أشار الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الأستاذ حسن رشيد العبايجي، بأن العتبة الحسينية تسعى للحفاظ على كيان الأسرة بجميع الوسائل التربوية والدينية، ونشر مراكز الإرشاد الأسري والتبليغ النسوي ومعاهد الأسرة المسلمة والثقافة النسوية وبناء مشاريع تنموية لاستيعاب المرأة المؤمنة، جاء ذلك في كلمة له خلال انطلاق فعاليات منتدى المرأة الفاطمية للقيادة والاستراتيجية، الذي تقيمه أكاديمية الوارث للتنمية المستدامة والدراسات الاستراتيجية في جامعة السبطين (عليهما السلام).
وقال الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة، إن "الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، وعلى رأسها المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ترحب بهذا الحضور المبارك، وتتمنى لكم دوام السداد والتوفيق، ابتداء نستذكر في هذه الأيام من شهر محرم الحرام ذكرى استشهاد أبي الاحرار الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وذكرى استشهاد الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) والدور الكبير الذي قدمه وجسده بعد واقعة الطف، ولعل من المناسب أن نستذكر سيرته العطرة ومعالم قيادته الروحية والفكرية في تحرير المجتمع من العبودية والاستبداد الأموي".
وبين "استخدم الإمام (عليه السلام) في قيادة الأمة سلاح الدعاء من خلال السفر الخالد (الصحيفة السجادية) واتبع منهج الدعاء الذي ينقطع به إلى الله -سبحانه وتعالى- في مواجهة الظلم والاستبداد، كما أن الإمام أوجد تشكيلا اجتماعيا مؤثرا من العبيد والمستضعفين والفقراء كان يحترم الإمام، ويكن له كل التقدير والاعتزاز والحب والولاء، وعناية للمجتمع صحيا ونفسيا ورعايته لأمنه واستقراره والحفاظ على البناء الإسلامي، كما اهتم ببناء المجتمع بناء عقائديا وأخلاقيا وبعناية فائقة ترمي إلى إصلاح المجتمع وتثبيت العقائد وتهذيب الأخلاق بالقول والفعل امتدادا لسيرة جده الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتجسيدا حيا لقيم الإسلام حتى ملك حب القلوب، ومن إرثه الاجتماعي أيضا (رسالة الحقوق) وهي من أدق ما يعرف عن الفكر الإنساني، وتحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العام والخاص، وعناية للمجتمع للجوانب كلها فكريا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وإداريا وصحيا ونفسيا فهي رسالة إصلاحية غنية بالكنوز ينبغي على المؤمنين والمؤمنات اتباعها وتطبيقها في سلوكهم وإدارتهم وقيادتهم فهو إرث من وحي القرآن ورسالة السماء التي حملها جده المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه الرسالة جامعة للفضائل كلها".
وأضاف، أنه "في الدعاء المشهور والمروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، إذ يعتبر هذا الدعاء ركيزة ومنطلقا أساسياً ومهماً للقيادة في كل شؤون الحياة بما يحمل من مضامين إيمانية وروحية نسعى لها دائما في كل مفاصل العمل، سواء كان ضمن أجهزة الدولة أو ضمن مؤسساتنا في قيادة الأمة؛ لأنها السبيل الوحيد لقيادة الأمة إلى طريق العزة والكرامة والعدل والحق".
وأوضح، أنه "تأسيسا لهذه المبادئ والعقيدة، فإن رؤية الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة حول المرأة ومقومات القيادة التي تسعى إلى بنائها عقائديا وفكريا وأيمانيا وأخلاقيا يتمثل في أن قيمة المرأة في المجتمع تستند إلى السيرة العطرة للسيدة الزهراء (عليها السلام) وفي مقدمتها حديث الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعلى هديه ونوره كمنهج عمل لنا جميعا، برغم قصره إلا أنه يؤلف دستورا يضفي على المرأة السعادة والكمال في حياتها البيتية والعملية إذا التزمت بتطبيقها على أرض الواقع، وهذا ينعكس على المجتمع، إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) جهاد المرأة حسن التبعل، فبيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأسرتها يمثل المعنى الحقيقي للأسرة المتماسكة والمنسجمة والبيت الإسلامي المثالي".
وتابع، أن "الأسرة نواة المجتمع وهي الركيزة التي تقوم عليها الأمم، وتعمر الأسرة بالأم الصالحة والمربية، فهي اللبنة الأولى والأساس في تربية الأبناء، وتحتاج إلى عمل شاق وجهد كبير ووقت طويل في إعداد الأبناء أعداد إسلاميا صالحا وكاملا، فالمرأة المؤمنة لها الدور الأساسي في التربية وعند أدائها لهذا الدور بصورة صحيحة تكون قد أدت دورها الحقيقي الذي رسمته لها السماء والقرآن من خلال القيام بواجباتها تجاه الأبناء داخل الأسرة".
وزاد "من هنا نناشد المرأة المؤمنة أن تمارس دورها الحقيقي في التربية داخل الأسرة أولا مقتدية بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، وهي حفظ العفة والعزة والكرامة إذ لو صانت المرأة نفسها، وحفظت عفتها حفظ للمجتمع كرامته وعزته واحترامه وهيبته واستقرار أمنه الأخلاقي، فلا يتعرض بذلك للانحراف والفساد، كما أن الستر الكامل يحفظ عفة المرأة، ويزيد قيمتها الاجتماعية وكرامتها، الأمر الذي ينشر السعادة داخل صفوف المجتمع، فضلا عن الأسرة الواحدة، وهذا الحجاب يأتي من تطبيق جملة قصيرة للزهراء (عليها السلام) إذ تقول _إن الشيء الذي هو خير للنساء، ألا يراها الرجال وكذلك ألا ترى هي الرجال)".
وأشار إلى أن "دعوة الزهراء (عليها السلام) لا تتعارض مع خروج المرأة لطلب العلم وتبليغه وللدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تتعارض مع خروجها للعمل إذا اقتضت ظروفها الحياتية ذلك فإن أداء المهام والمسؤوليات مع حفظ عفتها وحجابها لا يمنع أن تؤدي دورها، وتنشر رسالتها، فقد خرجت الزهراء (عليها السلام) وأدت دورها في الجهاد والدفاع عن الحق، وكذلك ابنتها زينب الكبرى (عليها السلام) خرجت مجاهدة مع الإمام الحسين (عليه السلام) مدافعة عن الحق، وقد تمثلت العفة فيها مع ما قامت به من دور جهادي عظيم".
ونوه، أن "الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، وعلى رأسها سماحة المتولي الشيخ عبد المهدي الكربلائي، تسعى بكل الوسائل التربوية والدينية للحفاظ على كيان الأسرة لا سيما المرأة، من خلال نشر مراكز الإرشاد الأسري في معظم المحافظات والعاصمة بغداد، وكذلك التبليغ النسوي ومعاهد الأسرة المسلمة والثقافة النسوية ومشاريع تلاوة القرآن وتفسيره وعدد كبير من المؤتمرات والملتقيات والمسابقات الدينية النسوية، فضلا عن بناء مشاريع تنموية لاستيعاب المرأة المؤمنة والحفاظ على كيانها وإعطائها دورا في بناء وتنمية المجتمع".
ولفت إلى، أنه "من ضمن هذه المشاريع جامعة الزهراء (عليها السلام) التي نهدف من خلالها خلق جيل من النساء متسلح بالعلم والعقيدة والإيمان بعيدة عن مظاهر الاختلاط وتحت مظلة الأمانة العامة للعتبة المقدسة، لذلك اُفْتُتِحَت مشاريع صحية متخصصة بالمرأة مثل مستشفى خديجة الكبرى (عليها السلام)، وتأمين الأطباء والكوادر التمريضية والإدارية والمالية من العنصر النسوي فقط، وهذا المشروع يعد الأول من نوعه في العراق، بل على الصعيد العالمي، إذ أن حسب المؤشرات الإحصائية فإن عدد مثل هذه المستشفيات لا يتجاوز (5) مستشفيات في العالم، وبذلك وُفِّرَت أجواء للتشخيص والعلاج للنساء جميعا".
وأكد أن "هذا التوجه الجديد سيعمم على المشاريع التنموية المقبلة في المحافظات جميعها، ومن هنا ندعوا بناتنا إلى التمسك بالخط الجهادي والديني، وأن نستلهم من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وصوت العقيلة زينب العبرة والتجربة والدروس في الحياة اليومية، وسلوكنا وعلاقتنا الاجتماعية وأداء الفرائض "، متمنيا أن "يسعى منتدى المرأة الفاطمية لخلق قيادات نسوية لديها القدرات القيادية والمهارات العلمية الحديثة، ولديها أفق واسع متسلح بالفكر الديني والعقائدي والاستراتيجي في مختلف المجالات المهنية والفنية، وبما يتفق والقيم الإسلامية والوطنية والمساهمة الفاعلة في بناء مجتمع قوي صالح يقدس كيان الأسرة القائم على ثنائية الرجل والمرأة".