منذ أن خولفت وصايا رسولنا الكريم صلوات الله عليه واله وبان التصدع والانجراف بها نحو العبودية من جديد، تحولت الخلافة الإسلامية إلى ملك تتلقفه ايدي الطغاة من بني امية وتحول إلى طلب للثأر من الرسول بقتل عترته الطاهرة الذي توج بقتل ولده الحسين عليه السلام في طفوف كربلاء، اذ احتاجت الرسالة الإسلامية إلى من يضحي بنفسه وعياله ليعلو صوت الله في الأرض من جديد.. فكان سيد الشهداء قرباناً لها حُركت به العقيدة الدينية لتفرز ظالماً ومظلوماً من خلال واقعة الطف، تلك الواقعة التي حركت ضمير الإنسانية جمعاء، وتناولتها الألسن بمختلف أشكالها ولغاتها وديانتها اسلامية وغير اسلامية ووثق ذلك لتتناقله الاجيال بوسائل فنية شتى منها ما هي قولية وتمثيلية كالشعر والروايات والنصوص المسرحية، ومنها ما كان على شكل رسوم تؤرخ لهذه الواقعة وتستلهم مروياتها التاريخية.
لقد عمد الفنان والمؤرخ والمصمم المسلم على تشكيل احداث الطف واظهارها ببنية جمالية خاصة بها وخاضعة لمضمونها، مما زاد من تعلق المتلقين من القراء والمشاهدين بها، فاستمرت تداو ليتها وتجددت وتتجدد باستمرار حتى تحولت إلى علامات ايقونية روحية تفسر وترسخ وتجدد العقيدة لأتباع أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم باعتبارهم الأمل وسفن النجاة، فاستمدت بقاءها وتدا وليتها من خلود الواقعة ومأساة أصحابها وخلود وولاء الموالين والمحبين لهم.
اللوحة اعلاه تحمل توقيع الفنان الايراني حسن روح الامين ، نفذت بأسلوب الفن الجداري بمزيج من الالوان الحارة والباردة وبتدرجات متباينة، ومن الواضح ان من اهم مميزات اعمال روح الامين هو اختلاط تقنياته الكلاسيكية المكتسبة من تأثره الواضح بأساليب الفن الاوروبي الكلاسيكي ولكن برؤية متجددة للمشهد التاريخي، مما زاد من جاذبية اعماله وجماليتها، فهو يمتلك ريشة مهذبة وإحساسا مرهفا ممزوج بحب محمد والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم ، معززاً ذلك بالذوق الرفيع الذي تنتج عنه لمسات مبدعة ، ادت الى اكسابه خبرة أصيلة وتقنية عالية في تصوير الاشكال .
سعى الفنان في هذا المنجز الابداعي الى المزج بين ذاته وموضوع الرسمة من خلال تكريس خبرته الجمالية التي اكتسبها بسعة اطلاعه على تأريخ الواقعة وثقافته الفنية المتراكمة ، حيث اظهر حالة معينة من الاندماج بين اجزاء اللوحة تشد القارئ وتدفعه للغور في اللوحة ومتابعة احداثها والتأثر بها بشكل لا أرادي .
ويلمس المتأمل في عناصر هذه اللوحة نوع من التمازج الموجه بين الواقع و الخيال، كفعل أدائي مزدوج باستجابة معرفية ووجدانية متمثل باستلهام التعبير الديني للكشف عن بناءات في مستوى معرفي وإظهار سلطة العقل التي فرضته طبيعة رؤيا لفنان التخيلية وما نتج عنها من صور وأشكال واقعية وأحاسيس ، وفي نفس الوقت نلمس وجود تدخل عقلي في صميم اللوحة متمثل بالوعي في إدارة تشكيل وتصميم أجزاءها ، كاشفاً بذلك عن عالم مستقل فيه تأمل لذات الرسام والاستغراق في التمعن في الخيال الكامن في نفسه وثقافته الممتزجة بالواقع المتمثل بهذا الحدث المأساوي التاريخي، مما أعطى للأشكال صفة تعبيرية متصلة بالرماح والسيوف والخناجر والمشاعل التي يحملها الظالمين والذي يرتبط بجوهريه الموضوع في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، اذ ان تكوين اللوحة برمته مجسد من خلال حركة الألوان والاعتماد على قدرة الانطباع في توليد اشكال جمالية منفردة، فضلا عن تكوين حركات تنسجم و حركة الظل والضوء وما تتركه من اثر في تغيير مظاهر الأشياء وحيويتها، كما عالجها في محاولته هذه بسلسلة من الإيقاعات والنقلات المفاجئة باللون كحركة وايماءات الاشخاص و تعابير وجوههم وحركة ما يحملون من اسلحة ومشاعل النار، وهذا ما زاد من تأثيرات الإيقاعات البصرية فزاوية النظر واتجاه رسم اللوحة بمنظور الفنان والإشكال وحركة الاضواء هي التي اعطت عمقا للوحة وخلقت تأثيرات مختلفة في نفس المتلقي ، فقد أعطى هذا العمق من خلال مهارته في استخدام الالوان والخطوط اللينة الرقيقة والناعمة بإتقان ودقة ، فمن خلال التبادل اللوني ووضعه لكتل اللون الأحمر وتكرارها بشكل دقيق واستخدامه للون الأخضر ازداد إشعاع اللونين أحدهما مجاور الآخر في اللوحة فضلا عن تداخل المشاهد المكونة للوحة من خلال موازنته بين الالوان الحارة والباردة مما خلق انسجاما وتداخلا بين الاشكال تجذب الناظر الى فكرة الموضوع وتتبع مجرياته التي يتحد بها الجو العام للعمل الفني بواقعيته.