، في وقت كان فيه الوائلي معترفاً للمقدسي بالتفوق ، المبارك له بالتقدم ، وهو يحثُّ على تحصين المنبر بتحصين الخطيب ، بأن تتوافر له نباهة الباحثين ، وأن يدرك مناهج التفكير ، وأن لاينفك عن المطالعة والقراءة ، وأن يكون واقعياً جديراً بفهم مجتمعه وقضاياه في الماضي والحاضر مع تطلّع للمستقبل.
أتحفنا المقدسي في مشاركته ، بدرس جديد في أدب الخطباء ، وحصافة آرائهم ، وافتخارهم بكل مكسب علمي يضاف لمن يؤدي هذه المهمة الرسالية الواعدة.
لقد عاش المقدسي قبل ذلك ، خطيباً نديَّ الصوت ، معتدل الطرح ، قريباً من الأفهام ، يتنقل بين موضوعات الخطبة ، برشاقة وعمق ، بلغة سهلة ، وقول سديد سليم ، بين قرآن ، وحديث ، وأدب ، وشعر ، وسيرة ، وتاريخ ، وشخصيات تراها حاضرة أمامك ، وهو يسرد عنها ، ليصل إلى واقعة الطف ، بأنين متفرّد ، وطور عراقي مثير ، إذ كنا نستمع إليه عبر الراديو ولا نعرف شكله ، ولم ندرك ملامحه التي رأيتها في ذلك المحفل ، فكانت مثلما توقعتها ، ملامح الخطيب العالم ، في سكون ووقار ، ونقاء قلب ، وعفة لسان ، ووجه صبوح ، ولطف غامر.
ترك فينا الشيخُ المقدسي نقشاً حسينياً مثلما تركه الشيخ الوائلي ، ذلك النقشُ الممتدُ إيماناً ، وانتماءً ، ووصلاً روحياً ، وحضوراً وجدانيا ، واتقاداً لجذوة عاشوراء التي لاتنطفئ أبدا.
رحل الشيخ المقدسي قبل أيام ، لنفقد عقلاً وصوتاً وسيرةً ومنهجاً في الخطابة الحسينية ، ولنفقد رجلاً أعاد للدعاء مداه الأرحب ، وهو ينشد الدعاء ، في مواسمه ، وأيامه ، ويقدِّمه بلغةٍ نقية ، وتنغيم حميم.
رحل المقدسي ، ليقول كلمته الأخيرة ، بأن المنبر مدرسة عريقة ، ونحنُ طلابٌ فيها ، وعلى الخطباء أداء المهمة ، بما يليق بالمنبر ، وأن الجمهور شاهدٌ على كفاءة الخطيب ، مثلما يشهدُ الطلابُ المجدّون على كفاءة أساتذتهم ، وأن الأستاذ إذا مات ، بقيت آثاره في تلامذته ، وحملة فكره ورأيه ، وهذا هو الخلود.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN