أكد عضو مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة، الدكتور عباس الددة الموسوي، أنّ العتبة المقدسة تعدّ الاحتفاء بمناسبات أهل البيت (عليهم السلام) جزءًا لا يتجزأ من الانتساب للدين الاسلامي. جاء ذلك في كلمة العتبات المقدسة التي ألقاها الددة في حفل افتتاح مهرجان أمير المؤمنين (عليه السلام) المقام في الهند تحت شعار (أَمِيرُ المُؤمِنِينَ -عَلَيْهِ السَّلام- هارُونُ الإمَامَةِ وَالشّاهِدُ يَوْمَ القِيَامَة) ويستمر ثلاثة أيام. وأدناه نص الكلمة: إنّ العتبة العباسية المقدسة تولي عناية بالغة، بإحياء مناسبات آل البيت (عليهم السلام)، ونستعد للاحتفاء بها، ونوليها ما تستحقه من الرعاية والاهتمام؛ وتقف وراء ذلك أسباب منها: أولاً: لأنّهم (عليهم السلام) هم المتقون الذين نصّ عليهم الذكر الحكيم، حسب تفسير الراسخين في العلم، على لسان الإمام الباقر (عليه السلام)، حين قال: "أَيُّهَا النَّاسُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَيْنَ يُرَادُ بِكُمْ بِنَا هَدَى اللَّهُ أَوَّلَكُمْ وَبِنَا يَخْتِمُ آخِرَكُمْ فَإِنْ يَكُنْ لَكُمْ مُلْكٌ مُعَجَّلٌ فَإِنَّ لَنَا مُلْكاً مُؤَجَّلًا وَلَيْسَ بَعْدَ مُلْكِنَا مُلْكٌ لِأَنَّا أَهْلُ الْعَاقِبَةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ". وهو (عليه السلام) القائل بحق منزلتهم: "نحن ولاة أمر الله، وخزائن علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبنا إيمان، وبغضنا كفر". ثانيًا: لأنّنا في العتبة المقدسة نعدّ الاحتفاء بهذه المناسبة وما شاكلها، جزءًا لا يتجزأ من الانتساب لديننا، فنجدد بها انتسابنا إلى الرسالة ومشرفها، كما نستثمرها لنوثق بها صلاتنا الروحية به، ونعبر عن تمسكنا وولائنا له، ولصاحب الذكرى صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين. ثالثًا: نجعل منها مناسبة لإظهار فروض الحب والطاعة والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، الذين جعل الله (مودتهم) أجرًا لرسالة محمد (صلى الله عليه وآله)، فالرعاية والاهتمام والعناية تدخل في باب أجر رسالته وقوله، عزّ من قال: (قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى)، (الشورى:23)، فالاحتفال مصنّف ضمن ترجماتنا لمودتهم (عليهم السلام)، كما أنّنا نريد أن نستثمر المناسبة من أجل تأصيل الولاء لهم.
رابعا: إنّنا نجد أنّ إحياء هذه المناسبة، وما شاكلها هو تطبيق عملي واقعي لقوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، فذكرهم هو امتداد لذكره (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم)، لذلك يكون هذا الإحياء واعيًا هادفًا نستحضر معه صاحب الذكرى، ونستحضر معها الذكر المبارك للرسول الأكرم؛ وفي هذا رفع لذكره، وإعلاء لمقامه، لأنّنا نستعيد مع كل احتفاء بهم ذلك الذكر العليّ والخلق العظيم. خامسًا: أنّهم (عليهم السلام)، أمرونا بإحياء أمرهم عبر تسليط الضوء على سيرتهم العطرة لنجعل منها منهجًا حياتيًا، ونستلهم من شخصياتهم أخلاقها وآدابها ونستوحي من سيرهم السجايا النبيلة والأخلاق الفاضلة، ونتأمل كل ذلك، ونتدارس ما أُثر من كلماتهم وغرر حكمهم ومواعظهم، وسيرهم ومكارم أخلاقِهم.. جعلنا الله ممن خلقوا من فاضل طينتهم، وعُجنوا بماء ولايتهم، وجعلنا مما يحزنون لحزنهم ويفرحون لفرحهم ويحيون أمرهم. سادسًا: نتخذ من المناسبة منبرًا، ومنصة لنشر أصول العقيدة وترسيخ قيم الدين في وجدان الأمة الإسلامية، وتمثّل سجاياهم ومحاسن خصالهم، ونروّي منهم ظمأ الروح في صحراء هذا العالم المادي، ونقتبس من كنوزهم ما نرد به الشبهات وإبطال الاتهامات الباطلة التي تروج لها التيارات المغرضة. أيها الأخوة إنّ صاحب الذكرى في شهرنا المبارك هذا، هو الإمام علي (عليه السلام) الذي منه انبثقت سلسلة الأنوار الربانية المنبعثة من نور النبي الأكرم صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، ومنه تفرعت حلقات الهداية الإلهية للإنسان، أئمتنا المعصومون (عليهم السلام). إنه عليّ.. عليٌّ الذي لا تجدُ موصوفًا على لسان سيد البشر (صلى الله عليه وآله)، حظي بمثل ما حظي به عليٌّ (عليه السلام)، فهو نظيره، إذ قال: (ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري). وهو منه، إذ قال: (إنّ عليًّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)، وهو نفسه إذ قال: لوفد ثقيف (لنبعثن رجلاً منّي - أو مثل نفسي إلى آخر الحديث الشريف)، وإنّ عليًّا مع القرآن وإنّ القرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليه الحوض يوم القيامة ولم يزل علي مع الحق والحق معه حيث كان. وإن عليًّا منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعده. وتتوالى الأحاديث الشريفة، والفضائل والمناقب، وتبلغ شأوا يجعل الإمام أحمد يقول _ معبرًّا في قوله عن كبر مقام عليّ (عليه السلام)، وغلبة فضائله الجمّـة التي لا تحصى، ومناقبه الكثيرة: "ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب". وقال (صلى الله عليه وآله): هو أخي.. وقال: هو وصيي.. وقال: هو خليفتي فيكم.. وقال، وقال.. حتى قال: فاسمعوا له وأطيعوا، ولأنه (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن هوى، إن هو إلا وحي الله يوحيه إليه، فقد أنزله منزلة نفسه الشريفة في وجوب طاعته وحرمة معصيته، وجعله في نفس درجته الكمالية والقرب الإلهي. ثمّ إنّه (صلى الله عليه وآله)، زاد في البيان والكشف بسطة، فقال: (من أطاعني فقد أطاع الله، و من عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليًا فقد أطاعني، ومن عصى عليًا فقد عصاني). وبعد، أخرى: فإنّ إمامًا موصوفًا بهذه الوصف، ومسكنًا بهذه المنزلة، وجيهًا بهذا الجاه الأرفع، حريّ به أن يُتمسّك به، ويؤخذ منه، ويُتّبع نهجه، وأن نفيَه حقّه، ونؤدي به، وله أجر رسالة نبينا (صلى الله عليه وآله)، من خلال إحياء هذه المناسبة بشتى سبل الإحياء، في بلاد الله الواسعة.