استهل ممثل المرجعية الدينية العليا الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بحديث للامام علي عليه السلام حول (النظر والسكوت والكلام)، حيث ورد عنه: (جُمع الخير كلّه في ثلاث خصال: النظر، والسكوت، والكلام، فكلُّ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكلُّ سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة، وكلُّ كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبراً، وسكوته فكراً، وكلامه ذكراً، وبكى على خطيئته، وآمن الناس شرّه).
وقال السيد احمد الصافي في خطبة صلاة الجمعة الاولى التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف، بتاريخ 28/ 4/ 2017 " كثيرةٌ هي كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام التوجيه والإرشاد، وفي مقام النصيحة ومقام تخفيف العبء عن الإنسان لو أراد أن يسلكَ مسالك الهداية والتقى، فقد جمع (عليه السلام) كلمات قصار في مداليل أيضاً قصيرة، لكن تحتوي على مضامين عميقة جداً".
واضاف ان "الامام عليه السلام اشار الى (النظر)، وعلى الإنسان أن ينظرَ ويرى ويشاهد ما حوله، ثمّ قال: (السكوت)، و (الكلام)".
وتسائل السيد الصافي "نحن أيضاً نتكلم وننظر ونسكت، فهل يعني ذلك أن كل أحدٍ منا قد جُمعت عنده مفاتيح الخير، أو لابدّ أن تكون هذه الأمور مشروطة بشرائط حتى يتحقق الامر الذي ذكره علي بن أبي طالب (عليه السلام)".
واوضح انه ورد عنه عليه السلام " (فكلُّ نظرٍ ليس فيه اعتبار فهو سهو)، مشيرا الى وجود مقابلة بين صفتين عقدهما أمير المؤمنين في كل مفردة من هذه المفردات الثلاث (النظر والسكوت والكلام)، فواحدة في مقام الخير وواحدة في مقام آخر غير الخير".
وبين ان المقام الأول (النظر)، وقال (كل نظر ليس فيه اعتبار) وهو هنا حريص علينا أن يكون نظرنا نظراً معتبراً، لأنه إن لم يكن هكذا فقد قال أنه سهو، والسهو لا قيمة له أصلاً ".
وتابع "نحن معرضون في عالم الدنيا للكثير من الابتلاءات، تارة تكون في المال أو الصحة أو في ضنك العيش أو ابتلاءات في العلم، وأخرى في أصدقاء السوء، ومجمل الابتلاءات حسنة أو غير حسنة، مؤكدا ان على الإنسان أن يفكّر وأن يستعمل بعض حواسه حتّى تنتج بمردود إيجابي عليه، موضحا ان من جملة هذه الأشياء هو أن يلتفت إلى ما يحيط به، والأشياء الماضية شبيهة بالأشياء القادمة، والأشياء القادمة نعم في علم الغيب ولكنها تجري وفق ما مضى، وعلى الإنسان أن يعتبر منها".
واستدرك ان "الإنسان في بعض الحالات عندما يرى، بيتاً مثلاً شامخاً ويعلم أن صاحب البيت لم يكن إنساناً ممدوحاً فخلّف هذا البيت وما فيه إلى تركةٍ أيضاً لا يقومون بواجبه وحقه، والإنسان عندما يتأمل في هذه القضايا فهو يعتبر، حيث يبدأ بالتأمل ويقول أن هذه الطريقة من الاكتناز والبهرجة من أجلِ أي شيء؟، فالصرح بقى وهو ولى، وتبعات ما فعل ستلاحقه إلى قبره".
واستوقف ممثل المرجعية الدينية العليا عند المفردة الثانية وهي (السكوت)، قائلا "ما أكثر سكوتنا!، فنحن نسكت ولكن لهذا الصمت والسكوت انعكاساته إيجابية علينا، فتارة يتأمل الإنسان في مصير لابدّ من ملاقيه، فيقول ماذا عملت وماذا صنعت، وما هي الأعمال التي قضيتها في سالف الزمان، وماهي اللحظات التي كنتُ فيها بيني وبين ربي ولم يطلع عليّ أحد، وماذا فعلت أو أسررت أو أضمرت، فيجلس ويفكّر، ثم يبدأ بعد ذلك بتصحيح ما مضى ويشد عزمه بالبقاء أن كان خيرا".
وبين السيد الصافي ان "أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أن هذا السكوت إن لم يكن فيه خير أو حالة من حالات التطوّر بالنفس، فهو غفلة، والغفلة حقيقة لات حين مندمِ، فالإنسان إذا كان غافلاً فالموت لا يغفل عنه، فمن (نامَ لم يُنمْ عنه)، ومن غفل لم يُغفل عنه، وإمامنا (عليه السلام) يقول أن الإنسان إذا سكت فلابدّ أن يفكّر".
وشدد السيد الصافي على "ضرورة ان تكون للانسان فكرة تعينه إمّا تصحيحاً لما مضى أو تقوية لحالة يريد أن يتداركها، وطبعاً كم من فكرة غيرّت حياة إنسان إلى الأبد".
وبخصوص المفردة الثالثة (الكلام) قال السيد الصافي "مشكلتنا لعلّها تكون في الكلامّ، وكما قلنا سابقاً أن اللسان هو جارحة خطيرة عند الإنسان كأنّها ترافقه، لأن الأعمال حصاد الألسن، وهذا الكلام خطرٌ"، "مشيرا الى ان "الإنسان يخرج من فيهِ كلامٌ يكون خطير عليه فأما أن يرفعه إلى مقامٍ أو أن يؤدي به إلى الحضيض والعياذ بالله"، موضحا ان أميرُ المؤمنين يقول: (وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو)".
واستدرك في حديثه "عندما أقول: (الله أكبر أو الحمد لله)، فهذا الذكر أتكلّم به عن إدراك، وكأنّ قلبي أُشرب حبّاً لله، حتى لا يكون ذكره مجرّد عبارة على لساني، نعم نحن نتكلّم كثيراً، ولكن يجب أن يكون كلاماً وفق المباني والضوابط، ومثال آخر أن الإنسان ينصح أحداً ففيه ذكر لله تعالى، أو يمنع الإنسان منكراً فهذا العمل فيه ذكر لله تعالى، أو يشجّع على المعروف فهذا فيه الذكر".