حثّ المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، المبلغات على الإلمام بالمسائل العلمية وحسن الأسلوب في طرحها. وتطرّق السيد الصافي في كلمته خلال افتتاح مخيم بنات العقيدة الخامس والعشرين، إلى أهمية قضية استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرى عاشوراء، واهتمام أهل البيت (عليهم السلام) في إحيائها وتسليط الضوء عليها. وشدد على ضرورة اهتمام المبلغ بالتبليغ في زيارة الأربعين، والإلمام بالمسائل العلمية، وحسن الأسلوب والتفنن في توضيح الصورة لمن جهلها؛ من أجل هداية الطرف المقابل، والصبر وعدم الاستعجال في طريق التبليغ، وسماع النصيحة، والابتعاد عن التكبر حينما يصل المبلغ لمستوى ما في التعلم. وأوصى السيد الصافي، الطالبات والمدرسات بالتباحث دائمًا في المسائل العلمية، حتى يتضح المطلب العلمي، وليجدد الإنسان نشاطه الذهني والمعرفي عن طريق المباحثة. وفيما يلي نص الكلمة: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته، عظم الله لكم الأجر بشهر محرم الحرام بذكرى شهادة الإمام زين العابدين (عليه الصلاة والسلام)، سائلين المولى تبارك وتعالى لكم جميعًا التوفيق والتسديد وأن يتقبل منكم جميعًا صالح الأعمال. فرصة طيبة أن نلتقي ببناتنا وأخواتنا في هذه الأيام، أيام سيد الشهداء (عليه السلام)، وأيام عاشوراء، تلك الأيام التي أحزنت أهل البيت (عليهم السلام). ولعلّ الإمام الرضا (عليه السلام) عبّر بشكل دقيق جدًّا بما حدث في يوم العاشر من شهر محرم الحرام إذ قال: " إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحط الذنوب العظام." في الحقيقة هي من الكلمات العميقة المعبرة بتعبير دقيق عما جرى على أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا التعبير أنتج نتائج باهرة في قادم الأيام. أنتم تعلمون أخواتي أنّ قضية الإمام الحسين (عليه السلام) أخذت محلًا مهمًّا من جميع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) حتى قبل استشهاده (عليه السلام)، أخذت مأخذًا من النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن السيدة فاطمة (عليها السلام) ومن الإمام الحسن (عليه السلام)، الذي عبّر بهذا التعبير في أيامه الأخيرة إذ قال: "لا يومَ كيومك يا أبا عبد الله" من شدة الحزن الذي كان عليه، عبّر بهذا التعبير وهو ينفي أيّ أيام من أيام الحزن لم تمر بالكرة الأرضية أصلًا، إلا يوم الإمام الحسين (عليه السلام). الذي ينتمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، يعد أنّ قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هي قضية مركزية في حياة الأئمة (عليهم السلام)، لأنّهم اعطوا لهذه المناسبة الأهمية، إذ كانوا يستثمرون الأوقات إمّا في تشجيع أصحابهم على إقامة المأتم، أو تشجيع أصحابهم على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام). قال الإمام الصادق (عليه السلام) قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير تزور قبر الحسين (عليه السلام) في كل يوم؟ قلت: جُعلت فداك لا، قال: ما أجفاكم أفتزوره في كل شهر؟ قلت: لا، قال: فتزوره في كل سنة؟ قلت: يكون ذلك، قال: يا سدير ما أجفاكم بالحسين (عليه السلام) أما علمت أنّ لله ألف ألف ملك شعثًا غبرًا يبكون ويزورون لا يفترون، وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين (عليه السلام) في كل جمعة خمس مرات. والجفاء هو الإعراض، يعني أعرضت عنه، فكانت حالة من العتب، لأنّ هذا الشخص كان من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام). ويبيّن ذلك الحديث التشجيع على إقامة العزاء أو الزيارة، وإنّ الإمام (عليه السلام) يظهر على وجهه سمات الحزن إذا دخل عاشوراء، أو إنّ الأئمة (عليهم السلام) بأنفسهم كانوا يقيمون العزاء والمأتم كما اشتُهر عن الإمام الصادق، أو إنّ الإمام الهادي (عليه السلام) كان يرسل شخصًا أن يدعو له تحت قبة سيد الشهداء (عليه السلام). وإنّ من مهام الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن جملة قضاياه هي قضية سيد الشهداء، فهو القائم بالثأر، وأنتم تزورون زيارة عاشوراء فتلاحظون هذا التعبير (السلام عليك يا ثار الله). أنتم كلكم بحمد الله طلبة علم، وطالب العلم لابد أن يختلف عن البقية في دقة ما عنده من حيث التفكير أو النصوص الشرعية، يكون دقيقًا في فهمها، سواء من القرآن الكريم أو النص الشرعي، سواء كان نص زيارة تامة السند أو روايات الأئمة الأطهار (عليهم السلام). ميزة طالب العلم أنّه مثقف يقرأ كتابًا أو روايةً، ويقف على نكات لا يلتفت لها القارئ العادي، لماذا لأنّ طالب العلم سمته طلب علم، فيبحث في حقيقة العلم . لاحظ هذا المقطع من الزيارة الشريفة، حيث تمر علينا دائمًا عبارة (السلام عليك يا ثار الله وابن ثأره)، لقد نسبنا سيد الشهداء إلى الله تعالى وهو الذي سيأخذ الثأر، وينتقم من أعدائه. كيف يأخذ الثأر، والإمام الحسين استُشهد وبقي على صعيد كربلاء ثلاثة أيام ثمّ دُفن، وانتهى الامر، فكيف هو ثأر الله؟ وهذا نص من معصوم (عليه السلام)، ومع ذلك هو المتصدي للأخذ بالثأر، متى يكون الثأر؟ العلم عند الله، لكن الشيء المحرز ان الله تعالى هو الآخذ بالثأر، وهذا لا يكون إلا عن طريق شخص له علاقة بالله، يعني منتمٍ إلى الله، فلا يكون شخصًا عاديًا. ليس كل شخص يستطيع أن يدعي أنّه مرتبط بالله أو يأخذ الثأر، إلا شخص واحد وهو الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا يكون إلا عن إمام منصور من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) كما منصوص في زيارة عاشوراء. سيد الشهداء له هذه الأهمية، فما حدث على جميع الأئمة من مظالم لم يهتموا (عليهم السلام) لها بقدر اهتمامهم بقضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وحثوا شيعتهم على هذا الزخم القوي. من جملة الأشياء التي حصلت هو اندفاع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لمواساة النبي (صلى الله عليه وآله) في الزيارة الأربعينية، التي كانت على طول الخط يوم تشتد، ويوم تضعف بسبب المتربصين بأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم، ويحاولون أن يمنعوها وتارة أخرى يفرج الله على الناس فتكون الزيارة مفتوحة لهم. هناك بعض المثوبة التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان بلا جهد، فالله سبحانه وتعالى يهيئ له المثوبة، ولعلّ الإنسان عندما يراجع الروايات، يرى أن الشارع المقدس اهتم ببعض الأعمال كثيرًا، ومن جملتها قضاء حوائج للناس، أو الدعاء لإخوانهم بظهر الغيب، فهذا رزق ليس فيه تعب. فعلى الإنسان أن يستثمر أوقات الفراغ بالبحث عن موجبات رحمة الله تعالى فيعملها، ومن جملتها أن يقدم الخدمة لزائري الإمام الحسين (عليهم السلام). وهناك مثوبة أكثر، وهي نشر العلم عند المفتقد له، وهذه المثوبة تختلف، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس". اليوم بحمد لله، إنّ بناتنا قد قطعن شوطًا لا بأس به في الدرس، ومعلوماتهن العلمية سواء بالفقه أو بالعقيدة أو التفسير أو أمور أخرى لا بأس بها، وقد تهيّأ الآن الظرف للأخوات أن يكون في خدمة الزائرات. مهمة التبليغ قضية عفوية تصدر من أي طالب علم لا تحتاج إلى عنوان، فطالب العلم من جملة عناوينه أن يكون مبلغًا، وشرط المبلغ أن تتوفر فيه بعض العناصر ليكون ناجحًا في عمله. إذًا نحن أمام حالة، نريد أن نندب كل من لديه القدرة على أن يخدم الزائر وتقديم أنواع الخدمات له، ومن ضمنها المسائل الفقهية والاعتقادية، فهي عبارة عن حلقة فيها مجموعة من الوظائف. نحن غير متفضلين على الزائر وإنما هو المتفضل علينا إن سمع منا ويقبل ما نقدمه له من خدمات. ننطلق من الآية الشريفة، بسم الله الرحمن الرحيم (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل 125، هذه الآية تطرح مسألة التبليغ بشكل خطوط عريضة. عندما نأتي نريد تبويب مطلب الدعوة إلى الله في مقام التبليغ، فلابد من توفر ثلاث عناصر، المبلغ الفاعل نفسه، والمبلغ المفعول به، والمادة التي نبلغ بها، ماذا نريد أن نوصل للآخر؟. لو كنت طبيبًا وأريد أن أبلغ المسائل الطبية، فهناك نصائح وتوجيهات طبية أبلغ بها، وأمامي عنصر جاهل بالمسائل الطبية، أو بالمرض الفلاني، فضروري أن أبلغه، فلابد من الطبيب أن يعرف شيئًا من الطب حتى يبلغ، فإذا اكتملت هذه العناصر الثلاثة تم التبليغ، وكذلك في المسائل النفسية وغيرها من المسائل. والمبلغ دائمًا يبحث عن العلم والمعلومة سواء كان طالبًا، مرجعًا، فقيهًا، هو طالب علم في قراءة ودراسة دائمة، ولعله يعيد نظره في بعض مسائله الفتوائية بحسب ما يستجد له من نظر في هذه المسألة أو تلك. كل واحد من الحضور هو مبلغ في خصوص جلستنا، وفي بحثنا اليوم سوف نأخذ الجانب الأول وهو المبلغ، هل هناك مقومات للشخص حتى يكون مبلغًا أم لا؟! يعني عندما أريد أن أرشد أحدًا، لابد أن لدي مجموعة من الصفات تجعلني استطيع إيضاح حقيقه بعض الأمور، لذا فالمبلغ يحتاج مجموعة من الصفات. أول شيء من صفات المبلغ، أن يكون عالمًا بما يبلغ به، فلابد أن تكون له مساحة علمية يعرف بها المعلومة حتى يبلغها، ولابد أن يكون متأكدًا، مما سيبينه من معلومات للآخرين من قبيل مثلًا: يعلم أن الكذب أو الغناء حرام وغيرها من الكبائر، فإذا ارتكب أحد الكذب فهو يستطيع أن يقول له بحسب العلم الذي يعلمه ويعمل به، إنّ ما ارتكبته حرام. كثيرة هي المسائل التي ترتكبها الناس، فلا بد أن أكون في كل مسالة محل ابتلاء عندي أعلم بخطئها، حتى أبدأ بتصحيحها.أما إذا ارتكب الشخص المقابل فعلًا وأنا لا أعلم أنّ هذا الفعل خطأ أو لا؟! قد لا استطيع أن أبلغه عن شيء لا اعرفه، فإذا قلت له أمرًا، قد يكون هو أعلم مني به، فيقول أنت مشتبه!! وهذا يُضعف المبلغ، فلابد أن يكون الأخير متسلطًا على المسائل العلمية التي يريد أن يبلغ بها. النقطة الثانية والمهمة من صفات المبلغ: ما هو الأسلوب الذي نبلغ به؟ كيف نوصل المعلومة للآخرين؟ كان النبي (صلى الله عليه وآله) على ما أوتي من علم، فلا يوجد أعلم منه في الخلق جميعًا، مما خلقه الله من خلق، الكون والكائنات والجن والانس، فهو (صلى الله عليه وآله) أعظمهم، ومع ذلك في مقام التبليغ في القرآن، توعد الله تعالى حيث قال تعالى: (لو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك) مع أنّ القرآن يشهد للنبي بخلقه (وإنّك لعلى خلق عظيم). تعلمون أنّ الله تعالى لا يحتاج الخلق، فلو عصا الخلق جميعًا الله تعالى، فلا ينقص منه سبحانه شيء، ولو أنّ جميع الخلق أطاعوا الله وسجدوا له طول العمر، فلن يزيده هذا شيء، لكن الإنسان العالم مأمور أن يبلغ من لا يعلم من الناس، ولذا كان الله تعالى يبين نواقض التبليغ، ومنها الفضاضة، فإذا انفض الناس من حول النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب فضاضته -حاشاه- المنهي عنها، وهي رسالة للمبلغين، فلو حصل ذلك سيصبح نقضًا للغرض من البعثة، التي عليها أن تبين الحقائق، وسبب انكماش الناس عن المبلغ هو غلاضة القلب والأسلوب. بعض المبلغين يفتقرون إلى الأسلوب المرن مع الآخرين ولذلك تكون النتائج في التبليغ قليلة، بل قد ينفر الإنسان المبلغ الآخرين من الدين بسبب أسلوبه الخاطئ، وبعض الأخوة والأخوات في بداية وضعهم التبليغي، يصابون بالغرور إذا نجحوا، ويرون أنفسهم أفضل من الآخرين، فيختار الأساليب التي فيها نوع من الاستعلاء!! فعندما يُسأل عن أسلوبه الخاطئ، ماذا سيقول: أنا أبلغ!! نقول له: بل أنت منفر. التبليغ ليس في حفظ بعض المسائل المنتخبة، أو منهاج الصالحين، أو بعض مسائل العقائد، أو بعض مواضيع بداية الحكمة، أو بعض المطالب التفسيرية، هذه أشياء خاصة بك، أنت تريد أن تطور نفسك، التبليغ شيء آخر، وهو كيف توصل المعلومة للآخرين. هناك طريقتان في التبليغ: الأولى طريقة الكلام، يقول الشارع المقدس: (قل خيرًا أو أصمت) فالكلام هو الذي يفضل على السكوت لو كان الكلام خيرًا . فعندما اتكلم لابد أن اراعي أسلوب الكلام لمن موجه، مراعاة مشاعر الطرف المقابل، وماهية الأدوات اللفظية التي استعملها، مع استخدام اللين وباقي تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) في الكلام، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما وضع الرفق على شئ إلا زانه ولا وضع الخرق على شئ إلا شانه، فمن أُعطي الرفق أُعطي خير الدنيا والآخرة، ومن حرمه حرم خير الدنيا والآخرة، أي أصبح الشيء زينًا. أنا حينما أريد أن أبلغ، لابد أن اختار الكلمات الطيبة، وعلينا أن نبتعد عن الغرور على النحو العام، لكن هذه الحالة على الموجبة الجزئية، لاحظوا في بعض أمكنة عملنا، عندما نرى شخصًا ينظف، قد ينظر له البعض بازدراء، وأرى أنّي أفضل منه!! فاذا حصل ذلك، فلا خير فيه ولا في تربيته. الإمام السجاد (عليه السلام) من جملة ما كان يفعله في الحج، كان يذهب مع رفقة للحج لا يعرفونه حتى يتمكن من خدمتهم، لأنّه يعلم أنّهم في ضيافة الله تعالى، وهو إمام الكل. الشيخ الأردبيلي يسمى المقدس الأردبيلي، له كتاب (زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن)، وفي أحد الأيام حضر المحقق للنجف الأشرف، فطلب منه أحد الأعرابيين - معتقدًا أنّه عامل لغسل الملابس- أن يغسل ملابسه فوافق المحقق على الفور دون تردد!! هذا من كثرة ما كان يتمتع به من التواضع وعدم الغرور. وكان أحيانًا يتوسط لبعض الناس ليتوسط له عند أحد السلاطين، كما نقله الجزائري أيضًا وقال: فلما وصلت الكتابة إليه قام وقرأها وقوفًا تعظيمًا لها، فلما رأى فيها وصفه بالأخوة من قبل الأردبيلي قال: إذا دفنتموني فضعوا هذا الكتاب تحت رأسي، لاحتج به على منكر ونكير بأنّ المولى أحمد الأردبيلي سماني أخًا له، فأحضر كفنه ووضع الكتاب فيه، (1) روضات الجنات 1: 84، 85 عن المقامات للسيد الجزائري. فيجب على كل أحد يتصدى للتبليغ، أن يقارن نفسه بموقع مرجع الطائفة. نحن نتكلم عن الصبر، لكن إذا ابتُلينا بأمر قد لا نصبر، قد نقول (نتسامح مع الناس، ولا يحصل ذلك!!) وهذا يحتاج مراجعة مع النفس، فنحن نحتاج إلى صدقية مع أنفسنا قبل الآخرين، وهذا الذي يخدم في عمل بسيط، ليس معلومًا أنّه أقرب منا إلى الله. الإمام السجاد (عليه السلام) يُقسّم الشخص الذي يعاشر الناس إلى ثلاثة أقسام، إمّا أكبر منك سنًّا، أو مساويًا لك بالعمر، أو أصغر، وأيّ أحد لا يخلو من هذه الثلاثة.لاحظوا الإمام السجاد كيف يربيهم؟ إذا كان أكبر منك قل أنّه سبقني إلى الإيمان، وإذا كان أصغر منك، فقد سبقته إلى المعاصي، وإذا كان مساويًا لك عمرًا، فقل أنا على يقين من معاصيي، وعلى شك من أنّه ارتكب معصية، فالإمام يعلمنا التعامل مع الناس بهذه الطريقة، ويرى الإنسان بثلاث مراحل. بعض الإخوة والأخوات عندما يتعلم الموجبة الكلية، أين تنعكس؟ وما هو عكس الموجبة الكلية؟ أو عرف بعض المسائل في المعاملات؟ تكبـّر حتى على أبيه!! باعتباره أنّه أعلم منهم!! باعتبارهم لا يعلمون هذه المسائل، بينما على الإنسان كلما يتعلم مسألة، فينطبق عليه لقد تعلمت شيئًا وغابت عنك أشياء. من عمل بما علم به، رزقه الله علم ما لم يعلم، فلابد أن نعمل بالشيء الذي تعلمناه، حتى نكون قدوة صالحة، فإذًا الجانب العلمي والعملي بتطبيق العلم، مهمان في شخصية المبلغ، والصفات الأخرى، هو أن احبب الأمر إلي أبلغه بأعين الناس من خلال الأسلوب الإنساني. كثير من الناس جاؤوا طلبة للحوزة بسبب بعض السلوك الإيجابي لبعض المعممين، كونه أحبه وأحب أسلوبه، فكان قدوة له، فحبب الناس إلى الشريعة بلا تكبر وأنفة. علينا تقبل النصيحة، وللأسف بعض الإخوة والأخوات لا يقبلون النصيحة، واذا نصحوهم لا يسمعون!!. الله سبحانه وتعالى أعطانا الآذان حتى نسمع، والعقل كي لا نتمسك بآرائنا إن كانت خاطئة، فاذا كنت صاحب محجة قوية لا يضر أن تسمع الطرف المقابل، وترد عليه إذا هذه المسألة الأولى للعلم. نأخذ مسألة الصبر، لابد للإنسان أن يصبر ولا يستعجل، كل عمل جميل ومرتب يحتاج إلى الصبر، مثلًا أعط الوقت الكافي لهداية إنسان، حتى لو قضيت نهارًا كاملًا مع حوار امرأة واحدة، في سبيل قلع بعض الأوهام منها، بالنتيجة سيحصل على المطلوب، إذا عود الإنسان نفسه على الصبر، فسيتربى في الصبر، وهو نعم المربي. النقطة الثانية، هو الأسلوب الذي نتبعه لكي نربح الجولة، كي نتفنن في إعطاء الأساليب المتنوعة، في سبيل توضيح الصورة وهداية الطرف المقابل، وهذه الأساليب لها علاقة بطريقة البيان، وبشخصية المبلغ، ولعل الصبر والتحمل جزء منها.
إشراك الآخرين مهم، إذا وجدت أنّ إشراكهم يعينني على الهداية، النبي موسى (عليه السلام) عندما طلب أن يذهب إلى فرعون، طلب إشراك أخيه هارون، لأنّ المهمة شاقة، تحتاج أكثر من طرف، أستاذه أو صديقه، البعض لا يفعل ذلك خوفًا من أنّ العمل سوف يحسب لزميله أوزميلتها، وغاب عنهم إنّ الله تعالى مطلع على الحقائق ويعلم جهد كل شخص، وإن جهل الآخرون به، ولا يمكن لأحد أن يغافله، وهنا عليّ أنّ أقول: الله وفقني أن استعين بفلان في سبيل أن أحقق هذا الهدف، وهذا مطلب مهم جدًّا. نصيحة عامة لأخواتنا الطالبات والمدرسات، من الضروري التباحث دائمًا بالمسائل العلمية حتى يتضح لكم المطلب العلمي، والإنسان يجدد نشاطه الذهني والمعرفي عن طريق المباحثة. في بعض الحالات هناك جدال بالمسائل الفقهية أمام الزائرات، بالنهاية إن حصل ذلك فإن الزائرة قد تنفر وتذهب، فتجنبوا ذلك وحافظوا على خصوصياتكم، ولابد للمقابل أن يرى منكم الأخلاق الرفيعة، والتحمل والصبر والأريحية، واحرصي أختي وابنتي دائمًا أن تخرج الزائرة بانطباع جيد بعد لقائك كمبلغة، لتأخذ فكرة طيبة عن عموم المبلغات. دائمًا نحن حريصون من أول تأسيس لهذه المدارس على أنّ نقدم أفضل ما يمكن للمجتمع عبر مدارسنا، فالتبليغ ليس مرتبة يحصل الإنسان عليها، وإنما طالب العلم يعني مبلغ. عليكم إجابة الأسئلة على قدر معرفتكم، وإذا لم تعرفوا الجواب فدونوه، وتوجهوا لمن هو أعلم منكم، وتواصلوا مع السائلة لتشعر فعلًا أنّك مخلصة في عملك فاستحصلي منها رقم هاتفها، واتصلي بها لإبلاغ الجواب، لأعطيها انطباعًا جيدًا بأنني مخلصة في عملي ويهمني إيصال المعلومة للسائلة. فلا تستنكفي من قول لا أعلم أو لا أدرى إن لم تكوني تعلمين، فكبار الفقهاء إذا وقفت عليه مسأله يقول لا أدرى. أحد الشيوخ عُرضت عليه مسألة لا يعلمها، فيرفع صوته بالدرس فيقول: لا أعلم، ليُعلم الباحثين والدارسين بذلك، فإنّه ليس من العيب أنك لا تعلم بعض المسائل. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين.