بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام على ريحانة رسول الله الراضية المرضية سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ورحمة الله وبركاته..
السلام على الإمامين الهمامين موسى بنِ جعفرٍ الكاظمِ ومحمدِ بنِ عليٍّ الجوادِ ورحمة الله وبركاته..
السلام عليك يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ هذا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فيهِ ظُهُورُكَ وَالْفَرَجُ فيهِ لِلْمُؤْمِنينَ عَلى يَدَيْكَ وَقَتْلُ الْكافِرينَ بِسَيْفِكَ وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ..
الحضور الكريم بناتنا العزيزات.. الأمهات الفاضلات.. الإخوة الفضلاء.. السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..
ونحن نستنشق عبق سيدة نساء العالمين عليها السلام في ذكرى ولادتها نلتقيكم اليوم في هذا المهرجان المبارك مهرجان أم أبيها السنوي الثاني بمشاركة أكثر من ثمانين كلية من جامعات محافظة بغداد الحكومية والأهلية ووصل عدد الطالبات اللائي تم تسجيلهن ما يزيد على أربعة آلاف وخمسمائة طالبة في هذا المهرجان الذي ينعقد تحت شعار السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة العفة والحجاب.. هذه السيدة التي كانت وما زالت وستبقى قدوة حية ما بقي الدهر.. فهي قمة في كل شيء.. قمة في التقوى والورع والعبادة والتقرب إلى الله تعالى.. وقمة في الصبر والثبات امام الابتلاءات والمحن التي واجهتها في حياة أبيها وحتى بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم كما كانت قمة في العطاء والجود فهي معروفة بكرمها وسخائها وعطفها على الفقراء والمحتاجين وقمة في الصلابة والثبات فهي رمز للقوة التي واجهت بها التحديات ولم تتراجع عن الدفاع عن حقوقها وعن رسالة الإسلام.. وكل هذه المفاهيم قد أرضعتها لأبنائها وربتهم على الحق والفضيلة والإباء.. إذن هي أسوة عندما كانت بنتا وأسوة عندما صارت زوجة وأسوة عندما أصبحت أمّاً.. فما أجمل أن نستوحي من سيرتها المباركة ونسعى لتحقيق القيم والمثل النبيلة التي علمتنا إياها، ونحاول تجسيد هذه القيم في حياتنا اليومية.
الحضور الكريم.. نحن بمهرجاننا هذا إنما نريد أن ندخل السرور على قلب مولاتنا الزهراء عليها السلام من خلال إحياء رمزيتها عليها السلام بالحفاظ على العباءة الفاطمية الزينبية وتشجيع بناتنا على ارتدائها رغم التحديات والإغراءات والسموم الفكرية التي يبثها أعدائنا ويستهدفون بها شبابنا.
لقد اهتم الاسلام كثيراً بالمرأة وشخصيتها ودورها في الحياة، وقد أقام لها بناءً متقناً من المفاهيم والأحكام الشرعية التي ترعى كينونة المرأة وتحافظ عليها كأنها جوهرة ثمينة ومن جملة هذه المفاهيم والأحكام التي قدَّمها: مسألة لباس المرأة وهو العفاف والحجاب.. فلا يوجد هناك أجمل للمرأة من الحياء والعفة، بل جمالها في حيائها، وحجابها الشرعي.. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحياء والإيمان في قرن واحد فإذا سُلب أحدهما اتبعه الآخر) وعن الإمام الصادق عليه السلام: (لا إيمان لمن لا حياء له) حيث يظهر من هذه الروايات أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الإيمان والحياء، حتّى صار الإيمان غير ممكن التحقّق من دون الحياء.. وعن الإمام عليّ عليه السلام قوله: (ثمرة العفّة الصيانة).. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل وصف فيه ما رآه في جهنم ليلة إسرائه إلى السماء: (رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها). ولما سألته الزهراء عليها السلام عنها قال صلى الله عليه وآله: (إنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال).
وهناك طائفة أخرى من النصوص تحرّم على الرجل أن ينظر إلى بدن المرأة وشعرها ما عدا الوجه والكفان، مما يدل ذلك بالمقابل على وجوب ستر المرأة بدنها عنه من باب الملازمة الشرعية.. من تلك النصوص:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين).. كما يؤكد الامام علي (عليه السلام) على حفظ المرأة، فان عدم اختلاطها بالرجال احفظ لها ولهم، فقال (عليه السلام): (واكفف عليهن من ابصارهن بحجابك اياهن فان شدة الحجاب ابقى عليهن).. وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عند سؤاله ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: (الوجه والكفان والقدمان).. وجاء في رسالة للإمام الرضا عليه السلام جوابا عن سؤال لأحد أتباعه عن حرمة النظر مما يوجب على المرأة ستر نفسها مما حرم الله كشفه أمام الرجال قائلا: (وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالازواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يحمل).
بناتنا الغاليات..
أعلموا أن الحجاب حجبٌ للأنوثة.. لا حجب عن الحياة.. فأنتن رقم لا غنى عنه في معادلة الحياة.. لأن المرأة تمثل نصف المجتمع وتؤثر في نصفه الآخر، ومن هنا استهدفها أعداء الدين الإسلامي ووقفوا جُلَّ جهودهم لغرض استمالتها إلى أفكارهم ورؤاهم وتجريدها من هويتها الدينية الحقّة، وكان من أولى دعاواهم الماكرة لأجل استمالتها هي الدعوى إلى تحرر المرأة ومساواتها بالرجل بهدف هدم أهم التشريعات التي من شأنها الحفاظ على المجتمع بأسره من الفساد والتحلل الخلقي، وهو تشريع الحجاب.
فبدأوا بطرح العديد من الشبهات على تشريع الحجاب.. أهمها أنه يحجب المرأة عن الحياة ويحول دون ممارستها لحقوقها المشروعة من التعليم والعمل والمساهمة في بناء المجتمع.. ولكن تجارب الحياة تثبت عكس ذلك إذ تزخر بالكثير من النساء المسلمات اللائي أدَّينَ دوراً فاعلاً في الجوانب الدينية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من إنهن كُنَّ على قمة التدين والحجاب والخِدر والعفاف.
فهل منع الحجابُ السيدةَ الزهراء (عليها السلام) عن أداء دورها الرسالي؟ أم منعها من المساهمة في إصلاح الحياة الاجتماعية؟.. وكذلك السيدة الحوراء زينب (عليها السلام) لم يمنعها حجابها من التأثير الفاعل في إكمال نهضة الإمام الحسين عليه السلام ووقوفها أمام الطغاة.. بل نجد اليوم المرأة المؤمنة تمارس نشاطها بكامل حجابها في مختلف الاختصاصات في الطب والهندسة والتربية والتعليم، فلم يكن الحجاب يوماً حائلاً ولم يمنعها عن تسنّم المناصب الهامة وفي مختلف المجالات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية.. وعليه فالحجاب لم يُشرّع لحجب المرأة عن الحياة.. بل لحمايتها وصيانتها ممن يحيطون بها من أصحاب النفوس الضعيفة وأن لا يتعرضن للأذى.. وما أكثرهم في زماننا هذا للأسف الشديد قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وقال تعالى: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).. وبشكل مختصر فإن الحجاب هو السيطرة على جميع الأثواب والعفة هي السيطرة على جميع الحركات من قبل المرأة.
إنَّ بناتنا وأبناءنا في هذه المرحلة الخطرة يواجهون تيارات جارفة تحاول أنْ تحرفهم عن جادة الحق وتُبْعِدَهم عن مبادئ الإسلام، بحجة ممارسة حريتهم الشخصية.. فتارة بالموضة والتعري وتارة بالاعلام الناعم وتارة بالتشجيع على التميّع والانحلال الخلقي.. وآخرها كان بث مفهوم الجندرة بين أوساطنا المجتمعية ولن يتوقفوا عن غزوهم الفكري.. وطالما ما حذرت المرجعية الدينية المباركة في مناسبات عدة من الثقافات الهجينة والمستوردة لإسقاط شبابنا في وحل الرذيلة، محاولةً كسر عقيدة الأمة والتخلي عن مكارم أخلاقها، فلا يمكن الحفاظ على الأمة إلا بالعودة مجددا إلى كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بالثقلين.
بناتنا العزيزات..
إن الحفاظ على هويتنا الإسلامية كما أرادها الله هو حفاظ على أنفسنا وعوائلنا من الهلكة.. فعدم الالتزام بأوامره تعالى هو عصيان له عز وجل ومؤداه إلى الجحيم أعاذنا الله وإياكم وهي مسؤولية الراعي لرعيته.. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
ولا بأس بتذكير بناتنا أعزهن الله على مراعاة الأمور الشرعية فيما يخص الاختلاط في الجامعة أو الشارع والالتزام بالحجاب الحقيقي الشرعي وليس الحجاب المشوه الفارغ من قيده الشرعي كما نوصي أولياء الامور وخاصة الامهات الفاضلات أن يقوموا بواجبهم تجاه تشجيع بناتهم بارتداء الحجاب الشرعي..
والشكر موصول إلى كل الجهات الساندة والجنود المجهولين من داخل العتبة وخارجها حيث كان لهم سهم في إقامة هذا المهرجان وإنجاحه ومن هؤلاء مؤسسة الفكر الحسيني للتنمية والتطوير.. وكذلك الشكر إلى الأمهات والآباء الذين حافظوا على رمزية السيدة الزهراء عليها السلام وابنتها الحوراء عليها السلام بتشجيع بناتهم على الحجاب وعلى ارتداء العباءة.. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا قد قدمنا اليوم ما يرضي إمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي لا بد أن نستحضره في حركاتنا في ليلنا ونهارنا وفي دعواتنا.. فلنرفع أكفنا إلى الله تعالى من الجوار الطاهر للإمامين الكاظمين الجوادين عليهما السلام بدعاء تعجيل الفرج لصاحب الأمر:
اللهم صل على محمد وآل محمد (اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين)
والحمد لله أولا وآخرا وصلواته وسلامه على رسوله وآله دائما سرمدا والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.