بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى الصادق الأمين وعلى آله الهداة المهديين لا سيما خاتم الأوصياء وقاصم شوكة المعتدين الحجة بن الحسن المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف..
السلام على الإمامين الكاظمين الجوادين ورحمة الله وبركاته..
السلام على الإمام صاحب العصر والزمان ورحمة الله وبركاته..
السادة الحضور مع حفظ الألقاب والمقامات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) صدق الله العلي العظيم..
إنه لشرف كبير لنا جميعا أن نقف في هذه الأيام المباركة لاستذكار مولد بقية الله الأعظم والمخلص الأكرم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قبل ألف ومئة وتسعة وثمانين عاما وكذلك استلهام العبر والدروس من ذكرى صدور فتوى الدفاع الكفائي المباركة التي انطلقت قبل تسع سنوات وما أكرمها من مناسبتين عظيمتين نحيي ذكراهما من جوار بابَيِ الحوائج والمراد فكلاهما صنعا انعطافة تاريخية كبرى غيرت وستغير مجرى الاحداث.
لقد اهتم المسلمون وغيرهم من خلال الباحثين والمؤرخين بقضية المُخلِص الموعود لأنَّ الإيمان والاعتقاد بظهور المنقذ والمصلح العالمي المنتظر يمثل جوهرة الفكرة المهدوية في الإسلام فكما هو موجود عندنا نراه موجودا في تلك الأديان والمذاهب أيضاً، والإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي تعبّر عن حاجة فطرية عامة للإنسان في التطلع إلى بسط العدل وإحقاق الحق والقضاء على المتجبرين الذين يستضعفون الناس في كل زمان ومكان.. فهي فكرة قديمة وليست مقتصرة على الإسلام، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الوعد الإلهي بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) فالزبور كتاب داوُد، والذّكر هو التوراة كما جاء في بعض التفاسير ولابدَّ أن يتحقق هذا الوعد الإلهي يوماً ما، وإن كان هذا اليوم هو آخر يومٍ من عمر الدنيا كما ورد عن رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وآله: (لو لم يبقَ من الدهر إلّا يوم واحد لبعث اللَّه رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً).
إذن هي قضية عالمية لم يتفرد بها الشيعة فقط وهي ليست أسطورة كما يقول البعض إذ ليست هناك أسطورة تحظى بإجماع الأديان السماوية وغير السماوية ويتبناها العلماء والمفكرون والفلاسفة.. فالإيمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة دولة العدل الإلهي في كل الأرض هي من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الأديان والمذاهب، والاختلاف بينهم إنما هو في تحديد هوية ومصداق هذا المصلح العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء والأوصياء.. وهذه الحتمية تلزمنا أن نعمل على التمهيد الصحيح لهذا الظهور المبارك.. فالتمهيد يحتاج إلى عمل وجهاد وتضحيات كبيرة مخلصة يعبر فيها الممهد عن صدقه في ولاية إمام زمانه ويدعو له في كل شؤونه.. فضلا عن حب الإمام والتعلق الشديد به وطاعته في كل صغيرة وكبيرة بالتورع عن المحارم والالتزام بمكارم الاخلاق والصدق والامانة وسائر الفضائل الاخرى والتسلح العقائدي وعدم التأثر بالغزو الثقافي والتيارات الفكرية المنحرفة. فمبارك بكم هذه الولادة الميمونة.. ولله در الشاعر حميد الاعرجي حينما قال:
ولدَ المخلّصُ فابشروا بــســــلامِ وتحقَّقَ الأملُ الجميلُ السامي
زفّـوا الـتـهـانـي لـلـنـبـــيِّ محمدٍ وكذا لـحيدرةٍ فــتــى الإسلامِ
فانشقَّ يا وجهَ الدجى عن وجههِ كيما نـسرُّ بــثــغرهِ الـبـسّــامِ
ونرى بـطـلـعـتِــهِ البهيَّةِ مشرقاً كالبدرِ يـزهو في بحورِ ظلامِ
تهفو إلى لـقـيـاهُ كـلّ نــفـــوسِنا فـالـشـوقُ فــيـنـا دائـمٌ متنامي
أما المناسبة الثانية التي اجتمعنا من اجلها فما هي إلا مصداق إلى التمهيد لظهور الإمام حيث صدرت فتوى الدفاع الكفائي في الرابع عشر من شهر شعبان عندما تعرض العراق ومقدساته وجميع أطيافه فقد وُلد من رحم هذه الفتوى أبطال وأبطال.. ضحوا بالغالي والنفيس ليسطروا أسمى معاني التضحيات في تاريخ العراق الحديث وحتما ستقف الاجيال لهم بإجلال وتعظيم لأنهم قدموا بشهادتهم ودمائهم وتضحياتهم وطنا آمنا لمن بعدهم.
علينا اليوم واجب لا يمكن أن ننساه أو نتناساه تجاه مَن لبى نداء المرجعية كي لا تضيع تضحياتهم سدى.. وهو الحفاظ على النصر الذي ما كان أن يتحقق لولا دماء كل الشهداء سيما قادة معارك النصر والتحرير الشهيد أبو مهدي المهندس والشهيد الحاج قاسم سليماني وشهداء الحوزة العلمية والشهداء الأحياء حيث يمكن الحفاظ على النصر من خلال الإخلاص والتفاني في عملنا وخدمة وطننا وبناء حياتنا المدنية بناءً صحيحا ينسجم وتوجهات المرجعية الدينية النابعة من وصايا أهل البيت عليهم السلام فلولا هؤلاء الشهداء لما كتب لنا وطنا آمنا.. فكل الشكر لصمام أمان العراق مرجعنا سماحة السيد السيستاني دام ظله الوارف والشكر موصول لقواتنا الأمنية وأبطال جيشنا ولكل من لبى نداء فتوى الدفاع الكفائي.
ختاما نتوجه إلى الله تعالى بحق الإمامين الهمامين الكاظمين الجوادين عليهما السلام أن يرحم شهداءنا أينما سقطوا وأن يشفي جرحانا وأن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء وبلاء ووباء وخير ما ندعو به سوية هو دعاء تعجيل الفرج لإمام عصرنا وزماننا:
(اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين) والحمد لله أولا وآخرا وصلواته وسلامه على رسوله وآله دائما سرمدا.. والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.