أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيد أحمد الصافي، أن رؤية أسبوع الإمامة قائمةٌ على أن مركز أو منصب الإمامة يبدأ من أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وينتهي بالإمام المهديّ(سلام الله عليه). جاء ذلك في كلمةٍ لسماحته ألقاها في
ews/index?id=26052&lang=ar>حفل افتتاح أسبوع الإمامة الدوليّ الثاني، الذي أقيم بحضور شخصياتٍ دينية وأكاديمية ورسمية. وتقيم العتبة العبّاسية المقدّسة أسبوع الإمامة الدولي الثاني، تحت شعار (النبوّة والإمامة صنوان لا يفترقان) وبعنوان (منهاج الأئمّة -عليهم السلام- في تربية الفرد والأمّة)، للمدّة 27/ 6/ 2024م إلى 4/ 7/ 2024م.
وأدناه نصّ الكلمة: أفضل التهاني وأجمل البركات لكم جميعاً بالأعياد المتقاربة، وأخصّ منها بالذكر عيد الغدير الأغرّ، هذا العيد المبارك الذي يُقرأ من أكثر من زاوية، وفيه يقف النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أمام الملأ وأيام افتراق الحجيج وعودتهم إلى ديارهم، معلنًا أن هناك أمراً جللاً وعظيماً يريد أن يبيّنه، وقد وضّح النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وهو أفصح من نطق بالضاد بشكلٍ جليّ، المقامَ العظيم لأخيه ووصيّه وابن عمّه أمير المؤمنين(صلوات الله وسلامه عليه). وهنا نقول أن المُهَنّأ في هذا العيد هو النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لأنه حسبما نقرأ في ظاهر الآية (الظاهر حجّة كما يقول الأصوليّون)، فالآية الشريفة طلبت منه أن يبلّغ (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزِل إليك من ربّك)، مع أن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) كان مبلِّغاً على طول الخط، الآية بيّنت نقطةً مهمّة (وإن لم تفعلْ فما بلّغتَ رسالته)، وحاشا النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أن لا يفعل، وليس من عادته أن يتأخّر عن الأمر الإلهيّ، إذن فهذه الإشارة تأكيدٌ على أهمّية الأمر. نحن كإدارة عتبة، حرصنا أن نجمع جميع البحوث عن المعصومين في هذا الأسبوع (أسبوع الإمامة)، باعتبار أن مركز أو منصب الإمامة يبدأ من أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وينتهي بالإمام المهديّ(سلام الله عليه)، ففرضنا المؤتمر وفق هذه الرؤية، أي أنه ليس مؤتمراً لبيان الفقه الخلافي أو كلام الخلاف لما هو متعارف ومتسالم به، وذلك كلّه لأن الأروقة العلمية والحوزات العلمية والمعاهد، بحثت في هذا الأمر كثيراً وما زالت تبحث في قراءاتٍ محترمة، وأُلّفت الموسوعات والكتب، وإلى الآن هذا كلّه له مجاله. إن فهمنا في هذا اليوم المبارك هو الإمرة لأمير المؤمنين(عليه السلام) وتنصيبه، وهو أولى بنا من أنفسنا، كما كان النبي(صلّى الله عليه وآله) أولى بنا من أنفسنا، وهذا هو الذي صدّره النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فالمهنّأ بهذه المناسبة هو النبيّ(صلّى الله عليه وآله) لأن الآية تقول (والله يَعصمُكَ من الناس)، والله تعالى إذا وعد وفى، والله تعالى عصمه من الناس، والنبيّ(صلّى الله عليه وآله) بيّن بشكلٍ واضح ما نفهمه من هذا الحديث الشريف. نحن عندنا مخزون تراثيّ كبير يمتدّ إلى أكثر من قرنين ونصف، وهو من النبيّ(صلّى الله عليه وآله) إلى غيبة الإمام المهديّ(سلام الله عليه)، ولعلّه ثلاثة قرون ونيف -إذا أضفنا الغيبة الصغرى باعتبار أن السفراء الأربعة كان يصل إليهم ما يريد أن يبيّنه الإمام(عليه السلام)-، حتى انتهت السفارة (الغيبة الصغرى)، هذا التراث الضخم لا شكّ ولا ريب في هذه الفترة تُستَجلى الكثير من معانيه على مستوى الفقه والرجال والتفسير والكلام، وحتّى بعض البحوث التي ليس لها في الواقع قضايا دينية بحتة، وإنما أمور قد تتعلّق بالطبّ وما أشبه ذلك. فهذا التراث الضخم يعوّل على الباحثين الأفاضل -أمثال الحضور الكريم- أن يُتحفونا دائماً باستنطاقه، والنصوص حافلة بما يمكن أن نضيف إلى رصيدنا المعرفيّ الكثير؛ ولذلك ضغطنا احتفالات السنة في هذا الأسبوع المبارك. قد يسأل سائل إن الجدول يخلو من الحديث عن الزهراء(سلام الله عليها) وعن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وعنوان المؤتمر هو أسبوع الإمامة، وذلك لأنه مفروغٌ من أن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) هو خاتم الأنبياء وهو الذي أجمعت عليه كلمةُ المسلمين، والزهراء(عليها السلام) لها مؤتمر خاصّ جعلناه في ولادتها (سلام الله عليها) في العشرين من جمادي الآخرة، وهو مهرجان روح النبوّة، واستنطقنا الأقلام النسوية وحصلنا على نتائج كبيرة ومبهرة، وجعلنا هذا الأسبوع يتمحّض إلى الأئمّة الهداة(سلام الله عليهم). إن الإمامة هي مصدر التشريع عندنا وفق مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، والسنّة تشمل أحاديث النبيّ والأئمّة والزهراء(عليهم السلام)، لكن التركيز على أمير المؤمنين(عليه السلام) من أمّهات المسائل وفق مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، ولذا حشدنا كثيراً من البحوث في التراث عن منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام). كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يستثمر كلّ وقته للإشارة إلى علي(عليه السلام)، وحتّى في روايتنا (حديثي حديث أبي حديث جدّي إلى أن تصل السلسلة إلى الله تعالى)، الإمام يقول لكن للنبيّ وأمير المؤمنين الفضل، كلّهم في هذه السلسلة المباركة لكن يبقى أمير المؤمنين(عليه السلام) هو المركز المهمّ، إذا توضّحت الصورة عنده يسهل البقية. إن مفتاح الإمامة يبدأ بأمير المؤمنين(عليه السلام)، ولعلّي أتطرّق لحديث المنزلة لبيان معلومة، أن حديث المنزلة من الأحاديث المشهورة عند السنّة والشيعة، وقراءة الجمهور شيء وقراءة الشيعة له شيء آخر، لكنّه كحديث نصٌّ وارد، أن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يريد أن يُنزِل أمير المؤمنين منزلةً معيّنة، فيقول له: "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى"، وهذه نقطة مهمّة ثمّ يستثني، "إلّا أنه لا نبيّ بعدي"، والكلام ليس في أن الاستثناء، إذ أنه يدلّ على العموم أو لا؟ والبحث في حديث المنزلة بحثٌ طويل جدّاً، وبأكثر من طريقةٍ للاستدلال، والرواية لم تنصّ ولم تذكر في غزوة تبوك فقط، وإنّما أكثر من مرّة ذكر النبيّ(صلّى الله عليه وآله) هذا النصّ وفي غير غزوة تبوك، السؤال هنا، لماذا هذه المقارنة بين موسى وهارون؟ المفروض أننا عندنا أنبياء أيضاً تعاصروا معاً، مثلاً يعقوب مع يوسف، إبراهيم مع لوط، عيسى مع يحيى (عليهم جميعاً سلام الله)، هل هناك سبب لهذا التنزيل بهذين النبيَّينِ حصراً؟ مثلاً لو كان النصّ عندنا (أنت منّي بمنزلة يوسف من يعقوب إلا أنه لا نبيّ بعدي)، أو (أنت منّي بمنزلة لوط من إبراهيم إلا أنه لا نبي بعدي)، هل يؤدّي هذا المعنى الغرض الذي يريده الحقّ سبحانه؟ أيضاً منزلة ولعلّ فيها عموم، والعمر ما بين النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) هو عمر الوالد للولد، فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) عندما توفّي كان عمر أمير المؤمنين (32 سنة تقريباً)، فيمكن أن يقارن الأنبياء إبراهيم مع إسحاق، أو يقارن يوسف مع يعقوب (عليهم سلام الله)، وقد يسأل سائل لماذا هذا التركيز بين موسى وهارون هل يوجد سبب؟! هذا الموضوع يستوقف الباحث، أنبياء متعاصرون كثيرون في القرآن الكريم، والتركيز على قضية هارون من موسى لا بدّ من وجود سبب، وهذا جانبٌ مهم. من جهةٍ ثانية هناك مسألة في سورة التحريم، القرآن الكريم يتحدّث أيضاً عن واقعة بعض زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ثمّ يقول: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾، تستوجب القارئ يشعر كأنها حالة من النفير، فالله تعالى يكفي، الله جلّ جلاله مولى كلّ شيء، (أليس اللهُ بكافٍ عبده)؟! أيضاً هل تستوجب هذه الإشارات القرآنية المهمّة، أن يُضاف صالح المؤمنين؟! من هو صالح المؤمنين الذي قرنه الله تعالى معه؟ جعله مولاه كي يُدافعَ عنه!!، الله مولاه سلّمنا بذلك، جبريل أيضاً يأتي وملك من السماء يأتي بهذه الطاقة الكبيرة، لكونه ينزل على النبي(صلّى الله عليه وآله)، وهو من سادات الملائكة، ثم يحشر بالأثناء (صالح المؤمنين)، ثمّ والملائكة بعد ذلك ظهير. لاشكّ أننا عندما نقرأ (صالح المؤمنين) لا بدّ أن هناك شأنيةً عظيمة لهذا الذي قرنه مع اسمه، إذ يجعل الله تعالى من المدافعين عن النبيّ هو وجبرائيل وصالح المؤمنين والملائكة، إذن لم يبق أحد، جميع الملائكة، هذا الذي يكون بهذا المستوى الذي يشير له القرآن الكريم لابدّ أنّه من مقامٍ شامخ وعظيم، مع لحاظ متبنّيات مدرسة أهل البيت الواضحة التي تتكلّم وفق متبنّياتها. في تفسير علي بن إبراهيم القمي، يقول سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: إن صالح المؤمنين هو عليّ(عليه السلام)، وعندنا روايات أُخَر. لكنّي فقط أردت أن أُشير إلى السياق القرآنيّ مع هذه الجنبة، ولنرجع إلى السؤال الأول، لو أننا الآن نقرأ ونتبرّك بما يتعلّق بقضية هارون وموسى، ولو لاحظنا الحوادث التي مرّ بها هارون وموسى، لكن القضية المركزية كانت في قضية فرعون، وبعد أن انتهوا من قضية فرعون جاء ابتلاء آخر أيضاً. إن نبينا (صلّى الله عليه وآله) عندما يتكلّم، لا يكون كلامه عاطفياً، أو محاباةً لأحد، مع أن أمامه أنبياء كثيرين، يمكن أن يقارن بهم، كما قلت كمثال يعقوب ويوسف، فلماذا هذا التركيز على قضية هارون؟! لاحظوا ماذا يقول القرآن الكريم: (اذهب إلى فرعون إنه طغى) والخطاب لموسى(عليه السلام)، هذه دعوة من الله تعالى إلى موسى أن اذهب إلى هذا الرجل، فقد بدأ يدّعي الإلوهية (فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ ۚ) فأصبح وجوده على الأرض فيه إساءة، لكن الطريقة القرآنية (بلّغ وعِظ) لعلّه يهتدي، موسى(عليه السلام) يريد أن تنجح رسالته (قال ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشددْ به أزري وأشركْهُ في أمري كي نسبّحكَ كثيراً ونذكركَ كثيراً إنّك كنتَ بنا بصيراً) فمن هذا الوزير؟ إنه مشخّص، قال: هارون أخي. ماذا تريد من هارون؟! أشدد به أزري يا إلهي، وأشركه في أمري، فالقرآن الكريم يقول حاكياً عن موسى(عليه السلام) وأشركه في أمري، كي نسبّحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا إنك كنت بنا بصيراً، (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى). هارون بالقياس إلى موسى شريك، القرآن الكريم يقول (قد أوتيت سؤلك يا موسى)، هذا الذي تريده تحقّق، إن هذا الطلب أن يُشرَح صدرُك ويُفقَهَ قولُك، وأعطيتَ هارون(عليه السلام)، وهارون ماذا تصنع به؟ قال اشدد به أزري، وأشركه في أمري. أمير المؤمنين ليس شخصًا عاديًا، القرآن يقول هذا النصّ، وهذه الطريقة غير موجودة مع يعقوب ويوسف، وغير موجودة مع إبراهيم ولوط، وغير موجودة مع يحيى وعيسى (عليهم السلام أجمعين)، هذا النصّ هنا موجود، وآية التحريم عندما ترفع مقام هذا الشخص الذي عبّرت عنه بـ (صالح المؤمنين) وتأتي الروايات الشريفة تفسّر، فإذن الرسالة التي جاء بها النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، نعم.. إن (صالح المؤمنين) ليس نبيًا، فالنصّ يقول (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي)، أي أنّ أي منزلة أعطيها لعليّ(عليه السلام)، فالقرآن لا يرفضها، النبوّة لا يشترك بها أمير المؤمنين مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ولا يوجد أحد من الطائفة الشيعية المؤمنة بما جاء به حديث الغدير، وبقية الأئمّة(عليهم السلام)، لا يوجد أحدٌ منهم يقول إن علياً (عليه السلام) رسول والعياذ بالله، فهو ليس رسولاً وليس نبياً، أما ما هو مقامه؟ نعم هو مقام هارون من موسى، فيُشدّ الأزر بأمير المؤمنين ويشرك بما جاء به النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، كما فعل هارون لموسى(عليهما السلام)، ولذلك عندما نقرأ أن أمير المؤميين يقول: إن رسول الله علّمني ألف بابٍ من العلم، هذه الطريقة لم تؤتَ لغيره، والمقام الكبير هو لمقام النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لكنّنا نتحدّث كأسبوع الإمامة بدأ بأمير المؤمنين(عليه السلام)، فلابدّ أن نعرف هذه المقامات، وعندما نتسلسل بذلك الأمر سيكون أكثر إيضاحاً وفق المنهج الذي رسمه لنا القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت(عليهم السلام). وفي الختام أحبّ أن أنوّه إلى أن الباحثين الأعزاء عندهم بحوث في العام الماضي كانت مهمّة جدًا وبعضها كانت أفكاراً أبكاراً، فأرجو إعطاء مجالٍ للإخوة المستمعين وأنا منهم حتى يتداخلوا، ونرجو من الباحث الكريم أن يبدأ ببحثه مباشرة، لأننا محكومون بالوقت ونحن نحرص على أن نسمع النقاط المهمّة في البحث كي نستفيد منها أكثر ما يُمكن.